أتدري من هو خيرُ الناس ومن هو شرّهم؟ 13/ 5/ 1446
أحمد بن ناصر الطيار
الحمد لله الذي لا يستغني أحدٌ عن فضلِه، وكلّ من السموات والأرض يسبّح بحمده.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرُه نافذٌ لا يردّ، وإحسانه عامّ لا يُعدّ.
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، وخليلُه من عباده, وأمِيْنُه على وحْيِه، صلى الله وسلم عليه وعلى آلِه وأصحابه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ الناس أربعةُ أقسام:
القسم الأول: عملوا أعمالا صالحة في حياتهم، وتركوا آثارًا صالحة بعد مماتهم.
وهؤلاء هم أفضل الناس، فقد دأبوا في حياتهم على الأعمال الصالحة، من تعلّم العلم النافع، والعمل به، ونشره، والصلاةِ والزكاةِ والحج والصدقة، وغيرها من الأعمال الصالحة.
وتركوا خلفهم أعمالا صالحة باقية، كعلومٍ نافعةٍ نشروها، وصدقاتٍ أوقفوها، وأولادٍ صالحين ربَّوهم على الدين والصلاح.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: مِنْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ، أَوْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ مِنْ بَعْدِهِ".
"فيا لها من مرتبةٍ ما أعلاها، ومنقبةٍ ما أجلّها وأسناها، أن يكون الإنسانُ في حياته مشغولًا ببعض أشغاله، أو في قبره قد صار أشلاءً متمزَّقة وأوصالًا متفرِّقة، وصحفُ حسناته متزايدةٌ تملى فيها الحسنات كلَّ وقت، وأعمالُ الخير مهداةٌ إليه من حيث لا يحتسب.
تلك -واللَّه- المكارم والغنائم, وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وحقيقٌ بهذه الفضيلةِ العظيمةِ أن تُنفَق نفَائس الأنفاس عليها، ويَسْتَبِق السابقون إليها". طريق الهجرتين "بتصرّف" (2/ 770)
القسم الثاني: عملوا أعمالا صالحة في حياتهم، ولم يتركوا آثارا صالحة بعد مماتهم.
القسم الثالث: عملوا أعمالا سيّئة في حياتهم، ولم تركوا آثارا سيّئة بعد مماتهم.
القسم الرابع: عملوا أعمالا سيّئة في حياتهم، وتركوا آثارا سيّئة بعد مماتهم.
وهؤلاء هم أخسر الناس، فقد دأبوا في حياتهم على الأعمال السيّئة، وتركوا خلفهم أعمالا سيّئة باقية، كالصور المحرّمة والغناء والغيبة والسبّ الذي نشروه في مواقع التواصل.
فهم في ازدياد من العذاب، ما لم يغْلَق هذا الباب، وقد لا يغلق إلا بعد عشرات السنين.
قال الله تعالى عن هؤلاء: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}.
وقد ذكر تعالى هذين الصِّنْفين فقال: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ}.
فما قدموا: هو ما باشروه من الأعمال الحسنة أو السيئة, وآثارُهم: ما ترتب على أعمالهم، مما عمله غيرهم، أو انتفع به غيرهم.
وقال تعالى: {يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ}, أي بما قدّم من عمل خير أو شرّ, وما أخَّر بعد مماته من سيئةٍ وحسنة يُعْمَل بها مِن بعده.
وقال نبيّنا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».
نسأل الله تعالى أن يفتح لنا خزائن رحمته, ويُعطينا من واسع فضله, إنه على كل شيء قدير.
***************
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: أخي المسلم: إنّ من أعظم نعم الله عليك أن أطال في عمرك، ولم يُمتك في زَمَنِ العفلة وقلّة العمل الصالح، فاحرص أشدّ الحرص على الثبات على دينك، ونشر الخير ونفع الناس.
احرص ألا ينقطع عملك بعد موتك, فدار الدنيا جعلها الله دار عمل، تتزود منها من الخير أو الشر للدار الأخرى، وهي دار الجزاء, وستندم إذا فرطت عند انتقالك من هذه الدار، ولم تتزود منها لآخرتك ما يسعدك، وحينئذ لا يمكنك الاستدراك, ولن تتمكن أن تزيد في حسناتك مثقال ذرة، ولن تمحو من سيئاتك كذلك.
والأعمالُ الصالحةُ التي لا تنْقطع بعد موتك ثلاثة:
الأول: الصدقة الجارية: أي: المستمر نفعُها, وذلك كالوقف للعقارات التي ينتفع بمغلِّها، أو الأواني التي يُنتفع باستعمالها، أو الكتب والمصاحف التي ينتفع باستعمالها والانتفاع بها، أو المساجد والمدارس والبيوت وغيرها التي ينتفع بها.
الثاني: العلم الذي يُنتفع به من بعدك: كالعلم الذي علمته طلابك، والعلم الذي نشرته بين الناس.
فكم من علماء هُداةٍ ماتوا من مئات من السنين، وكتبهم مستعملة، وتلاميذهم قد تسلسل خيرهم, وذلك فضل الله.
الثالث: الولد الصالح الذي يدعو لك.
اللهم إنا نسألك ألا تنقطعَ حسناتنا بعد موتنا، إنك ربنا رؤوفٌ رحيم.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1731588307_أتدري من هو خيرُ الناس ومن هو شرّهم.pdf