آللهُ يرسل لكَ دنانير من السماء ؟ خطبة مختصرة عن الرزق

عبدالرحمن المهيدب
1442/07/20 - 2021/03/04 14:34PM

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).. عباد الله حديثنا اليوم معاشر المسلمين عن أمرٍ أرَّق كثيرًا من الناس, أقضّ مضاجع, وأوقد مواجع, أبكى عيون, وأسهر جفون, سرق السارق لأجله, وارتشى المرتشي لطلبه, قطَّع أرحام, وفرّق بين الإخوان, قرره الله في كتابه أيما تقرير, وتكفّل به وهو الغني القدير, أقسم الله بتكفُّله, ووعد بتحمُّلِه, إنه يا عباد الله أمر الرزق, فلطالما اقتتل الناس طلبًا له, وكانت الخصومات منشأً له, تكفل الله بأرزاق العباد لكرمِه, ولم يجعله عند أحدٍ من خلقه بعدلِه, والكتاب والسنة مليئان بتقرير ذلك, إلا أن آيةً أوقفتني مليًا, قلّبت لفظها, وتعجبت من سبكها, إنها يا عباد الله قول الله تعالى: ( وفي الأرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون * وفي السماء رزقكم وما توعدون ) يقول الإمام السعدي في تفسيره لهذه الآية: "أي أن في السماء رزقكم سواء من مطرٍ أو رزقٍ ديني أو دُنيوي" فالله قسَّم أرزاقكم وصحتكم وأولادكم وكل ماهو من شأنكم, ثم أقسم الله تعالى على ذلك فقال : ( فوربِّ السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) فياالله ما أعظم هذا القسم, وما أكثر هذه التوكيدات, قسمٌ من الله عز وجل يعقبه توكيد ليقرر الله هذا الأمر العظيم.

فيا مَن أرَّقه البحث عن الوظيفة؛ إن الله هو الرزاق, ويا مَن حمل همّ لقمةٍ لم يَحِن أوانها, إن الله هو الرزاق, ويا مَن عضل موليته خوفًا على رزقها, فعند الله رزقها, ويا مَن أشغله أمرُ رِزقِ عياله فعند الله رزقهم ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) فلن تموت نفس حتى تستوفيَ رزقها, وتتحصل على ماكتب الله لها, فقد روى أبو نعيم في الحلية أن أبا أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: " إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها, فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب, ولا يحمِلَنّ أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله, فإن الله تعالى لا يُنال ما عندهُ إلا بطاعته " صححه الألباني.

فاطمئنوا وأبشروا .. فرزقكم مكتوب, ولن يموت أحد لم يستوفي رزقه, فقد جاء في الحديث عن عبدالله بن مسعود –رضي الله عنه- : " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك, ثم يُرسَل إليه الملك فينفخ فيه الروح, ويؤمر بأربع كلمات, بكتب رزقه وأجله وعمله, وشقي أو سعيد ", فوالله إن الكريم الحكيم العليم قدَّر لك ما يصلُحُ لك, ولو كان في زيادة رزقك خيرٌ لك لانصبّ عليك ورأيتَهُ أمام عينيك, (وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوْاْ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍۢ مَّا يَشَآءُ ۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرٌۢ بَصِيرٌ)

يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى "

تَوكلْتُ في رِزْقي عَلَى اللَّهِ خَالقي****وأيقنتُ أنَّ اللهَ لا شكٌ رازقي

وما يكُ من رزقي فليسَ يفوتني****وَلَو كَانَ في قَاع البَحَارِ العَوامِقِ

سيأتي بهِ اللهُ العظيمُ بفضلهِ****ولو لم يكن مني اللسانُ بناطقِ

ففي أي شيءٍ تذهبُ النفسُ حسرة ****وَقَدْ قَسَمَ الرَّحْمَنُ رِزْقَ الْخَلاَئِقِ

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .

---------------------------

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

قيل لحاتم الأصم: من أين تأكل ؟ قال : من عند الله فقيل له : الله ينزل لك دنانير ودراهم من السماء ؟ فقال : كأن ما له إلا السماء ! يا هذا .. الأرض له، والسماء له، فإن لم يؤتني رزقي من السماء ساقه لي من الأرض، وأنشد :

وكيف أخاف الفقر والله رازقي … ورازق هذا الخلق في العسر واليسر

تكفل بالأرزاق للخلـق كلهم … وللضب في البيداء والحوت في البحر

عباد الله وبعد تقرر أن الرزق مكتوب وأمره محسوم إلا أن الله جعل لك شيء سببا فمريم عليها السلام عند مخاضها أمرها الله أن تهز جذع النخلة، وهي من أولياء الله الصالحين ومن أعظم المتوكلين، ليسقط عليها رطب جنيا ، فمع ما تمر به من حالة عصيبة إلا أنه أمرت بالعمل بالسبب لجلب الرزق , فماذا تفعل امرأة ضعيفة بجذع نخلة ضخم؟ لكنها سنة الله في استجلاب الأرزاق بأسبابها..

فحال المؤمن بين هذين الأمرين: العمل بالسبب مع التوكل على الله.

وأخيراً عباد الله اعلموا أن السعادة ليسَت في جمعِ المال والتكاثر فيه, إنما السعادة في العيش مع الله, والتلذذ بعبادته والقناعة بما رزق الله, يقول ابن تيمية –رحمه الله-: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة, قالوا وما هي؟ قال: إنها جنة الإيمان" .

أسأل الله أن يبلغنا تلك الجنة ومن نحب, وأن يُسعِدَنا جميعًا في الدنيا والآخرة. الله إن نسألك رزقاً كريما وعملاً رشيدا وقولاً سديدا اللهم أصلح لنا شاننا كله ولا تكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا اقل من ذلك اللهم اشفى مرضانا وعاف مبتلانا واقض دين مدينا وأصلح اللهم ولاة أمورنا يا رب العالمين اللهم كن لاخواننا المرابطين ثبت اللهم اقدامهم ووحد صفهم وصوب رأيهم وسدد رميهم واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ونعوذ بك اللهم أن يغتالوا من تحتهم عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيناء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والبغي والمنكر يعظكم لعلك تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون .

المشاهدات 1384 | التعليقات 0