آخر جمعة من رمضان
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمد لله الواحد القهار ، حكم بالفناء على هذه الدار ، وبالبقاء في دار القرار ]يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ[ وأشهد أن لا إله الله العزيز الغفار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار، وسلم تسليما كثيرًا ما تعاقب الليل والنهار.
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[.
إخوة الإيمان والعقيدة ... اعلموا ـ رحمكم الله ـ بأن شهر رمضان، شهر دنى رحيله، فلم يتبق منه إلا القليل، فماهي إلا بضعة أيام، ويرحل بما أودعناه من عمل، وينتهي إما شاهدًا لنا أو شاهدًا علينا، سوف نجد أيامه ولياليه وما عملنا بها من أعمال، محفوظة في كتاب ]لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا[
فلله الحمد على ما بلغنا منها، وله الشكر على ما وفقنا إليه من عمل صالح فيها، ونسأله تعالى المغفرة، وقبول ما فات وانقضى، والتوفيق للازدياد من الصالحات فيما بقي.
أيها المسلمون: استعيذوا بالله أن تمر بكم مواسم الخيرات وساعات النفحات؛ ثم لا تزدادوا هدى.. وحذار أن يكون أحدنا ممن طبع الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة! فمن يهديه من بعد الله؟!
بقي من هذا الشهر أيام مباركات، وليال فاضلات، وساعات غاليات، بقيت منح وهبات، وأجور وأعطيات، ونحن نتعامل مع رب رحيم، وإله كريم.. ولو لم يبق في هذا الشهر المبارك إلا دقيقة واحدة؛ فما الذي يصرفنا عن اغتنامها؟! وهل تعود علينا أيام الشهر أو لا تعود؟! ومن هو المقبول منا ومن هو المردود؟!.
أيها الأخوة ... من أبرز وأهم صفات المسلم، أنه مهما بلغ تقصيره، ومهما بلغت ذنوبه، فإنه لا يقنط من رحمة الله تعالى، فكلما أحدث ذنبًا أحدث له توبة، المسلم يكون دائمًا توابًا أوَّابًا رجَّاعًا إلى ربه U. وما زال في الوقت فسحة، فأبواب الجنة ما زالت مفتحة، وأبواب النارـ أعاذني الله وإياكم من النارـ ما زالت مغلقة، والشياطين ما زالت مصفدة، وما زال الملائكة يستغفرون للصائمين، ولله عتقاء من النار في كل ليلة، فاجتهدوا -يا عباد الله- اجتهدوا لعلكم تكونوا في ليلة من الليالي الباقية، من المعتقين من النار، فالفرصة ما زالت سانحة ، باقي من رمضان أيام قلائل، ما زال في الوقت فسحة، وما زالت الفرصة مهيأة، فاجتهدوا فيما بقي من هذا الشهر، واغتنموا هذه اللحظات، وتلك الساعات القليلة، التي سوف تمر وتنتهي وبسرعة.
ومهما فعل العبد من معاصي وآثام وذنوب، فإنه بين يدي كريم -إي والله كريم- فالتوبة التوبة ]قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[ وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى (يا ابنَ آدَمَ، إنَّك ما دَعَوْتَني ورجَوْتَني غفَرْتُ لك على ما كان فيك ولا أُبالي، يا ابنَ آدَمَ، لو بَلَغَتْ ذُنوبُك عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استَغفَرْتَني غَفَرْتُ لك ولا أُبالي، يا ابنَ آدَمَ، إنَّك لو أَتَيْتَني بقُرابِ الأرضِ خَطايا ثمَّ لَقيتَني لا تُشرِكُ بي شَيئًا، لَأَتَيْتُك بقُرابِها مَغفرةً. وفي لفظٍ: يا ابنَ آدَمَ، إنَّك ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَني غفَرْتُ لك على ما كان فيك ولا أُبالي.) وقال رسول الله ﷺ (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ).
فأحسنوا الختام، ختم الله لنا ولكم بالحسنى، ألحوا على الله بالدعاء فإنه يحب الملحين، تضرعوا له وارجوه، وانطرحوا بين يديه سبحانه واستغفروه، اطلبوا خيري الدنيا والآخرة لأنفسكم ولأهليكم وقرابتكم، ولبلادكم ولمن ولاه الله أمركم، وللمسلمين.
]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون* وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون[
]وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ واختموا شهرك بأوبة صادقة خالصة. اسأل الله أن يتوب علي وعليكم.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين
معاشر المؤمنين .. اتقوا الله وأطيعوه، وأكثروا من الأعمال الصالحة. واعلموا أن لكم في ختام شهركم عبادات جليلة، تعملون بها شكرًا لربكم، فتزدادون منه قربًا، ويمنحكم ودًا وحبًا؛
لا تنسوا زكاة الفطر، وهي صاع من قوتكم، على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، شرعها الله تعالى تكميلاً للصيام، وشكرًا له على إكمال رمضان، وطهرة للصائم من اللغو والرفث، ومواساة للفقراء والمساكين، وإغناء لهم عن ذل الحاجة والسؤال يوم العيد.. ووقت إخراجها من ثبوت خبر العيد إلى صلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، فأخرجوها من طيب قوتكم، وابذلوها طيبة بها نفوسكم.
ومما شرع لكم في ختام شهركم: صلاة العيد، أمر بها رسول الله ﷺ الرجال والنساء، حتى العواتق وذوات الخدور والحيض، أمرن بشهودها ليشهدن الخير ودعوة المسلمين.
وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد، فإنه يرخص لمن حضر صلاة العيد في عدم حضور صلاة الجمعة، ويجب عليه أن يصليها ظهرًا في وقت الظهر، وإن أخذ بالعزيمة فصلى العيد والجمعة فهو أفضل وأكمل.
ألا فاتقوا الله عباد الله.. هنيئًا لمن احتسب صيامه وقيامه، وعمر بالطاعات لياليه وأيامه، وتاب توبة نصوحًا يكفر الله بها ذنوبه وآثامه، ذاك هو الذي يحق له الفرح بالعيد، والسرور بلبس الجديد، فاللهم وفقنا لما وفقت إليه عبادك الصالحين، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا، سخاء رخاء، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه وولي عهده لما تحب وترضى، وهيئ لهما البطانة الصالحة، اللهم كن لهم مؤيدا وظهيرا، ومعينا ونصيرا، يا رب العالمين.
اللهم يا قوي يا عزيز؛ انصر جنودنا، اللهم اربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وشمائلهم ومن فوقهم، ونعيذهم بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم يا رب العالمين.
اللهم اكتبنا فيمن صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا، وفيمن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، واختم لنا شهر رمضان برضوانك، والعتق من نيرانك، واجعلنا فيه من الفائزين، وأعده علينا أعواما عديدة، في صحة وسلامة وعافية، يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين