آيَةَ الْكُرْسِيِّ

محمد البدر
1446/05/12 - 2024/11/14 05:07AM
.خُطْبَةُ عَن: آيَةَ الْكُرْسِيِّ - محمد أحمد الذماري - جامع الشيخ صالح بن عبدالله العمودي رحمه الله - جدة التاريخية

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾.قَالَ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَاصِرِ السَّعْدِيِّ-رَحِمَهُ اللهُ:أَخْبَرَﷺأَنَّ هَذِهِ الآيَةَ أَعْظَمِ آيَاتِ القُرْآنِ ، لما احتوت عليه من معاني التوحيد والعظمة، وسعة الصفات للباري تعالى.فأخبر أنه﴿اللهُ﴾الذي له جميع معاني الألوهية، وأنه لا يستحق الألوهية والعبودية إلا هو،فألوهية غيره،وعبادة غيره باطلة.

وأنه﴿الْحَيُّ﴾الذي له جميع معاني الحياة الكاملة، من السمع والبصر، والقدرة، والإرادة، وغيرها، والصفات الذاتية.كما أن﴿الْقَيُّومُ﴾تدخل فيه جميع صفات الأفعال،لأنه القيوم الذي قام بنفسه، واستغنى عن جميع مخلوقاته،وقام بجميع الموجودات،فأوجدها وأبقاها،وأمدها بجميع ما تحتاج إليه في وجودها وبقائها.ومن كمال حياته وقيوميته،أنه﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ﴾أي:نعاس﴿وَلا نَوْمٌ﴾لأن السنة والنوم،إنما يعرضان للمخلوق، الذي يعتريه الضعف،والعجز،والانحلال،ولا يعرضان لذي العظمة والكبرياء والجلال.

وأخبر أنه مالك جميع ما في السماوات والأرض فكلهم عبيد لله مماليك،لا يخرج أحد منهم عن هذا الطور﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾فهو المالك لجميع الممالك، وهو الذي له صفات الملك والتصرف، والسلطان، والكبرياء.

ومن تمام ملكه أنه لا﴿يَشْفَعُ عِنْدَهُ﴾أحد﴿إِلا بِإِذْنِهِ﴾فكل الوجهاء والشفعاء عبيد له مماليك، لا يقدمون على شفاعة حتى يأذن لهم﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾والله لا يأذن لأحد أن يشفع إلا فيمن ارتضى، ولا يرتضي إلا توحيده، واتباع رسله، فمن لم يتصف بهذا، فليس له في الشفاعة نصيب.

ثم أخبر عن علمه الواسع المحيط، وأنه يعلم ما بين أيدي الخلائق، من الأمور المستقبلة، التي لا نهاية لها ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾من الأمور الماضية التي لا حد لها، وأنه لا تخفى عليه خافية ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾وأن الخلق لا يحيط أحد بشيء من علم الله ومعلوماته﴿إِلا بِمَا شَاءَ﴾منها وهو ما أطلعهم عليه من الأمور الشرعية والقدرية، وهو جزء يسير جدا مضمحل في علوم الباري ومعلوماته،كما قال أعلم الخلق به،وهم الرسل والملائكة:﴿سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا﴾ثم أخبر عن عظمته وجلاله، وأن كرسيه، وسع السماوات والأرض، وأنه قد حفظهما ومن فيهما من العوالم بالأسباب والنظامات، التي جعلها الله في المخلوقات.ومع ذلك فـ﴿لا يَئُودُهُ﴾أي:يثقله حفظهما، لكمال عظمته، واقتداره، وسعة حكمته في أحكامه.﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ﴾بذاته، على جميع مخلوقاته، وهو العلي بعظمة صفاته، وهو العلي الذي قهر المخلوقات، ودانت له الموجودات، وخضعت له الصعاب، وذلت له الرقاب.

﴿الْعَظِيمُ﴾الجامع،لجميع صفات العظمة والكبرياء،والمجد والبهاء،الذي تحبه القلوب، وتعظمه الأرواح،ويعرف العارفون أن عظمة كل شيء،وإن جلت عن الصفة، فإنها مضمحلة في جانب عظمة العلي العظيم.

فآية احتوت على هذه المعاني التي هي أجل المعاني، يحق أن تكون أعظم آيات القرآن، ويحق لمن قرأها، متدبرا متفهما،أن يمتلئ قلبه من اليقين والعرفان والإيمان،وأن يكون محفوظا بذلك من شرور الشيطان.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...

 

الْخُطبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللَّهِ: ولعظم مقام هذه الآية وعلو شأنها جاء عن النَّبِيُّﷺ في أحاديث عديدة الترغيب في قراءتها مرّات وكرّات في اليوم والليلة وعند النوم قَالَﷺ: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ»رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِﷺبِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ،فَقُلْتُ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِﷺ-فَذَكَرَ الحَدِيثَ-،فَقَالَ:إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ،لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ،وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ،فَقَالَ النَّبِيُّﷺ«صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.وَقَالَﷺ:«يَا أَبَا الْمُنْذِرِ،أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ»قَالَ:قُلْتُ:اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.قَالَ:«يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ»قَالَ:قُلْتُ:﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾قَالَ:فَضَرَبَ فِي صَدْرِي،وَقَالَ:«وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

المرفقات

1731550017_آيَةَ الْكُرْسِيِّ.pdf

المشاهدات 492 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا