آفات اللسان

هلال الهاجري
1444/06/25 - 2023/01/18 08:26AM

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.

(يَا أَيُّهاَ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَاْلأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) .. أَمَّا بَعْدُ:

في كُلِّ صَباحٍ، هُناكَ حِوارٌ يَدورُ بينَ أَعضَاءِ الإنسانِ، لا نَسمَعُهُ ولكن نؤمنُ بِهِ أَشدَّ الإيمانِ، يَتَكلمُ فيهِ الأُذنُ واليَدُ والرِّجلُ والعَينانِ، فمَاذا يَقولُ الأعضاءُ كُلَّ يومٍ لِلِّسانِ؟، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذا أصْبَحَ ابنُ آدَمَ، فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تُكفِّرُ اللِّسانَ –يَعني: تَخضعُ وتَذِلُّ له-، تَقولُ: اتَّقِ اللهَ فِينَا، فإنَّما نحنُ بِكَ؛ فإن اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وإن اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا).

فاللسانُ أمرُه خَطيرٌ، وشَأنُه كَبيرٌ، بِكَلمةٍ وَاحدةٍ قَد يَرفَعُكَ إلى أعلى الجِنانِ، وتَنالُ رِضى الرَّحمنِ، وبِكَلمَةٍ واحدةٍ قَد يَهويِ بِكَ إلى قَاعِ النِّيرانِ، وتَنالُ سَخطَ الرَّحمنِ، يَقولُ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ)، فَلا إلهَ إلا اللهُ.

ولذلكَ كانَ أعظمُ ما يخافُ منه النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على أمتِّه هو اللِّسانُ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ؛ قَالَ: (قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟، فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: (هَذَا).

احفظْ لسـانَكَ أيـها الإنــسانُ *** لا يلدغــنَّكَ إنَّه ثعبــــانُ
كمْ فى المقابرِ من قَتيلِ لسانِه *** كانتْ تَهابُ لقاءَهُ الشُّجعانُ

فالأعضاءُ يَخافونَ أن يُحبطَ اللسانُ ما يَعملونَ من الأعمالِ، وأن تَذهبَ بِسَببِهِ حَسناتٌ جَمعوها كالجِبالِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلاَنَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاَتِهَا وَصَدَقَتِهَا وكَانَتْ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهاَ بِلِسَانِهَا، قَالَ: (هِيَ فِي النَّارِ)، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ فُلاَنَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاَتِهَا فَلا تُصَلِّي إلَّا الْمَكْتُوبَةَ، وَأَنَّهَا تَصَدَّقُ باِلأَثْوَارِ-أيْ القِطَعِ- مِنَ الأَقِطِ، وَلاَ تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟، قَالَ: (هِيَ فِي الْجَنَّةِ).

فأيُّ عباداتٍ تلكَ التي لا تُهذِّبُ اللِّسانَ؟، وأينَ أثرُ الصَّلاةِ على لسانِ العبدِ؟، واللهُ سبحانَه وتعالى يقولُ: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، فإذا استمرَّ الإنسانُ في السَّبِّ واللَّعنِ والغيبةِ والنَّميمةِ والإيذاءِ باللِّسانِ، علِمنا أنَّه لم يُقِمِ الصَّلاةَ كما أمرَ اللهُ تعالى، ولذلكَ لم تنههُ عن الفحشاءِ والمُنكرِ، وهكذا في جميعِ العباداتِ، فَاعرفْ أَثرَ وصِحةَ العِباداتِ، فِيما يَلفِظُهُ اللسانُ مِن كَلماتٍ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيْمِ، وَنَفَعَنِي وَاِيِّاكُمْ بِمَا فِيْهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيْمِ، أقُوْلُ قَوْلِي هَذا وَأسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيْمَ لَيْ وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وسلَّمَ تسليمًا مزيدًا، أما بعد:

 أيُّها الأحبَّةُ .. تدبَّروا هَذهِ الآيةَ: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطَانَ يَنزَغُ بَينَهُم)، وتَأملوا في هذا الحديثِ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ)، هل عَلِمتُم الآن، ما هي وظيفةُ الشَّيطانِ الكُبرى؟، لما أَيسَ من الشِّركَ انتقلَ إلى أعظمِ ما قد يضرُّ بني آدمَ بعدَ الشِّركِ، ألا وهو التَّحريشُ باللِّسانِ، لأنَّ التَّحريشَ يُفسدُ جميعَ العباداتِ فلا يبقى لها أثرٌ.

قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَومَاً لأصحَابِهِ: (أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟)، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)، أتدرونَ ما المَشكِلةُ؟، أنَّ كَثيراً مِنَّا لَن يَنتَبِهَ إلى هذا المَعنى إلا في يَومِ القِيامةِ، حَيثُ لا يَنفعُ النَّدمُ، ولو أنَّ أَحدَنا خُصِمَ مِن حِسابِه البَنكيِّ مَبلغاً كُلما كَذبَ أو اغتابَ أو سَبَّ، لرأيتَنا مِمن (يَقولُ خَيراً أو يَصمتُ).

اللهم اهدنا لأحسنِ الأخلاقِ والأقوالِ والأفعالِ لا يهدي لأحسنِها إلا أنت، اللهم طهرْ قلوبَنا من النفاقِ وأعينَنا من الخيانةِ وألسنتَنا من الكذبِ والمراءِ والجدالِ، اللهمَّ احفظ ألسنتَنا من الغيبةِ والنـّميمةِ والطعنِ والهمزِ واللمزِ والسبِّ والأذى والفاحشِ من القولِ برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم اجعل ألسنتَنا حرباً على أعدائك سِلماً لأوليائك، اللهم إنا نسألُك سكينةً في النفسِ وانشراحاً في الصدرِ، اللهم اجعلنا من الصالحينَ المصلحينَ ومن جندِك المخلصينَ، وانصر بنا الدينَ واجعل لنا لسانَ صدقٍ في الآخرينَ، اللهم آمنا في أوطانِنا وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورِنا وأيد بالحقِّ إمامَنا ووليَ أمرِنا وهيء له البطانةَ الصالحةَ التي تعينُه على الخيرِ، اللهم من أرادَ بلادَنا وبلادَ المسلمينَ بسوءٍ فأشغله بنفسِه وردَّ كيدَه في نحرِه يا سميعَ الدعاءِ، اللهم احفظ بلادَنا وبلادَ المسلمينَ من شرِّ الأشرارِ وكيدِ الفجار برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ.

المرفقات

1674019567_آفات اللسان.docx

1674019573_آفات اللسان.pdf

المشاهدات 2359 | التعليقات 0