آداب وأحكام مرعية في الإجارزة الصيفية

فهد الجمعة
1438/10/09 - 2017/07/03 08:26AM

الحمد لله الغفور الذي ستر بستره وأجمل، الشكور الذي عمم ببره وأجزل، الواحد الأحد الصمد، لا ينقص عزه ولا يتحول ، له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، خاب من ألحد في أسمائه وعطل، وأشهد أن لا إله هو ، كثير العطاء لا يبخل ، حليم على العصاة لا يعجل ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أفضل نبي وأكرم مرسل ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " . " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ". " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ".
أيها المسلمون :
ها هي الإجازة الصيفية قد حطت رحالها، وستستمر ضيفة عزيزة لعدة أشهر, فمن تأمل في حالها وحال الناس معها وما يتعلق بها من جميع جوانبها فحتماً أنه سيرى شيئاً من كل شيء، فعجبه لا ينتهي, وأمره في حيرة, أسئلة كثيرة، وعناوين عريضة، من أهمها: كيف نقضي الإجازة؟ هل الإجازة نعمة أم نقمة؟ ماهي سلبيات وإيجابيات الإجازة؟ ما هو الهدف من الإجازة؟ ماذا تعني لنا الإجازة نحن المسلمين؟
كل واحد من مما تقدم ذكره يحتاج الى حديث مستقل، ولكن لعلنا نقف اليوم على بعض القواسم المشتركة التي عادة ما يشترك فيها عدد كثير من الناس, نقف معها بشيء مما يتعلق فيها، فمن هذه القواسم أمر السفر، ففي الإجازة يكثر سفر الناس, ولكنها أسفار شتى متباينة الأهداف, مختلفة الجهات, منها ما هو في سبيل الله والدار الآخرة, ومنها ما هو في سبيل الشيطان والأمور الباطلة, ومنها ما هو بين ذلك.
السفر أيها المسلمون من الأمور المحببة للنفوس لدى كثير من الناس وفيه من الفوائد الشيء الكثير, وقد جمع هذه الفوائد الإمام الشافعي رحمه الله فقال :
تغرب عن الأوطان في طلب العلى *** وسافر ففي الإسفار خمس فوائد
تفرّج هم واكتساب معيشـــــــــــــة ***وعلم وآداب وصحبة ما جــــــد
هذا إذا كان السفر مباحاً ذا أهداف نبيلة ومقاصد سامية كمن يسافر لطلب العلم النافع, ومن يسافر سفر طاعة لله كالذي يذهب إلى البلد الحرام لأداء العمرة مثلا, أو يسافر إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه, أو من يسافر الى بعض المناطق في بلاد المسلمين ذات الجو الجميل ليقضي بعض الوقت هناك مع المحافظة على الواجبات والمطالب الشرعية والبعد عن الفساد والرذائل والملهيات التي لا خير فيها .
جانب آخر من جوانب السفر, وطريق مظلم سيئ يسلكه عدد من الناس في الإجازة الصيفية ليسوا بالقليل ألا وهو: السفر إلى بلاد الكفر والإباحية طلباً للرذيلة والشهوات البهيمية, يجدون في الإجازة مرتعاً خصباً لهم هناك، حيث أغروا قبل ذلك بالذهاب إلى هناك عن طريق الإعلام الهابط , والدعاية المغرية المضللة , فليتق الله من كان هذا حاله , وليعلم أن الله سائله عن حركاته وسكناته , وما يأتي وما يذر , وإن مرر ألعوبته على الناس من الوالدين أو الأهل والأولاد , وتعلل بأنه يسافر لغرض حسن : لتجارة , أو علاج , أو غير ذلك , فإن ما بيت من النية السيئة لا يعفيه من تبعية الإثم, والله جل وعلا يقول وقوله الحق ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ).
أيها المسلمون: للسفر آداب , وله أحكام , وفيه متعلقات , يجب على من تلبس به أن يعرفها , ولعل من أهمها :
المبادرة بتخليص النفس من حقوق الخلق، فإن المسافر في حال لا يدري أيعود إلى وطنه أم لا؟
ومنها: كتابة الوصية.
ومنها: أخذ الاهبة التامة والاستعداد اللازم من الزاد والمزاد.
ومنها: الإتيان بما يستطاع من سنن السفر كقصر الصلاة الرباعية, والجمع بين الصلاتين إذا جد به السير.
ومنها: اختيار الرفقة الصالحة، والإتيان بأذكار السفر، واستحباب التوديع.
ومنها: مشروعية اتخاذ أمير في السفر إذا كانوا مجموعةً من الناس.
ومنها: استحباب قول ما ورد عند النزول في أي مكان للسكن، وأن لا تسافر المرأة وحدها إلا مع ذي محرم، واستحباب صلاة التطوع على الراحلة، وكراهية أن يطرق أهله ليلاً إذا رجع. ومنها: استحباب السفر في الصباح الباكر وكذلك الأيام الفاضلة كيوم الخميس ونحوه.
ومنها: البداءة بالصلاة في المسجد إذا قدم إلى بلده، والإسراع بالعودة متى ما قضى حاجته من سفره. فكل ما سبق ذكره من هذه الآداب قد وردت فيه الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فاتقوا الله عباد الله وتعلموا من دينكم ما به تكون سعادتكم في الدنيا ونجاتكم في الأخرى.
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ؛ أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ فاستغروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.
أيها المسلمون:
ومما يشترك الناس فيه في أيام الإجازة الصيفية حضور الزواجات والمناسبات، حيث أن في الإجازة يصب سيل عرم من الزواجات والمناسبات على الناس، وفيها مظاهر متعددة : إسراف ومخيلة , إهدار للوقت والمال , غرور وعجب , تسابق وتنافس غير مستقيم ليس لأعلى الهرم ولكن لأسفل القاع , ديون باهظة , والتزامات ثقيلة , ومشاكل أسرية مستعصية، كل ذلك بسبب خروج الناس عن الهدي النبوي, وبعدهم عن تعاليم الإسلام السمحة, وعدم الشجاعة والجرأة للوقوف في كل تيار جديد مخالف لتعاليم الاسلام.
ومما يشترك فيه الناس في الإجازة وهو في الحقيقة ظاهرة ذلكم هو: السهر ليلاً والنوم نهاراً, ساعد على ذلك ارتفاع درجات الحرارة نهاراً, وكذلك الفراغ الحسي والمعنوي الذي يعيشه الكثير من الناس وقت الإجازة, وقد أُقحم في هذا السهر كبار السن وصغار السن أيضاً رغم أنوفهم, وهي حقا ظاهرة تحتاج الى حديث مستقل.
عباد الله: يقف الكثير من الناس حائراً مع نفسه ومع أسرته متسائلاً كيف نعمل في الإجازة لنستفيد منها ولو على أقل تقدير نحصل على السلامة من سلبياتها؟
وحق له أن يسأل هذا السؤل, ولكن لعلك أخي المسلم وأنت أعلم بحالك وما يصلحك من غيرك, تسلك خطوات حسنة, واعلم أن من صدق وجاهد فسيهديه الله لأحسن الطرق وأيسر السبل كما قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )، فكن في مواجهة الواقع السيئ قوياً غير ضعيف, مؤثراً غير متأثر, عالماً عاملاً داعياً إلى الخير, غير آيس من إصلاح الواقع السيئ, فكذلك كان الأنبياء من قبل عليهم الصلاة والسلام, بعثوا في أقوام قد تغلغل الكفر في قلوبهم, واشربوا الذنوب والمعاصي, حتى نشأ عليها الصغير, ومات عليها الكبير, فجدوا واجتهدوا في تغيير الواقع الكفري, إلى واقع الإيمان والطاعة.
كذلك في الإجازة الصيفية تنشط الجمعيات الخيرية ومكاتب الدعوة, فالالتحاق بمناشطها والإفادة من برامجها من خير روافد الصلاح والإصلاح للفرد والمجتمع.
كذلك الاشتغال بالتجارة والمكاسب المباحة من خير ما يمكن ان تقضى فيه الإجازة الصيفية بالنسبة لطلبة المدارس القادرين على العمل, ومن يقول أنه لا توجد أعمال فقد كذب وظلم نفسه وادعى ماليس له به علم.
كذلك التحاق الأبناء والبنات بحلقات ودور تحفيظ القرآن الكريم، خير ما تصرف الأوقات من أجله.
أيها المسلمون:
اعلموا أن الفراغ أساس لكثير من المشاكل المجتمعية، فإذا لم يشغله أهل الخير بالخير, فسيشغله أهل الباطل بالباطل, وما الوقوع في المخدرات والسرقات والزنا والمشاجرات وسائر المنكرات إلا نتاج الفراغ.
ولتعلموا – أيها المسلمون – أن الزمان شريف، ولعظم الزمان فقد أقسم الله به، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، فقال سبحانه: (والعصر * إن الانسان لفي خسر * الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات * وتواصوا الحق وتواصوا بالصبر)، وأقسم الله جل وعلا ببعض أجزائه كما قال سبحانه: (والضحى * والليل إذا سجى)، فعظموا ما عظم الله, واعلموا رحمكم الله أن كل يوم يمضي إنما هو جزء من الوقت, وما فات منه لن يعود, وما مضى منه خطوات تقرب الى الآخرة, وتبعد عن الدنيا، والإنسان مسئول أمام الله عن أوقاته فيما قضاها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه)، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا ذر رضي الله عنه فقال: يا أبا ذر، اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك). والإنسان لا يعلم متى يفارق الدنيا، فإذا مات الإنسان قامت قيامته وانقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، كما ورد بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فاتقوا الله عباد الله، واستثمروا أوقات الإجازة وجميع الأوقات فيما ينفعكم ويقربكم إلى ربكم، واجتهدوا في طاعة ربكم، وانتبهوا لأبنائكم وبناتكم وأزواجكم، فإنكم مساءلون عنهم يوم لقاء ربكم، واحرصوا أشد الحرص على متابعتهم، وتوجيههم، والسعي إلى إصلاح أخلاقهم، وغرس الخوف من الله وحبه في قلوبهم، ومراقبة ذواتهم.
اللهم أصلح أحوالنا، وأصلح نياتنا وذرياتنا، ووفقنا للعمل الصالح الذي يرضيك عنا.
المشاهدات 557 | التعليقات 0