آخر الوصايا ..

ناصر محمد الأحمد
1437/01/28 - 2015/11/10 03:13AM
آخر الوصيا ..
د. ناصر بن محمد الأحمد

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله ..
أما بعد: أيها المسلمون: كانت آخر كلمات حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم التي ودَّع بها هذه الدنيا، تلك الوصية المنفطرة من قلب رسولٍ: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيم) (التوبة : 128) حين ردَّد في آخر حياته: "الصلاةَ الصلاةَ!". إن من حُبِّنا للرسول صلى الله عليه وسلم واستشعارنا لمقامه، وإيماننا برسالته، واتباعنا لقوله وفعله، أن نضع هذه الوصية ونرفعها في مقامها اللائق بها في سُلَّم حياتنا، وكلُّ ما من شأنه أن يعظِّم من شأن الصلاة في حياتنا وقلوبنا وذرياتنا ونظامنا، فهو من الأولويَّات التي يجب أن يتواصى الجميع بها، وأن تكون الصلاة هي من أعظم ثوابتنا التي نحرص عليها.
إنه من المحزن حقّاً أن يشيع تضييع هذه الشعيرة العظيمة في كثيرٍ من مجتمعات المسلمين، فتجد في كثيرٍ من المسلمين من يؤخِّرها عن وقتها المفروض الذي قال الله تعالى عنه: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) (النساء : 103 أو يفرِّط في أدائها، فلا يأتيها إلا وهو كسلان متثاقل، كصنيع المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم: (وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُون) (التوبة : 54 أو يفرِّط في أدائها تفريطاً يُخشَى عليه من وعيد الله سبحانه: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُون) (الماعون : 4-5 وربما يصل الأمر ببعضهم عياذاً بالله إلى أن يتركها بالكلية، وهو بهذا يقطع الحبل الذي يربطه بجماعة المسلمين، فـ "بين الرجل وبين الشرك والكفر تَرْك الصلاة". رواه مسلم.
وإزاء هذا الواقع المؤسف لدى بعض المسلمين، ثمَّة واقعٌ مشرقٌ مشرِّف، يبعث في النفس المؤمنة السعادة والابتهاج، وذلك حين ترى العناية الشديدة بأمر الصلاة، وارتباط كثيرٍ من النفوس بها، فلا تذهب إلى مكان أو تسافر إلى منطقة أو تقضي حاجة إلا وأمر الصلاة في ميقاتها ومع جماعة المسلمين هو أول أمرها، فلا تنسيها المشاغل وتوالي الحوائج واختلاف الأزمنة والأمكنة عن حضور الصلاة في وجدانها، فيا له من منظر إيماني مشرق، تلك الجماعات التي تقيم الصلاة في المساجد والأسواق والمطارات والفنادق ومكاتب العمل والمدارس، حاضرة وظاهرة يراها كل مؤمن فيسرُّه مرآها ويحمد الله عليها، وهي مشاهد ستكرهها ولا بد قلوب أقوام آخرين تشمئز نفوسهم من أي شعيرة من شعائر الإسلام تبدو ظاهرة وشائعة، وما حربهم على ظاهرة النقاب والحجاب في مجتمعات المسلمين وغير المسلمين إلا صورة لحالة الاشمئزاز من ذكر الله، تسطِّره أقلامهم وأفواههم وقوانينهم.
أيها المسلمون: إن أداء الصلوات المفروضة جماعة مع كونها من الواجبات الشرعية على القول الصحيح من أقوال العلماء للدَّلائل الشرعية المتعددة من كتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا أنها مع ذلك من أعظم الضمانات الشرعية والواقعية للمحافظة على أصل ركن الصلاة، فشيوع الصلاة جماعة، وتواصي الناس بها، وتربية ناشئة المسلمين على أدائها في المساجد يعظِّم من شأن الصلاة في النفوس، ويربط حياة الناس بدينهم، وهو ما يجعل التفريط في أصل الصلاة أو تركها بالكلية أمراً هامشياً وشاذّاً من آحاد الناس، وفي المقابل حين يكثر التفريط في أداء الجماعة، ويغيب الناشئة والشباب والكهول عن المساجد، فهي مدعاة لإضاعة الصلاة ونسيانها وتوالي التفريط فيها. وإن واقع الحال شاهد عليه، فمن يحافظ على صلاة الجماعة، أو قد نشأ في بيئة تحافظ عليها، لا تكاد تجده يفرِّط في أداء الصلاة، ولو تركها في الجماعة فإنه لن يتركها بالكلية، بينما من ينشأ وهو لا يعرف الصلاة جماعة، فإن التفريط والترك كثير بينهم.
إنه من المحزن حقاً أن تجد الأسواق التجارية في عامة بلاد المسلمين وهي تعج بالمتسوِّقين الذين يقضون حوائجهم ويشربون ويلعبون، ويدخل وقت الصلاة ويخرج ولا تقام فيهم جماعة، أو تقام بأعداد قليلة لا تكاد تُذكَر مع أعداد المتخلِّفين عن أداء الجماعة، وربما لا يوجد في كثيرٍ من تلك الأسواق مكان لأداء الصلاة بينما يوجد فيها أمكنة متَّسعة لكثير مما حرَّم الله.
لا شك أن هذه ممارسة لم تَقْدِر هذه الشعيرة حق قَدْرِها، ولم تراعِ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو رآها نبينا صلى الله عليه وسلم لساءته، كيف وهو يقول: "ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا ًفيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حُزٌم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار". رواه البخاري في صحيحه.
فكيف لو رأى حال كثيرٍ من هذه الأسواق التي لا تدري هي ولا من فيها عن وقت الصلاة، ولا يوجد فيها جماعة ولا مكان للصلاة؟ غير أن مما يجب أن يذكَر ويشكَر ويشادَ به، القرار النظامي المعمول في الأسواق التجارية عندنا، حيث يلتزم الجميع بإيقاف كل حركة للبيع أو الشراء، لأجل أن يذهب الجميع لأداء الصلاة في وقتها جماعة في المصلى، الذي لا يخلو أي سوق من وجود مكان مهيَّأ، وأينما أدركتَ الصلاة في أي سوقٍ في هذه البلاد، فستجد الباعة يغلقون محلاتهم ويتجهون هم وعامَّةُ من في السوق لأداء الصلاة في وقتها جماعة.
إنه قرار عظيم، وأثره كبير، يدركه كل أحد، ويُسَرُّ منه كل معظِّم لله ومحب لرسوله صلى الله عليه وسلم، ومعظِّم لشعائره، إذ جعل شعيرة الصلاة ظاهرة شائعة ينشأ عليها الصغير، وقد ارتبطت كل مصالح الناس الدنيوية بأوقات الصلاة، فأصبحت الصلاة حاضرة بسبب ذلك حتى عند المفرطين في أدائها. لذا يجب أن نساهم جميعاً في المحافظة على قرار إغلاق المحلات وقت الصلاة، وأن نفرح بذلك، وأن نساعد ونتعاون مع الهيئات الرسمية على تنفيذ واستمرار هذا القرار.
أيها المسلمون: ولا شك أن العناية بأمر الصلاة من واجبات النظام في الدولة الإسلامية، ومثل هذا القرار جانب من تحقيق النظام لمسؤوليته الشرعية، فنشيد بمثل هذا القرار، وينبغي السعي من المسلمين في جميع الدول الإسلامية أن تتخذ مثل هذه القرارات الإدارية النافعة، وأن يضعوا من النظم والقوانين ما يكون سبباً لإحياء شعيرة الصلاة، وإظهارها، وإشهارها في بلاد المسلمين.
ولوسائل الإعلام دور عظيم في توعية الناس وتعزيز القيم الفاضلة، وإنها رسالة لكل العاملين في كافة الحقول الإعلامية أن يكون لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانتُها اللائقةُ بها، وكل عامل في تلك الوسائل الإعلامية هو من أقدر الناس على معرفة الطرق والوسائل المناسبة لتحقيق هذا الهدف العظيم، الذي هو من أعظم أبواب الإصلاح والنفع التي يقدمها الإعلامي لمجتمعه.
ويقع على عاتق القائمين على العملية التعليمية والتربوية في التعليم العام والعالي أمانةُ تنشئة أجيال المسلمين على تعظيم الصلاة، وتعويدهم على إقامتها والمحافظة عليها، مع العناية بتأدية الطلاب للصلاة جماعة في أوقات الدراسة، وإمداد المناهج الدراسية بالمادة الشرعية والتربوية الكافية لمعرفة أحكام الصلاة وتعزيز مكانتها.
وعلينا قبل ذلك وبعده ألا ننسى دور الأسرة والمدرسة والمسجد والأصدقاء في التواصي والتعاضد على تعظيم مقام الصلاة في نفوس الناس، والمحافظة عليها في الجماعة، ومراعاة واجباتها وسننها وآدابها، فإنها وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم.

بارك الله ..


الخطبة الثانية :
الحمد لله ..
أما بعد: أيها المسلمون: ففي أعقاب معركةِ اليرموك الشهيرة، وقف ملك الروم يسألُ فلول جيشه المهزوم، وقف يسألهم والمرارة تعتصر قلبهُ، والغيضُ يملئ صدره، والحمق يكاد يذهب عقله: "ويلكم أخبروني عن هؤلاءِ الذين يقاتلونكم أليسوا بشراً مثلكم؟ قالوا بلا أيها الملك، قال فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا بل نحن أكثر منهم في كل موطن، قال: فما بالكم إذاً تنهزمون؟ فأجابهُ شيخٌ من عظمائهم: إنهم يهزموننا لأنهم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويتناصفون بينهم". وصدق والله وهو كذُوب، فهذه السجايا العظيمة، وهذه الخصال الكريمة، كانت هي أسباب تلك العزةِ، وذلك المجدَ التليد، كانت هي الأسباب التي صنعت ملحمةَ الجهاد الكبرى، ورسمت أقواس النصرِ الباهرة، وأقامت حضارةَ الإسلامِ العالمية، ومكّنت القومَ من رقابِ عدوهم، حتى دانت لهم الأرض وأهلُها، وأتتهم الدنيا وهي راغمة، هذه الخصالُ الرفيعة، هي التي انتقلت بأسلافنا تلك النِقِلة الضخمة، من عتبات اللآت والعزى، ومنآة الثلاثة الأخرى، إلى منازل إياك نعبد وإياك نستعين، حيث الأرواح المتطلعة إلى السماء، والنفوس السابحة في العلياء، ولكن يا فرحةً لم تستمر! ويا لبهجة لم تكتمل! فقد تغيرت الحالُ، وهوت الأمةُ من عليائها لتستقر في غبرائها، وأصبحنا نحن الذين نتساءل اليوم، لماذا نهوي ويرتفع خصومنا، والجواب أيها الأحبة في الله، كيف لا يكون ذلك وقد ضاعت تلك الخصال الرفيعة، والقيم الساميةُ، وليت الأمر توقف عند ذلك، ليت الأمر توقف عند قيام الليل الذي أضعناه، وصيام النهار الذي افتقدناه، لهان الأمر وما هو بهين ورب الكعبة، ولكننا أضعنا ما هو أكبر من ذلك بكثير، فالصلاة المفروضة، عماد الدين وركنه الركين، أصبحت اليوم ضائعة مهملة لدى الكثيرين، منسية مؤخرة عن وقتها لدى آخرين، تفعل في غير الجماعة لدى الباقين، وما أشد خوفي والله أن يكون بعضنا قد اقترب كثيراً من وعيد الجبار جل جلاله : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا). وإذا كنا جادين في محاولة إصلاح الأمةِ، وبعث عزتها من جديد، فنحن مدعون اليوم إلى بحث هذا الموضوع الشائك، ومناقشةِ هذه القضية الجلل، ومعالجة هذه المسألة المهمة، كونها من كبريات القضايا، وأمهات المسائل، وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
أيها المسلمون: ولوا ستعرضنا أحوال الناس ومواقفهم من الصلاة لوجدناهم أصنافاً وأحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون:
فأما صنف من الناس: فقد غرتهم أنفسهم، وغرتهم الحياة الدنيا، وظنوا أنهم إلى ربهم لا يرجعون، هؤلاء لا يعرفون للصلاة قيمة ولا وزنا، فلا يصلونها بالمرة، أو يصلونها أحياناً، أو عند المناسبات فقط، فهم بحاجة والله جدّ ماسّة إلى تصحيح أصل الإيمان في قلوبهم، هم بحاجة إلى دعوتهم إلى الإسلام، ومحاولة إقناعهم به، كغيرهم من الكفار الخارجين عن دائرة الإسلام وإطاره المحدود. ومهما كان الحكم قاسياً، فهو حقيقةً لا تقبلُ الجدال أو المناقشة، فالذي حكم بكفرهم هو الله ورسوله، فأما الله جلا جلاله فيقول: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين) ومفهوم الآية واضحٌ ويعني باختصارٍ شديد، إن لم يقوموا الصلاة فليسوا أخوةٌ لنا في الدين، أي إنهم مرتدون خارجون عن الإسلام وأهله، أفهمتم يا من تتركون الصلاة، وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم. وفي القرآن الكريم: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ، فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِين) وما حِرمانهم من الشفاعة إلا دليل واضح على كفرهم وردتهم، وخسارتهم الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.
إننا ندعوا هؤلاءِ بكل شفقةٍ وإخلاص، ندعوهم والألم يعتصر قلوبَنَا خوفاً عليهم ورأفةً بهم، ندعوهم إلى إعادة النظر في واقعهم ومُجريات حياتهم، ندعوهم إلى مراجعة أنفسهم وتأمل أوضاعهم قبل فوات الأوان، إننا ننصحهم بأن لا تخدعهم المظاهر، ولا يغرهم ما هم فيه من الصحة والعافية والشباب والقوة، فما هي إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، فالصحة سيعقبها السقم، والشباب يلاحقه الهرم، والقوة آيلة إلى الضعف، ولكن أكثر الناس لا يتفكرون. ليتذكر تاركوا الصلاة أنهم صائرون إلى قبورٍ موحشة، وحفرٍ مظلمة، وأنه لا ينفع ساعتها مالٌ ولا بنون، ولا صديق ولا صاحب.
وصنف آخر من الناس: يؤخرون الصلاة عن وقتها، فهم يؤدونها حسب أهوائهم وتبعاً لأمزجتهم ووفقاً لظروفهم، فإذا كانوا نائمين أدُّوها عند الاستيقاظ، وإذا كانوا مشغولين أدُّوها عند الفراغ، فالصلاة أمر ثانوي في حياتهم، وشيء ساذج في أذهانهم، وما درى هؤلاء الواهمون أنهم المعنيون بقوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ). وعند البخاري من حديث بريدة: "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله". فرحماك يا إلهي! من ترك صلاة واحدة حبط عمله، فكيف بمن يؤخر صلاتين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة. فاتقوا الله يا من تؤخرون الصلاة عن وقتها وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم، فاستيقظوا من سباتكم يا هؤلاء، وأفيقوا من أحلامكم واعتقوا رقابكم من غضب الله وناره وجحيمه ونكاله.
وأما النائمون عن صلاة الفجر والعصر خاصة، فعند البخاري وأحمد من حديث سمرة قال عليه الصلاة والسلام في حديث الرؤيا الطويل: "أتاني الليلة آتيان، ... وفي آخر الحديث: أُوّل لرسول الله r هذا الذي يضرب رأسه بالصخرة، فقيل هو الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة". أرأيت، أرأيت يا من تنام عن صلاة الفجر ويا من تنام عن العصر، أرأيت ما ينتظرك من العذاب وأنت غافل لاهي، لا تدري ماذا يراد بك، وماذا يهيأ لك، فاتق الله وألق عن نفسك الكسل والخمول. فالمسألةُ ليست أحاديث صبيان ولا ألاعيب مراهقين، ولكنها جدٌ ورب الكعبة، وإنّ غداً لـناظره قريب.
فأما الصنف الثالث من الناس: فهم أقوامٌ حريصون كل الحرص على أداء الصلاة في أوقاتها بكل حماسٍ وإصرارٍ لكن حماسهم يخبُ وإصرارهم يضعف عن أداء الصلاة مع جماعة المسلمين في المساجد. إن صلاة الجماعة في المساجد واجبة، وأن من يظن غير هذا فهو يعيش وهماً كبيراً، ويرتكب خطأً فادحاً، وأن أدائها في البيوت ذنب عظيم وجرم خطير وخطأ فادح بكل المقاييس، كيف لا وقد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر" رواه أبو داود وابن حبان. "قالوا يا رسول الله وما العذر؟ قال: خوف أو مرض".
أيها المسلمون: لقد آن الأوان أن نعيد النظر في أوضاعنا، ونصحح مفاهيمنا وأخطاءنا، ونقّوم سلوكنا وتصرفاتنا، فنحن أمةٌ خُلقت لتكون قائدة، ووجدت لتكون رائدة، والقيادة والريادة لا تحصلان لأمة ما زالت تناقش أعظم شعائر دينها، هل هي واجبة في الجماعة أم لا؟ وهي مسألة محسومة منذ زمن طويل، محسومة في كتاب الله وسنة نبيه بكل إشراقةٍ ووضوح، فلماذا يصر أقوامٌ على الجدال بالباطل والمدافعة بغير الحق، جرياً وراء شذوذات بعض الفقهاء، وموافقة لدواعي النفس والهوى.
ألا إنها دعوةٌ إلى عمارة بيوت الله بالذكر والتسبيح وصلاة الجماعة، ألا إنها دعوةٌ إلى الجنة، فوق مراكب من التقى والعمل الصالح والتوبة النصوح، والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة، اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ واجعلنا هُداةً مهتدين لا ضاليَن ولا مُضلين، بالمعروف آمرين وعن المنكر ناهين يا ربَّ العالمين.
ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى آلهِ وصحابته أجمعين.
وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي.
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ يا عزيزُ يا غفور. سبحان ربك رب العزة عما يصفون ..
المشاهدات 1724 | التعليقات 0