أبالنبوة يُلعب ؟

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1446/07/23 - 2025/01/23 13:37PM

الحمد لله العلي الأكرم ، علم الإنسان ما لم يعلم ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له العليم الأعلم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالرسالة إلى خير الأمم ، وعلى آله وأصحابه  ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

عازب سيتزوج ، ومتزوج سينجب ، وفقير سيغتني ، وعاطل سيعمل ، وغائب سيعود ، ومهزوم سينتصر ، وعدو سيهزم .. وليقس مالم يقل .. تلك هي تفسيرات المعبرين لأحلام الواهمين مما تفيض به القنوات ، وتذيعه وسائل التواصل .. فعاش الحالمون يترقبون الوعد المنتظر على لسان معبر يتكلم بثقة ويعبر بيقين وكأنه سيد المرسلين

عالم من البشارة والنذارة .. وفيض من التهويل والإثارة .. وفي صور منها تكسب وتجارة

عالم يقود إلى الفلق وآخر يسوق أصحابه إلى الهم والقلق

إنه عالم الرؤى والأحلام فعلى عالم النوم الصامت تجري أحداث مابين رؤى تبشر وتنذر وتعلم وأحلام من الشيطان تحزن وتؤلّم

ومابين رؤى صادقة وأحلام كاذبة تأتي رؤى الأنبياء وحيا  وتشريعا تتعلم منها الأمة كيف تعامل ربها

في عالم الرؤى تقف الأمة هيبة أمام رؤيا سيد الحنفاء إبراهيم عليه السلام حينما قال لابنه ( إني أرى في المنام أني أذبحك ) ليسطر أعظم صور التسليم لرب العالمين وليتجلى البر الحقيقي والأدب الرفيع مع الوالدين ( ياأبت افعل ماتؤمر  ) ولتظهر عاقبة الرضا والتسليم والانقياد لأمر رب العالمين ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن)

وتأتي رؤيا يوسف عليه السلام لتعلن للناس أنه ( من يتق ويصبر فإن الله لايضيع أجر المحسنين )

وقف رغبا ورهبا أمام رؤى النبي صلى الله عليه وسلم والتي تحمل في طياتها تبشيرا للأمة وتطمينا لمستقبلها ، وإنذارا لها عما يضرها ، ودفعا لأبنائها للعلم النافع والعمل الصالح والاستعداد للآخرة

إن موقف المسلم في الرؤى هو الموقف الوسطي بين طرف يعظم الرؤى ويسرف في تعبيرها ويبني عليها مواقف وأحكام وتصرفات وانفعالات ، وطرف لايعبأ بالرؤى ولايفرق بين أنواعها ولايهتم بالسؤال عما حسن منها

المؤمن الوسطي يؤمن بقوله صلى الله عليه وسلم : الرؤيا الصالحة من الله ، والحلم من الشيطان

يؤمن أن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وأنها من المبشرات ، ولما سئل  صلى الله عليه وسلم  عن المبشرات : قال: «الرؤيا الصالحةُ يراها المسلمُ أو تُرى له

المؤمن يؤمن بالرؤى ويتعامل معها وفق الهدي النبوي فمن رأى رؤيا فليتعامل معها كما وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث يقول : الرؤيا الحسنةُ من الله، فإذا رأى أحدُكمْ ما يُحبُّ فلا يُحدِّثْ بهِ إلا منْ يُحبُّ، وإذا رأى ما يكرهُ فليتعوذْ باللهِ من شرِّها ومن شرِّ الشيطانِ، ولْيَتْفِلْ ثلاثًا ولا يُحدِّثْ بها أحدًا، فإنها لن تضرَّه

نؤمن بالرؤى ولكن نحذر من الكذب فيها وادعائها مهما يكن القصد فقد جاء في الحديث : من تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لم يرهُ كُلِّفَ أن يعقدَ بين شَعِيرتيْن، ومن أفرى الفِرَى أن يُري الرجل عينيه ما لم ترى

نؤمن بالرؤى ولكن ليس كل مدع للتعبير يُستفتى فكم في المعبرين من ليسوا أهلا لهذا العلم ولا فقه لديهم في التعامل معه، فكسروا باب الأحلام واقتحموا دارَه فضروا وأضروا وأساءوا الأدب ووقعوا في مخالفات كثيرة ، فئة عبر الرؤى تتدخل في خصوصيات الناس مما لاعلاقة له بالرؤى، مع الوقاحةُ في الألفاظ، والتلفظ بما لايليق وعلى قنوات التواصل  دون حياء من الله قبل البشر

وفئة بالتعبير تدخل في قضايا الأمة والفلسفة في معرفة الأمور ومستقبل الأمة، والجرأة على خوض الأمور العظيمة والصغيرة دون ورع وبلا حكمة.

وطائفة بتعبيراتها أوغرت الصدور وأثارت الشحناء والبغضاء والعداوات بين الأقارب والأصدقاء وبين الأزواج

وأخرى تمادوا في التعبير حتى استعانوا بالجن في التعبير وطائفة جعلت التعبير وسيلة للتكسب واستغلال حاجات الضعفاء ، وبوابة لتخبيب وعلاقات مشبوهة وللشيطان خطوات

فئة من المعبرين أوقعت الناس في الوساوس والأوهام والخوف من المستقبل ، وأرجفت فيهم خاصة مع ضعف الإيمان ووهن التوكل

لا تقص الرؤى إلا على عالم أو ناصح أو لبيب أو حبيب، أما العالم فإنه يؤولها له على الخير مهما أمكنه وأما الناصح فإنه يرشده إلى ما ينفعه ويعينه عليه وأما اللبيب وهو العارف بتأويلها فإنه يعْلِمه بما يعوّل عليه في ذلك أو يسكت وأما الحبيب فان عرف خيرا قاله وإن جهل أو شك سكت.

ألا ماأجمل الاعتدال ، وماأحسن الفقه في التعامل مع الأحلام والرؤى وما أقبح الإسرافَ فيها أو الاستسلامِ للمنامات هروبًا من واقع، أو تنصلا من واجباتٍ وتَبعات

أقول هذا القول ...

الخطبة الثانية : اما بعد .

فياعباد الله آمنوا أن رؤيا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ، "وكَانَ النبيُ صلى الله عليه وسلم لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ" متفق عليه.

وفي البخاري «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»

نؤمن بالرؤى لكننا نوقن أنها لن تغير من أقدار الله شيئا ولن تقدم أجلا أو تؤخره أو تأتي بالرزق أو تصرفه وإنما هي إن صدقت إضاءات ورسائل مبشرة أو محذرة

نؤمن بالرؤى لكن لايصح أن تكون هي مقياسا لسعادتنا أو شقاوتنا ، تؤثر في مسيرة حياتنا وتحدد معالم سيرنا ، بها نشقى أو نسعد فذلك مما لايرضاه دين ولا عقل

نؤمن أن الرؤى كما جاء في الحديث «الرُّؤْيَا ثَلاَثٌ: حَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ، وَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلاَ يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ »

وجَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي ضُرِبَ فَتَدَحْرَجَ فَاشْتَدَدْتُ عَلَى أَثَرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r لِلْأَعْرَابِيِّ: «لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي مَنَامِكَ» ثم قَالَ بَعْدُ في خطبته «لَا يُحَدِّثَنَّ أَحَدُكُمْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِهِ فِي مَنَامِهِ» أخرجه مسلم.

نؤمن أن الرؤى لايُبنى عليها أحكامُ أو وقائع أو تنبؤ بقطعياتٍ في المستقبلِ لايعلمها إلا الله.. ولايؤخذ منها فضائل لعمل وليس من خلالها نحدد تعاملنا ومواقفنا من الآخرين ، وكم أوهنت رؤى ليلة القدر من عزائم العاملين حينما انشغلوا بملاحقة الأحلام عن الصلاة والعبادة والقيام .. قال المَرُّوْذِيُّ صاحبُ الإمامِ أحمد : أَدْخلتُ إِبْرَاهِيْمَ الحُصْرِيَّ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ - وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً - فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي رَأَتْ لَكَ مَنَاماً، هُوَ كَذَا وَكَذَا، وَذَكَرَتِ الجَنَّةَ. فَقَالَ الإمامُ أحمد: يَا أَخِي الرُّؤيَا تَسُرُّ المُؤْمِنَ وَلاَ تَغُرُّهُ ، فإِنَّ سَهْلَ بنَ سَلاَمَةَ كَانَ النَّاسُ يُخْبرُونَه بِمِثلِ هَذَا، وَخَرَجَ إِلَى سَفكِ الدِّمَاءِ.

نؤمن بالرؤى لكن لايصح أن تحدث لنا قلقا أو ضيقا أو نأخذ تعبيرها وكأنه حق اليقين فليس كلُ ما يُخبرُ به المعبرُ للرؤيا يصدقُ فيه.. وإذا كان الصديق وهو أعظم أيمانا وأصدق تعبيرا قال له النبي صلى الله عليه وسلم في رؤيا عبرها : «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا». فكيف بمن دونه في الإيمان والتعبير

نوقن أن تأويل الرؤى ليست مهنةُ يرتقي فيه الصعب والذلول لكسب شهرةٍ أو جمعِ مالٍ، فلا يتجاسر عليها إلا من هو عالمٌ بتأويله ، قِيلَ لِلإمام مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ "أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ؟ فَقَالَ أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ؟ لَا يَعْبُرُ الرُّؤْيَا إِلَّا مَنْ يُحْسِنُهَا، الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ فَلَا يُتَلَاعَبُ بِالنُّبُوَّةِ"

وأخيرا : أيها المعبرون ، كم زل في التعبير من معبر ، وكم كان تعبير الرؤى مزلقا هوى به من هوى وغوى به من غوى حينما تساهل بالحديث مع النساء بخضوع وتميع فكان التعبير شرارة أوقدت نار انتكاسة وتغيير والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين ... اللهم صل وسلم ...

المرفقات

1737628624_أبالنبوة يلعب ؟.doc

المشاهدات 770 | التعليقات 0