آداب وأحكام المطر

أبو عبد الله 2
1439/06/13 - 2018/03/01 16:48PM
(خطبة للشيخ محمد صالح المنجد -بتصرف-)
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ؛ ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا؛ منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له؛ ومنْ يضللْ فلا هاديَ له؛ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ؛ وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ؛ صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد، فأيها الناس.. اتقوا الله تعالى, وابذلوا أسباب الفوز برحمته, واحذروا من أسباب سخطه وعقوبته.
عباد الله: يرسل الله الرياح مبشرات بالخير والرزق والأمطار، (وهو الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)
هذا الماء الذي خلق الله منه الحياة، فهو أصلها وأساسها، وضرورة من ضروراتها، فإذا امتنع نزل الضرر بالناس والبهائم، فكم من هذه النعمة من فائدة وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ وهو فرحة للناس بعد جدبهم،( فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) فهو سبب رزقهم، (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ) وهو سبب لإحياء الأرض، (وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) وهو صحة الأجواء، وطرد الأدواء.
حتى إذا أخذت الأرض منه حاجتها، وأقلع عنها ظهرت خيراتها، واكتنزت للناس سقياهم، فيحفرونها لحاجتهم، وتخرج منه الحبوب والثمار والخضار، ولو دام الصحو لغيض الماء وانقطعت العيون والآبار، وعظم الضرر وجفت الأبدان، وكثرت الأمراض، وهذا الماء يكون منه أيضاً تارةً أخرى عقاب وعذاب، عذّب الله به أقواماًَ، فأغرق به قوم نوح، فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ القمر.
والْمَاء : ماء السماء وماء الأرض .
وعذب به أيضاً قوم عادٍ، (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) فظنوه مطراً فإذا هو ريحٌ عاتية.
وأما قوم لوط فقد أمطر عليهم مطراً حجارةً من سجيل، وأما قوم فرعون فقد أغرقهم في البحر فانطبق ماؤه عليهم، وأما سبأ فلما اعرضوا أرسل الله عليهم سيل العرم، ففاض عليهم،( فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا)
فهذه الأمطار قد يهلك به أقوام، ويكون منها أمواج البحار العاتية المغرقة، وكذلك الفيضانات والسيول التي تأتي على ما تأتي عليه فتبتلع ما يكون في طريقها.
وفي الشرع ياعباد الله آداب وأحكام في نزول المطر، فإذا اشتدت الريح ينبغي أن يتذكر العبد عقاب الله، فيسأله الرحمة، قالت عَائِشَة رضي الله عنها: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ.
فَسَأَلْتُهُ ، فَقَالَ: (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي. مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)  .
وكان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى نَاشِئًا فِي أُفُقِ السَّمَاءِ [سَحَابًا لَمْ يَتَكَامَل اِجْتِمَاعه] تَرَكَ الْعَمَلَ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ ثُمَّ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا) فَإِنْ مُطِرَ قَالَ: (اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا) .
ومن السنة التعرض للمطر بالبدن، قَالَ أَنَسٌ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ ثَوْبَهُ [كَشَفَ بَعْض بَدَنه] حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا ؟
قَالَ: (لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى) وكان الصلاة والسلام يقول إذا نزل المطر: (مطرنا برحمة الله، وبرزق الله، وبفضل الله) وهو – أي نزول المطر – من مواطن الإجابة في الدعاء قال صلى الله عليه وسلم : (ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء وتحت المطر) .
أما إذا كثر المطر وخشي التضرر به : فإنه فيقول: (اللَّهُمَّ حَوْالَينَا وَلا عَلَيْنَا) وهذا يسمى عند العلماء بدعاء الاستصحاء، يعني إيقاف المطر وانكشاف السحاب
ويقول أيضاً :(اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ [الهضاب]وَالظِّرَابِ [الجبال] والآجام [منابت الشجر] وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ)متفق عليه .
(اللَّهُمَّ حَوْالَينَا وَلا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ والآجام وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ) متفق عليه .
ولذلك لم يدع برفع المطر مطلقاً، وإنما دعا بتحويله إلى غير أماكن الناس، لأنها إذا نزلت عليهم فكثرت تؤذيهم، فدعا أن يتحول إلى أماكن النبات، ومستودعات المياه الجوفية.
بارك الله لي ولكم
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله: ومن أحكام المطر: أن ماءه وثلجه وبرده طهور يرفع الحدث ويزيل الخبث، وهو طاهر مطهر، والوضوء به صحيح، وتطهير الأرض المتنجسة بماء المطر حاصل صحيح، وكذلك فإن طين الشوارع والمياه المستنقعة بعد الأمطار الأصل فيها الطهارة، ولو أصابه وهو ذاهب إلى المسجد شيء من وحلٍ وطينٍ فلا يجب غسله، لأن الأصل الطهارة، فإذا اختلطت به نجاسة، فإن عرفت النجاسة بلونٍ أو ريحٍ ونحو ذلك حكمنا بها، وإلا فما زال الأصل الطهارة.
ومن الأحكام ايضاً: جواز ترك الجماعة بعذر المطر إذا اشتد فصار مؤذياً، ولا يتمكن معه من الذهاب إلى المسجد، ويمكن أن يقول المؤذن بعد الأذان صلوا في رحالكم، أو أن يقولها بعد الحيعلتين أو بدلاً منها،(صلوا في رحالكم.(
ومن الأحكام أيضاً: أن المطر اذا صار يبل الأرض والثياب، جاز الجمع في المساجد، فيجمعون وكذلك إذا صار الوحل محيطاً بالمسجد لا يستطيع إتيان المسجد إلا بالخوض في الوحل، فهو جمع ولو توقف المطر، وكل أهل حيٍ وجماعة مسجد بحسب حال مسجدهم.
عبادَ الله، إِن اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
 اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على سيدنا ونبينا محمد وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم . اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان ، اللهم كن لهم ناصراً ومُعينا وحافظاً ومؤيِّدا ، اللهم احقن دماءهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم ، اللهم واحفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم
اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين و نفس كرب المكروبين و اشف مرضنا و مرضى المسلمين اللهم اجعل لنا و للمسلمين من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلاءٍ عافية، اللهم اصرف عنا شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون .
المشاهدات 1387 | التعليقات 0