آفة الغيبة
فلاح مخلد الحربي
الحمد لله خلق الإنسان علمه البيان، احمده سبحانه واستعين به وهو المستعان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا أما بعد: فاتقوا الله عباد الله فتقوى الله وصية الله لخلقه منذ خلقهم ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ[ عباد الله: اتقوا الله واتقوا يوماً تقفون فيه بين يدي الله، وأعلموا أنكم في هذه الحياه في ابتلاء واختبار وأن ما تعلمونه وما تلفظونه محصاً عليكم مجازون به ]يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ[ نعمة من نعم الله صغير حجمه كبيرٌ نفعه عظيم في خطره وجرمه من اتقاه أورده جنة ربه ورضاه ومن أهمله كبه في النار لقفاه أنه اللسان نعم أنه اللسان الذي قال عنه النبي ﷺ لما سأله مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ t يا نَبِيَّ اللهِ وإِنّا لَمُؤَاخَذُونَ بِما نَتَكَلَّمُ بِهِ فقالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا مُعاذُ وهَلْ يَكُبُّ النّاسَ في النّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَناخِرِهِمْ إِلاَّ حَصائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ألا وإن آفات اللسان كثيرة ومن أعظمها خطراً، وتهاونا الغيبة، والغيبة كبيرة من كبائر الذنوب ومحرمة في كتاب الله ] وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ[ قال القرطبي ـ رحمه الله ـ "مثل الله الغيبة بأكل الميتة؛ لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه كما أن الحي إذا اغتيب لا يعلم بغيبة من اغتابه". صورة بشعة صورها الله في كتابة للمغتاب كالذي يأكل لحم أخيه ومتى بعد أن مات، فما أبشع ذلك المنظر! وما أسوأ تلك الصورة! مرض الغيبة مرض لم يسلم منه إلا من وفقه الله وراقب كلماته وألفاظه، وإلا فقد اجترأ على الغيبة والبهتان كثير من الخلق اليوم في المجالس والاجتماعات في مقار العمل والاستراحات، يفرون في الأعراض فتكا وفريا فهذا بخيل وذاك نوام والآخر أكال وذلك أحمق وذلك لا يخرج من جيبه ريال وذاك مغرور والآخر بطال وهذا عظيم اليدين وذاك نحيل وهكذا دواليك مما تمجه الألسن وتلوكه الشفاه ألا فاتقوا الله يا من عبثتم بأعراض خلق الله فإن كان قولكم حقاً صدقا فتلك وربي الغيبة أما إذا خالطه الكذب وما أكثر ما يخالطه فذاك البهتان ألا فارحموا انفسكم واربعوا بها فما تصدر الغيبة إلا من حاقد أو حاسد وأعلموا أن أجور صلاتِكم وصيامِكم وذكرِكم لله ليس لكم بل هو لمن اغتبتموه. فكم من إنسان لربما صلى الجمعة ورجع إلى بيته مفلسا خائبا قد أهدى أجر صلاته لمن اغتابه ما أكثر أولئك الذين يأكلون في أعراض خلق الله يسفهون ويسخرون وينبزون بالألقاب لقد بلغ الحال بالبعض هداهم الله أنه قل أن يذكر شخصا باسمه أو كنيته وإنما هي ألقاب يحليها الشيطان بأفواههم ليرديهم في شر أعمالهم ولو قيل لأحدهم قل هذا أمامه لقال أتريده أن يغضب علي وينسون أنهم أغضبوا الجبار جل في علاه فالله يغار وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم الله عليه يعيبون خلق الله في خلقه في ألونهم أو أشكالهم أو عيوبهم ونسوا مابهم من معائب ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ يقول ﷺ "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته" رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني. ولقد فسر الرسول ﷺ الغيبة فقال: "أتدرون ما الغيبة؟" قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أريت إن كان في أخي ما أقول، قال ﷺ "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" رواه مسلم. وهذه عائشة tا قالت: كما عند أبي داوود قلت للنبي ﷺ "حسبك من صفية كذا وكذا" تصف صفية tا زوج النبي وضرتها قال بعض الرواة: إن عائشة tا تعني أنها قصيرة، فقال ﷺ "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" أي: خالطته مُخالطة يتغيَّر بها طعمه و ريحه؛ لشدَّة قبحها. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني. ولما عرج بالنبي ﷺ إلى السماء قال " مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" بارك الله
الحمد لله القائل ]إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً[ والصلاة والسلام على الرسول القائل في معرض حديثه ﷺ "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" أما بعد: فهناك أسباب تؤدي إلى وقوع المسلم في هذا الذنب العظيم ينبغي للمسلم معرفتها لتجنبها أول هذه الأسباب: ضعف الإيمان، وضعف اليقين بموعود الله، فما تصدر إلا ممن خبا الايمان في قلبه ولم يرضى بقسمة الله في رزقه. ومن أعظم أسباب الغيبة أيضًا: التشفي، وإظهار الغيظ، والحسد فإنه لربما أثنى الناس على شخص وكان هذا الممدوح من الذين يلقون قبولاً عند الناس، ومحبة واحترامًا، فإذا سمع ذلك احترق قلبه غيظا وحسدا وتشفياً، فلا يجد إلا الغيبة ينفس بها عن حسده وحقده، ومن أسباب الغيبة موافقة القرناء والجلساء ـ مجاملة لهم ـ ممن يتفكهون في أعراض المسلمين، فيخشى المغتاب إذا أنكر عليهم أو قطع كلامهم، أو لم يوافقهم ويبتسم في وجوههم أن يستثقلوه وينفروا منه ولا يحبوا مجالسته. وهولاء تحرم مجالستهم إلا لمُنكِرٍ يقول اللهU ]وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في ءايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[. قال النووي رحمه الله: "اعلم أن الغيبة كما يحرم على المغتاب ذكرها، يحرم على السامع استماعها وإقرارها " ومن أعظم الأسباب: الغيبة من أجل اللعب والهزل والتندر وما يسميه الناس بالتنكيت، وإضحاك الحاضرين وهذا موعود بالويل يوم القيامة،
ومنها: ما يفعله بعضهم من الغيبة بغير الكلام، كإخراج اللسان مثلاً، أو تمييل الشفة أو الفم أو نفض اليد، أو تحريكها بشكل يدل على التنقص، والله عز وجل يقول: ]وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ[.ومن ذلك أيضًا: التقليد على سبيل التهكم والتنقص، سواء كان التقليد للصوت أو المشية أو اللباس، أو النحنحة أو الطريقة في الكلام، أو الطريقة في الأكل، أو غير ذلك، فلنحذر من ذاك يا عباد الله ولنحذر منه هذا وصلوا
المرفقات
1674143548_الغيبة 27 6 1444.docx
1674143549_الغيبة 27 6 1444.pdf