آخر جمعة من رمضان.

عبد الله بن علي الطريف
1445/09/24 - 2024/04/03 17:07PM

آخر جمعة من رمضان. 1445/9/26هـ

الحمدُ للهِ على نعمائِه.. والشكرُ له على توفيقِه وعطائِه.. أدركنا معظم الشهر ونسأله التمام وإدراك ليلة القدر، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له المتفردُ بكبريائِه، أعطى فأجزل ومنحَ فتفَضَّل.. وأشهدُ أن محمداً عَبدُه ورسولُه ومصطفاهُ وخليلُه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه..

أما بعد أيها الإخوة: اتقوا الله حقَ التقوى واستمسكوا من الإسلامِ بالعروة اِلوثقى.. واعلموا أن شهرَ رمضان قد قارب تمامه، وتصرمت لياليه وأيامه؛ فاستثمروا ما بقي من أوقاته بما يقربُكم إلى ربكم.

واعلموا أن فرصة إدراك ليلة القدر لم تزل سانحة فيما بقي من هذا الشهر يقول شيخنا محمد العثيمين رحمه الله: "وليلةُ القَدْر في العشر الأواخر من رمضانَ لقول النبيِّ ﷺ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» متفقٌ عليه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. وهي في الأوْتار أقْرب من الأشفاعِ لقولِ النبيِّ ﷺ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ». رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. وهي في السَّبْعِ الأواخرِ أقْرَبٌ، لقول النبيِّ ﷺ: «التمِسُوَها في العشر الأواخر (يعني ليلةَ القدْرِ) فإن ضَعُفَ أحدُكم أو عجز فلا يُغْلَبَنَّ على السبعِ البواقِي». رواه مسلم عن ابنِ عمر رضي الله عنهما. وإن لم ندركها فنحن على موعد كل ليلة مع ملك الملوك يدعونا لدعائه واستغفاره ومسألته، وهذه ليالي سهر فلما لا نخصص من كل ليلةٍ بقيت من العشر وقتًا للخلوة بملك الملوك ودعائه..

واعلموا وفقني الله وإياكم أن الله قد شرع لنا في ختام الشهر عبادات جليلة نزداد بها إيماناً، وتكملُ بها عبادتُنا، شرع لنا زكاة الفطر، والتكبير، وصلاة العيد.

أما زكاة الفطر: فقد قالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنَ الْمُسْلِمِينَ» متفق عليه.. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» رواه أبو داود وابن ماجة وحسنه الألباني.. والمعنى: أن زَكَاةَ الْفِطْرِ تطهير الصائم مِنَ اللَّغْوِ الذي صدر منه أثناء الصيام هو: ما لا يعقد عليه القلب من القول الباطل أو القبيح أو الكلام المطرح، وَالرَّفَثُ: الفحش من القول الواقع مِنْهُ حَال صَوْمه.. "وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ" أي هي طعام يقدم للمساكين، وسميت الأعمال الصالحة زكاة لأنه ينمو بها عمل فاعلها ويرتفع قدره.. والواجبُ في الفطرة أن تخرج من طعام الآدميين من تمر، أو بر، أو رز، أو زبيب، أو أقط، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ»، وَقَالَ: «وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ» رواه البخاري....

أيها الإخوة: أخرجوها مما فرضَ رسولُ الله ﷺ من الطعام ولا تخرجوها من الريالات والدراهم. لأن رسول الله ﷺ فرضها من الطعام؛ فلا يُتعدى ما عيَّنه ﷺ. أما إخراجُ القيمةِ فهو مخالف لفعل الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم فقد كانوا يخرجونها صاعاً من طعام وهم أقربُ الناسِ وأعلمُهم بهدي النبي ﷺ، ثم إن إخراج الفطرة من الدراهم يُخرج الفطرة عن كونها شعيرة ظاهرة إلى صدقة خفية..

ومقدارها صاع ومقدار الصاع النبوي كلوين وأربعين غراماً من البر الجيد كما حدده شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله.. "ويجب على المسلم أن يخرجها عن نفسه وعن كل من تلزمه مؤونته، من زوجة أو قريب، إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم.. وتجب بغروب الشمس ليلة العيد، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، ومن أخرجها بعد صلاة العيد بلا عذر فهي صدقة من الصدقات لا تبرأ بها ذمته، وادفعوها إلى فقراء المكان الذي أنتم فيه وقت الإخراج.. وحسنوها وكملوها، ولتكن من أطيب أموالكم الذي تجدون، فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون." وهنا تنبيه مهم على الولي أن يخبر من تحت يده من الزوجات والبنين والبنات والخدم المسلمين أن زكاة الفطر تجب عليهم، فإن أحبوا إخراجها من مالهم أخرجوها، أو يأذنون له بإخراجها..

أيها الأحبة: ومما يشرع لكم بعد إكمال العدة التكبير ووقته من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185] ويسن الجهر به للرجال في المساجد والأسواق والبيوت، إعلاناً بتعظيم الله وإظهارًا لعبادته وشكره...

فما أجمل حال الناس وهم يكبرون الله تعظيمًا وإجلالًا في كل مكان عند انتهاء صومهم، فيملئون الأفاق تكبيرًا وتحميدًا وتهليلًا يرجون رحمة الله ويخافون عذابه، ويحيون سنة نبيهم...

واخرجوا لصلاة العيد امتثالاً لأمر رسول الله ﷺ متنظفين متطيبين والبسوا أحسن الثياب، واخرجوا نساءكم ومن تحت أيديكم من الذرية، ابتغاء الخير، ودعوة المسلمين، فكم في ذلك المصلى من خيراتٍ تنـزل وجوائزَ من الرب الكريم تحصُل، ودعوات طيبات تقبل..

والسنة أن يأكل قبل الخروج إلى المصلى تمرات وترا ثلاثاً أو خمساً أو أكثر إن أحب، ويقطعهن على وتر لفعل النبي ﷺ.

والأفضل الخروج لصلاة العيد مشياً إلا من عذر كعجز أو بعد، وستقامُ الصلاة إن شاء الله هذا العام الساعة السادسة، في هذا الجامع غيره.. ومن السنة إذا كبر الإمام لصلاة العيد تكبيرة الإحرام أن نكبر وندعو بدعاء الاستفتاح، ثم يكبر بعد الاستفتاح ست تكبيرات ثم يتَّعَوُّذ ويبسمل ويقرأ الفاتحة.. وفي الركعة الثانية يكبر خمسًا بعد تكبيرة الانتقال، والسنة رفع اليدين مع كل تكبيرة ولا يجهر المأموم بها.. ومن فاتته التكبيرات بأن حضر والإمام قد شرع بالفاتحة فلا يقضي التكبيرات التي فاتت، ومن فاتته ركعة فإنه يأتي بالتكبيرات إذا أراد قضاء الركعة الفائتة، ومن أتى والإمام بالتشهد يقضي الصلاة كما هي بتكبيراتها.. بلغنا الله يوم العيد من عمر مديد بطاعة الله ومنَّ علينا بالقبول إنه جواد كريم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِ العالمين وأشهدُ ألا إلهَ الا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له إله الأولين والآخرين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: أيها الإخوة اتقوا الله حق التقوى واحرصوا على استغلال بقية شهركم فما هي إلا ليال معدودة ونودع هذا الشهر.. حقٌ علينا أن نغالب أنفسنا في استثمِار بقية ساعاته ودقائقه، ولم أقل أيامَه لنفاسة ساعاته ودقائقه ولنحرص على إتمام العِدة فالأعمال بالخواتيم.

ومن نعم الله علينا في هذا الشهر المبارك أن عُمرت المساجدُ فيه بالتراويح، وتعطرت لياليه بتلاوة القرآن والذكر والدعاء، ورفعت فيه أكف الضراعة إلى الله بالدعاء والثناء، وأمَ المسلمين فيها شبابٌ من أبنائهم تحملوا المسؤولية وآثروا نفع الناس، واحتسبوا الأجر بالإمامة، واطرحوا الكسل، فما أعظمه من عمل، وما أجمله من بذل للخير غفل عنه بعضُ القادرين أو تكالفوه فحُرموا فضلَه، نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يُجزل لهؤلاء الأجر والمثوبة، وأن ينفع بهم إنه جواد كريم.

أيها الإخوة: أما شهرنا فقد دار الدهرُ دورتَه... ومضت الأيامُ تلو الأيام... وإذا بشهرنا قد قاربَ أفول نجمه بعد أن سطع... وقارب إظلام ليله بعد أن لمع... وسيخيم السكون على الكون بعدما كان الوجود كل الوجود يتأهب للقاء هذا الضيف الكريم... نعم سينقضي رمضان... فيا ولهي عليه... ذهبت معظم أيامِه ولياليه... ذهبت... لتعود على من يكتبُ اللهُ له منا الحياة... وليودعَ من كان أجله قد حان... نعم... ذهبت يا رمضان فجرت منا عليك المدامع.. طوبى لمن حل فيه بروضة الأبرار، وختم شهره بالتوبة والاستغفار.

يا غافلاً وليالي الصومِ قد ذَهبتْ.... زَادتْ خَطايَاك قِفْ بالبابِ وابْكِيها

وتبْ لعلَك تحْـــــظَى بالقبولِ عـــــــــــــــــــــــــسـى أنْ تبلغَ النفسُ بالتقوى أمانِيها

وقلْ إلهي أنا العبدُ الذليــــلُ وقد ...... أتيتُ أرجو أجوراً فازَ راجيهــــــــــــــــــــــــا

فلا تَكِلني إلى نفسي ولا عملـي ..... واغفرْ ذنوبي فإني غـــــارقٌ فيهـــــــــــــــــــــا

أحبتي وبعد: من كان منا أحسن فيما مضى فعليه بالتمام، ومن فرط فليختم بالحسنى فالعمل بالختام.. وودعوا شهركم بأزكى تحية وسلام.

وصلوا على نبيكم أزكى صلاة وسلام..

م..

المشاهدات 14243 | التعليقات 0