آية إنزال المطر + الحث على التقيد بالاحترازات
عايد القزلان التميمي
الحمد لله الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزل من السماء ماء طهوراً ليحيي به بلدة ميتاً ويسقيه مما خلق أنعاماً وأناسي كثيراً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وكان الله على كل شيء قديراً وأشهد أن محمداً عبده صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعدُ فيا عباد الله أوصيكم وَنفسي بِتقوى اللهِ تَعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )).
أيها المؤمنون: قال الله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ}.
عباد الله إن المطر نعمة من نعم الله، وآية من آياته الباهرة الدالة على رحمته وحكمته. تأمل يا عبد الله المطر النازل من السماء، من أرسل سحابه وساقها؟ من أنزله؟ من أجراه في مجاريه؟ من جمعه في الفياض والقيعان؟ من يعلم كمياته وعدد قطراته؟ من جعله سائلاً ولم يجعله جامداً؟ إنه الله جل جلاله {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا...}
أيها المؤمنون : لقد ذكر الله تعالى آية إنزال المطر لعباده في مواضع كثيرة من كتابه ليتذكروا بها : عظيم حكمة الله ورحمته بخلقه وتسخيره هذا الماء لمصالح العباد كما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً . لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً . وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} وقال عز وجل: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} ، وقال تعالى: {...وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً . لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً...} وقال عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ...} ، وقال سبحانه ( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)) . وآيات أخرى كثيرة.
أيها المُؤمِنُونَ: علينا جميعا: كُلَّما تجَدَّدَت لَنا نِعَمَاً من ربنا أن نشكر الله ونحمده, وَتَذَكَّرُوا: (( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)) فأكثروا من شكره، فهو سبحانه يحبّ الشاكرين، ويزيد النعم عند شكرها، وليكن شكرنا شكرا حقيقيا، نشكره بألسنتنا، ونشكره بأعمالنا، نعمل شكرا له سبحانه، أليس هو القائل: { اعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ }
أيها المؤمنون واعلموا أن لِلمطَرِ سُننٌ قَولِيةٌ وأُخرى فِعلِيَّةٌ, فَقد كانَ رَسُولُ اللهِ إذا رَأى الغَيثَ قالَ: (الَّلهمَّ صَيِّبَاً نَافِعَاً). وَقَالَ: (مُطرنا بِفضلِ اللهِ وَرَحمَتِهِ). وكانَ إذا اشتَدَّ المَطَرُ وَخَشِيَ الضَّرَرَ قالَ: (اللهمَّ حَوالَينَا ولا عَلَينَا, اللهمَّ على الآكَامِ والظِّرَابِ وبُطُونِ الأَودِيَةِ ومَنَابِتِ الشَّجَرِ). وَكَانَ يَكشِفُ بَعضَ بَدِنِهِ لِيصيبَهُ المَطرُ. ويَحَسِرُ ثَوبَهُ، ويَكشِفُ عن عِمَامَتِهِ لِيُصِيبَ المَطَرُ جَسَدَهُ, ويُسَنُّ الدُّعَاءُ حالَ نُزُولِهِ لِقولهِ :( ثِنْتَانِ مَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ, وَتَحْتَ الْمَطَرِ) حَسَّنَهُ الألبَانِيُّ. ويجوز الجَمْعِ بَينَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ واظهر والعصر حَالَ نُزُولِ المَطَرِ, وَلَكِنْ لا تُقصَرُ الصَّلاةُ حالَ الإقامَةِ, كَمَا يَجِبُ الحَذَرُ مْنْ خُطُورَةِ التَّساهُلِ والتَّسارُعِ فِي الجَمْعِ, فَقد بيَّنَ العُلماءُ أنَّ الجَمْعَ يَكُونُ, بِوجُودِ مَشقَّةٍ على الْمُصَلِّينَ, أو وجُودِ وحَلٍ وَطِينٍ, أو مَطَرٍ يَهطِلُ أَثْنَاءَ الصَّلاةِ يَبُلُّ الثِّيابَ, ويُؤذِي المُصلِّينَ.
عباد الله : يكثر في هذه الأجواء الخروج للتنزه ولا حرج عليه في ذلك، وأما ما يفعله بعضهم بأن يُغامِرُ بِدُخُولِ سَيَارِاتِهم إلى الشـِّعابِ والأَودِيَةِ ممَّا يَنتُجُ عنه خُطورة ٌبَالِغَةٌ ويلقى بنفسه إلى التهلكة .
والبعض الآخر يتهور في القيادة ونحوه، وتحويل الرمال إلى أماكن أشبه بالأرض المحروثة، فلا شك أن هذا خلاف السير الشرعي، بل هو إفساد في الأرض وقد قال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا...} وقال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقوله {سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي بأبدانكم وقلوبكم،وتفكروا في خلق ربكم وهكذا ينبغي أن تكون رحلاتنا اعتبار ومتعة وترفيه .
اللهمَّ انفعنا وارفعنا بالقرآنِ العظيمِ, وَبِهَدْيِ سَيِّدِ المُرسَلِينَ, واستغفرُ اللهَ لِي وَلَكُم ولِلمُسلِمِينَ من كلِّ ذَنبٍّ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل قوة هذه الأمة في إيمانها، وعزها في إسلامها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد
فيا عِبَادَ اللهِ: إن سُنن الله في شرعه وكونه تُحَتِم علينا الأخذ بالأسباب؛ فمن الدِّيانة الالتزام بكل إجراء يقي الإنسان من الأمراض والأوبئة والأدواء، لأن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله سبحانه وتعالى؛ فالله هو الذي خلق الأسباب والمسببات، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "اعقلها وتوكل".
وحفاظاً على صحتكم وسلامتكم المؤمل منكم التقيد بالإجراءات الاحترازية والاشتراطات الصحية والتدابير الوقائية التي تقررها الجهات المعنية مِنْ لُبْسِ الْكَمَّامِ, والتَّبَاعُدِ فِي الأَمَاكِنِ الْمُغْلَقَةِ والْمَكْشُوفَةِ والتحصين بالجرعتين والمسارعة في أخذ الجرعة التنشيطية. هذه الإجراءات ضرورية لتجنب اتخاذ قرارات أكثر قسوة في المستقبل، وحتى لا نخسر الكثير من المكاسب التي تحققت بفضل الله سبحانه ثم إجراءات الدولة وجهود المؤسسات ووعي عامة المجتمع .
واعلموا يا عباد الله أن الله هو الذي ينزل الداء والدواء، وما رفع البلاء بمثل الدعاء، وأسأل الله أن يزيل عنا وعن المسلمين وعن العالم أجمع هذه الجائحة عاجلاً غير آجل.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ...
المرفقات
1640927456_آية إنزال المطر الحث على الأخذ بالاحترازات.doc