أبعاد المد الصفوي في اليمن
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
1436/06/25 - 2015/04/14 17:39PM
الدولة الصفوية (12)
أبعاد المد الصفوي في اليمن
28/6/1436
الْحَمْدُ لِلَّـهِ المَلِكِ الْحَقِّ المُبِينِ؛ يُؤْتِي المُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِأَمْرِهِ، وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ، نَحْمَدُهُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالسُّنَّةِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى الْعَافِيَةِ وَالنِّعْمَةِ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْفِتْنَةِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَنَارَ الطَّرِيقَ لِلسَّالِكِينَ، فَبَعَثَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ المُبِينَ، وَفَضَحَ الدَّجَاجِلَةَ الْكَذَّابِينَ؛ لِيُقِيمَ حُجَّتَهُ عَلَى الْعَالَمِينَ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إِمَامُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ، وَرَسُولُ اللَّـهِ تَعَالَى إِلَى الْعَالَمِينَ، أَقَامَ بِهِ الْحُجَّةَ، وَأَوْضَحَ المَحَجَّةَ، وَقَطَعَ المَعْذِرَةَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْمَدُوهُ إِذْ هَدَاكُمْ وَاجْتَبَاكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ وَأَوْلَاكُمْ؛ فَإِنَّ رَبَّكُمْ جَوَادٌ كَرِيمٌ يَزِيدُكُمْ نِعَمًا بِشُكْرِكُمْ، وَيُمْهِلُكُمْ عَلَى عِصْيَانِكُمْ، وَلَا يُعَجِّلُ بِعِقَابِكُمْ، فَاعْرِفُوا نِعْمَتَهُ، وَاحْذَرُوا نِقْمَتَهُ ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود:102].
أَيُّهَا النَّاسُ: الْعَقَائِدُ الصَّحِيحَةُ تَسْتَمِدُّ قُوَّتَهَا مِنْ صِحَّتِهَا، وَصِدْقِ مَصَادِرِهَا، وَمُوَاءَمَتِهَا لِلْعُقُولِ الصَّرِيحَةِ، وَالْفِطَرِ السَّوِيَّةِ، وَرِعَايَةِ اللَّـهِ تَعَالَى لِحَمَلَتِهَا؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ قَضَى -وَقَضَاؤُهُ سُبْحَانَهُ نَافِذٌ- أَنْ يَبْقَى الْحَقُّ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، وَأَنْ تَحْمِلَهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّـهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْعَقَائِدُ الْبَاطِلَةُ فَتَسْتَمِدُّ قُوَّتَهَا مِنْ كَذِبِ رُؤُوسِهَا عَلَى أَتْبَاعِهِمْ، وَنَسْجِ الْخُرَافَاتِ وَالنُّبُوءَاتِ لِإِقْنَاعِهِمْ، وَزَرْعِ الْأَمَلِ الْكَاذِبِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَالِافْتِرَاءِ الرَّخِيصِ عَلَى خُصُومِهِمْ؛ حَتَّى تَعْمَى -بِكَثْرَةِ ضَخِّ الْبَاطِلِ- أَبْصَارُ أَتْبَاعِهِمْ، وَتُصَمُّ عَنِ الْحَقِّ أَسْمَاعُهُمْ، وَيُطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، فَتَرَاهُمْ يَحْمِلُونَ أَعْلَى المُؤَهِّلَاتِ الدِّرَاسِيَّةِ وَلَكِنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ الْخُرَافَاتِ، وَيُؤْمِنُونَ بِالتُّرَّهَاتِ، وَتَعْمَلُ عُقُولُهُمْ فِي أُمُورِ دُنْيَاهُمْ، وَلَكِنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَنِ الْعَمَلِ فِي خُرَافَاتِ دِينِهِمْ.
وَكَمَا أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ الْبَاطِلِ نُبُوءَاتٍ يَنْتَظِرُونَهَا، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ نُبُوءَاتٌ يَنْتَظِرُونَهَا؛ وَهِيَ مَا جَاءَ فِي الْوَحْيِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَأَهْلِ الْبَاطِلِ فِي أَخْبَارِ المُسْتَقْبَلِ تَفْرِيقُ أَهْلِ الْحَقِّ بَيْنَ الْوَحْيِ وَالْخُرَافَةِ، وَعَدَمُ تَفْرِيقِ أَهْلِ الْبَاطِلِ بَيْنَهُمَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ لَا يَسْتَعْجِلُونَ مَوْعُودَ رَبِّهِمْ، وَلَا يَتَدَخَّلُونَ فِي تَحْقِيقِ نُبُوءَاتِهِمْ، بَلْ يَسِيرُونَ عَلَى مَا يُرْضِي رَبَّهُمْ، مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِهِمْ، إِلَى أَنْ يَلْقَوُا اللهَ تَعَالَى سَوَاءً أَدْرَكُوا مَوْعُودَ اللَّـهِ تَعَالَى أَمْ لَمْ يُدْرِكُوهُ. لَكِنَّ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ مَنِ اسْتَبْطَأُوا تَحْقِيقَ مَوْعُودِهِمْ، وَوُقُوعَ خُرَافَاتِهِمْ، كَمَا أَخْبَرَتْ بِهَا كُتُبُهُمْ، فَسَعَوْا إِلَى تَعْجِيلِ وُقُوعِ ذَلِكَ بِمَا يُخَالِفُ دِينَهُمْ، وَيُنَاقِضُ نُصُوصَهُمْ، وَالْبَاطِلُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَقِفُ عِنْدَهُ، وَلَا مَعْلَمٌ يَنْتَهِي إِلَيْهِ.
وَمِمَّنِ اسْتَبْطَأَ خُرَافَةَ الْبَاطِلِ، وَاسْتَعْجَلَ وُقُوعَهَا، وَسَعَى بِقُوَّةٍ لِتَحْقِيقِهَا، وَضَحِكَ عَلَى الْأَتْبَاعِ بِهَا الصَّهَايِنَةُ وَالصَّفَوِيُّونَ.
فَبِالدَّجَلِ الَّذِي يُعَلِّقُ الْقُلُوبَ بِالْخُرَافَةِ بُنِيَتْ سِيَاسَةُ صَهَايِنَةِ الْيَهُودِ وَصَهَايِنَةِ النَّصَارَى لِتَوْطِينِ الْيَهُودِ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، حَتَّى أَنْتَجَ ذَلِكَ بِنَاءُ الدَّوْلَةِ الصِّهْيَوْنِيَّةِ عَلَى نُبُوءَاتٍ مُخْتَرَعَةٍ، وَخُرَافَاتٍ مُنَوَّعَةٍ، قَادَتْ عَامَّتَهُمْ إِلَى المُخَاطَرَةِ بِأَرْوَاحِهِمْ لِبِنَاءِ دَوْلَتِهِمْ فِي بُقْعَةٍ يُحِيطُ بِهِمْ فِيهَا أَعْدَاؤُهُمْ.
وَالصَّفَوِيُّونَ نَسَجُوا فِي كُلِّ بُقْعَةٍ يُرِيدُونَ السَّيْطَرَةَ عَلَيْهَا جُمْلَةً مِنَ الْخُرَافَاتِ؛ لِيُعَلِّقُوا أَتْبَاعَهُمْ بِهَا، وَيَصْلُوهُمْ بِنَارِهَا، فَإِنْ تَحَقَّقَ مُرَادُهُمْ نَسَبُوهُ إِلَى مَا عَلِمُوهُ مِنْ نُبُوءَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مُرَادُهُمْ، وَتَمَّ سَحْقُ أَتْبَاعِهِمْ؛ أَسْلَمُوهُمْ لِقَدَرِهِمْ، وَبَحَثُوا عَمَّنْ يَضْحَكُونَ عَلَيْهِمْ غَيْرَهُمْ، فَبَثُّوا فِيهِمْ خُرَافَاتِهِمْ، وَحَرَّكُوهُمْ بِهَا لِتَحْقِيقِ مَشْرُوعَاتِهِمْ.
وَعَلَى تَسْوِيقِ الْخُرَافَةِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ يَلْتَقِي الدِّينِيُّ مَعَ السِّيَاسِيِّ، وَالْحَاخَامُ وَالْآيَةُ مَعَ الْعَلْمَانِيِّ؛ فَالْعَلْمَانِيُّ السِّيَاسِيُّ لَهُ خُطَّةٌ فِي التَّوَسُّعِ وَالسَّيْطَرَةِ بِسُذَّجٍ يُؤْمِنُونَ بِالْخُرَافَةِ، وَالدِّينِيُّ يَسْعَى فِي تَحْقِيقِ مَا آمَنَ بِهِ وَلَنْ يَتَحَقَّقَ.
وَبِلَادُ الْيَمَنِ بِالنِّسْبَةِ لِآيَاتِ طِهْرَانَ الصَّفَوِيِّينَ لَهَا أَهَمِّيَّتُهَا الْجُغْرَافِيَّةُ؛ فَالسَّيْطَرَةُ عَلَيْهَا تُقَرِّبُهُمْ مِنْ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَالِانْتِقَامِ مِنْ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّ جُيُوشَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- انْطَلَقَتْ مِنَ الْحِجَازِ لِتَدُكَّ عُرُوشَ الْأَكَاسِرَةِ، فَمُتَعَصِّبَةُ الْفُرْسِ الَّذِينَ يَتَخَفَّوْنَ بِالْعَمَائِمِ لِلانْتِقَامِ لَهُمْ ثَأْرٌ قَدِيمٌ مَعَ الْحِجَازِ.
وَمِنْ جِهَةِ التَّارِيخِ تَكْمُنُ أَهَمِّيَّةُ الْيَمَنِ فِي أَنَّ مُلُوكَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا أَتْبَاعًا لِفَارِسَ، وَكَانَ كِسْرَى هُوَ الَّذِي يُتَوِّجُهُمْ؛ فَإِعَادَتُهَا لِأَحْضَانِ الْفُرْسِ تَحْتَ شِعَارِ التَّشَيُّعِ يُعِيدُ أَمْجَادَ الْأَكَاسِرَةِ فِيهَا، وَلَوْ تَحَقَّقَ لَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ الْقَادَةُ فِيهَا يُنَصَّبُونَ مِنْ طِهْرَانَ كَمَا كَانُوا مِنْ قَبْلُ يُنَصَّبُونَ مِنَ المَدَائِنِ.
وَأَمَّا الْأَهَمِّيَّةُ الدِّينِيَّةُ لِلْيَمَنِ عِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ الصَّفَوِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَدِ اخْتَرَعُوا نُصُوصًا عَلَى أَلْسُنِ مَنْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَئِمَّتُهُمْ -وَهُمْ مِنْهُمْ بَرَاءٌ- جَعَلُوا احْتِلَالَ الْيَمَنِ دَلِيلًا عَلَى عَصْرِ ظُهُورِ مَهْدِيِّهِمُ المُخْتَرَعِ المُتَخَفِّي فِي سِرْدَابِهِ، وَهُمْ يَسْعَوْنَ لِظُهُورِهِ بِهَذَا الْغَزْوِ وَالِاحْتِلَالِ.
وَأَشْهَرُ مَنْ جَعَلَ لِلْيَمَنِ شَأْنًا فِي خُرَافَاتِهِمْ عَالِمُهُمُ الْكُورَانِيُّ الْعَامِلِيُّ، الَّذِي تَخَصَّصَ فِي دِرَاسَةِ نُصُوصِهِمْ فِي خُرُوجِ المَهْدِيِّ، وَأَلَّفَ فِيهِ كُتُبًا، مِنْهَا "عَصْرُ الظُّهُورِ"، وَلَا يَخْفَى فِي كِتَابِهِ النَّفَسُ الْعُنْصُرِيُّ الْعِرْقِيُّ، وَقَدْ قَرَّرَ فِيهِ أَنَّ ظُهُورَ مَهْدِيِّهِمُ المَزْعُومِ يَكُونُ بَعْدَ تَحَرُّكٍ جَمَاهِيرِيٍّ مِنْ إِيرَانَ، وَآخَرَ مِنَ الْيَمَنِ وَالْحِجَازِ؛ لِيَلْتَقِيَا فِي الْعِرَاقِ، ثُمَّ يَقُودُهُمُ المَهْدِيُّ بِاتِّجَاهِ الْقُدْسِ.
وَذَكَرَ فِي نَظَرِيَّتِهِ الْخُرَافِيَّةِ أَنَّ ثَوْرَةً فِي الْيَمَنِ سَتَكُونُ مُمَهِّدَةً لِظُهُورِ المَهْدِيِّ، وَأَنَّهَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَهْدَى الرَّايَاتِ، وَأَنَّ عَاصِمَتَهَا صَنْعَاءُ، وَأَنَّ قَائِدَهَا حَسَنٌ أَوْ حُسَيْنٌ، وَأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ مُنْتَصِرٌ لَا مَحَالَةَ.
وَبِهَذَا الضَّخِّ الْعَقَائِدِيِّ الْخُرَافِيِّ تَمَّ تَجْيِيشُ الْجَارُودِيَّةِ وَعَدَدٍ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ لِلِانْخِرَاطِ فِي المَشْرُوعِ الْحُوثِيِّ الْإِيرَانِيِّ، وَكَانُوا يُنْزِلُونَ نُبُوءَاتِهِمْ تِلْكَ عَلَى حُسَيْنٍ الْحُوثِيِّ الَّذِي رَضَعَ المَذْهَبَ الْإِمَامِيَّ فِي طِهْرَانَ، حَتَّى بَايَعُوهُ قَائِلِينَ: «سَيِّدِي حُسَيْنُ بَدْرُ الدِّينِ هُوَ حُجَّةُ اللَّـهِ فِي أَرْضِهِ فِي هَذَا الزَّمَنِ»، وَيُبَايِعُونَهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْإِقْرَارِ بِوِلَايَتِهِ.
فَلَمَّا قُتِلَ حُسَيْنٌ هَذَا قَبْلَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ فِي مُوَاجَهَةٍ مَعَ الْجَيْشِ الْيَمَنِيِّ تَوَرَّطُوا؛ لِأَنَّ النُّبُوءَةَ الْخُرَافِيَّةَ سَتَنْهَارُ بِقَتْلِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الِاسْمَ رَمْزًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَحَالَ الِاسْمَ عَلَى شَيْطَانِ لِبْنَانَ حَسَن نَصْر الشَّيْطَانِ زَاعِمِينَ أَّن أُصُولَهُ يَمَنِيَّةٌ، وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى غَيْبَةَ حُسَيْنٍ المُقْتُولِ مَعَ الْغَائِبِ المُنْتَظَرِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ؛ لِيَتَخَلَّصُوا مِنَ الْخُرَافَةِ بِخُرَافَةٍ أُخْرَى؛ وَيَا لَلْعُقُولِ السَّاذِجَةِ الَّتِي تُصَدِّقُهُمْ فِي إِفْكِهِمْ!! فَالمُهِمُّ عِنْدَ قَادَتِهِمْ أَنْ تَبْقَى الْخُرَافَةُ تُغَذِّي قُلُوبَ الْجَهَلَةِ بِالْحَمَاسَةِ لِعَصْرِ الظُّهُورِ الَّذِي لَنْ يَكُونَ، حَتَّى يُذْبَحُوا عَلَى المَعْبَدِ السَّاسَانِيِّ لِإِعَادَةِ مَمْلَكَةِ كِسْرَى بِدِمَاءِ الدَّهْمَاءِ وَالْجَهَلَةِ وَالْحَمْقَى وَالمُغَفَّلِينَ، وَلَنْ يَعُودَ لِكِسْرَى مَمْلَكَةٌ وَلَا إِيوَانٌ، وَلَنْ يَتَرَبَّعَ عَلَى عَرْشِهِ كِسْرَى جَدِيدٌ، بِخَبَرِ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَالمَوْقِعُ الْجُغْرَافِيُّ لِلْيَمَنِ، وَأَحْدَاثُ التَّارِيخِ يُغْرِيَانِ الْعَلْمَانِيِّينَ الْفُرْسَ لِبَسْطِ النُّفُوذِ فِي الْيَمَنِ بِقَصْدِ خَنْقِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَابْتِلَاعِهَا، وَالِانْتِقَامِ مِنْ عَرَبِهَا الَّذِينَ مَزَّقُوا مُلْكَ الْأَكَاسِرَةِ فِي عَهْدِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهَذَا يُمَثِّلُ بُعْدًا جُغْرَافِيًّا تَارِيخِيًّا لِأَهَمِّيَّةِ الْيَمَنِ عِنْدَ مُتَعَصِّبَةِ الْفُرْسِ.
وَالْبُعْدُ السِّيَاسِيُّ فَرَضَ عَلَى الصَّفَوِيِّينَ تَعْوِيضَ خَسَائِرِهِمْ فِي الشَّامِ بِإِيجَادِ مَوَاطِنَ أُخْرَى لَهُمْ، مِنْ أَهَمِّهَا الْيَمَنُ، وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ بِلَادَ الشَّامِ المُبَارَكَةَ تَكَادُ تَفْلِتُ مِنْ قَبْضَتِهِمْ بِتَرَنُّحِ أَصْنَامِهِمْ فِيهَا؛ وَلِذَا أَسْرَعُوا مِنْ تَحَرُّكِهِمْ فِي الْيَمَنِ بَعْدَ انْدِلَاعِ الثَّوْرَةِ عَلَى حَلِيفِهِمُ النُّصَيْرِيِّ فِي الشَّامِ المُبَارَكَةِ.
وَالْبُعْدُ الدِّينِيُّ المُمَثَّلُ فِي الْخُرَافَاتِ يُغَذِّي المَشْرُوعَ بِقُطْعَانٍ بَشَرِيَّةٍ تَسِيرُ سَيْرَ الْأَعْمَى فِي المَكَانِ المَخُوفِ لَا يُبْصِرُ مَوْضِعَ قَدَمِهِ حَتَّى يُهْلِكَ نَفْسَهُ، وَصَدَقَ اللهُ الْعَظِيمُ حِينَ قَالَ: ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: 88]، ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الرعد: 33]، ﴿وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف: 17]، ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشُّورى: 46].
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَخْضُدَ شَوْكَةَ الصَّفَوِيِّينَ، وَأَنْ يُقَطِّعَ أَذْرُعَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ امْتَدَّتْ إِلَيْهِ، وَأَنْ يُطْفِئَ نَارَ حِقْدِهِمْ عَلَى المُسْلِمِينَ بِهَزِيمَةٍ سَاحِقَةٍ تُعِيدُهُمْ إِلَى الذُّلِّ وَالْهَوَانِ، وَأَنْ يَنْصُرَ جُنُودَنَا المُرَابِطِينَ عَلَى الْحُدُودِ الْجَنُوبِيَّةِ، وَأَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنِ اقْتِلَاعِ الشَّوْكَةِ الْحُوثِيَّةِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَنْصِرُوهُ عَلَى أَعْدَائِكُمْ، وَسَلُوهُ الْعَافِيَةَ لِأَنْفُسِكُمْ، وَالثَّبَاتَ عَلَى دِينِكُمْ، وَالنَّصْرَ لِإِخْوَانِكُمْ ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ [آل عمران: 126] .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: المَشْرُوعُ الصَّفَوِيُّ الْإِمَامِيُّ لَا يَخْتَلِفُ كَثِيرًا عَنْ مَشْرُوعَاتِ الدُّوَلِ الِاسْتِعْمَارِيَّةِ الَّتِي تَتَدَثَّرُ بِالشِّعَارَاتِ الْبَرَّاقَةِ لِتَعِيثَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَلِسَانُ حَالِهَا يَقُولُ: «إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ»، بَيْنَمَا الْوَاقِعُ يَقُولُ: «إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ». فَقَدْ دَمَّرَ الِاتِّحَادُ السُّوفِيِتِّي جُزْءًا وَاسِعًا مِنَ الْعَالَمِ تَحْتَ شِعَارِ مُقَاوَمَةِ «الرَّجْعِيَّةِ وَالْإِمْبِرْيَالِيَّةِ» وَالْغَرْبُ جَاءَ بِشِعَارَاتِ «الْحُرِّيَّةِ وَالدِّيمُقْرَاطِيَّةِ وَحُرِّيَّةِ الْإِنْسَانِ» وَجَعَلَهَا غِطَاءً لِنَشْرِ الدَّمَارِ وَالْخَرَابِ فِي الْأَرْضِ. وَهَا هِيَ الدَّوْلَةُ الصَّفَوِيَّةُ تَسِيرُ عَلَى نَفْسِ الدَّرْبِ رَافِعَةً بِإِحْدَى يَدَيْهَا شِعَارَاتِ «المُمَانَعَةِ» وَ«المَوْتِ لِلشَّيْطَانِ الْأَكْبَرِ»، بَيْنَمَا الْيَدُ الْأُخْرَى تَبْطِشُ بِالمُسْلِمِينَ سَفْكًا وَتَنْكِيلًا، وَمَا أَحْدَاثُ الْعِرَاقِ وَسُورِيَّةَ وَالْيَمَنِ عَنْ وَاقِعِ هَذَا الْحَالِ بِبَعِيدَةٍ.
وَإِذَا كَانَ المَشْرُوعُ الصَّفَوِيُّ قَدْ تَمَّ التَّسْوِيقُ لَهُ فِي بِلَادِ المُسْلِمِينَ بِخُرَافَاتٍ دِينِيَّةٍ ضَحِكَ بِهَا المَرَاجِعُ الدِّينِيَّةُ الصَّفَوِيَّةُ عَلَى السُّذَّجِ وَالْجَهَلَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ حَتَّى جَعَلُوهُمْ حَطَبًا لِنَارِهِمُ المَجُوسِيَّةِ؛ فَإِنَّ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ يُرَافِقَ الْحَمْلَةَ الْعَسْكَرِيَّةَ فِي الْيَمَنِ لِاقْتِلَاعِ الشَّوْكَةِ الْحُوثِيَّةِ الصَّفَوِيَّةِ مَشْرُوعٌ دَعَوِيٌّ فِكْرِيٌّ يَحْفَظُ عَوَامَّ المُسْلِمِينَ وَجَهَلَتَهُمْ فِي الْبُلْدَانِ الْفَقِيرَةِ مِنْ تَجْنِيدِهِمْ لِلصَّفَوِيِّينَ بِالنُّبُوءَاتِ وَالْخُرَافَاتِ. وَلَا يَقْضِي عَلَى خُرَافَةِ الْبَاطِلِ إِلَّا إِظْهَارُ قُوَّةِ الْحَقِّ، وَدَعْوَةُ النَّاسِ إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ يُوجِدُ حَصَانَةً فِي الْقُلُوبِ ضِدَّ الْبَاطِلِ وَأَهْلِهِ، وَالْوِقَايَةُ خَيْرٌ مِنَ الْعِلَاجِ.
إِنَّ المَشْرُوعَ الصَّفَوِيَّ قَدْ زَرَعَ لَهُ فِي كُلِّ أَرْضٍ نَبْتَةً خَبِيثَةً، وَرَعَاهَا بِالْأَكَاذِيبِ وَالْخُرَافَاتِ، وَدَعَّمَهَا بِالمَالِ وَالْعَتَادِ، فَأَنْشَأَ المَدَارِسَ لِتَدْرِيسِهِمْ، وَالْجَمْعِيَّاتِ الْخَيْرِيَّةَ لِتَسْوِيقِ خُرَافَاتِهِمْ، فَإِذَا رَأَى أَنَّ شَوْكَتَهُمْ قَدْ قَوِيَتْ حَرَّكَهُمْ لِإِحْدَاثِ الْفَوْضَى وَالِاضْطِرَابِ فِي الْبَلَدِ المُسْتَهَدَفَةِ، لِإِحْكَامِ السَّيْطَرَةِ عَلَيْهَا.
يَجِبُ أَنْ يُنْفَقَ عَلَى بِرَامِجِ الدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ الصَّحِيحِ فِي الْبُلْدَانِ الْفَقِيرَةِ بِسَخَاءٍ؛ لِحِمَايَةِ عَوَامِّ المُسْلِمِينَ مِنَ التَّلَوُّثِ بِأَدْرَانِ الْفِكْرِ الصَّفَوِيِّ وَخُرَافَاتِهِ، وَلِإِنْقَاذِ المُتَلَوِّثِينَ بِهِ مِنْهُ، فِي مَشْرُوعٍ فِكْرِيٍّ دَعَوِيٍّ مُنَظَّمٍ؛ فَبِذَلِكَ يُقْضَى عَلَى الْقُوَّةِ النَّاعِمَةِ لِلصَّفَوِيِّينَ، وَإِذَا قُضِيَ عَلَى قُوَّتِهِمُ النَّاعِمَةِ انْهَارَتْ مَنْظُومَتُهُمُ الْفِكْرِيَّةُ وَالْعَسْكَرِيَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ قَدِ اعْتَادُوا الْقِتَالَ بِغَيْرِهِمْ، وَالِانْتِصَارَ بِسِوَاهُمْ، وَانْتِظَارَ الْحِبَالَ المَمْدُودَةَ إِلَيْهِمْ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ الَّذِي يَشْتُمُونَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا. وَبِدَحْضِ خُرَافَاتِهِمْ، يُدْحَضُ فِكْرُهُمْ، وَيَنْفَضُّ عَنْهُمْ أَتْبَاعُهُمْ، وَيَضْعُفُ نُفُوذُهُمْ فِي بِلَادِ المُسْلِمِينَ ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: 18]، ﴿وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا...
أبعاد المد الصفوي في اليمن
28/6/1436
الْحَمْدُ لِلَّـهِ المَلِكِ الْحَقِّ المُبِينِ؛ يُؤْتِي المُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِأَمْرِهِ، وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ، نَحْمَدُهُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالسُّنَّةِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى الْعَافِيَةِ وَالنِّعْمَةِ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْفِتْنَةِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَنَارَ الطَّرِيقَ لِلسَّالِكِينَ، فَبَعَثَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ المُبِينَ، وَفَضَحَ الدَّجَاجِلَةَ الْكَذَّابِينَ؛ لِيُقِيمَ حُجَّتَهُ عَلَى الْعَالَمِينَ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إِمَامُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ، وَرَسُولُ اللَّـهِ تَعَالَى إِلَى الْعَالَمِينَ، أَقَامَ بِهِ الْحُجَّةَ، وَأَوْضَحَ المَحَجَّةَ، وَقَطَعَ المَعْذِرَةَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْمَدُوهُ إِذْ هَدَاكُمْ وَاجْتَبَاكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ وَأَوْلَاكُمْ؛ فَإِنَّ رَبَّكُمْ جَوَادٌ كَرِيمٌ يَزِيدُكُمْ نِعَمًا بِشُكْرِكُمْ، وَيُمْهِلُكُمْ عَلَى عِصْيَانِكُمْ، وَلَا يُعَجِّلُ بِعِقَابِكُمْ، فَاعْرِفُوا نِعْمَتَهُ، وَاحْذَرُوا نِقْمَتَهُ ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود:102].
أَيُّهَا النَّاسُ: الْعَقَائِدُ الصَّحِيحَةُ تَسْتَمِدُّ قُوَّتَهَا مِنْ صِحَّتِهَا، وَصِدْقِ مَصَادِرِهَا، وَمُوَاءَمَتِهَا لِلْعُقُولِ الصَّرِيحَةِ، وَالْفِطَرِ السَّوِيَّةِ، وَرِعَايَةِ اللَّـهِ تَعَالَى لِحَمَلَتِهَا؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ قَضَى -وَقَضَاؤُهُ سُبْحَانَهُ نَافِذٌ- أَنْ يَبْقَى الْحَقُّ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، وَأَنْ تَحْمِلَهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّـهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْعَقَائِدُ الْبَاطِلَةُ فَتَسْتَمِدُّ قُوَّتَهَا مِنْ كَذِبِ رُؤُوسِهَا عَلَى أَتْبَاعِهِمْ، وَنَسْجِ الْخُرَافَاتِ وَالنُّبُوءَاتِ لِإِقْنَاعِهِمْ، وَزَرْعِ الْأَمَلِ الْكَاذِبِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَالِافْتِرَاءِ الرَّخِيصِ عَلَى خُصُومِهِمْ؛ حَتَّى تَعْمَى -بِكَثْرَةِ ضَخِّ الْبَاطِلِ- أَبْصَارُ أَتْبَاعِهِمْ، وَتُصَمُّ عَنِ الْحَقِّ أَسْمَاعُهُمْ، وَيُطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، فَتَرَاهُمْ يَحْمِلُونَ أَعْلَى المُؤَهِّلَاتِ الدِّرَاسِيَّةِ وَلَكِنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ الْخُرَافَاتِ، وَيُؤْمِنُونَ بِالتُّرَّهَاتِ، وَتَعْمَلُ عُقُولُهُمْ فِي أُمُورِ دُنْيَاهُمْ، وَلَكِنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَنِ الْعَمَلِ فِي خُرَافَاتِ دِينِهِمْ.
وَكَمَا أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ الْبَاطِلِ نُبُوءَاتٍ يَنْتَظِرُونَهَا، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ نُبُوءَاتٌ يَنْتَظِرُونَهَا؛ وَهِيَ مَا جَاءَ فِي الْوَحْيِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَأَهْلِ الْبَاطِلِ فِي أَخْبَارِ المُسْتَقْبَلِ تَفْرِيقُ أَهْلِ الْحَقِّ بَيْنَ الْوَحْيِ وَالْخُرَافَةِ، وَعَدَمُ تَفْرِيقِ أَهْلِ الْبَاطِلِ بَيْنَهُمَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ لَا يَسْتَعْجِلُونَ مَوْعُودَ رَبِّهِمْ، وَلَا يَتَدَخَّلُونَ فِي تَحْقِيقِ نُبُوءَاتِهِمْ، بَلْ يَسِيرُونَ عَلَى مَا يُرْضِي رَبَّهُمْ، مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِهِمْ، إِلَى أَنْ يَلْقَوُا اللهَ تَعَالَى سَوَاءً أَدْرَكُوا مَوْعُودَ اللَّـهِ تَعَالَى أَمْ لَمْ يُدْرِكُوهُ. لَكِنَّ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ مَنِ اسْتَبْطَأُوا تَحْقِيقَ مَوْعُودِهِمْ، وَوُقُوعَ خُرَافَاتِهِمْ، كَمَا أَخْبَرَتْ بِهَا كُتُبُهُمْ، فَسَعَوْا إِلَى تَعْجِيلِ وُقُوعِ ذَلِكَ بِمَا يُخَالِفُ دِينَهُمْ، وَيُنَاقِضُ نُصُوصَهُمْ، وَالْبَاطِلُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَقِفُ عِنْدَهُ، وَلَا مَعْلَمٌ يَنْتَهِي إِلَيْهِ.
وَمِمَّنِ اسْتَبْطَأَ خُرَافَةَ الْبَاطِلِ، وَاسْتَعْجَلَ وُقُوعَهَا، وَسَعَى بِقُوَّةٍ لِتَحْقِيقِهَا، وَضَحِكَ عَلَى الْأَتْبَاعِ بِهَا الصَّهَايِنَةُ وَالصَّفَوِيُّونَ.
فَبِالدَّجَلِ الَّذِي يُعَلِّقُ الْقُلُوبَ بِالْخُرَافَةِ بُنِيَتْ سِيَاسَةُ صَهَايِنَةِ الْيَهُودِ وَصَهَايِنَةِ النَّصَارَى لِتَوْطِينِ الْيَهُودِ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، حَتَّى أَنْتَجَ ذَلِكَ بِنَاءُ الدَّوْلَةِ الصِّهْيَوْنِيَّةِ عَلَى نُبُوءَاتٍ مُخْتَرَعَةٍ، وَخُرَافَاتٍ مُنَوَّعَةٍ، قَادَتْ عَامَّتَهُمْ إِلَى المُخَاطَرَةِ بِأَرْوَاحِهِمْ لِبِنَاءِ دَوْلَتِهِمْ فِي بُقْعَةٍ يُحِيطُ بِهِمْ فِيهَا أَعْدَاؤُهُمْ.
وَالصَّفَوِيُّونَ نَسَجُوا فِي كُلِّ بُقْعَةٍ يُرِيدُونَ السَّيْطَرَةَ عَلَيْهَا جُمْلَةً مِنَ الْخُرَافَاتِ؛ لِيُعَلِّقُوا أَتْبَاعَهُمْ بِهَا، وَيَصْلُوهُمْ بِنَارِهَا، فَإِنْ تَحَقَّقَ مُرَادُهُمْ نَسَبُوهُ إِلَى مَا عَلِمُوهُ مِنْ نُبُوءَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مُرَادُهُمْ، وَتَمَّ سَحْقُ أَتْبَاعِهِمْ؛ أَسْلَمُوهُمْ لِقَدَرِهِمْ، وَبَحَثُوا عَمَّنْ يَضْحَكُونَ عَلَيْهِمْ غَيْرَهُمْ، فَبَثُّوا فِيهِمْ خُرَافَاتِهِمْ، وَحَرَّكُوهُمْ بِهَا لِتَحْقِيقِ مَشْرُوعَاتِهِمْ.
وَعَلَى تَسْوِيقِ الْخُرَافَةِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ يَلْتَقِي الدِّينِيُّ مَعَ السِّيَاسِيِّ، وَالْحَاخَامُ وَالْآيَةُ مَعَ الْعَلْمَانِيِّ؛ فَالْعَلْمَانِيُّ السِّيَاسِيُّ لَهُ خُطَّةٌ فِي التَّوَسُّعِ وَالسَّيْطَرَةِ بِسُذَّجٍ يُؤْمِنُونَ بِالْخُرَافَةِ، وَالدِّينِيُّ يَسْعَى فِي تَحْقِيقِ مَا آمَنَ بِهِ وَلَنْ يَتَحَقَّقَ.
وَبِلَادُ الْيَمَنِ بِالنِّسْبَةِ لِآيَاتِ طِهْرَانَ الصَّفَوِيِّينَ لَهَا أَهَمِّيَّتُهَا الْجُغْرَافِيَّةُ؛ فَالسَّيْطَرَةُ عَلَيْهَا تُقَرِّبُهُمْ مِنْ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَالِانْتِقَامِ مِنْ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّ جُيُوشَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- انْطَلَقَتْ مِنَ الْحِجَازِ لِتَدُكَّ عُرُوشَ الْأَكَاسِرَةِ، فَمُتَعَصِّبَةُ الْفُرْسِ الَّذِينَ يَتَخَفَّوْنَ بِالْعَمَائِمِ لِلانْتِقَامِ لَهُمْ ثَأْرٌ قَدِيمٌ مَعَ الْحِجَازِ.
وَمِنْ جِهَةِ التَّارِيخِ تَكْمُنُ أَهَمِّيَّةُ الْيَمَنِ فِي أَنَّ مُلُوكَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا أَتْبَاعًا لِفَارِسَ، وَكَانَ كِسْرَى هُوَ الَّذِي يُتَوِّجُهُمْ؛ فَإِعَادَتُهَا لِأَحْضَانِ الْفُرْسِ تَحْتَ شِعَارِ التَّشَيُّعِ يُعِيدُ أَمْجَادَ الْأَكَاسِرَةِ فِيهَا، وَلَوْ تَحَقَّقَ لَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ الْقَادَةُ فِيهَا يُنَصَّبُونَ مِنْ طِهْرَانَ كَمَا كَانُوا مِنْ قَبْلُ يُنَصَّبُونَ مِنَ المَدَائِنِ.
وَأَمَّا الْأَهَمِّيَّةُ الدِّينِيَّةُ لِلْيَمَنِ عِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ الصَّفَوِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَدِ اخْتَرَعُوا نُصُوصًا عَلَى أَلْسُنِ مَنْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَئِمَّتُهُمْ -وَهُمْ مِنْهُمْ بَرَاءٌ- جَعَلُوا احْتِلَالَ الْيَمَنِ دَلِيلًا عَلَى عَصْرِ ظُهُورِ مَهْدِيِّهِمُ المُخْتَرَعِ المُتَخَفِّي فِي سِرْدَابِهِ، وَهُمْ يَسْعَوْنَ لِظُهُورِهِ بِهَذَا الْغَزْوِ وَالِاحْتِلَالِ.
وَأَشْهَرُ مَنْ جَعَلَ لِلْيَمَنِ شَأْنًا فِي خُرَافَاتِهِمْ عَالِمُهُمُ الْكُورَانِيُّ الْعَامِلِيُّ، الَّذِي تَخَصَّصَ فِي دِرَاسَةِ نُصُوصِهِمْ فِي خُرُوجِ المَهْدِيِّ، وَأَلَّفَ فِيهِ كُتُبًا، مِنْهَا "عَصْرُ الظُّهُورِ"، وَلَا يَخْفَى فِي كِتَابِهِ النَّفَسُ الْعُنْصُرِيُّ الْعِرْقِيُّ، وَقَدْ قَرَّرَ فِيهِ أَنَّ ظُهُورَ مَهْدِيِّهِمُ المَزْعُومِ يَكُونُ بَعْدَ تَحَرُّكٍ جَمَاهِيرِيٍّ مِنْ إِيرَانَ، وَآخَرَ مِنَ الْيَمَنِ وَالْحِجَازِ؛ لِيَلْتَقِيَا فِي الْعِرَاقِ، ثُمَّ يَقُودُهُمُ المَهْدِيُّ بِاتِّجَاهِ الْقُدْسِ.
وَذَكَرَ فِي نَظَرِيَّتِهِ الْخُرَافِيَّةِ أَنَّ ثَوْرَةً فِي الْيَمَنِ سَتَكُونُ مُمَهِّدَةً لِظُهُورِ المَهْدِيِّ، وَأَنَّهَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَهْدَى الرَّايَاتِ، وَأَنَّ عَاصِمَتَهَا صَنْعَاءُ، وَأَنَّ قَائِدَهَا حَسَنٌ أَوْ حُسَيْنٌ، وَأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ مُنْتَصِرٌ لَا مَحَالَةَ.
وَبِهَذَا الضَّخِّ الْعَقَائِدِيِّ الْخُرَافِيِّ تَمَّ تَجْيِيشُ الْجَارُودِيَّةِ وَعَدَدٍ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ لِلِانْخِرَاطِ فِي المَشْرُوعِ الْحُوثِيِّ الْإِيرَانِيِّ، وَكَانُوا يُنْزِلُونَ نُبُوءَاتِهِمْ تِلْكَ عَلَى حُسَيْنٍ الْحُوثِيِّ الَّذِي رَضَعَ المَذْهَبَ الْإِمَامِيَّ فِي طِهْرَانَ، حَتَّى بَايَعُوهُ قَائِلِينَ: «سَيِّدِي حُسَيْنُ بَدْرُ الدِّينِ هُوَ حُجَّةُ اللَّـهِ فِي أَرْضِهِ فِي هَذَا الزَّمَنِ»، وَيُبَايِعُونَهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْإِقْرَارِ بِوِلَايَتِهِ.
فَلَمَّا قُتِلَ حُسَيْنٌ هَذَا قَبْلَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ فِي مُوَاجَهَةٍ مَعَ الْجَيْشِ الْيَمَنِيِّ تَوَرَّطُوا؛ لِأَنَّ النُّبُوءَةَ الْخُرَافِيَّةَ سَتَنْهَارُ بِقَتْلِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الِاسْمَ رَمْزًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَحَالَ الِاسْمَ عَلَى شَيْطَانِ لِبْنَانَ حَسَن نَصْر الشَّيْطَانِ زَاعِمِينَ أَّن أُصُولَهُ يَمَنِيَّةٌ، وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى غَيْبَةَ حُسَيْنٍ المُقْتُولِ مَعَ الْغَائِبِ المُنْتَظَرِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ؛ لِيَتَخَلَّصُوا مِنَ الْخُرَافَةِ بِخُرَافَةٍ أُخْرَى؛ وَيَا لَلْعُقُولِ السَّاذِجَةِ الَّتِي تُصَدِّقُهُمْ فِي إِفْكِهِمْ!! فَالمُهِمُّ عِنْدَ قَادَتِهِمْ أَنْ تَبْقَى الْخُرَافَةُ تُغَذِّي قُلُوبَ الْجَهَلَةِ بِالْحَمَاسَةِ لِعَصْرِ الظُّهُورِ الَّذِي لَنْ يَكُونَ، حَتَّى يُذْبَحُوا عَلَى المَعْبَدِ السَّاسَانِيِّ لِإِعَادَةِ مَمْلَكَةِ كِسْرَى بِدِمَاءِ الدَّهْمَاءِ وَالْجَهَلَةِ وَالْحَمْقَى وَالمُغَفَّلِينَ، وَلَنْ يَعُودَ لِكِسْرَى مَمْلَكَةٌ وَلَا إِيوَانٌ، وَلَنْ يَتَرَبَّعَ عَلَى عَرْشِهِ كِسْرَى جَدِيدٌ، بِخَبَرِ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَالمَوْقِعُ الْجُغْرَافِيُّ لِلْيَمَنِ، وَأَحْدَاثُ التَّارِيخِ يُغْرِيَانِ الْعَلْمَانِيِّينَ الْفُرْسَ لِبَسْطِ النُّفُوذِ فِي الْيَمَنِ بِقَصْدِ خَنْقِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَابْتِلَاعِهَا، وَالِانْتِقَامِ مِنْ عَرَبِهَا الَّذِينَ مَزَّقُوا مُلْكَ الْأَكَاسِرَةِ فِي عَهْدِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهَذَا يُمَثِّلُ بُعْدًا جُغْرَافِيًّا تَارِيخِيًّا لِأَهَمِّيَّةِ الْيَمَنِ عِنْدَ مُتَعَصِّبَةِ الْفُرْسِ.
وَالْبُعْدُ السِّيَاسِيُّ فَرَضَ عَلَى الصَّفَوِيِّينَ تَعْوِيضَ خَسَائِرِهِمْ فِي الشَّامِ بِإِيجَادِ مَوَاطِنَ أُخْرَى لَهُمْ، مِنْ أَهَمِّهَا الْيَمَنُ، وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ بِلَادَ الشَّامِ المُبَارَكَةَ تَكَادُ تَفْلِتُ مِنْ قَبْضَتِهِمْ بِتَرَنُّحِ أَصْنَامِهِمْ فِيهَا؛ وَلِذَا أَسْرَعُوا مِنْ تَحَرُّكِهِمْ فِي الْيَمَنِ بَعْدَ انْدِلَاعِ الثَّوْرَةِ عَلَى حَلِيفِهِمُ النُّصَيْرِيِّ فِي الشَّامِ المُبَارَكَةِ.
وَالْبُعْدُ الدِّينِيُّ المُمَثَّلُ فِي الْخُرَافَاتِ يُغَذِّي المَشْرُوعَ بِقُطْعَانٍ بَشَرِيَّةٍ تَسِيرُ سَيْرَ الْأَعْمَى فِي المَكَانِ المَخُوفِ لَا يُبْصِرُ مَوْضِعَ قَدَمِهِ حَتَّى يُهْلِكَ نَفْسَهُ، وَصَدَقَ اللهُ الْعَظِيمُ حِينَ قَالَ: ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: 88]، ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الرعد: 33]، ﴿وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف: 17]، ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشُّورى: 46].
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَخْضُدَ شَوْكَةَ الصَّفَوِيِّينَ، وَأَنْ يُقَطِّعَ أَذْرُعَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ امْتَدَّتْ إِلَيْهِ، وَأَنْ يُطْفِئَ نَارَ حِقْدِهِمْ عَلَى المُسْلِمِينَ بِهَزِيمَةٍ سَاحِقَةٍ تُعِيدُهُمْ إِلَى الذُّلِّ وَالْهَوَانِ، وَأَنْ يَنْصُرَ جُنُودَنَا المُرَابِطِينَ عَلَى الْحُدُودِ الْجَنُوبِيَّةِ، وَأَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنِ اقْتِلَاعِ الشَّوْكَةِ الْحُوثِيَّةِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَنْصِرُوهُ عَلَى أَعْدَائِكُمْ، وَسَلُوهُ الْعَافِيَةَ لِأَنْفُسِكُمْ، وَالثَّبَاتَ عَلَى دِينِكُمْ، وَالنَّصْرَ لِإِخْوَانِكُمْ ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ [آل عمران: 126] .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: المَشْرُوعُ الصَّفَوِيُّ الْإِمَامِيُّ لَا يَخْتَلِفُ كَثِيرًا عَنْ مَشْرُوعَاتِ الدُّوَلِ الِاسْتِعْمَارِيَّةِ الَّتِي تَتَدَثَّرُ بِالشِّعَارَاتِ الْبَرَّاقَةِ لِتَعِيثَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَلِسَانُ حَالِهَا يَقُولُ: «إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ»، بَيْنَمَا الْوَاقِعُ يَقُولُ: «إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ». فَقَدْ دَمَّرَ الِاتِّحَادُ السُّوفِيِتِّي جُزْءًا وَاسِعًا مِنَ الْعَالَمِ تَحْتَ شِعَارِ مُقَاوَمَةِ «الرَّجْعِيَّةِ وَالْإِمْبِرْيَالِيَّةِ» وَالْغَرْبُ جَاءَ بِشِعَارَاتِ «الْحُرِّيَّةِ وَالدِّيمُقْرَاطِيَّةِ وَحُرِّيَّةِ الْإِنْسَانِ» وَجَعَلَهَا غِطَاءً لِنَشْرِ الدَّمَارِ وَالْخَرَابِ فِي الْأَرْضِ. وَهَا هِيَ الدَّوْلَةُ الصَّفَوِيَّةُ تَسِيرُ عَلَى نَفْسِ الدَّرْبِ رَافِعَةً بِإِحْدَى يَدَيْهَا شِعَارَاتِ «المُمَانَعَةِ» وَ«المَوْتِ لِلشَّيْطَانِ الْأَكْبَرِ»، بَيْنَمَا الْيَدُ الْأُخْرَى تَبْطِشُ بِالمُسْلِمِينَ سَفْكًا وَتَنْكِيلًا، وَمَا أَحْدَاثُ الْعِرَاقِ وَسُورِيَّةَ وَالْيَمَنِ عَنْ وَاقِعِ هَذَا الْحَالِ بِبَعِيدَةٍ.
وَإِذَا كَانَ المَشْرُوعُ الصَّفَوِيُّ قَدْ تَمَّ التَّسْوِيقُ لَهُ فِي بِلَادِ المُسْلِمِينَ بِخُرَافَاتٍ دِينِيَّةٍ ضَحِكَ بِهَا المَرَاجِعُ الدِّينِيَّةُ الصَّفَوِيَّةُ عَلَى السُّذَّجِ وَالْجَهَلَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ حَتَّى جَعَلُوهُمْ حَطَبًا لِنَارِهِمُ المَجُوسِيَّةِ؛ فَإِنَّ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ يُرَافِقَ الْحَمْلَةَ الْعَسْكَرِيَّةَ فِي الْيَمَنِ لِاقْتِلَاعِ الشَّوْكَةِ الْحُوثِيَّةِ الصَّفَوِيَّةِ مَشْرُوعٌ دَعَوِيٌّ فِكْرِيٌّ يَحْفَظُ عَوَامَّ المُسْلِمِينَ وَجَهَلَتَهُمْ فِي الْبُلْدَانِ الْفَقِيرَةِ مِنْ تَجْنِيدِهِمْ لِلصَّفَوِيِّينَ بِالنُّبُوءَاتِ وَالْخُرَافَاتِ. وَلَا يَقْضِي عَلَى خُرَافَةِ الْبَاطِلِ إِلَّا إِظْهَارُ قُوَّةِ الْحَقِّ، وَدَعْوَةُ النَّاسِ إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ يُوجِدُ حَصَانَةً فِي الْقُلُوبِ ضِدَّ الْبَاطِلِ وَأَهْلِهِ، وَالْوِقَايَةُ خَيْرٌ مِنَ الْعِلَاجِ.
إِنَّ المَشْرُوعَ الصَّفَوِيَّ قَدْ زَرَعَ لَهُ فِي كُلِّ أَرْضٍ نَبْتَةً خَبِيثَةً، وَرَعَاهَا بِالْأَكَاذِيبِ وَالْخُرَافَاتِ، وَدَعَّمَهَا بِالمَالِ وَالْعَتَادِ، فَأَنْشَأَ المَدَارِسَ لِتَدْرِيسِهِمْ، وَالْجَمْعِيَّاتِ الْخَيْرِيَّةَ لِتَسْوِيقِ خُرَافَاتِهِمْ، فَإِذَا رَأَى أَنَّ شَوْكَتَهُمْ قَدْ قَوِيَتْ حَرَّكَهُمْ لِإِحْدَاثِ الْفَوْضَى وَالِاضْطِرَابِ فِي الْبَلَدِ المُسْتَهَدَفَةِ، لِإِحْكَامِ السَّيْطَرَةِ عَلَيْهَا.
يَجِبُ أَنْ يُنْفَقَ عَلَى بِرَامِجِ الدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ الصَّحِيحِ فِي الْبُلْدَانِ الْفَقِيرَةِ بِسَخَاءٍ؛ لِحِمَايَةِ عَوَامِّ المُسْلِمِينَ مِنَ التَّلَوُّثِ بِأَدْرَانِ الْفِكْرِ الصَّفَوِيِّ وَخُرَافَاتِهِ، وَلِإِنْقَاذِ المُتَلَوِّثِينَ بِهِ مِنْهُ، فِي مَشْرُوعٍ فِكْرِيٍّ دَعَوِيٍّ مُنَظَّمٍ؛ فَبِذَلِكَ يُقْضَى عَلَى الْقُوَّةِ النَّاعِمَةِ لِلصَّفَوِيِّينَ، وَإِذَا قُضِيَ عَلَى قُوَّتِهِمُ النَّاعِمَةِ انْهَارَتْ مَنْظُومَتُهُمُ الْفِكْرِيَّةُ وَالْعَسْكَرِيَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ قَدِ اعْتَادُوا الْقِتَالَ بِغَيْرِهِمْ، وَالِانْتِصَارَ بِسِوَاهُمْ، وَانْتِظَارَ الْحِبَالَ المَمْدُودَةَ إِلَيْهِمْ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ الَّذِي يَشْتُمُونَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا. وَبِدَحْضِ خُرَافَاتِهِمْ، يُدْحَضُ فِكْرُهُمْ، وَيَنْفَضُّ عَنْهُمْ أَتْبَاعُهُمْ، وَيَضْعُفُ نُفُوذُهُمْ فِي بِلَادِ المُسْلِمِينَ ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: 18]، ﴿وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا...
المرفقات
الدولة الصفوية 12.doc
الدولة الصفوية 12.doc
الدولة الصفوية 12 مشكولة.doc
الدولة الصفوية 12 مشكولة.doc
المشاهدات 3046 | التعليقات 3
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
شكر الله تعالى لكما ونفع بكما
قلبي دليلي
جزاك الله كل خير
تعديل التعليق