أَتَوَاصَوْا بِهِ
هلال الهاجري
1434/08/11 - 2013/06/20 17:00PM
إِنَّ الحَمدَ للهِ .. نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ .. وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا .. مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه .. وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ .. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ .. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) .. أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ ..وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ ..وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها .. وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ.. وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.
عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ: أَنَّ الطُّفَيْلَ بنَ عَمْرٍوالدَّوْسِيَّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً شَاعِراً، سَيِّداً فِي قَوْمِي، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ، فَمَشَيْتُ إِلَى رِجَالاَتِ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: إِنَّكَ امْرُؤٌ شَاعِرٌ سَيِّدٌ، وَإِنَّا قَدْ خَشِيْنَا أَنْ يَلْقَاكَ هَذَا الرَّجُلُ، فَيُصِيْبَكَ بِبَعْضِ حَدِيْثِهِ، فَإِنَّمَا حَدِيْثُهُ كَالسِّحْرِ، فَاحْذَرْهُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْكَ وَعَلَى قَوْمِكَ مَا أَدْخَلَ عَلَيْنَا، فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ المَرْءِ وَأَخِيْهِ، وَبَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجَتِهِ، وَبَيْنَ المَرْءِ وَابْنِهِ.
فَوَاللهِ مَا زَالُوا يُحَدِّثُوْنِي شَأْنَهُ، وَيَنْهَوْنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْهُ، حَتَّى قُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَدْخُلُ المَسْجِدَ إِلاَّ وَأَنَا سَادٌّ أُذُنَيَّ.
قَالَ: فَعَمَدْتُ إِلَى أُذُنَيَّ، فَحَشَوْتُهَا كُرْسُفاً-أي قُطْناً-، ثُمَّ غَدَوْتُ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِماً فِي المَسْجِدِ، فَقُمْتُ قَرِيْباً مِنْهُ، وَأَبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِه.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللهِ إِنَّ هَذَا لَلْعَجْزُ، وَإِنِّي امْرُؤٌ ثَبْتٌ، مَا تَخْفَى عَلَيَّ الأُمُوْرُ حَسَنُهَا وَقَبِيْحُهَا، وَاللهِ لأَتَسَمَّعَنَّ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ رُشْداً أَخَذْتُ مِنْهُ، وَإِلاَّ اجْتَنَبْتُهُ.
فَنَزَعْتُ الكُرْسُفَةَ، فَلَمْ أَسْمَعْ قَطُّ كَلاَماً أَحْسَنَ مِنْ كَلاَمٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ.
فَقُلْتُ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! مَا سَمِعْتُ كَاليَوْمِ لَفْظاً أَحْسَنَ وَلاَ أَجْمَلَ مِنْهُ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ تَبِعْتُهُ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ بَيْتَهُ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ .. إِنَّ قَوْمَكَ جَاؤُوْنِي، فَقَالُوا لِي: كَذَا وَكَذَا، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالُوا، وَقَدْ أَبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ أَسْمَعَنِي مِنْكَ مَا تَقُوْلُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ حَقٌّ، فَاعْرِضْ عَلَيَّ دِيْنَكَ.
فَعَرَضَ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ، فَأَسْلَمْتُ.
عبادَ اللهِ ..
من تأملَ كتابَ اللهِ تعالى لاحظَ جليّاً تلك الحَمَلاتِ الإعلاميةَ الشنيعةَ في تشويهِ صورةِ الناصحينَ والمُصلحينَ .. (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ) .. فهل لقيَ بعضُهم بعضاً ليتفقوا على تلك الاتهاماتِ الباطلةِ؟ .. لا .. فبينَ بعضِهم قروناً عديدةً ..وإنما (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) .. فلما تشابهتْ قلوبُهم في الطُغيانِ وردِ الحقِ ومحاربةِ الخيرِ وأهلِه .. تشابهتْ أقوالُهم الكاذبةُ في انتقاصِ الدُعاةِ والمُصلحينَ ومحاولةِ صدِّ الناسِ عنهم.
جاءَ نوحٌ عليه السلامُ أولُ الرسلِ إلى قومِه: (فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ) .. فماذا كانَ ردُّ الأكابرِ والأشرافِ من قومِه .. (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) .. يقولونَ للناسِ تنفيراً لهم عنه إنه يريدُ أن يكونَ له الفضلُ والشرفُ ويكونُ هو السيدُ وأنتم الأتباعُ .. اتهامٌ للمُصلحينَ بأنهم يبحثونَ عن السيادةِ والمالِ والمناصبِ المرموقةِ .. ولقد كذبوا واللهِ .. بل كان قد أعلنَها لهم صريحةً في أولِ دعوتِه بقولِه: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ).
ثم جاءَ هودٌ عليه السلامُ إلى عادٍ بدعوةِ الأنبياءِ داعياً لهم إلى الخيرِ .. (قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ) ..ولكن كعادةِ الأعداءِ .. أرادوا تشويهَ صورةِ الناصحينَ بالطعنِ في قُدراتِه العقليةِ ..واتهامِه ظُلماً وعُدواناً بالكذبِ .. (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) .. ولكنَه لم يبالِ بتلك الاتهاماتِ وإنما ردَّ عليهم بخطابِ الناصحِ المشفقِ لقومِه: (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ).
(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) .. بل من حرصِه على هدايتِهم دعا اللهَ تعالى ليأتيَهم بمُعجزةٍ يرونَها بأعينِهم .. (وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) .. ومع ذلك استخدموا أسلوبَ التشكيكِ في الداعيةِ وما جاءَ به من الحقِ .. (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ؟) .. ولما كانَ الإيمانُ قد خالطتْ بشاشتُه قلوبَ أتباعِه: (قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) .. وبقيَ نُصحُ صالحٍ لقومِه حتى آخرَ مشهدٍ من القصةِ .. (فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ).
وهؤلاء قومُ إبراهيمَ عليه السلامُ يناقشونَه ويجادلونَه في اللهِ تعالى .. (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ) .. مجادلةٌ بالباطلِ لردِه عن الحقِ والدعوةِ إليه .. فيردُ عليهم مُستغرباً .. (قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ) .. فكيف تناقشونَني في اللهِ تعالى وأنا أعلمُ البشرِ به وقد هداني إلى عبادتِه وأرسلني إلى خلقِه .. وهكذا تتكررُ تلك المجادلةُ في كلِ زمانٍ .. وينتقدُ من لا علمَ له بالشريعةِ فتاوى العلماءِ ويُجادلُهم فيها .. لا لشيءِ إلا لأنها تخالفُ العاداتِ أو الهوى أو المخططاتِ الخبيثةِ .. فعجيبٌ أمرَ هذه المجادلاتِ الجاهلةِ المستمرةِ.
وهذا لوطٌ عليه السلامُ جاءَ لقومِه مُحذراً لهم من فاحشةٍ ما سبقَهم بها من أحدٍ من العالمينَ .. (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) ..يعيبونَ عليه وعلى أهلِه مخالفةَ ما اعتادَه المجتمعُ حتى ولو كان قبيحاً .. فمتى أصبحت النزاهةُ ومحاربةُ الفسادِ عاراً .. عقوبتُه الإخراجُ من الديارِ.
ومن بعدِه شعيبٌ عليه السلامُ .. جاءَ لقومِه بالتوحيدِ .. (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) .. وحذرَهم ما يقعونَ فيه من المعاملاتِ الماليةِ المحرمةِ .. (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) .. فماذا كان جوابُهم؟ .. (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) .. قتلٌ لعقيدةِ الولاءِ والبراءِ .. فلا تجعلْ الدينَ حاجزاً بيننا وبينَك .. ولا تنكر علينا الشركَ الذي ورثناه من آبائِنا .. (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ) .. فصلٌ للدينِ عن الاقتصادِ .. فنفعلُ بأموالِنا ما نشاءُ ولا دخلَ للشريعةِ في سائرِ أمورِ الحياةِ .. سبحانَ اللهِ .. هل رأيتُم عُمُرَ العلمانيةِ المديدِ؟
وأما فرعونُ فقد استخدمَ وسائلَ إعلاميةً عديدةً لتشويهِ صورةِ موسى عليه السلامُ .. منها تذكيرُ الناسِ بأخطاءِ الداعيةِ القديمةِ .. فذكَّرَه بالنفسِ التي قتلَها (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) .. فردَّ عليه موسى: (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) .. لم يكن ذلك عمداً بل كانَ عن غيرِ قصدٍ .. فمَن كان يتوقعُ أن وكزةً بالعصا قد تؤدي إلى القتلِ (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) .. ثم إنه تابَ واستغفرَ و(التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) .. (قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
ثم أصبحَ فرعونُ واعظاً لقومِه .. مُظهِراً لهم النصحَ .. يُحرِّفُ الحقائقَ ليلعبَ بمشاعرِ الناسِ ويصدُهم عن الحقِ والهدى .. (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) .. طعنٌ في الدعوةِ والمنهجِ .. (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) .. وصدقَ اللهُ تعالى: (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى).
ثم تجدُ تشويهَ صورةِ الناصحينَ عند الحكّامِ ظاهراً في قولِه تعالى: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) .. والحمدُ للهِ الذي فصّلَ في كتابِه العزيزِ طُرقَ أهلِ الباطلِ في صدِ الناسِ عن الخيرِ كما قالَ تعالى: (وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ).
أقولٌ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الحمدُ للهِ عظيمِ الإحسانِ .. واسعِ الفضلِ والجودِ والامتنانِ .. وأشهدُ أن لا إلـٰهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له .. وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه .. صلّى اللهُ وسلّمَ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعينَ .. أمّا بعد:
فهكذا يا أهلَ الإيمانِ يستمرُ مسلسلُ التشويهِ لِحَمَلةِ الدينِ من العلماءِ والدعاةِ والمُصلحينَ وذلك لتزهيدِ الناسِ فيما يحملونَه من الهدى والنورِ والإيمانِ .. (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ).
تحريفٌ لكلامِ أهلِ العلمِ حتى تتغيرَ المعاني تماماً .. طعنٌ في النياتِ وأنهم يبحثونَ عن المالِ والشهرةِ والأتباعِ .. استهزاءٌ بالفتاوى وضربِ بعضِها ببعضٍ .. وصمٌ بالرَّجْعِيِّةِ والتخلفِ ومحاربةِ التقدمِ إذا تكلموا عن المنكراتِ الظاهرةِ .. اتهامٌ بإثارةِ الطائفيةِ إذا بيَّنوا خطرَ أهلِ البدعِ .. نسبتُهم إلى تفكيكِ اللُحمةِ الوطنيةِ إذا كشفوا مُخططاتِ المنافقينَ الذين يسعونَ إلى تغريبِ المجتمعِ المسلمِ المحافظِ .. محاولةٌ لإسقاطِ هيبَتهم حتى لا يُقبلُ نُصحُهم .. وكلما كانَ أثرُ الداعيةِ أعظمَ .. كانت الحربُ ضدَه أكبرُ.
ومنها تأليبُ الناسِ على العلماءِ بأنهم لا يتكلمونَ في أمورِ الفسادِ ولا أوضاعِ المسلمينَ مع ولاةِ الأمرِ .. ومتى كانَ من يتكلمُ للهِ وينصحُ لولي الأمرِ يجبُ عليه أن يظهرَ للناسِ ويخبرُهم بما فعلَ؟
فلنحذرْ عبادَ اللهِ خُطَطَ الأعداءِ .. فشرُ البلادِ هي التي لا يُسمعُ فيها للعلماءِ.
هم أهْلُ العِلمِ .. الذين يَدْعُونَ منْ ضلََّ إلى الهُدى .. ويَصْبِرون منهُم عَلى الأذَى .. ويُحْيُونَ بِكِتَابِ اللهِ أهْلَ العَمَى .. كمْ منْ قَتِيلٍ لإبلِيس قَدْ أَحْيَوْه .. وضَالٍّ تَائهٍ قَدْ هَدوه .. بَذَلُوا دِماءَهم وأمْوالَهم دُونَ هَلَكَةِ العِبَادِ .. فَمَا أَحسنَ أَثَرِهِمْ عَلى النَّاسِ .. فَمَا نسيَهُم رَبُّك وَمَا كَان رَبُّك نَسيَّا .. جَعَلَ قِصصَهُم هُدى .. وأخْبَر عَن حُسنِ مَقَالتِهم .. فَإنَّهم في مَنْزِلةٍ عندَ اللهِ تعالى وعبادِه رَفِيعةٍ .. وحُصونُهم ضدَّ أعداءِهم منيعةٌ .. مدحَهم اللهُ تعالى بقولِه: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).
اللهم احفظ بلادَنا من شرِ الأشرارِ وكيدِ الفجارِ وما يأتي به الليلُ والنهارُ .. اللهم أتمَ علينا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ والسلامةِ والإسلامِ .. اللهم من أرادَنا أو أرادَ بلادَنا أو أراد مقدساتِنا وعلماءَنا وولاةَ أمرِنا بسوءٍ اللهم فاشغلُه في نفسِه وردَ كيدَه إلى نحرِه واجعلَ تدبيرَه تدميراً عليه يا ربَ العالمينَ[font="].[/font]
(وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) .. أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ ..وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ ..وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها .. وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ.. وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.
عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ: أَنَّ الطُّفَيْلَ بنَ عَمْرٍوالدَّوْسِيَّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً شَاعِراً، سَيِّداً فِي قَوْمِي، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ، فَمَشَيْتُ إِلَى رِجَالاَتِ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: إِنَّكَ امْرُؤٌ شَاعِرٌ سَيِّدٌ، وَإِنَّا قَدْ خَشِيْنَا أَنْ يَلْقَاكَ هَذَا الرَّجُلُ، فَيُصِيْبَكَ بِبَعْضِ حَدِيْثِهِ، فَإِنَّمَا حَدِيْثُهُ كَالسِّحْرِ، فَاحْذَرْهُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْكَ وَعَلَى قَوْمِكَ مَا أَدْخَلَ عَلَيْنَا، فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ المَرْءِ وَأَخِيْهِ، وَبَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجَتِهِ، وَبَيْنَ المَرْءِ وَابْنِهِ.
فَوَاللهِ مَا زَالُوا يُحَدِّثُوْنِي شَأْنَهُ، وَيَنْهَوْنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْهُ، حَتَّى قُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَدْخُلُ المَسْجِدَ إِلاَّ وَأَنَا سَادٌّ أُذُنَيَّ.
قَالَ: فَعَمَدْتُ إِلَى أُذُنَيَّ، فَحَشَوْتُهَا كُرْسُفاً-أي قُطْناً-، ثُمَّ غَدَوْتُ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِماً فِي المَسْجِدِ، فَقُمْتُ قَرِيْباً مِنْهُ، وَأَبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِه.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللهِ إِنَّ هَذَا لَلْعَجْزُ، وَإِنِّي امْرُؤٌ ثَبْتٌ، مَا تَخْفَى عَلَيَّ الأُمُوْرُ حَسَنُهَا وَقَبِيْحُهَا، وَاللهِ لأَتَسَمَّعَنَّ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ رُشْداً أَخَذْتُ مِنْهُ، وَإِلاَّ اجْتَنَبْتُهُ.
فَنَزَعْتُ الكُرْسُفَةَ، فَلَمْ أَسْمَعْ قَطُّ كَلاَماً أَحْسَنَ مِنْ كَلاَمٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ.
فَقُلْتُ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! مَا سَمِعْتُ كَاليَوْمِ لَفْظاً أَحْسَنَ وَلاَ أَجْمَلَ مِنْهُ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ تَبِعْتُهُ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ بَيْتَهُ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ .. إِنَّ قَوْمَكَ جَاؤُوْنِي، فَقَالُوا لِي: كَذَا وَكَذَا، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالُوا، وَقَدْ أَبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ أَسْمَعَنِي مِنْكَ مَا تَقُوْلُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ حَقٌّ، فَاعْرِضْ عَلَيَّ دِيْنَكَ.
فَعَرَضَ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ، فَأَسْلَمْتُ.
عبادَ اللهِ ..
من تأملَ كتابَ اللهِ تعالى لاحظَ جليّاً تلك الحَمَلاتِ الإعلاميةَ الشنيعةَ في تشويهِ صورةِ الناصحينَ والمُصلحينَ .. (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ) .. فهل لقيَ بعضُهم بعضاً ليتفقوا على تلك الاتهاماتِ الباطلةِ؟ .. لا .. فبينَ بعضِهم قروناً عديدةً ..وإنما (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) .. فلما تشابهتْ قلوبُهم في الطُغيانِ وردِ الحقِ ومحاربةِ الخيرِ وأهلِه .. تشابهتْ أقوالُهم الكاذبةُ في انتقاصِ الدُعاةِ والمُصلحينَ ومحاولةِ صدِّ الناسِ عنهم.
جاءَ نوحٌ عليه السلامُ أولُ الرسلِ إلى قومِه: (فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ) .. فماذا كانَ ردُّ الأكابرِ والأشرافِ من قومِه .. (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) .. يقولونَ للناسِ تنفيراً لهم عنه إنه يريدُ أن يكونَ له الفضلُ والشرفُ ويكونُ هو السيدُ وأنتم الأتباعُ .. اتهامٌ للمُصلحينَ بأنهم يبحثونَ عن السيادةِ والمالِ والمناصبِ المرموقةِ .. ولقد كذبوا واللهِ .. بل كان قد أعلنَها لهم صريحةً في أولِ دعوتِه بقولِه: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ).
ثم جاءَ هودٌ عليه السلامُ إلى عادٍ بدعوةِ الأنبياءِ داعياً لهم إلى الخيرِ .. (قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ) ..ولكن كعادةِ الأعداءِ .. أرادوا تشويهَ صورةِ الناصحينَ بالطعنِ في قُدراتِه العقليةِ ..واتهامِه ظُلماً وعُدواناً بالكذبِ .. (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) .. ولكنَه لم يبالِ بتلك الاتهاماتِ وإنما ردَّ عليهم بخطابِ الناصحِ المشفقِ لقومِه: (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ).
(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) .. بل من حرصِه على هدايتِهم دعا اللهَ تعالى ليأتيَهم بمُعجزةٍ يرونَها بأعينِهم .. (وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) .. ومع ذلك استخدموا أسلوبَ التشكيكِ في الداعيةِ وما جاءَ به من الحقِ .. (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ؟) .. ولما كانَ الإيمانُ قد خالطتْ بشاشتُه قلوبَ أتباعِه: (قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) .. وبقيَ نُصحُ صالحٍ لقومِه حتى آخرَ مشهدٍ من القصةِ .. (فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ).
وهؤلاء قومُ إبراهيمَ عليه السلامُ يناقشونَه ويجادلونَه في اللهِ تعالى .. (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ) .. مجادلةٌ بالباطلِ لردِه عن الحقِ والدعوةِ إليه .. فيردُ عليهم مُستغرباً .. (قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ) .. فكيف تناقشونَني في اللهِ تعالى وأنا أعلمُ البشرِ به وقد هداني إلى عبادتِه وأرسلني إلى خلقِه .. وهكذا تتكررُ تلك المجادلةُ في كلِ زمانٍ .. وينتقدُ من لا علمَ له بالشريعةِ فتاوى العلماءِ ويُجادلُهم فيها .. لا لشيءِ إلا لأنها تخالفُ العاداتِ أو الهوى أو المخططاتِ الخبيثةِ .. فعجيبٌ أمرَ هذه المجادلاتِ الجاهلةِ المستمرةِ.
وهذا لوطٌ عليه السلامُ جاءَ لقومِه مُحذراً لهم من فاحشةٍ ما سبقَهم بها من أحدٍ من العالمينَ .. (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) ..يعيبونَ عليه وعلى أهلِه مخالفةَ ما اعتادَه المجتمعُ حتى ولو كان قبيحاً .. فمتى أصبحت النزاهةُ ومحاربةُ الفسادِ عاراً .. عقوبتُه الإخراجُ من الديارِ.
ومن بعدِه شعيبٌ عليه السلامُ .. جاءَ لقومِه بالتوحيدِ .. (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) .. وحذرَهم ما يقعونَ فيه من المعاملاتِ الماليةِ المحرمةِ .. (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) .. فماذا كان جوابُهم؟ .. (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) .. قتلٌ لعقيدةِ الولاءِ والبراءِ .. فلا تجعلْ الدينَ حاجزاً بيننا وبينَك .. ولا تنكر علينا الشركَ الذي ورثناه من آبائِنا .. (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ) .. فصلٌ للدينِ عن الاقتصادِ .. فنفعلُ بأموالِنا ما نشاءُ ولا دخلَ للشريعةِ في سائرِ أمورِ الحياةِ .. سبحانَ اللهِ .. هل رأيتُم عُمُرَ العلمانيةِ المديدِ؟
وأما فرعونُ فقد استخدمَ وسائلَ إعلاميةً عديدةً لتشويهِ صورةِ موسى عليه السلامُ .. منها تذكيرُ الناسِ بأخطاءِ الداعيةِ القديمةِ .. فذكَّرَه بالنفسِ التي قتلَها (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) .. فردَّ عليه موسى: (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) .. لم يكن ذلك عمداً بل كانَ عن غيرِ قصدٍ .. فمَن كان يتوقعُ أن وكزةً بالعصا قد تؤدي إلى القتلِ (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) .. ثم إنه تابَ واستغفرَ و(التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) .. (قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
ثم أصبحَ فرعونُ واعظاً لقومِه .. مُظهِراً لهم النصحَ .. يُحرِّفُ الحقائقَ ليلعبَ بمشاعرِ الناسِ ويصدُهم عن الحقِ والهدى .. (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) .. طعنٌ في الدعوةِ والمنهجِ .. (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) .. وصدقَ اللهُ تعالى: (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى).
ثم تجدُ تشويهَ صورةِ الناصحينَ عند الحكّامِ ظاهراً في قولِه تعالى: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) .. والحمدُ للهِ الذي فصّلَ في كتابِه العزيزِ طُرقَ أهلِ الباطلِ في صدِ الناسِ عن الخيرِ كما قالَ تعالى: (وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ).
أقولٌ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الحمدُ للهِ عظيمِ الإحسانِ .. واسعِ الفضلِ والجودِ والامتنانِ .. وأشهدُ أن لا إلـٰهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له .. وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه .. صلّى اللهُ وسلّمَ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعينَ .. أمّا بعد:
فهكذا يا أهلَ الإيمانِ يستمرُ مسلسلُ التشويهِ لِحَمَلةِ الدينِ من العلماءِ والدعاةِ والمُصلحينَ وذلك لتزهيدِ الناسِ فيما يحملونَه من الهدى والنورِ والإيمانِ .. (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ).
تحريفٌ لكلامِ أهلِ العلمِ حتى تتغيرَ المعاني تماماً .. طعنٌ في النياتِ وأنهم يبحثونَ عن المالِ والشهرةِ والأتباعِ .. استهزاءٌ بالفتاوى وضربِ بعضِها ببعضٍ .. وصمٌ بالرَّجْعِيِّةِ والتخلفِ ومحاربةِ التقدمِ إذا تكلموا عن المنكراتِ الظاهرةِ .. اتهامٌ بإثارةِ الطائفيةِ إذا بيَّنوا خطرَ أهلِ البدعِ .. نسبتُهم إلى تفكيكِ اللُحمةِ الوطنيةِ إذا كشفوا مُخططاتِ المنافقينَ الذين يسعونَ إلى تغريبِ المجتمعِ المسلمِ المحافظِ .. محاولةٌ لإسقاطِ هيبَتهم حتى لا يُقبلُ نُصحُهم .. وكلما كانَ أثرُ الداعيةِ أعظمَ .. كانت الحربُ ضدَه أكبرُ.
ومنها تأليبُ الناسِ على العلماءِ بأنهم لا يتكلمونَ في أمورِ الفسادِ ولا أوضاعِ المسلمينَ مع ولاةِ الأمرِ .. ومتى كانَ من يتكلمُ للهِ وينصحُ لولي الأمرِ يجبُ عليه أن يظهرَ للناسِ ويخبرُهم بما فعلَ؟
فلنحذرْ عبادَ اللهِ خُطَطَ الأعداءِ .. فشرُ البلادِ هي التي لا يُسمعُ فيها للعلماءِ.
هم أهْلُ العِلمِ .. الذين يَدْعُونَ منْ ضلََّ إلى الهُدى .. ويَصْبِرون منهُم عَلى الأذَى .. ويُحْيُونَ بِكِتَابِ اللهِ أهْلَ العَمَى .. كمْ منْ قَتِيلٍ لإبلِيس قَدْ أَحْيَوْه .. وضَالٍّ تَائهٍ قَدْ هَدوه .. بَذَلُوا دِماءَهم وأمْوالَهم دُونَ هَلَكَةِ العِبَادِ .. فَمَا أَحسنَ أَثَرِهِمْ عَلى النَّاسِ .. فَمَا نسيَهُم رَبُّك وَمَا كَان رَبُّك نَسيَّا .. جَعَلَ قِصصَهُم هُدى .. وأخْبَر عَن حُسنِ مَقَالتِهم .. فَإنَّهم في مَنْزِلةٍ عندَ اللهِ تعالى وعبادِه رَفِيعةٍ .. وحُصونُهم ضدَّ أعداءِهم منيعةٌ .. مدحَهم اللهُ تعالى بقولِه: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).
اللهم احفظ بلادَنا من شرِ الأشرارِ وكيدِ الفجارِ وما يأتي به الليلُ والنهارُ .. اللهم أتمَ علينا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ والسلامةِ والإسلامِ .. اللهم من أرادَنا أو أرادَ بلادَنا أو أراد مقدساتِنا وعلماءَنا وولاةَ أمرِنا بسوءٍ اللهم فاشغلُه في نفسِه وردَ كيدَه إلى نحرِه واجعلَ تدبيرَه تدميراً عليه يا ربَ العالمينَ[font="].[/font]
المرفقات
أَتَوَاصَوْا بِهِ.zip
أَتَوَاصَوْا بِهِ.zip
المشاهدات 3534 | التعليقات 3
بارك الله فيك
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله كل خير
ابو عبدالله التميمي
جزاك الله خير.
تعديل التعليق