آخِرُ خُطْبَةٍ في شَهْرِ ذِي الْحِجَّة 1445هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1445/12/27 - 2024/07/03 19:39PM

الْحَمْدُ للهِ الذِي كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا، وَتَبَارَكَ الذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا، وَهُوَ الذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، وَتَبَارَكَ الذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا، الذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهَ تَقْدِيرًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ وَاسْتَعِدُّوا لِلِقَائِهِ وَتَأَهَّبُوا لِلْحِسَابِ، وَاسْمَعُوا هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ﭐبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ). وَكَانَ ﭐبْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِـمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِـمَوْتِكَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ فِيهِ مَوْعِظَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا كَالْغَرِيبِ أَوْ عَابِرِ السَّبِيلِ الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ أَمْرُهُ حَتَّى يَصِلَ إِلَى مُبْتَغَاهُ وَهُوَ الْآخِرَةُ وَالْجَنَّةُ، وَلَمَّا تَأَثَّرَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بِالْمَوْعِظَةِ، كَانَ يَعِظُ أَصْحَابَهُ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَمْسَى فَلَا يَنْتَظِرُ الصُّبْحَ، وَهَكَذَا إِذَا أَصْبَحَ فَلَا يَنْتَظِرُ الْمَسَاءَ، وَأَنْ يَغْتَنِمَ صِحَّتَهُ وَحَيَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ، أَوْ يُعَطِّلَهُ الْمَرَضُ عَنِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ.

وَتَعَالُوا بِنَا أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ نَتَعَرَّفُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ سِيرَةِ هَذَا الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ، فهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَسْلَمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَهَاجَرَ مَعَهُ، وَلَمْ يَشْهَدْ مَعْرَكَةَ بَدْرٍ وَلَا أُحُدٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا لَا يَتَحَمَّلُ الْقِتَالَ، قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي".

وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقِيهًا، عَالِمًا، زَاهِدًا، صَوَّامًا قَوَّامًا، مُتَوَاضِعًا، بَكَّاءً، وَلَمْ يَكُنْ مُهْتَمًّا فِي صِغَرِهِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، حَتَّى رَأَى رُؤْيَا أَفْزَعَتْهُ، رَأَى فِيهَا النَّارَ، وَرَأَى فِيهَا أُنَاسًا يَعْرِفُهُمْ، فَقَصَّ الرُّؤْيَا عَلَى أُخْتِهِ حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، زَوْجَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَصَّتْهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ بِكَلِمَاتٍ مُخْتَصَرَةٍ غَيَّرَتْ حَيَاةَ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: (نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ)، فَكَانَ لَا يَنَامُ إِلَّا قَلِيلًا، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُلُوبِ الْحَيَّةِ الرَّقِيقَةِ الْمُقْبِلَةِ عَلَى اللهِ، فَيَتَأَثَّرُونَ بِالْمَوْعِظَةِ إِذَا سَمِعُوهَا.

وَهُوَ أَحَدُ الْعَبَادِلَةِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ، وَهُمْ "عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَخُصُّوا بِهَذَا الِاسْمِ - مَعَ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ كَثِيرٌ فِي الصَّحَابَةِ - لِأَنَّهُمْ مِنْ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ سِنًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَتَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُمْ، وَكَانُوا فُقَهَاءَ عُلَمَاءَ فَأُخِذَ الْعِلْمُ عَنْهُمْ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ 1630 حَدِيثًا، قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: "بَلَغَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا سِتًّا وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَأَفْتَى فِي الْإِسْلَامِ سِتِّينَ سَنَةً".

وَكَانَ شَدِيدَ التَّحَرِّي وَالِاحْتِيَاطِ فِي فَتْوَاهُ، وَفِي كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ مُحِبًّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَّبِعُهُ فِي كُلِّ مَا فَعَلَ.

شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَهَذِهِ مَنْقَبَةٌ؛ لِأَنَّ اللهَ رَضِيَ عَنِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قال الله تعالى {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}

وَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، اعْتَزَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ النَّاسَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْحَقُّ، فَاعْتَزَلَ الْفَرِيقَيْنِ، وَتُوُفِّيَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِمَكَّةَ سَنَةَ 73 وَلَهُ 87 سَنَةً، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.

أَيُّهَا المسْلِمُونَ : وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ) أَيِ: اعْتَبِرْ نَفْسَكَ فِي الدُّنْيَا وَعَيْشَكَ فِيهَا، كَالْغَرِيبِ الَّذِي هُوَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، فَهُوَ مُسْتَوْحِشٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَيَنْتَظِرُ مَتَى يَقْضِي حَاجَتَهُ وَيُغَادِرُ إِلَى أَهْلِهِ.

وَأما قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ) فَمَعْنَاهُ: اجْعَلْ نَفْسَكَ كَالْمُسَافِرِ الَّذِي نَزَلَ مَكَانًا لِحَاجَةٍ، ثُمَّ هُوَ سَوْفَ يُغَادِرُ فِي الْحَالِ.

وَالْمَعْنَى الْعَامُّ لِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ : لَا تَرْكَنْ لِلدُّنْيَا وَلَا تَتَّخِذْهَا وَطَنًا، وَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْبَقَاءِ فِيهَا، وَلَا تَتَعَلَّقْ مِنْهَا إِلَّا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرِيبُ فِي غَيْرِ وَطَنِهِ الَّذِي يُرِيدُ الذَّهَابَ مِنْهُ إِلَى أَهْلِهِ.

أَيُّهَا المسْلِمُونَ : إِنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا تَأَثَّرَ بِمَوْعِظَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ، فَكَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَطُلَّابِهِ وَأَصْحَابِهِ : إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَمَعْنَى كَلَامِهِ : اسْتَعِدَّ لِلْمَوْتِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُعَاجِلُكَ قَبْلَ طُلُوعِ الصُّبْحِ، وَلَا تُؤَخِّرْ عَمَلَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمَسَاءِ؛ لِأَنَّكَ قَدْ تَمُوتُ قَبْلَ الصَّبَاحِ، وَهَكَذَا : إِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، فَكُنْ مُسْتَعِدًّا دَائِمًا لِلْمَوْتِ.

وَأما قَوْلُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ) فَمَعْنَاهُ: اغْتَنِمْ وَقْتَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ بِالْإِكْثَارِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ لِأَنَّكَ تَكُونُ نَشِيطًا مُنْشَرِحًا لِلطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ يُضْعِفُ الْإِنْسَانَ وَيُكْسِلُهُ عَنِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ.

وَهكذا قَوْلُهُ: (وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ) أَيْ: خُذْ مِنَ الْحَيَاةِ فُرَصَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَأَكْثِرْ مِنْ صِيَامٍ وَقِيَامٍ وَذِكْرٍ وَقُرْآنٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَعْمَلُ.

أَيُّهَا المسْلِمُونَ : فِي هَذَا الحَدِيثِ عِنَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّبَابِ تربية ووعظا، لِأَنهم في حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ، حَيْثُ إِنَّهُمْ فِي الْغَالِبِ عُرْضَةٌ لِلْفِتَنِ، فإذا ذكِّروا فَإِنَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَيَتَّعِظُونَ، وَأَيَضًا : لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فِيهِمْ عَدَمُ الْعِلْمِ وَالجَهْلُ، لِصِغَرِ سِنِّهِمْ، فَيَحْتَاجُونَ لِلتَّعْلِيمِ.

وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلآبَاءِ وَالْمُعَلِّمِينَ وَأَصْحَابِ الْفَضِيلَةِ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ أَنْ يَعْتَنُوا بِالدَّعْوَةِ عُمُومًا وَبِالصِّغَارِ خُصُوصًا، وَلَا يَتْرُكُوهُمْ عُرْضَةً لِوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الَّتِي قَدْ أَشْغَلَتِ الْكِبَارَ وَأَلْهَتِ الصِّغَارَ.

وَفِي الْحَدِيثِ حَثٌّ لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يُبَادِرَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَنْ يَسْتَعِدَّ لِلْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي فَجْأَةً، فَلَيْسَ لَهُ مَوْعِدٌ وَلَا يَسْتَأْذِنُ عِنْدَ الْحُضُورِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَغِلَّ فُرَصَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَيُكْثِرُ مِنَ النَّوَافِلِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْمَرَضُ فَيُعِيقَهُ، أَوْ يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ فَيَقْطَعُهُ عَنِ الدُّنْيَا. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ نَبِيَّنَا الْكَريِمَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَغَّبَ فِي صِيَامِ شَهْرِ مُحَرَّمٍ، وَجَعَلَهُ أَفْضَلَ وَقْتٍ لِلصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَالصِّيَامُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ قُرْبَةٌ عَظِيمَةٌ إِلَى اللهِ، وَفِي الأَزْمَانِ الْفَاضِلَةِ يَزْدَادُ فَضْلُهُ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُكْثِرَ مِنَ الصِّيَامِ فِيهِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَيْسَ بِالصَّعْبِ، وَمَا هِيَ إِلَّا عَزِيمَةُ النَّفْسِ الْمُتَطَلِّعَةِ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ ثُمَّ تَجِدُ الأَمْرَ هَيِّنا بِإِذْنِ اللهِ، وَتَذَكَّرْ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي) وَقَالَ (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَعَمًلا صَالِحًا، اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسْلِمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلا تَحْرِمْنَا وَأَكْرِمْنَا ولا تُهِنَّا، اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا، اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ، اللَّهُمَّ احْفَظْ إِمَامَنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَبَلَاء، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُمَا لِرَضَاكَ وَاهْدِهِمَا بِهُدَاكَ، وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَأَعْوَانَهُمْ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيْهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

المرفقات

1720024771_آخِرُ خُطْبَةٍ في شَهْرِ ذِي الْحِجَّة 1445هـ.pdf

المشاهدات 879 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا