آداب النكاح والزفاف
د. محمود بن أحمد الدوسري
1441/05/27 - 2020/01/22 18:39PM
آداب النكاح والزفاف
د. محمود بن أحمد الدوسري
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الكريم, وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد: فالزواج من أعظم النِّعم التي يتنعَّم بها البشر, وهو أساسٌ في بقاء الحياة, وبناء المجتمعات, وكفى به أنه هدي نبينا صلى الله عليه وسلم القائل: «إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ, وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» رواه البخاري. فمَنْ كان مُؤهَّلاً للزواج وعنده الاستطاعة فليتزوَّج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ» رواه البخاري ومسلم. ومن أهم آداب النكاح:
1- اختيار المرأة الصالحة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مِنْ السَّعادَةِ» وعَدَّ منها: «المَرْأةُ الصَّالِحَةُ» صحيح - رواه الحاكم وابن حبان. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ, وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» رواه مسلم. ولا تكون زوجةً صالحةً إلاَّ ذات الدِّين القويم, والخُلُقِ الكريم, والمنشأ الطيِّب.
ويُؤمَّلُ من المرأة الصالح القيام بالحقوق الزوجية, ورعاية شؤون الزوج, وتربية الأولاد, وبِناء الأُسرة على أسس من التقوى والإيمان, ومِثْلُ ما يُقال في المرأة؛ يُقال في الرجل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ, إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» حسن - رواه الترمذي.
2- رؤية المرأة قبل خِطبتها: فيُباح للخاطب أنْ يرى المخطوبةَ؛ لِمَظِنَّة دوام العشرة, فعن المُغيرةِ بنِ شُعبةَ - رضي الله عنه - قال: خَطَبْتُ امْرَأَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟». قُلْتُ: لاَ. قَالَ: «فَانْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» صحيح - رواه النسائي. والناسُ في ذلك بين مُفَرِّط ومُتشدِّد؛ فمنهم: مَنْ يمنع ذلك بِحُجَّة الحياء أو عدم الاعتياد! ومنهم: مَنْ يسمح للمخطوبة بالخلوة مع خاطبها والخروج معه قبل عقد النكاح! وهو مُحَرَّم, ويُؤدِّي إلى ما لا تُحمد عُقباه.
3- عدم المُغالاة في المهور: المُغالاة في المهور أصبحت خطراً كبيراً؛ لما تُسبِّبه من عُزوفِ الشباب أو عجزِهم عن الزواج, ويزعم بعضُ ضِعافِ النفوس بأنه يجد في الفاحشة مُتنفَّساً للغرائز, هي أقلُّ عِبئاً وتكليفاً من الزواج! فينبغي على الجميع التكاتف؛ للقضاء على هذه العادة السيئة, وتطبيق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تيسير تكاليف الزواج وتخفيف المهور.
يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: (لاَ تَغْلُوا صُدُقِ النِّسَاءِ[1]؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ أَوْلاَكُمْ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم, مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ, وَلاَ أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً, وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُغْلِي بِصَدُقَةِ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ[2]) صحيح - رواه النسائي.
وقد استنكر النبي صلى الله عليه وسلم المُغالاةَ في المهور؛ عَنْ أبي هريرة - رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ: «عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَ؟». قَالَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ! كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ» رواه مسلم. أنكر عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا المبلغ؛ لأنه كان فقيراً, فالفقير يُكره له تحمُّل الصَّداق الكثير, والغني يُكره له دفع المبلغ الكثير في الصداق؛ إذا كان من باب المُباهاة.
4- إعلان النكاح: فإذا كان يوم الزفاف فلهم أنْ يضربوا بالدُّف؛ إعلاناً للنكاح, وتطييباً لخاطر العروس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ» حسن - رواه ابن ماجه والنسائي. ويجب على العروسين وأهلهما اجتنابُ كلِّ ما فيه مخالفة للشرع, وخاصة ما اعتاده الناس في مثل هذه المناسبة.
5- استحباب الوليمة للزواج: لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم لعبدِ الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - لَمَّا تزوَّج: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» رواه البخاري ومسلم. وينبغي أنْ يُدعى لها الصالحون, فقراء كانوا أو أغنياء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ » حسن - رواه أبو داود. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه؛ أنه كان يقول: (شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ؛ يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ) رواه البخاري.
الخطبة الثانية
الحمد لله ... عباد الله .. هناك آداب للزفاف ينبغي للزوجين التأدب بها, والتزامها؛ لِيُبَارِكَ اللهُ تعالى لهما, ويَسْعَدا, ومن أهم آداب الزفاف:
1- وضع اليد على رأس الزوجة, والدعاء لها: فيُستحب له أن يضع يده على مقدِّمة رأسها عند البِناء بها, أو قبل ذلك, وأنْ يُسمِّي اللهَ تعالى, ويدعو بالبركة, ويقول - كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً, أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا, فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ, وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ» حسن - رواه أبو داود.
2- صلاة الزوجين معاً: فيُستحب لهما أنْ يُصلِّيا ركعتين معاً؛ لأنه منقول عن السلف الصالح, عن شَقِيقٍ قال: جاء رجل يقال له: أبو حَرِيزٍ, فقال: إني تزوَّجْتُ جاريةً شابَّةً بِكْراً, وإني أخاف أنْ تَفْرِكَنِي [أي: تُبغِضُني] فقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه: (إِنَّ الإِلْفَ مِنَ اللَّهِ، وَإنَّ الْفَرْكَ مِنَ الشَّيْطَانِ، لِيُكَرِّهَ إِلَيْهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، فَإِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهَا فَمُرْهَا فَلْتُصَلِّ خَلْفَكَ رَكْعَتَيْنِ). وفي رواية أُخرى - عن ابن مسعود: (وَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي أَهْلِي، وَبَارِكْ لَهُمْ فِيَّ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مِنْهُمْ وَارْزُقْهُمْ مِنِّي، اللَّهُمَّ اجْمَعَ بَيْنَنَا مَا جَمَعْتَ إِلَى خَيْرٍ، وَفَرِّقْ بَيْنَنَا إِذَا فَرَّقْتَ إِلَى خَيْرٍ) صحيح - رواه الطبراني, والبخاري في "الأدب المفرد".
3- مُلاطفةُ الزوجةِ عند البناء: يُستحب للزوج إذا دخل على زوجه أنْ يُلاطفها؛ كأنْ يُقدِّم إليها شيئاً من الشراب أو هديةً يَخُصُّها بها, ونحو ذلك.
4- ذِكْرُ اللهِ تعالى عند إتيان أهله: لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ, قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ, اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ, وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا؛ فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ, لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا» رواه مسلم.
5- تحريمُ إتيانِ الدُّبُر: فيحرم عليه أنْ يأتِيَها في دُبُرها, ويجوز له أنْ يأتِيَها في قُبُلها مِنْ أيِّ جهةٍ شاءَ؛ مِنْ خلفِها أو مِنْ أمامِها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ, وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحِيضَةَ[3]» حسن - رواه الترمذي. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً؛ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْفَرْجِ» صحيح - رواه الطبراني في "الكبير". ولقوله صلى الله عليه وسلم: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا» حسن - رواه أبو داود.
6- النية الحسنة في إعفاف نفسيهما: فينبغي لهما أنْ ينويا بنكاحهما إعفافَ نفسيهما, وإحصانَهما من الوقوع فيما حرَّم الله عليهما؛ فإنه تُكتب مُباضعتُهما صدقة لهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ؛ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ؛ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» رواه مسلم.
7- تحريم نشر أسرار الاستمتاع: يحرم على الزوجين أنْ ينشر الأسرارَ المُتعلِّقة بالوِقاع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ, وَتُفْضِي إِلَيْهِ, ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» رواه مسلم. وقال - في حديث آخَرَ: «لاَ تَفْعَلُوا؛ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ الشَّيْطَانِ لَقِيَ شَيْطَانَةً فِي طَرِيقٍ, فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ» حسن - رواه أحمد في "المسند".
8- زيارةُ أقاربِه صبيحةَ بنائه بأهله: فيُستحب له أنْ يأتِيَ أقاربَه الذين أتوه في داره ويُسلِّم عليهم, ويدعو لهم, وأنْ يُقابلوه بالمِثل؛ لحديث أنسٍ - رضي الله عنه - قال: «أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ, فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا, ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حُجَرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ صَبِيحَةَ بِنَائِهِ, فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ, وَيَدْعُو لَهُنَّ, وَيُسَلِّمْنَ عَلَيْهِ وَيَدْعُونَ لَهُ» رواه البخاري.
9- المُعاشرة بالمعروف: فيُعاشِر كلٌّ من الزوجين صاحِبَه معاشرةً حسنة, فلا يؤذيه بالفعل ولا بالقول ولا بما يُستنكر شرعاً ولا عُرفاً ولا مروءة, وإنما بالصبر والرحمة واللُّطف والرِّفق. قال الله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21], فالمودة والرحمة هي أصلُ حُسْنِ الصحبة, والمعاشرة بالمعروف, وهي سِرُّ السعادة بين الزوجين.
[1] (لاَ تَغْلُوا صُدُقِ النِّسَاء): هُوَ مِنْ الْغُلُوِّ, وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي كُلِّ شَيْء. أَيْ: لاَ تُبَالِغُوا فِي كَثْرَةِ الصَّدَاق.
[2] (حَتَّى يَكُون لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسه): أَيْ حَتَّى يُعَادِيهَا فِي نَفْسه عِنْد أَدَاء ذَلِكَ الْمَهْر؛ لِثِقَلِهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ, أَوْ عِنْد مُلاحَظَة قَدْره, وَتَفَكُّره فِيهِ بِالتَّفْصِيلِ. انظر: حاشية السيوطي والسندي على سنن النسائي, (5/52).
[3] (أَقْبِلْ): أي: جامِعْ مِنْ جانب القُبُل. (أَدْبِرْ): أي: أولِجْ في القُبُل من جانب الدُّبُر. (وَاتَّقِ الدُّبُرَ): أي: إيلاجَه فيه. (وَالْحِيضَةَ):أي: اتَّقِ الجِماعَ في زمانها. انظر: شرح مشكل الآثار, (6/156).
المرفقات
النكاح-والزفاف
النكاح-والزفاف