أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم!

حمود بن ناصر
1437/12/27 - 2016/09/28 19:24PM
أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُه وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهُ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يِضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ الْخَيْرِيَّةَ فِي التَّقْوَى؛ فَقَدْ قَالَ جَلَّ شَأْنُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُه
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فَقَال: جَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا وَلَمْ يَقُلْ: لِتَفَاخَرُوا أَوْ لِتَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْمِيزَانَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ التَّقْوَى وَأَنَّ الْكَرِيمَ عَلَى اللهِ هُوَ التَّقِيَّ النَّقِيَّ وَلَيْسَ الْفَاجِرَ الْمُفَاخِرَ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مَعْرِفَةَ الْإِنْسَانِ لِقَبِيلَتِهِ وَانْتِسَابِهِ لَهَا وَالْمُحَافَظَةَ عَلَى ذَلِكَ لا يُذَمُّ فِي الشَّرْعِ بَلْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ (( تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ ))، وَجَاءَ فِي قَصَّةِ نَبِىّ اللهِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامَ قَوْلُهُ: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ)
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : هُمُ الْعَشِيرَةُ وَالْقَبِيلَةُ.
إِذَاً أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ فَالْعَشِيرَةُ وَالْقَبِيلَةُ مَفْخَرَةٌ وَغِبْطَةٌ إِذَا كَانَتْ الْمُنَادَاةُ بِهَا فِي نُصْرَةِ الْحَقِّ وَرَدْعِ الظُّلْمِ وَقَدِ اعْتَزَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ بِقَوْلِهِ ( أَنَا النَّبِيُّ لا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ ))، وَقَدْ أَمَرَ الْمُنَادِي أَنْ يُنَادِيَ فِي بَنِي الْخَزْرَجَ ثُمَّ خَصَّ بَنِى حَارِثَةَ وَهُمْ عَشِيرَةٌ يَبْلُغُونَ الثَّمَانِينَ وَكَانَوا مِنْ أَشْجَعِ النَّاسِ لَكِنْ هَذَا فِي الْجِهَادِ وَفِي نُصْرَةِ الْحَقِّ.
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الْمَذْمُومُ هُوَ الافْتِخَارُ بِالْقَبَائِلِ وَبِأَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَذَمِّ أَنْسَابِ النَّاسِ وَاحْتِقَارِ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِقَبِيلَتِهِ فَتِلْكَ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَتِلْكَ هِيَ الْمُنْتِنَةُ الْأَثِيمَةُ وَمِنْ أَشَدِّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللهُ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى؟ قَالَ( وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَادُعُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَسْمَائِهِمْ بِمَا سَمَّاهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَوَرَدَ فِي قِصَّةِ الْمُهَاجِرِيِّ وَالْأَنْصَارِيِّ وَكَانُوا فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَسَعَ الْمُهَاجِرِيُّ الْأَنْصَارِيَّ فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ حَتَّى تَدَاعَوْا يَا لَلْأَنْصَارِ وَيَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ: أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ.
انْظُرُوا أَيَّهُا الْإِخْوَةُ، الْمُهَاجِريِنَ وَالْأَنْصَارُ هُمَا أَحْسَنُ وَأَفْضَلَ مَا يَنْتَمِي لَهُ الْمُسْلِمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتُ وَلَكِنْ حِينَمَا كَانَ الْقَصْدُ مِنَ التَّنَادِي بِهِمَا لِغَيْرِ رَابِطَةِ الْإِيمَانِ بَلِ الْعَصَبِيَّةُ ذَمَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ الذَّمِّ وَجَعَلَهَا دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَجَعَلَهَا مُنْتِنَةً لِلْمُبَالَغَةِ فِي ذَمِّهَا
أَيُّهَا النَّاسُ فَمَا بَالُكُمْ فِيمَنْ يَعْتَزِي وَيَفْتَخِرُ بِأَسْمَاءِ الْقَبَائِلِ التِي لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُ أَفْرَادِهَا مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبَاً مَا بَلَغَ مُدَّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَلا نَصِيفَهُ ثُمَّ يَفْخَرُ بِمَاذَا؟ ، إِنَّهُ يَفْخَرُ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ الْمَعْصُومَةِ فِيمَا مَضَى وَنَهْبِ الْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ فَيُسَمِّي ذَلِكَ فِعْلَاً مَمْدُوحَاً وَكَسْبَاً طَيِّبَاً ثُمَّ يَأْتِي جَاهِلٌ عَاشَ فِي كَنَفَ الْإِسْلَامِ وَفِي أَمْنِ الْإِيمَانِ وَفَيِ رَغَدِ الْعَيْشِ فِي ظِلِّ دَوْلَةِ التَّوْحِيدِ التِي وَحَدَّ اللهُ بِهَا الْكَلِمَةَ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهَا النَّاسُ وَلُمَّ بِهَا الشَّمْلُ وَأَذْهَبَ اللهُ بِهَا أَوْضَارَ الْجِاهِلِيَّةِ وَأَغْلَالَ الشِّرْكِ وَالْبِدْعَةِ. فَيَأْتِي وَيَفْتَخِرُ بِتِلْكَ الْأَفْعَالِ الْمَشِينَةِ وَالْمَفَاهِيمِ وَالْعَادَاتِ الْقَبِيحَةِ وَالسُّلُومِ الْقَبَلِيَّةِ التِي أَبْدَلَنَا اللهُ بِخَيْرٍ مِنْهَا حَيْثَ أَبْدَلَهَا اللهُ بِشَرْعُ اللهِ وَبِتَعَالِيمِ هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ .
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ - أَىْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ - وَفَخْرَهَا بَالآبَاءِ وَمُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ)
أَيُّهَا النَّاسُ وَإِنَّ مِمَّا يُدْمِي الْقَلْبَ مَا سَمِعْنَا مِنَ مُنَادَاةِ بَعْضِ السُّفَهَاءِ وَالْجَهَلَةِ بِبَعْضِ مَا يُثِيرُ النَّعَرَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ وَانْتِمَاءٍ وَاعْتِزَازٍ بِبَعْضِ رَوَابِطِ الْعَصَبِيَّةِ الْقَبَلِيَّةِ وَالتِي لا تُثْمِرُ إِلَّا إِذْكَاءَ نَارِ الْفِتْنَةِ وَقِيَامِ سُوقٍ لَهَا وَالْوُلُوغِ فِيهَا وَذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ الْمُزَايَنَاتِ وَالشِّيلاتِ وَالْقَصَائِدِ وَبَعْضِ مَا حَصَلَ لِلْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ مِنْ أُمُورٍ أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَيَغْفِرَ لَهُمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُهَاتَرَاتِ وَالرُّدُودِ عَبْرَ رَسَائِلِ التَّوَاصُلُ وَالْجَوَّالاتِ.
وَمَا يَصْحَبُ ذَلِكَ مِنْ شَحْنٍ لِلنُّفُوسِ وَتَعَصُّبٍ لِلْجَاهِلِيَّةِ وَإِحْيَاءٍ لِلْنَعَرَاتِ وَتَذْكِيرٍ بِمَا فَاتَ مِنْ عَفَنِهَا وَنَتَنِهَا عِنْدَ ذَلِكَ فَلا تَسْأَلْ عَنْ قِيَامِ سُوقٍ لِلْغِيبَةِ وَالْبُهْتَانِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَتَرَاشُقِ التُّهَمِ وُبُهْتَ الْأَبْرِيَاءِ وَإِشَاعَةِ الْفُحْشِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْكِبْرِ وَالازْدِرَاءِ وَالتَّبَاغُضِ وَالتَّدَابُرِ عَبْرَ الرَّسَائِلِ وَفِي الْمَجَالِسِ وَفِي الْمَدَارِسِ وَمَا قَدْ يَكُونُ لَهُ عَوَاقِبَ وَخِيمَةً إَذَا لَمْ يَتَدَارِكْ ذَلِكَ الْعُقَلاءُ وَيَأْخُذُوا بِأَيْدِي السُّفَهَاءِ وَفِي الْحَدِيثِ ( الْفَتِنَةُ نَائِمَةٌ مَلْعُونَ مَنْ أَيْقَظَهَا)
أَيُّهَا النَّاسُ: وَيُخْشَى وَاللهِ عَلَى كُلِّ مَنْ شَارَكَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ نَشْرِهَا أَوْ رَضِيَ بِهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَخُذُوا عَلَى يَدِ السَّفِيهِ وَأْطُرُوهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرَا .
فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ ( لَتَأْمُرُنَّ باِلْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ السَّفِيهِ وَلَتْأُطْرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرَاً، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ وَيَلْعَنَكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ) فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاتَّقُوا يَوْمَاً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ إِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ اللهِ الْقَائِلِ : ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)" أي هو سماكم في الرسالات السماوية الماضية وفي هذا القرآن وفي هذا الدين العظيم" (وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ))
عِبَادَ اللهِ : جَاءَ فِي الْحَدِيثِ :((إِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ مَفَاتِيحُ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جُعِلَ مَفَاتِيحُ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ)) أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِى مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ : الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ ، وَالنِّيَاحَةُ)
فَقَوْلُهُ: الْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ أَيِ التَّشَرُّفِ بِالْقَبِيلَةِ أَوِ الآبَاءِ وَالتَّعَاظُمِ بِذِكْرِ مَنَاقِبِهِمْ وَمَآثِرِهِمْ عَلَى وَجْهِ الْمُفَاخَرَةِ وَالتَّعَاظُمِ وَالرِّفْعَةِ عَلَى الآخَرِينَ وَذِلَكَ جَهْلٌ عَظِيمٌ . إِذْ لا شَرَفَ إِلَّا بِالتَّقْوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: ((وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا )) .
وَقَوْلُهُ الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ :أَيِ الْوُقُوعِ فِيهَا بِالذَّمِّ وَالْعَيْبِ أَوْ يَقْدَحُ فِي نَسَبِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ قَبِيلَتِهِ أَوْ جِنْسِيَّتِهِ أَوْ لَوْنِهِ.
وَسَبَبُ التَّفَاخُرِ أَنَّ الطَّعْنَ هُوُ سُوءُ التَّرْبِيَةِ وَنَقْصِ التَّوْحِيدِ فِي الْقَلْبِ وَضَعْفِ جَانِبِ الْأُخُوَّةِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْكِبْرِ وَالْعُجْبِ لِأَنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإيمَانِ الْحُبُّ فِي اللهِ وَالْبُغْضُ فِي اللهِ.
أَيُّهَا النَّاسُ اعْلَمُوا أَنَّ الْفِتَنَ فِي هَذَا الزَّمَانِ قَدْ كَثُرَتْ وَتَنَوَّعَتْ أَشْكَالُهَا وَصُوَرُهَا، وَأَنَّهَا قَدْ اشْرَأَبَّتْ وَأَنَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَنْ يَسْتَشْرَفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ وَقَدْ وَرَدَ أَيْضَاً أَنَّ مَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُؤْتَهُ وَمِنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ.
فَاحْذَرُوا الْفِتَنَ وَاحْذَرُوا دُعَاتَهَا وَاحْذَرُوا مِنَ النَّفْخِ فِيهَا وَاحْذَرُوا مِنْ إِشْعَالِ نِيرَانِهَا وَاعْلَمُوا أَنَّ وَقُودَهَا وَمَادَةَ إِشْعَالِهَا هِيَ كَلِمَةٌ وَقَصِيدَةٌ وَرِسَالَةٌ وَقِصَّةٌ وَذِكْرُ أَفْعَالٍ قَدِيمَةٍ وَمَعَارِكَ وَحُرُوبٍ فَانِيَةٍ أَمَّا دُعَاتُهَا فُهُمْ غَوْغَاءُ النَّاسِ وَسُفَهَاؤُهُمْ وَبَعْضُ الشُّعَرَاءِ وَالرُّوَاةِ وَالْكِتَابِ غَيْرِ الْمُوَفَّقِينَ مِنَ الذِينَ وَلَغُوا فِي هَذِهِ الْفِتْنَةِ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَأَقْلَامِهِمْ وَعَلَيْهِمْ وِزْرُ هَذِهِ الْفِتَنِ وَتَبِعَاتِ هَذَا النَّتَنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ آثَامِ أَتْبَاعِهِمْ شَيْئَاً.
أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ مَوْقِفَ الْعَاقِلِ وَمَوْقِفَنَا جَمِيعَاً مِنْ هَذِهِ الْفِتْنَةِ التِي تُثِيرُ النَّعَرَاتِ وَتُوغِرُ الصُّدُورَ أَنْ نَقِفَ صَفَّاً وَاحِدَاً عُقَلاءَ وَوُجَهَاءَ وَخُطَبَاءَ وَدُعَاةً ضِدَّ هَذِهِ الْفِتْنَةِ وَأَنْ نُحَذِّرَ مِنْهَا وَمِنْ مَغَبَّةِ آثَارِهَا وَالْعَمَلِ جَمِيعَاً عَلَى وَأْدِهَا فِي مَهْدِهَا وَالْعَمَلِ عَلَى إِطْفَائِهَا وَإِخْمَادِ نِيرَانِهَا فِي زَمَنِ نَحْنُ أَحْوَجَ مَا نَكُونُ إِلَى أَنْ نَكُونَ صَفَّاً وَاحِدَاً مَعَ قِيَادَتِنَا وَوُلاةِ أَمْرِنَا وَعُلَمَائِنَا ضِدَّ الْمُعْتَدِينَ وَضِدَّ الْأَعْدَاءِ الْحِقِيقِيِّينَ مِنَ الرَّافِضَةِ الْمَجُوسِ الْحُوثِيِّينَ وَمِنَ الدَّوَاعِشِ الْخَوَارِجِ التَّكْفِيرِيِّينَ الذِينَ لَيْسَ لَهُمْ هَمٌّ إِلَّا الْقَضَاءِ عَلَى دَوْلِةِ التَّوْحِيدِ وَزَعْزَعَةِ أَمْنِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا وَإِعَادَةِ الْوَثَنِيَّةِ إِلَيْهَا وَلِكَنَّهَا بِاقِيَةٌ بِإِذْنِ اللهِ لا يَضُرُّهَا مَنْ خَذَلَها وَلا مَنْ خَالَفَهَا مُتَمَسِّكَةٌ بِشَرْعِهَا وَنَهْجِهَا قَوِيَّةٌ بِإِيمَانِهَا وَتَوْحِيدِهَا وَتَوَحُّدِهَا صَامِدَةٌ بَوُلاةِ أَمْرِهَا وَعُلَمَائِهَا وَأَبْنَائِهَا,
أَسْأَلُ اللهَ جَلَّ وَعَلا أَنْ يَنْصُرَ دِينَهُ وَيُعْلِيَ كَلِمَتَهُ وَأَنْ يَحْفظَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ أَمْنِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا وَعَقِيدَتِهَا وَقِيَادَتِهَا وَعُلَمَائِهَا وَدُعَاتِهَا وُجُنُودِهَا الْمُرَابِطِينَ وَرِجَالِ أَمْنِهَا.
اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَأَرَادَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ بِسُوءٍ أَوْ شَرٍّ أَوْ فِتْنَةٍ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرَاً عَلَيْهِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ اهْدِ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ وَرُدَّهُمْ إِلَى الرُّشْدِ وَالطَّرِيقِ الْمُسْتِقِيمِ
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِالْإِسْلَامِ قَائِمِينَ وَاحْفَظَنْاَ بِالْإِسْلَامِ قَاعِدِينَ وَلا تُشْمِتْ بِنَا أَعْدَاءَ وَلا حَاقِدِينَ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالِمِينَ.
المشاهدات 5041 | التعليقات 0