أَبُوبَكْرٍ وَغُلَامُه المُتَكَهِنُ ( مناسب لتعميم الوزارة 1442/4/26هـ )

يوسف العوض
1442/04/24 - 2020/12/09 20:51PM
الخطبة الأولى :
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : جاءَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنَّها قَالَتْ : (كان لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرج لَه الخَراج ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَراجِه ، فَجَاء يومًا بِشَيْء ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ لَهُ الْغُلَام : تَدْرِي مَا هَذَا ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَمَا هُوَ؟ قَال : كُنْت تكهَّنت لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَمَا أُحْسِنُ الكَهَانَة ، إلَّا أنِّي خدعتُه فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِك ، فَهَذَا الَّذِي أكلتَ مِنْه . فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَه ، فَقَاء كلَّ شَيْءٍ فِي بَطنِه) رواه البخارى ، إنَّهَا نَزَاهَةُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ عَنْ الْحَرَامِ وتَعففُها عَن الرَّيَبِ وتَورعُها عَنِ الشُّبَهِ فهذا فَأَبُوبَكْرٍ الصِّدِّيقُ صَحَابِيٌّ تَرَبَّى فِي مَدْرَسَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَبَّى عَلَى الْعِفَّةِ وَالْوَرَعِ وَالتُّقَى وَالْهُدَى فَنَال السَّبقَ فِي الدَّارَيْنِ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أنْ يَكُونَ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : جاء عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّه قَالَ : ( سألتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ : يَا حَكِيمُ ، أَنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، فَمَنْ أَخَذَهُ بسَخاوةِ نَفْسٍ ، بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ ، لَم يـبارك لَهُ فِيهِ ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السفلى ) رواه البخاري ومسلم ،  فهذا الحديثُ يَحثُّ على النَّـزَاهَةِ والقَناعةِ ، والرِّضا بما تيسَّرَ وإن كان قليلًا ، والإجمالِ في الكَسْبِ وأنْ لا يَغترُّ الإنسانُ بكَثرةِ ما يَحْصُلُ له بإشْرافٍ ونحوِه فإنَّه لا يُباركُ له فيه .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ :وجاءَ عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قالَ : ( إنّ رجالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُم النّارُ يَوْمَ القيامةِ) رواه البخاري فالنَّارُ ستأخُذُ حَظَّهَا مِن كلِّ مَن تَسَوَّلُ له  نَفسُه أَنْ يَخُوضَ فِي مَالٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَمَن ذلك الْأَمْوَالُ الْعَامَّةُ ويُقصد بِها جَمِيعُ مَا يَخُصُّ الدَّوْلَةُ مِنْ أَمْوَالِ مَنْقُولَةٍ وعقاراتٍ خُصصت لِلْمَنْفَعَةِ الْعَامَّةِ وَهِيَ تَشْمَلُ بِذَلِك النُّقُودَ ، وَالْأَرَاضِي ، والمَصانعَ ، والمعدَّاتِ وَالْأَدَوَاتِ ، والمُقتنياتِ وَالْمَوَارِدِ الطبيعيّةِ ، وَالْمَعَالِمِ الأثريّةِ ، وَمَا إلَى ذَلِكَ ، ويُعتبر الْمَالُ الْعَامُّ رَكِيزَةً أساسيةً مِن رَكَائِزِ نَهْضَةِ ونموِ أَي شِعْبٍ مِنْ الشُّعُوب ؛ فَهَذِهِ الْأَمْوَالُ مِلْكٌ لِكُلِّ الْمُوَاطِنِين الَّذِين يَعِيشُون عَلَى أَرْضٍ الوَطَنِ دُون اسْتِثْنَاءٍ ، وتُعتبر صِيَانَةُ الْمَالِ الْعَامِّ أَمَانَةٌ فِي عُنُقِ كُلِّ مَوَاطِنٍ يتحتّمُ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا فِي ظِلِّ مَا نَرَاهُ مِنْ تَفْرِيطٍ فِيه ، حَيْث تَتَعَدَّد صُوَرُ هَذَا التَّفْرِيطِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ ، فالاختلاساتُ الَّتِي تَحْدُثُ فِي بَعْضِ الْمُؤَسَّسَاتِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَسَرِقَةُ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ وَالْعَبَثُ بِالْمَرَافِقِ الَّتِي خصصتَها الدَّوْلَةُ لِخِدْمَةِ الشَّعْبِ ، وَالْإِسْرَافُ فِي الْمَوَارِدِ الطَّبِيعِيَّة كَالْمَاءِ وَالكَهْرَبَاءِ الَّتِي تكلِّفُ الدَّوْلَةَ مَا لَا تَحْتَمِلُهُ مِنْ نَفَقَاتٍ هِيَ مِنْ أشْكَالِ التَّفْرِيطِ فِي الْمَالِ الْعَامِّ وَهِيَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي حرَّمها اللَّهُ تَعَالَى حِينَ قَالَ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ )  .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : ويَكمُنُ حَلُّ هَذِه الْمُشْكِلَةِ فِي زِيَادَةِ الْوَعْي لَدَى الْمُوَاطِنِين مُنْذُ نُعُومَةِ أظافرِهم ، عَنْ طَرِيقِ بَثِّ الْقَيِّمِ الْحَمِيدَةِ بَيْنَهُم ، وَتَنْبِيهِهِم إلَى خُطُورِةِ الْإِقْدَامِ عَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الممتلكاتِ الْعَامَّةِ وكَمَا وَيَجِبُ أيضاً عَلَى الدَّوْلَةِ تَشْدِيدُ الْعُقُوبَاتِ عَلَى كُلِّ مِنْ تسوّل لَهُ نَفْسُهُ بِالْإِضْرَار بِالْمَالِ الْعَامِّ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ كَانَت ، بِالْإِضَافَةِ إلَى تَوْلِيَةِ خِيَارِ النَّاسِ الْمَنَاصِبَ الإداريّةَ فِي الدَّوْلَةِ لِضَمَانِ مُحَافَظَتِهِمْ عَلَى أَمْوَالِهَا والتصرُّفِ فِيهَا بِإِخْلَاصٍ ومسؤوليةٍ .
الخطبة الثانية:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : عَنْ أَبِي الحَوراءِ السَّعديِّ قَال : قُلتُ للحسنِ بنِ عليٍّ : مَا حفظتَ مِن رسولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَال : حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  (دَعْ مَا يُرِيبك إلَى مَا لَا يُرِيبك . . ) ، إنّ حِفْظَ الْمَالِ الْعَامِّ مِنْ الْعَبَثِ ، وعَملياتِ التَّخْرِيبِ مَسْؤُولِيَّةٌ وَطَنِيَّةٌ ، وَأَوْلَوِيَّةٌ دِينِيَّةٌ وَقِيمَةٌ أَخْلاقِيَّةٌ تُظهر مَدَى رُقِي الشَّعْبِ وَتَقَدُّمِه ، فَكُلَّمَا كَانَ الشَّعْبُ أَكْثَرَ تحضُّراً حَافَظَ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ بِاعْتِبَارِه مالاً خاصاً لِكُلِّ فَرْدٍ فِيه ، لِهَذَا يبنغي الِاهْتِمَامُ بالثَرَواتِ الوَطَنِيَّةِ وَالْمَالِ الْعَامِّ حَتَّى يُصِيبَ الْخَيْرُ جَمِيعَ الْمُوَاطِنِين الَّذِين سَاهموا فِي بِنَاءِ وَطَنِهِم بعرقِهم ، وَعَرَقِ آبَائِهِم ، وَأَبْنَائِهِم مِنْ بَعْدِهِمْ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشبَّهاتٌ ، لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَات اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ ، كُرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى ، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، إلَّا أَنْ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُه ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً ، إذَا صَلَحَتْ ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، إلَّا وَهِيَ القلب) رواه البخاري ومسلم .
المشاهدات 1136 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا