أَبْــشِـــرُوا أَيُّــــهَــا المُصَــلُّـــونَ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1443/02/23 - 2021/09/30 15:52PM

الحمدُ للهِ كما خلقْتَنا ورزقْتَنا وهديتَنا. لكَ الحمدُ بالإسلامِ والقرآنِ والإيمانِ. بسطْتَ رزقَنا، وأظهرْتَ أمنَنا، وجمعْتَ فُرقتَنا، ومِنْ كلٍ -واللهِ- ما سألناكَ ربَنا أعطيتَنا. أشهدُ ألا إلهَ إلا أنتَ، وأشهدُ أن محمداً عبدُك ورسولُك. فصلى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ، أما بعدُ: فاتقوا اللهَ-رحمكمُ اللهُ- واستعدُوا للرحيلِ فقد جدَّ بكم، فالأجلُ فاجعٌ، والأملُ خادعٌ.

أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رجلاً يَمْشِي بِسَيَّارَتِه وحيدًا فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ وهدأتِهِ ، وَإِذ بِه يَطْرُدُه قُطَّاعُ طَرِيقٍ، فَهرَبَ مِنْهُم مسرِعًا ، وَبَيْنَمَا هُوَ خَائِفٌ هَارِبٌ إذْ بِهِ يَتَعَطَّلُ نُورُ سَيَّارَتِه ، فَلَا يَكَادُ يُمَيِّزُ جَنَبَاتِ طَرِيقهِ ! فَمَا ظَنُّكُمْ بِهِ هَلْ سينجُو أَم سَيَهْلِكُ فِي هَذَا الظَّلَامِ والمطارَدةِ؟!

إنَّ هَذَا الْمِثَالَ يَنْطَبِقُ عَلَى أُنَاسٍ بَيْنَنَا هم في ظُلماتٍ مطارَدونَ، أَنَّهُمْ قَوْمٌ ضَاعُوا . فـﵟ‌أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّاﵞ.

مضيِعُو الصَّلَوَاتِ فِي ظُلُمَاتٍ، والمحافظونَ عَلَيْهَا فِي أَنْوَارٍ تُحِيطُ بِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ!

ألمْ يَقُلِ النَّبِيُّ r: بَشّـِر الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ([1]).

وَالْمَشَّاؤُونَ هُمْ كَثِيرُوُ الْمَشْيِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، يُبَشَّرونَ بِالنُّورِ التَّامِّ الَّذِي يُحِيطُ بِهِمْ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ وعَلَى الصِّرَاطِ، فلَمَّا قَاسَوْا مَشَقَّةَ الْمَشْيِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ جُوْزُوا بِنُورٍ يُضِيءُ لَهُمْ وَيُحِيطُهُمْ([2]).

فَالصلاةُ نُورٌ فِي قُلُوبِهِمْ وقُبُورِهِمْ، وَقِيَامَتِهِم. ﵟيَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ ‌نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّٰتٞﵞ

وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ والمتهاونونَ بِالصَّلَاةِ الْمُتَعَمِّدُونَ تَرَكَهَا؛ فَإِنَّهُم يُساقونَ إلَى الصِّرَاطِ الْمَنْصُوبِ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَأمَامَهُم بَصِيصُ نُورٍ مِنْ بَعِيدٍ، فَإِذَا تَوَسَّطُوا مِنْ الصِّرَاطِ وَالنَّارُ تَحْتِهِم تَزْفِرُ. وفجأةً! ﵟذَهَبَ ٱللَّهُ ‌بِنُورِهِمۡ وَتَرَكَهُمۡ فِي ظُلُمَٰتٖ لَّا يُبۡصِرُونَﵞ فيَستغيثون بِأَهْلِيهِم الْمُؤْمِنِين، وَبِمَن يَعْرِفُون، ويصرُخونَ قَائِلِينَ: ﵟٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن ‌نُّورِكُمۡ ﵞ فيُخادَعونَ جزاءً وفاقًا كما كانوا همْ يخادِعونَ، ويُقال لهم: تريدونَ النورَ؟! ﵟٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖﵞ فيَرجعونَ بظلامهمْ وبظُلمهمْ، وينفصلونَ عن المؤمنينَ ﵟ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُﵞ

فَإِذَا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْمُنَافِقِينَ وَتَارِكِي الصَّلَاةِ مَحْجُوبِينَ، ويسمعونهمْ فِي النَّارِ يَتَسَاقَطُونَ، فينتهزونَ الْفُرْصَةَ فَيَدْعُونَ رَبَّهمْ: ﵟ‌يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا ﵞ 

فيا تُرى: ﵟهَلۡ تَسۡتَوِي ٱلظُّلُمَٰتُ ‌وَٱلنُّورُۗ ﵞ 

فَليُبشِرْ «مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي جَمَاعَةٍ، أَنَّهُ يَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ اللَّامِعِ، وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» "([3])

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَيَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُقَالُ: انْجُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ.. فَإِذَا خَلَصُوا قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْكِ بَعْدَ الَّذِي أَرَانَاكِ لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا "([4]).

أرأيتمْ كيفَ أن الصلاةَ نورٌ في الحياةِ وبعد المماتِ: ﵟوَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ ‌نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن ‌نُّورٍﵞ 

أيُها المحافظونَ على الصلاةِ: احمدوا ربَكم كثيرًا أن كنتمْ من أهلِ الصلاةِ، وردِّدوا كما ردَّدَ نبيكمْ: اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا([5])
الحمدُ للهِ الذي هدَانا للإسلامِ والسنةِ والصلاةِ والصلاحِ، والصلاةُ والسلامُ على داعينا إلى الفلاحِ، أما بعدُ: فكما أن المرءَ مأمورٌ أن يحافظَ على صلاتِهِ؛ فهو مأمورٌ بشيءٍ آخرَ، ألا وهوَ أن يُتقنَ أداءَها، ويُناصِحَ برفقٍ من يتهاوَنُ بها أو بصفةِ أدائِها.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : لَوْ أَنَّ رجلاً أَحْسَنَ الصَّلَاةَ فَأَتَمَّهَا وَأَحْكَمَهَا ثُمَّ نَظَرَ إلَى مَنْ أَسَاءَ فِي صَلَاتِه وَضَيَّعَهَا فَسَكَتَ عَنْهُ وَلَمْ يُعْلِمْهُ فِي إسَاءَتِهِ فِي صَلَاتِه وَلَمْ يَنْصَحْهُ شَارَكَه فِي وِزْرِهَا وعارِها فَالْمُحْسِن فِي صَلَاِتِه شَرِيكُ الْمُسِيءِ فِي إسَاءَتِه إذَا لَمْ يَنْهَهُ وَلَم يَنْصَحْه([6]).

أيها المصلونَ: وهذِهِ ملحوظاتٌ تَهُم الْمُصَلِّينَ أئمةً ومأمومينَ:

·      فأمَّا الْإِمَام فليَحْذَرِ الْعَجَلَةَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بِنَفَسٍ أونَفَسَينِ، وأشدُّ مِنْه الْعَجَلَةُ في أداءِ الأركانِ والواجِبَاتِ، وسُرْعَةُ التَّسْلِيمِ وَلَمْ يَتْرُكْ وَقْتًا لِلدُّعَاءِ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ.

·       وأمَّا الْمَأْمُومُ؛ فليَحْذَرْ مسابقةَ إمامِهِ والتَّأَخُّرَ عَنْه، وليَجْتَنِبْ كَثْرَةَ الْحَرَكَةِ، ولا يُسْرِعْ في الِانْصِرَافِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَيتَرَكَ الذِّكْرَ الْوَارِدَ.

·      فاللهم رَبَّنا اجْعَلْنَا مُقِيمينَ للصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}.

·      اللهم لكَ الحمدُ كالذي تقولُ وخيرًا مما نقولُ.

·      اللهم إنا عاجزونَ عن شُكركَ، فنُحيلُ إلى عِلمكَ وفضلِكَ.

·      اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا أغَنْى خَلْقِك بك، وأفْقَرَ خَلْقِك إليْك.

·      اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا كَدَّا.

·      اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.

·      اللهمَّ وارحمْنا ووالدِينا، وهبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ.

·      اللهم احفظْ علينا دينَنا وأمنَنا وتعليمَنا وصحتَنا وحدودَنا وجنودنا. واحفَظْ ثرواتِنا وثمراتِنا، واقتصادَنا وعتادَنا

·      اللهم صُد عنا غاراتِ أعدائنا المخذولينَ وعصاباتِهِم المتخوِنينَ.

·      اللهم وفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ. واجزِهما على التيسيرِ على المسلمينَ، وعلى خدمةِ الحرمينِ.

·           اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ. وأقمِ الصلاةَ إنَّ الصلاةَ تَنهَى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ، ولَذِكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.



([1])سنن أبي داود (561) وصححه ابن حبان والنووي، والسيوطي في «تدريب الراوي» [180/ 2] وقال الترمذي: صحيح موقوف وقال المنذري في الترغيب (1/ 133): رجال إسناده ثقات.
([2]) بتصرف من التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي (1/ 433)
([3])جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 21)
([4])صححه الحاكم والذهبي عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، كما في المستدرك (3424) وابن مَرْدَوَيْهِ. انظر: فتح الباري لابن حجر (11/ 452)
([5])صحيح البخاري (3034).
([6])طبقات الحنابلة (1/ 352)

المشاهدات 1537 | التعليقات 0