أَبْوَابُ شُرُورٍ جَدِيدَةٍ فُتِحْتَ عَلَيْنَا 18 رَبيعٍ الأَوَّل 1441هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1441/03/16 - 2019/11/13 09:49AM

 أَبْوَابُ شُرُورٍ جَدِيدَةٍ فُتِحْتَ عَلَيْنَا 18 رَبيعٍ الأَوَّل 1441هـ

الْحَمْدُ للهِ الوَاحِدِ الأَحَد، الْقَوِيِّ الصَّمَد، الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد،لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، الْمُتَفَرِّدُ بِالْمَلَكُوتِ وَالْمُلْك، فَهُوَ أَغْنَى الأغْنِيَاءِ عَنِ الشِّرْك، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرا.

أَمَّا بَعْدُ: فعن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيّ.

فَهَذَا الْحَدِيثُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَنْفَعِ الْأَحَادِيثِ وَأَوْضَحِهَا فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الْبِدْعَةِ, وَإِنَّهُ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ تَرَكُوا تَعَلُّمَ الْعِلْمَ وَتَدَارُسَهُ وَأَقْبَلُوا عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْحَدِيثَةِ وَانْشَغَلُوا بِهَا, وَلِذَلِكَ مَا أَسْهَلَ مَا تَنْتَشِرُ فِيهُمُ الْبِدْعَةُ, وَإِنَّ مِنْ أَوْسَعِ الْأَبْوَابِ التِي وَلَجَتْ مِنْهَا الْبِدْعَةُ مَسَائِلَ الْمَوْتِ وَالْقُبُورِ وَالْعَزَاءِ, وَفِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ سَوْفَ نُنَبِّهُ بِإِذْنِ اللهِ عَلَى عِدَّةِ مَسَائِلَ وَقَعَ فِيهَا الْخَلَلُ أَوْ حَصَلَتْ فِيهَا بِدَعٌ وَمُحْدَثَاتٌ.

فَمِنْ ذَلِكَ: ظَاهِرَةُ تَقْبِيلِ الْمَيِّتِ وَتَرْتِيبِ ذَلِكَ وَالتَّقَاطُرُ عَلَيْهِ حَتَّى مِنَ النِّسَاءِ, وَرُبَّمَا حَمَلُوهُ لِلْمَنْزِلِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ, وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ, ثُمَّ تَأْخِيرُ الدَّفْنِ وَرُبَّمَا حَصَلَ نِيَاحَةٌ وَخَاصَّةً مِنَ       النِّسَاءِ. وَأَمَّا مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَبَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ, فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ فَرْدِيَّةٌ وَغَيْرُ مُرَتَّبَةٍ, وَإِنَّمَا كَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ لِيَتَأَكَّدَ هَلْ مَاتَ أَمْ لا, وَلِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَنَّهُم فَعَلُوا ذَلِكَ, وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ كَثِيرٌ مِنْ أَقَارِبِهِ وَمِنْهُمْ بَنَاتُهُ الثَّلَاثُ وَعَمَّهُ حَمْزَةُ وَزَوْجَتُهُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَلَمْ يَثْبَتْ عَنْهُ أَنَّهُ قَبَّلَ أَحَدًا, فَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ وَلا نَسْتَدِلَّ بِالْأَدِلَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعَهَا, قَالَ شَيْخُنَا الْعُثَيْمِينُ رَحِمَهُ اللهُ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا مَا يَصْنَعُهُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي وَدَاعِ الْمَيِّتِ, يَجْعَلُونُهُ فِي مَكَانٍ ثُمَّ يَمُرُّ مِنْ عِنْدِهِ أَقَارِبُهُ وَأَصْحَابُهُ فَإِنَّ هَذَا بِدْعَةٌ, لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا عَهْدِ أَصْحَابِهِ, وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ جَرَى - فِي هَذِه الْمُنَاسَبَةِ - أَكْثَرُ مِمَّا حَصَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, بَلْ كَانَ الْمَيِّتُ إِذَا مَاتَ أَسْرَعُوا فِي تَجْهِيزِهِ, مِنَ التَّغْسِيلِ وَالتَّكْفِينِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ, لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ, فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ, وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ) ...أ.هـ .

وَمِنَ الْمُحْدَثَاتِ: َتصْوِيرُ الْمَيِّتِ وَهُوَ عَلَى سَرِيرِ غَسْلِهِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ, وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ خَطِيرَةٌ جِدًّا, فَمَنِ الْعُلَمَاءِ مَنْ مَنَعَ التَّصْوِيرَ مُطْلَقًا لِذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ, وَمِنْهُمْ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ, ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ بِالآلاتِ الْحَدِيثَةِ فَإِنَّ هُنَاكَ مَفَاسِدَ فِي تَصْوِيرِ الْمَيِّتِ, إِمَّا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا لِلْغُلُوِّ ثُمَّ الشِّرْكِ, كَمَا حَصَلَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ, حَيْثُ كَانَ أَوَّلُ الشِّرْكِ تَصْوِيرَ الصَّالِحِينَ, أَوْ أَنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ لا يَرْضُونَ بِذَلِكَ, وَرُبَّمَا أَدَّى لِخُصُومَةٍ, أَوْ أَنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ يُجَدِّدُ الْأَحْزَانَ عَلَى الْمَيِّتِ, وَرُبَّمَا أَدَّى إِلَى النِّيَاحَةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِك مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ.

وَمِنَ الْمُحْدَثَاتِ الثَّنَاءُ عَلَى الْفَاسِقِ الْمَيِّتِ عِنْدَ أَهْلِهِ, وَقَدْ يَكُونُ صَاحِبَ مُخَدِّرَاتٍ أَوْ لا يُصَلِّي, وَهَذِهِ مُصِيبَةٌ, لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْكَذِبَ وَتَهْوِينَ الْمَعَاصِي التِي كَانَ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْمَيِّتُ, وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَكَانَ تَارِكًا لِلصَّلَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ ثُمَّ يَأْتِي بَعْضُ الْكَذَّابِينَ وَيَقُولَ: رَأَيْتُ لَهُ مَنَامًا فِيهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ, وَهَذَا أَمْرٌ خَطِيرٌ.

لَكِنْ مِثْلُ هَؤُلاءِ لا بَأْسَ بِتَعْزِيَةِ أَهْلِهِ فِيهِمْ بِقَوْلِ: اللهُ يَجْبُرُ مُصَابَكُمْ أَوْ أَحْسَنَ اللهُ عَزَاءَكُمْ, وَإِنْ كَانَ لَيْسَ تَارِكًا لِلصَّلَاةِ وَإِنَّمَا كَانَ عَاصِيًا لا كَافِرًا فَيُدْعَى بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ, وَلَكِنْ لا يُثْنَى عَلَيْهِ.

وَمِنَ الْمُخَالَفَاتِ: تَوْزِيعُ الْمَاءِ عِنْدَ دَفْنِ الْمَيِّتِ, وَهَذَا يَجُرُّ إِلَى مَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ ثُمَّ إِنَّ الْوَقْتَ قَصِيرٌ, وَمَنْ عَطِشَ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لِلشُّرْبِ, أَوْ يُحْضِرُ مَعَهُ قَارُورَةَ مَاءٍ لِنَفْسِهِ, وَأَمَّا فَتْحُ الْبَابِ فَخَطِيرٌ, وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ كَالشَّيْخِ صَالِحِ الْفُوزَان وَالشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَرَّاكِ حَفِظَهُمَا اللهُ, وَقَالا: إِنَّ ذَلِكَ يَجُرُّ لِفَتْحِ بَابِ الْبِدْعَةِ وَجَعْلِ الْمَقَابِرِ مَكَانًا لِلصَّدَقَاتِ.

وَمِنَ الْمُحْدَثَاتِ فِي الْعَزَاءِ: تَحْدِيدُهُ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَجَعْلُهُ يَبْدَأُ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ, وَهَذَا خَطَأٌ, فَتَحْدِيدُهُ بِمُدَّةٍ لا أَصْلَ لَهُ, ثُمَّ جَعْلُهُ لا يَبْدَأُ إِلَّا بَعْدَ دَفْنِ الْمَيِّتِ كَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ, بَلِ الْعَزَاءُ يَبْدَأُ مُنْذُ مَوْتِ الْمَيَّتِ, لِأَنَّ هَذَا هُوَ وَقْتُ الْمُصِيبَةِ, وَاحْتَيَاجُ أَهْلِهِ لِلتَّعْزِيَةِ وَالتَّقْوِيَةِ وَتَذْكِيرِهِمْ بِالصَّبْرِ. وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ أَكْثُرُ النَّاسِ الْيَوْمَ فَهُوَ طُقُوسٌ وَمَرِاسِيمُ لا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّريعَةِ, وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَمِنَ الْمُخَالَفَاتِ فِي الْعَزَاءِ: أَنَّ النَّاسَ يُعَزُّونَ فِي كُلِّ مَيَّتٍ وَيُعَزُّونَ كُلَّ أَقَارِبَهُ وَبِنَفْسِ الْمُدَّةِ وَبِنَفْسِ الشَّكْلِ, فَصَارَ الْعَزَاءُ طُقُوسًا وَعَادَاتٍ وَتَقَالِيدَ فَقَطْ, وَلَوْ تَأَمَّلْنَا لَوَجَدْنَا فَرْقًا وَاضِحًا بَيْنَ الْمَصَائِبِ فِي الْأَمْوَاتِ, فَقُولُوا لِي بِرَبِّكُمْ: هَلْ تَسْتَوِي مُصِيبَةُ مَنْ مَاتَ عِنْدَهُمْ رَجُلٌ كَبِيرُ السِّنِّ, صَارَ لَهُ سِنِينُ وَهُوَ مُقْعَدٌ فَاقِدٌ لِوَعْيِهِ وَلا يَدْرِي مَنْ حَوْلَهُ ثُمَّ جَلَسَ فِي الْمُسْتَشْفَى مُدَّةً طَوِيلَةً, ثُمَّ تُوُفِّيَ , فَهَلْ تَسْتَوِي مُصِيبَتُهُ مَعَ الْمُصِيبَةِ بِشَابٍّ صَغِيرٍ تَخَرَّجَ لِتَوِّهِ مِنَ الْجَامِعَةِ وَأَهْلُهُ قَدْ أَعَدُّوا الْعُدَّةِ لِتَزْوِيجِهِ وَقَدْ هَيَّئُوا شَقَّتَهُ وَخَطُبُوا لَهُ زَوْجَتَهُ ثُمَّ سَافَرَ لِيَسْتَكْمِلَ شِرَاءَ حَاجِيَّاتِ زَوَاجِهِ, فَوَقَعَ لَهُ حَادِثٌ وَمَاتَ فِي الْحَالِ, فَهَلْ يَسْتَوِيَانِ ؟ أَلا فَلَنْعَقْلِ أَيُّهَا الْفُضَلاءُ وَلا نَجْعَلْ دِينَنَا طُقُوسًا وَمَرَاسِيمَ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّصَارَى وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ. وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَمِنَ الْأَبْوَابِ التِي بَدَأَتْ تَخْرُجُ عَلَيْنَا: تَجَمُّعُ النِّسَاءِ لِلصَّلَاةِ وَتَقَصُّدُهُنَّ لِذَلِكَ, وَالْأَصْلُ فِي الْمَرْأَةِ الْقَرَارُ فِي الْبَيْتِ وَصَلاتُهَا فِي بَيْتِهَا خَيْرٌ لَهَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَأَمَّا هَذَا التَّقَصُّدُ فَإِنَّهُ مُنْذِرٌ بِشَرٍّ,,, مَعَ أَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ عَلَى الْجَنَازَةِ جَائِزٌ, إِذَا كَانَتْ فِي مَسْجِدٍ ثُمِّ جِيءَ بِجَنَازَةٍ, وَلَكِنَّ الذِي يُحَذَّرُ مِنْهُ هُوَ هَذَا التَّقَصُّدُ وَالتَّجَمُّعُ مِنَ النِّسَاءِ وَالتَّنَادِي لِلصَّلَاةِ عَلَى فُلانٍ أَوْ فُلَانَةَ, فَهَذَا مَحَلُّ التَّحْذِيرِ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى.

أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ الْخَطِيرَةِ وَالتِي وَرَاءَهَا مَا وَرَاءَهَا مِنَ الْبِدَعِ وَتَجُرُّ لِلشِّرْكِ وَالْغُلُوِّ فِي الْقُبُورِ: مَا صَارَ يَحْدُثُ عِنْدَنَا الْمَقَابِرِ مِمَّا لَمْ نَعْهَدُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَلا بَعِيدٍ.

فَمِنْ ذَلِكَ تَعْلِيمُ الْقُبُورِ بِالصِّبْغِ وَتَلْوِينُهَا بِقَصْدِ مَعْرِفَةِ قَبْرِ الْقَرِيبِ, وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَصْدًا لا يُنْكَرُ فِي أَصْلِهِ, وَلِكِنَّ الْمُغَالاةَ فِيهِ وَتَتَابُعَ النَّاسِ عَلَيْهِ أَمْرٌ مُنْذِرٌ بِالْخَطَرِ, حَتَّى إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُعَلِّمُ قَبْرَ قَرِيبِهِ بِوَسْمِ الْإِبْلِ الْمَعْرُوفِ, وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الْعِصِيَّ, وَبَعْضُهُمْ يَرْبِطُ اللَّبِنَةَ التِي عَلَى رَأْسِ الْقَبْرِ بِرِبَاطِ الْخَيْمَةِ (الْأَطْنَابِ), بَلْ صَارَ بَعْضُهُمْ يَضَعُ أَرْقَامًا عَلَى الْجُدْرَانِ الْقَرِيبِةِ مِنْ قَبْرِ مَيِّتِهِ, وَآخَرُونَ جَعَلُوا حُرُوفًا وَرُمُوزًا عَلَى الْقَبْرِ, بَلْ مِنَ النَّاسِ مَنْ صَارَ يَكْتُبُ اسْمَ الْمَيِّتِ عَلَى قَبْرِهِ, وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا فَتْحُ بَابِ شَرٍّ عَظِيمٍ, وَإِذَا لَمْ يَنْتَهِ النَّاسُ مِنْهُ فَلَنْ يَقِفَ حَتَّى يَنْدَلِعَ الشِّرْكُ فِي بِلادِنَا وَتَدْخُلُ عَلَيْنَا الْبِدَعُ مِنْ أَوْسَعِ أَبْوَابِهَا, وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اعْلَمُوا أَنَّ دِينَنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ هُمَا: الإِخْلَاصُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمُتَابَعَةُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَمَنْ خَالَفَ الْإِخْلَاصَ وَقَعَ فِي الشِّرْكِ, وَمَنْ خَالَفَ الْمُتَابَعَةَ وَقَعَ فِي الْبِدْعَةِ, وَالشِّرْكُ وَالْبِدْعَةُ هَادِمَانِ لِدِينَ الْمُسْلِمِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}

فَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ وَوَجَلٍ, وَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا لِوُقُوعِ النَّاسِ فِي الشِّرْكِ أَوِ الْبِدْعَةِ بِسَبَبِ تَصَرُّفٍ مِنْكَ وَأَنْتَ تَقْصِدُ الْخَيْرَ, وَلَكِنْ لَيْسَ كُلَّ مَنْ أَرَادَ الْخَيْرَ أَصَابَهُ, فَكُنْ دَالًّا عَلَى الْخَيْرِ وُمُحَذِّرًا مِنَ الشَّرِّ وَلَا تَكِنْ دَالًّا عَلَى الشَّرِّ فَتَحْمِلَ إِثْمَكَ وَإِثْمَ مَنْ صِرْتَ سَبَبًا فِي وُقُوعِهِ فِي الشَّرِّ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) رَوَاهُ مُسْلِم

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ القَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي فِيهَا مَعَادُنَا! اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ, وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا! اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ ! اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلِ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

المرفقات

شُرُورٍ-جَدِيدَةٍ-فُتِحْتَ-عَلَيْنَ

شُرُورٍ-جَدِيدَةٍ-فُتِحْتَ-عَلَيْنَ

المشاهدات 2777 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا