آية الله الأرض.. والاعتبار بزلزلتها وإغاثة الملهوفين

محمد بن عبدالله التميمي
1444/07/18 - 2023/02/09 18:37PM

 

الخطبة الأولى

الحمد لله جلَّ ثناؤه وتقدَّست أسماؤه، وتعالت عظمتُه، وعَظُمت قُدرتُه، أقام دلائل وحدانيته، وأظهر حُجَجُ ربوبيته، وأبان طريق عبوديتِه، آياتٌ في الكون ظاهرة، وأخرى بخلقه نازلة، ليكونوا بآياته الشرعية مؤمنين، ولها تالين متدبرين، فتبارك الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه الكريم، بعثه بالدين القويم، فهدى من شاء الله هدايته إلى صراطٍ مستقيم، فرضيَ اللهُ عن صحابته أجمعين، وآله الطيبين، وأزواجه أمهاتِ المؤمنين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله.. لربكم اتقوا، وبآياته تفكروا واستبصروا، وبما وعد من جزيل الثواب اعملوا، وعلى ما توعَّد من أليم العقاب لفاعله اجتنبوا {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

عباد الله.. لقد خلق الله تعالى الأرضَ وجعلها مهيأةً ليعيش عليها عبادُه، وهذه النعمة لا تقتصر على العباد المكلفين وإنما تتعدى ذلك لتَعُمَّ كافةَ المخلوقات التي تعيش على الأرض، وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم خصائصَ للأرض حتى كانت صالحة لمعيشة ما عليها من مخلوقات، ومن هذه الخصائص: الرتق والفتق {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}.

والحاصل في تفسيرها أن السماء تُمطِر، والأرضَ تُنبِت، وأن السماوات سبعًا، وكذلك الأرض، وأن السماء والأرض منفصلتين، وهذه الأمور جميعها مما أنعم الله تعالى به.

ومن خصائص الأرض: المد والبسط، قال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} وهذا المد والبسط للأرض من أعظم النعم، فلولا أن الله جعلها مبسوطة لما تمكن سكانها من التنقل بسهولة ويسر بين الأماكن المختلفة لقضاء الحاجات المتعددة، لذلك قال الله تعالى: { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا }، كما أن الله عز وجل قد ذلل الأرض { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } أي: سهلة مهيأةً للمشي في طرقاتها، ثم أعقب ذلك بـالأمر بالمشي وتحصيل الرزق، ثم دعا الله تبارك وتعالى إلى طلب رضاه، فالـمَردُّ والمرجع إلى الله يوم الدين والجزاء.

كما أن من خصائص الأرض: الثبات، قال الله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } لئلا تتحرك بالخلق وتضطرب بهم، فيتمكنون من حرث الأرض والبناء والسير عليها، وإن حركة الأرض عند الزلازل لا تنافي حكم الله بعدم اضطرابها لأن إثبات الحركة لجزء الشيء لا ينافي نفيها عن كله.

وقد قيل في تفسير قوله تعالى عن الحجارة: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} عند الزلازل، من أجل ما يُريد الله بذلك من خشية عباده له، وفَزَعِهِم إليه بالدعاء والتوبة، ففي الزلازل الشديدة تحصل خشية الله تعالى في قلوب العباد، وقد قال الله عز وجل ترهيباً من سطوته وتحذيراً من بالغ قدرته {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} والعذاب الذي من فوق مثل الصواعق والريح، والذي من تحت الأرجل مثل الزلازل والخسف والطوفان، وذلك من آيات الله الدالة على قدرته وربوبيته وأنه المستحق للعبادة دون من سواه، قال الله تعالى: ﴿وما نُرْسِلُ بِالآياتِ إلا تَخْوِيفًا﴾ أيْ: لِمَن أُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ، قيل المُرادِ بِها الآياتِ الَّتِي مَعَها إمْهالٌ كالخُسُوفِ والكُسُوفِ وشِدَّةِ الرَّعْدِ والبَرْقِ والرِّياحِ والزَّلازِلِ، أيْ: ما نُرْسِلُها إلّا تَخْوِيفًا مِمّا هو أعْظَمُ مِنها. قال قَتادَةُ رحمه الله: (إنَّ اللَّهَ تَعالى يُخَوِّفُ النّاسَ بِما شاءَ مِن آياتِهِ لَعَلَّهم يَعْتِبُونَ أوْ يَذْكُرُونَ ويَرْجِعُونَ).

وقد رأيتم عباد الله ما أصاب إخوانكم في سوريا وتركيا من زلزال، دمَّر وأهلك، وخلَّف أضرارا بالغة، وهدم بنايات قائمة، ودمَّر ديارا عامرة، وقطّع شوارع فصارت كالجبال، شفيرُها جُرُف هار، وما أعظم وَقْعَه، فالناس في تلك اللحظة قد أصابهم فزع وهلع، وقد جاء في الأثر: (إِن الله يحب الصَّبْر عِنْد زَلْزَلَة الزلازل وَالْيَقِين النَّافِذ عِنْد مَجِيء الشَّهَوَات وَالْعقل الْكَامِل عِنْد نزُول الشُّبُهَات)، وكم رأينا من ثبات قلوب صغارٍ على من مات من أهليهم، وثبات دين أناس يسألون عن الصلاة وهم بَعْدُ تحت الأنقاض.

فاللهم ثبّتهم، وأثبهم، وَأْجُرْهُم في مصيبتهم، وأَخلفهم خيرا، ونعوذ بك اللهم من جَهد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، اللهم نعوذ بك من الهدمِ والتَّردِّي، ونعوذُ بِكَ منَ الغَرَقِ والحَرقِ، ونعوذ بك من الغَمِّ الهَمِّ والحَزَنِ والـمِحَن وسوء الفِتن ما ظهر منها وما بطن.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، إلهِ الأولين والآخرين، ومُغيثِ الملهوفين، ومُثيبِ المتصدقين، ومُخْلِفٌ خيرًا من أُصيب فاسترجع، ومن تصدَّق وتطوَّع {واللهُ يحب المحسنين}، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وعليكم بالقيام بما يجب تجاه المنكوبين في سوريا وتركيا في هذا الأسبوع من زلزال مدمر مأساوي نتج عنه خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، ووقع على إثره آلاف القتلى وعشرات الآلاف من المصابين، وتضرر الملايين في بيوتهم وممتلكاتهم، وذلك بالدعاء للمُوتى بالمغفرة والرحمة، وللمصابين بالشفاء، ومن ذلك مدُّ يد العون بالدعم عبر منصة "ساهم" لمساعدتهم، فقد وجه به خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين - أيدهما الله - فور وقوع الحدث الأليم من الأمر بتسيير جسر جوي وتقديم مساعدات صحية وإيوائية وغذائية ولوجستية لتخفيف آثار الزلزال بتنظيم حملة شعبية لدعمهم.

فالوصية للجميع بالمشاركة في هذه الحملة المباركة لتخفيف آثار الزلزال، وتأتي هذه امتداداً لمواقف المملكة العربية السعودية في إغاثة المنكوبين.

نسأل الله تعالى أن يجزي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين خير الجزاء على هذه المبادرة الإنسانية وأن يلطف بعباده المصابين والمتضررين، وأن يدفع عنا وعن المسلمين كل شر وبلاء وفتنة، ويثبتنا على هدي الكتاب والسنة، وأن يُورثنا ووالدينا الجنة، بكرمه ومنّه.

المرفقات

1675957030_آية الله الأرض والاعتبار بزَلزلتها.docx

1675957030_آية الله الأرض والاعتبار بزَلزلتها.pdf

المشاهدات 1314 | التعليقات 0