آية الإسراء والمعراج

 

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله إمام المتقين، وأفضل المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، اتقوا من ذلت له الجوارح وخشعت له القلوب، وأنيبوا إلى غفار الخطايا وستار العيوب، وصدقوا ما أخبر به ربنا من الآيات والغيوب.

واذكروا آية عظيمة أوتيها نبيكم صلى الله عليه وسلم، إذ دعاه ربه بالإسراء والمعراج ليريه من آياته، ويسبغ نعمته عليه وعلى أمته.

فبينما هو في الحجر مضطجعا إذ جاءه جبريل فشقه من نحره إلى أسفل بطنه، فغسل قلبه من ماء زمزم.

ثم جاء بطست من ذهب قد ملئ حكمة وإيمانا؛ فأفرغها في صدر النبي - صلى الله عليه وسلم .

وثبت فؤاده وعزيمته وقواها، وهيأها للحوق بالملأ الأعلى وسواها.

ثم أتي بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرْفِه ، فحُمل عليه حتى أتى بيت المقدس فوجد الأنبياء قد جُمعوا له فصلى بهم إمامًا؛ تفضيلا من الله لنبيه وإكرامًا؛ كيف لا؟ وهو الإمام الأعظم والنبي الكريم المقدم؟ صلى الله عليه وسلم.

ثم عرج به جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبريل.

قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قال: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، ففتح فإذا آدم. قال: هذا أبوك آدم فسلِّم عليه، فسلم النبي عليه، فرد السلام وقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح، ثم صعد به سماء بعد سماء،

وكلما جاء به جبريل إلى سماء، استقبله خادمها وقال: مرحبًا ونعم المجيء جاء.

 فوجد في الثانية يحيى وعيسى، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون، كلما مر بنبي منهم سلم عليه فيرد السلام ويقول: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح .

ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَرَأَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَرَحَّبَ بِهِ وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ. فَلَمَّا جَاوَزَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقِيلَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لِأَنَّهُ بُعِثَ بَعْدِي وَيَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي.

ثُمَّ عَرَجَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَإِذَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى البَيْتِ المَعْمُورِ، وَإِذَا هَذَا البَيْتُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٌ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.

وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ: أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: «سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ».

رأى النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل الجنة والنار ووعد الآخرة أجمع ، عرج به حتى ظهر لمستوى سمع فيه صريف الأقلام ، مر بالملأ الأعلى ، عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى.

الله أكبر.. بلغ نبينا محلا من القرب سبق به الأولين والآخرين؛ وأراه الله من آياته الكبرى ليكون من الموقنين.

رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - هناك جبريل على صورته له ستمئة جناح،

(أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى* وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)

كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كامل الأدب فلم يلتفت جانبا ولا تجاوز ما رآه {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}

ثُمَّ انْطَلَقَ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى دَاخِلِ الجَنَّةِ فَإِذَا فِيهَا قباب اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا المِسْكُ.

ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ إِلَى نَهْرِ الكَوْثَرِ؛ فَإِذَا حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ المُجَوَّفِ، وَإِذَا طِينُ النَّهْرِ مِنَ المِسْكِ.

أُتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإِناءٍ من خمْرٍ ، وإناءٍ من لبَنٍ ، وإِناءْ من عسَلٍ ، فأخذ اللبَنَ ، فقال جبريل : هِيَ الفِطرةُ التي أنتَ عليْها وأُمَّتُكَ .

ثم قرّبه الله إليه وأدناه، وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة، فرجع فمر بموسى فقال: ماذا فرض عليك ربك وعلى أمتك؟ قال: «خمسين صلاة في كل يوم وليلة».

فقال موسى: سبحان الله، إن أمتك لا تُطيق ذلك، وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك. فرجع فوضع عنه عشرًا ثم رجع فوضع عنه عشرًا ثم عشرًا ثم عشرًا ثم خمسًا فقال موسى: ارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، فقال: « قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، فَلَمَّا بَعُدَ نَادَى مُنَادٍ: قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي» .

عباد الله: في هذه الليلة العظيمة رأى النبي - صلى الله عليه وسلم – أنواعا من العذاب الذي يقع على المذنبين: فَرَأَى أَقْوَامًا لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ ويَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ.

وَرَأَى شَجَرَةَ الزَّقُّومِ فِتْنَةً وَعَذَابًا لِلظَّالِمِ، شَجَرَةً تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مالكا خَازِنَ النَّارِ وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ يُعْرَفُ الغَضَبُ فِي وَجْهِهِ.

وَرَأَى عَذَابَ الزُّنَاةِ وَأَكَلَةِ الرِّبَا وَأَكَلَةِ أَمْوَالِ اليَتَامَى ظُلْمًا.

وَمَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ قَالَ: هَذِهِ رِيحُ مَاشِطَةِ بِنْتِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا.

عباد الله.. و بعد تلك الرحلة العجيبة والآية العظيمة: انطلق به جبريل إلى مكة وعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى فراشه في آخر الليل.

فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه أخبرهم بما أراه الله عز وجل من آياته الكبرى، فاشتد تكذيبهم له، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس،

فجلاه الله له حتى عاينه، فطفق يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئا. فلم يزدهم ذلك إلا نفورا، وأبى الظالمون إلا كفورا.

أما أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقد قال بإيمان صادق وبيقين راسخ: "والله لئن كان قاله لقد صدق، والله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار، فهذا أبعد مما تعجبون منه".

 وبعد فاتقوا الله عباد الله، واعتبروا بما وهب الله نبيكم من عجائب الدلائل وباهر الآيات، وما آتاه من المكرمات ورفعة الدرجات، واسألوا الله أن يثبتكم على الإيمان بالغيب حتى الممات.

اللهم ارزقنا كمال الإيمان وقوة اليقين، واجعلنا من كمل عبادك المؤمنين، واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحمد لله العلي الأعلى، وسُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ، وصلى الله وسلم على رسول الهدى وخير الورى، من جاوز سدرة المنتهى، وأراه ربنا من آياته الكبرى.

أما بعد فاتقوا الله عباد الله، وآمنوا بخبر الله وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقدروا قدر هذا النبي الكريم المعظم، واتبعوا سنته وهديه، فافعلوا ما فعل، واتركوا ما ترك، أحلوا الحلال وحرموا المحرم.

واعلموا أنه لم يدل دليل صحيح على تحديد ليلة الإسراء والمعراج ولا شهرها، ولو ثبت تعيينها لم يجز لنا أن نخصها بعبادة أو احتفال ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام لم يحتفلوا بها ولم يخصوها بشيء.

فالزموا سنته واتبعوها، واتركوا الأهواء المضلة ولا تبتدعوها.

ثم صلوا وسلموا على من رفعه الله حتى جاوز السبع الطرائق، صلوا وسلموا على النبي الكريم المفضَّل على سائر الخلائق،

اللهم صل على نبينا محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم

 

المرفقات

1615272543_آية الإسراء والمعراج.docx

1615272543_آية الإسراء والمعراج.pdf

المشاهدات 887 | التعليقات 0