(أبشروا بنصر أهل الشام- فبوادر النصر تحققت بتكالب الكفار عليهم) 17-12-1436

أحمد بن ناصر الطيار
1436/12/18 - 2015/10/01 15:59PM
الحمد لله الذي أجرى بعظمته شتات السحاب, وهزم بقوته جموع الأحزاب, وأنزل برحمته آياتِ الكتاب, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الكريمُ الوهّاب, وأشهد أن محمدًّا عبده ورسولُه الْمُنيبُ الأوّاب.
صلى الله عليه وعلى الآل والأصحاب, وعلى تابعيهم إلى يوم الحساب.

أما بعد: فاتقوا الله يا أمة الإسلام, واعلموا أنّ الله تعالى جعل علاماتٍ واضحةً للنصر, وسننًا كونيّةً وشرعيّةً لانتصار الحقِّ على الباطل, ومِنْ هذه العلامات والسنن: تكالبُ الأعداء على أهل الحق والجهاد.

فما أقرب النصر والفرج عند اشْتدادِ الكربات, وتتابعِ الآلام والمصيبات, وانظروا إلى حال أنبياء الله ورُسِلِه, كيف لم يُنصروا إلا بعد بُلُوغ حدّ اليأس, قال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}
وذكر تعالى عمّن قبلنا أنهم أُوذُوا واضْطُهِدُوا وَزُلْزِلُوا, {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.
معاشر المسلمين: إنه لا يُعلم تكالبٌ على المسلمين على مرّ الدهور والأعصار, وإجماعُهم ومكرُهمُ الكُبّار, كما حصل لإخوانِنا المسلمين في بلاد الشام, الذين اجتمع عليهم رافضةُ العراق ولبنان وإيران, والخوارجُ الْمارقون, والمشركون والنصارى في الشرق والغرب, والصهاينةُ اليهود.

فهل تعلمون شعبًا مُنْذُ خلق الله آدم إلى يومنا هذا, اجتمع عليه جميع طوائفِ الكفر والشرك؟ وحُورِبُوا بأقوى أسلحةٍ عرفَتْها البشريّة كهذا الشعب؟
لا والله.

فهل هناك أملٌ أنْ ينتصر هذا الشعب المظلوم؟ وأنْ ينتصر أهل الحق على ما هم فيه من محنة؟
نعم, إنّ النصر أقرب ما يكون اليوم, وإنّ الله تعالى قضى بألا تزال هناك طائفةٌ منصورة, ولن يخذلهم على قلّة عتادهم وحيلتهم, قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللهِ، قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ». متفق عليه
قَالَ مُعَاذٌ رضي الهت عنه: وَهُمْ بِالشَّامِ. راوه البخاري
وإن الله تعالى أوجد في أهل الشام هذه العصابة, فهم يُجاهدون في سبيل الله, غيرَ مائلين إلى الغلو والتشدد, وهم مُتمسّكون بالكتاب والسنة, اتّحدوا تحت رايةٍ واحدة, قلوبُهم مُتآلفة, وسيُوفهم من دماء المسلمين مَصُونة.

لقد اسْتقبلوا نبأ قدومِ جُيوشِ الروس والروافض, بريًّا وجويًّا, بالثبات والتوكل والإيمان, ولسان حالهم ومقالهم: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
إنهم يُذكروننا بالصَّحابة, {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ, فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
فمثل هؤلاء لا يُخذلون, والنصر ينزل من حيث لا يعلمون.
ضاقت فلمَّا استحكمتْ حلقاتها... فرجت وكنتُ أظنُّها لا تُفرجُ

ولْنعتبر بما حلّ بالْمُسْلمين يوم الْأَحْزَابِ, وذلك أنه لَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, بقدوم أحزاب الكفر إلى المدينة, وَمَا أَجْمَعُوا لَهُ مِنَ الْمكر، ضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ.
وَتَخَلَّفَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَعْتَذِرُونَ بِالضَّعْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسَلُّ خُفْيَةً بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَلَا عِلْمِهِ, فازدادت الْمصائب عليهم, واشتد الأمر عليهم.
فأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ أَحَابِيشِهِمْ, وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، حَتَّى نَزَلُوا إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ, وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ، حَتَّى جَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إِلَى الجبل, فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَضَرَبَ هُنَالِكَ عَسْكَرَهُ، وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ.

وَأَحَاطَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ, حَتَّى جَعَلُوهُمْ فِي مِثْلِ الْحِصْنِ بَيْنَ كَتَائِبِهِمْ، فَحَاصَرُوهُمْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَأَخَذُوا بِكُلِّ نَاحِيَةٍ، وضيّقوا الخناق عليهم, حَتَّى لَا يَدْرِي الرَّجُلُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَمْ لَا.

وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ، وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ وقلّ الرجاء، وَأَتَاهُمْ عَدُوُّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، حَتَّى ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ ظَنٍّ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ، حَتَّى قَالَ (بعض المنافقين): كَانَ مُحَمَّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا الْيَوْمَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْغَائِطِ. وَحَتَّى قَالَ (بعضهم): يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ مِنَ الْعَدُوِّ, فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَرْجِعَ إِلَى دَارِنَا؛ وهي في خارجِ مِنَ الْمَدِينَةِ.
ولقد كان أشدُّ الكرب على المسلمين ، وهم محصورون بالمشركين داخل الخندق ، ذلك الخبر الذي نزل عليهم كالصاعقة, نقضُ بني قريظة العهد, وهم خلف المسلمين داخل الحصن, فلم يكونوا يأمنون في أية لحظة, أنْ ينقض عليهم المشركون من الخندق ، وأن تميل عليهم يهود ، وهم قلة بين هذه الجموع ، التي جاءت بنية استئصالهم في معركة حاسمة أخيرة.

قال تَعَالَى واصفًا حال المسلمين حينها: ((إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)).
أيُّ تصويرٍ للحالة العصيبة التي مروا بها, أعظمُ من هذا التصوير, فالأبصار مِن الترقب والهول زاغت, والقلوب من الخوف والوجل كادت تبلُغ الحناجر.
فما كان من النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أنْ دعا ربه, وألَحَّ عليه بالنصر والتمكين, ورفع يديه إلى السماء قائلا: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ, وَمُجْرِىَ السَّحَابِ, وَهَازِمَ الأَحْزَابِ, اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ» .
فاسْتِجَابَ الله لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الشَّدِيدَةَ فَزَلْزَلَتْ أَبْدَانَهُمْ.
نعم, لقد نصرهم الله بريحٍ يراها الناس حقيرة, وَبِجُنُودٍلَمْ يَرَوْهَا ولم يعلموا بها, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}.
وهكذا هزم الله تعالى الأحزاب الكافرين, بجندٍ من جنود ربّ العالمين, {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}.

وَفِي قَوْلِهِ (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ) إِشَارَةٌ إِلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هؤلاءِ الكفار. وَهَكَذَا وَقَعَ، وَلَمْ تَرْجِعْ قُرَيْشٌ بَعْدَهَا إِلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَا". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
فَلَمْ تَغْزُهُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ, وَكَانَ يَغْزُوهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ.
اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ, وَمُجْرِىَ السَّحَابِ, وَهَازِمَ الأَحْزَابِ, اهْزِمْ أحزاب الكفر وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ يا رب العالمين.

الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الحق المبين, وأشهد أن محمدًّا عبده الرؤوف بالمؤمنين.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
معاشر المسلمين: في الوقت الذي تخوض في دولتُنا المباركة, الجهد المبارك في إعادة إعمار اليمن الشقيق, ودحرِ الحوثيين وأعوانِ الخائن المخلوع, وفي الوقت الذي تشهد الأمة أشدَّ أزماتها في الشام وفلسطين: نرى نشاط المنافقين في زعزعة صفوفنا, وتحريضِ الناسِ على علمائنا ودعاتنا, وشنِّ حربٍ على حلقات تحفيظ القرآن.
فيتركون ويتجاهلون كلّ ما يحل بالمسلمين, ويتفرغون لسبّ وتنقّص رموزِ أهل السّنّة والجماعة.
فلْنحذر من هؤلاء المرجفين, والعابثين بأمننا وديننا, فإنهم هم العدو الحقيقي, كما تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}. هم العدوُّ الكامنُ داخل الْمُجتمع ، المختبئُ في الصف, وهم أخطر من العدو الخارجيِّ الصريح.
ولْنحذر من الاستماع إليهم, فقد حذر السلف الصالح من الاستماع إلى أهل البدع, فقد تعلق شبهةٌ في القلب, تكون سببًا لفساده وخرابه.

نسأل الله تعالى أنْ يهدي ضال المسلمين, وأن يرد كيد المنافقين, إنه سميع قريب مُجيب.
المشاهدات 2656 | التعليقات 5

وفقت يا شيخ أحمد خطبة مناسبة للوقت والحدث
ووددت لو أنك أشرت لعلاج مفيد في خطبتك الثانية مع أولئك المنافقين


أشكرك على اقتراحك, وقد استجبت له, وأضفت ما أشرت إليه وفقك الله.


بارك الله فيك شيخنا الغالي ابوناصر
خطبة مختصرة وجامعة ومانعة وماتعة
شيخنا الحبيب لعلنا نتشرف بزيارتك لنا في المحافظة فحبيبكم وسميّكم ابارائد ينتظر زيارتكم ههههههههه


آمين وإياكم, ويشرفني ذلك.


جزاك الله خيرا