آيـــــة الــــــســــــحـــــاب

عبدالإله بن سعود الجدوع
1444/06/19 - 2023/01/12 23:00PM
الحمد لله الذي أعطانا من الخير أعلاه، وكتب لنا من البر أوفاه؛ فهدانا لدينه وما كنا لنهتديَ لولاه، فنحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله الثبات على الدين،إلى أن يأتينا اليقين. ونشهد ألا إله إلا الله الحق المبين ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين ، صلى الله عليه وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .      أما بعدُ : اتقوا الله تعالى واسألوه أن يفتح عليكم من البركات والخيرات ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ..) ثم يا أيها الكرام : مِن آيات الله "السحاب" المسخر بين السماء والأرض، فتأملوا كيف ترونه يجتمع في جوٍّ صافٍ لا كُدرة فيه، وكيف يخلقه الله متى شاء إذا شاء؛ وهو -مع لينه ورخاوته- حامل للماء الثقيل بين السماء والأرض، إلى أن يأذن له ربه وخالقه في إرسال ما معه من الماء. فإذا أصاب الله أرضا بالغيث والمطر فحق لهم أن يفرحوا ويستبشروا (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ۖ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) فإذا ساقه الله إلى عباده إذا هم يستبشرون ويفرحون بأن الله صرف ذلك إليهم. فبَينَمَا الأَرضُ مُجدِبَةٌ وَالمَيَاهُ غَائِرَةٌ ، وَالمَرعَى يَابِسٌ وَالأَنعَامُ جَائِعَةٌ ، وَنُفُوسُ بعض النَّاسِ مُنقَبِضَةٌ وَصُدُورُهُم ضَائِقَةٌ ، فَإِذَا الغيث ينهمر  فَيَسُرُّ النَّاظِرِينَ ويبهِجُ السَّائِرِينَ  وحقاً والله ، إنا بفضل الله لفرحون ، ولرحمته راجون ، كيف لا يستبشرونَ ... وأرضُهم بعد سكونِها قد اهتزَّتْ ، وأجواؤُهم بزخاتِ المطرِ قد ازدانتْ ، مؤذنةً بمفاوزَ مخضَّرة ، وأشجارٍ مُثمرة ، ونباتاتٍ مُزهرة . إنها نِعَمٌ للبلادِ والعبادِ والشجرِ والدوابِ قد عمَّ خيرُها ، ودنى نَفْعُها { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ  )   أيها الفضلاء: الهدي النبوي يكون أن إذا رأى غيما وإذا رأى السحاب يكون متوازنا ، فلايكون الفرح به هو السائد  أما الخوف والوجل لا مكان له ! فلقد كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى السَّحَابَ مقبلا خَافَ وَارْتَعَبَ حَتَّى يَنْزِلَ الْمَطَرُ فُيُسَرَّى عَنْهُ , وَهَكَذَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَخَافَ ألا يَكُونَ عُقُوبَةً , فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ , قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ , وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ ؟ فَقَالَ (يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ ! عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ , وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا : هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . وورد أنه صلى الله عليه وسلم إذا رأى سحابا مقبلا من أفق من الآفاق ترك ما هو فيه حتى يستقبله ويقول : اللهم إنا نعوذ بك من شر ما أرسل به ، فإن أمطر قال : اللهم سيبا نافعا مرتين أو ثلاثة وإن كشفه الله عز وجل ولم يمطر حمد الله على ذلك . رواه ابن ماجه وصححه الألباني وقوله اللهم سيباً نافعاً ( بالسين ) أي مطراً جارياً على وجه الأرض نافعاً وورد قول ص (اللهم صيباً نافعاً ) وأيضاً ( اللهم صيباً هنيئاً ) وبعد المطر يقول ( مطرنا بفضل الله ورحمته ) وعلينا أن نتذكر أن وقت نزول المطر أنه مَوْضِعُ إِجَابَةٍ للدعاء بإذن الله ، لِأَنَّهُ يُوَافِقُ نُزُولَ رَحْمَةٍ مِنْ رَحَمَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وإذَا زَادِتْ مِيَاهُ الأَمْطَارِ وِخِيْفَ مِنْهَا فلا يدعى بتوقف المطر إنما يسُنَّ أَنَ يقال : الَّلهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا , اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَالآكَامِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ , رَبَّنَا لَا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) أيها الكرام: آية السحاب يسوقها الله رزقا لقوم بل ربما فرد ، ففي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينا رجل بفلاة من الأرض إذ سمع صوتًا في سحابة: اسق حديقة فلان. فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حَرَّةٍ، فإذا بشرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء، فتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحوِّل الماء بمسحاته، فقال له: يا عبدالله! ما اسمك؟ قال:فلان. للاسم الذي سمع في السحابة. فقال له: يا عبدالله! لم سألتني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان- لاسمك- فما تصنع فيها؟ قال: أمَا إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثه"، وفي رواية: "وأجعل ثلثه لليتامى والمساكين وابن السبيل" أخرجه مسلم. ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ أيها المستبشرون بفضل الله : قمة الإعجاز العلمي تتجلى في آية سورة النور في الآية (رقم 43)؛ حيث تشير إلى مراحل تكون السحب الركامية على الترتيب التالي: • إزجاء السحاب قال الله في الآية ﴿ ألم تر أن الله يُزْجِي سَحَابًا ﴾. • التأليف بين السحاب قال الله في الآية ﴿ ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ﴾. • ثم جعل السحاب ركامًا ، قال الله في الآية ﴿ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا ﴾. • ثم خروج قطرات الماء النامي من خلال السحاب قال الله : ﴿ فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ﴾. • وتكون جبال برد في السماء ونزول بعضه: ﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ ﴾ ويختار الله الأرض التي ينزل بها الودق والمطر قال الله ( فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء ) تأمَّلوا! كيف يسوقه –سبحانه- رزقًا للعباد، والدواب، والطير، والذَّرِّ، والنحل؛ بل حتى يسوقه رزقًا للأرض الفلانية، أو بجانب الجبل الفلاني، فتصل إليه الدواب على شدةٍ من الحاجة والعطش، في وقت كذا وكذا. وتأملوا -رحمكم الله- كم سخَّر سبحانه للسحاب من ريح حتى أمطر! قال الله تعالى في جزء من آية ( وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقول يعقلون ) ثم تأملوا الحكمة البالغة في نزول المطر على الأرض من عُلو ليعمَّ بسقيه ظرابها وآكامها، ومنخفضها ومرتفعها، ثم تأمل كيف أودعه في الأرض، ثم أخرج أنواع من الثمرات ومن الأغذية والأدوية والأقوات! (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)     الخطبة الثانية : في الصحيحين قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا“, قَالُوا: وَمَا زَهْرَةُ الدُّنْيَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “بَرَكَاتُ الْأَرْضِ“(متفق عليه) فيا عجبًا!! كيف يسميه بركة، ثم يخاف منه أشد الخوف؟!. خذ الجواب من تتمة الحديث، حيث قَالَ-صلى الله عليه وسلم-: “لَا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلَّا بِالْخَيْرِ.. إِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ؛ فَإِنَّهَا تَأْكُلُ، حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ، ثُمَّ اجْتَرَّتْ وَبَالَتْ وَثَلَطَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ؛ فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ؛ فنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ، كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ“.   فنباتُ الربيع يعجبُ الدوابَّ، فتأكلُ منه أكثرَ من حاجتها؛ فإما أن يقتلَها، أو تمرضَ منه؛ فهذا مثلُ من يأخذُ من الدنيا بشَرَهٍ, لا بقليل يقنع، ولا بكثير يشبع, وأما استثناؤه -صلى الله عليه وسلم-من ذلك: “آكِلةَ الخَضِرِ” فمُرادُه المقتصدُ الذي يأخذُ من الدنيا بحقِّها مقدارَ حاجته؛ كالإبل لا تستكثِرُ منه، بل تأخذُ منه قليلاً، فلا تَحْبَطُ منه بطونُها. في الختام أيها الفضلاء : مع مشاهد الأجواء الجميلة : شوهدت مظاهر العصيان والكفران والله المستعان ، فشوهد من يخرج للبر وبدلاً من التفكر بآلاء الله ، وبدلاً من شكر الله ، وبدلاً من ذكر الله ، تجده يرفع الأغاني تحت دعوى سعة الصدر ، وماعلم أنها سبب لمزيد من ضيق الصدر ، وكفران نعمة ، وجلب للنقمة والعياذ بالله ويا أهل الإيمان ... اشكروا ربَّكم على هذا الغيث المبارك ، وسلوه أن يجعله رحمة لكم ، وبلاغاً إلى حين   ، قيِّدوا هذا النعم بشكرها بأعمالكم ، وأقوالكم ، وقلوبكم. أَسْأَلُ اللهَ أَنَّ يَجْعَلَ مَا أَنْزَلَ مِنَ الْمَطَرِ غَيْثَاً مُغِيثَاً , هَنِيئَاً مَرِيئَاً , اللَّهُمَّ أَنْبِتْ بِهِ الزَّرْعَ وَأَدِرَّ بِهِ الضَّرْعَ , اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ بَلاغَاً لِلْحَاضِرِ وَالْبَادِ , اللَّهُمَّ عَلَى الضِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ , اللهم واجعله صيباً نافعا ، اللهم واجعله سيبا نافعا ، اللهم واجعله صيبا هنياً يا أرحم الراحمين ، اللهمَّ يا مَن حفظتَ نوحًا ومَن معه من الغرَقِ احفظ المنكوبين وممتلكاتِهم وأخْلِف عليهم خيرًا .. اللهم يا مَن نجيتَ يونسَ مِن بطنِ الحوتِ، اللهم نجِّ إخواننا مِن بطونِ الأمطارِ والسيولِ يا سميعَ الدعاءِ . . اللَّهُمَّ اجعَلْنَا مِمَّن إِذَا أُعطِيَ شَكَرَ ، وَإِذَا ابتُلِيَ صَبَرَ ، وَإِذَا أَذنَبَ استَغفَرَ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِنا دِينِنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لِنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشِنا وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتِنا الَّتِي فِيهَا مَعَادِنا وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِنا مِنْ كُلِّ شر , اَللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ , وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ , وَفَجْأَةِ نِقْمَتِكَ , وَجَمِيعِ سَخَطِكَ  اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى اللهم وفقهم لما فيه خير البلاد والعباد اللهم وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه  
المرفقات

1673553644_آية السحاب.doc

المشاهدات 521 | التعليقات 0