آثار الكسب الحلال والحرام

أ.د عبدالله الطيار
1442/12/21 - 2021/07/31 15:47PM

 

الخطبة الأولى:

إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنَا ومِنْ سَيّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلَا مُضِلّ لَهُ، ومنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102].

أيُّها المؤمنونَ: جَعَلَ اللهُ جلَّ وعلا الدنيا دارَ السعيِ والاكتسابِ، والآخرةَ دارَ الثوابِ والعقابِ، والمسلمُ الصادقُ هو مَنْ يعملُ على صلاحِ معاشِه بالكسبِ الحلالِ، والاستعانةِ به على أَمرِ دينِه ودنياهُ وآخرتِه.

وكلُّ ما اكتَسبَه العبدُ بطريقٍ غيرِ مشروعٍ فهوَ آكلٌ للحرامِ، لما وَردَ في صحيحِ مسلمٍ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ مَرَّ على صُبْرَةِ طَعامٍ فأدْخَلَ يَدَهُ فيها، فَنالَتْ أصابِعُهُ بَلَلًا فقالَ: ما هذا يا صاحِبَ الطَّعامِ؟ قالَ أصابَتْهُ السَّماءُ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعامِ كَيْ يَراهُ النّاسُ، مَن غَشَّ فليسَ مِنِّي) رواه مسلم (102)، أجل إنَّ الحياةَ سريعةُ المرورِ والزّوالِ، فلا يُطلبُ رزقُ اللهِ بمعصيتِه، وكلُّ ما أدَّى إلى مُحرَّمٍ فهو حرامٌ، وكلُّ تّبِعةٍ سيبقى وزرُها ووبالُها على صاحبِها.

أيُّها المؤمنونَ: ومَنْ أقوالِ السَّلفِ في هذا البابِ: قولُ وُهيبٍ بن الوردِ: (لو قمتَ مقامَ هذِه الساريةِ لم ينفْعكَ شيءٌ حتَّى تَنْظر ما يَدخلُ بطنَكَ حلالٌ أم حرامٌ).

وعن ميمونِ بنِ مهرانٍ قال:(لا يكونُ الرجلُ تقيًّا حتَّى يكونَ لنفسِه أشدَّ محاسبةً من الشريكِ لشريكِه وحتَّى يعلمَ مِنْ أينَ ملبسُه، ومطعمُه، ومشربُه).

وقال إبراهيمُ بنُ أدهمَ: (ما أدْركَ مَنْ أدركَ إلا مَنْ كانَ يعقلُ ما يدخلُ جوفَه).

وقال يحيى بنُ معاذٍ: (الطاعةُ خِزانةٌ مِنْ خزائنِ اللهِ إلا أنَّ مفتاحهَا الدعاءُ، وأسنانَهُ لُقَمُ الحلالِ).

وقالَ ابنُ المباركِ: (رَدُّ دِرهمٍ من شُبهةٍ أحبُّ إليَّ من أَنْ أتصدقَ بمائةِ ألفِ درهمٍ ومائةِ ألفٍ ومائةِ ألفٍ حتَّى بلغَ ستمائةَ ألفٍ)

عبادَ اللهِ: ومن الآثارِ الطَّيبةِ في فضلِ الكسبِ الحلالِ وتركِ الحرامِ، ما يلي :

أولاً: أنَّ أكلَ الحلالِ سببٌ في قبولِ الأعمالِ الصالحةِ، واستجابةِ الدُّعاءِ: فكلُّ مَنْ تَرَكَ الحرامَ ابتغاءَ وجهِ اللهِ، وعفَّ نفسَه بالحلالِ تقبَّلَ اللهُ منه كلَّ عملٍ صالحٍ، وقد ذَكَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:(.. الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟)(رواه مسلم(1015).

قالَ ابنُ رجبٍ رحمهُ اللهُ في شرْحِه لهذَا الحديثِ: (وفي هذا الحديثِ إشارةٌ إلى أنَّه لا يُقبلُ العملُ ولا يزكو إلا بأكلِ الحلالِ، وأنَّ أكلَ الحرامِ يُفسدُ العملَ، ويمنعُ قبولَه..).

ثانيًا: أنَّ الكسبَ الحلالَ عاقبتُه الجنَّةَ كما أنَّ الكسبَ الحرامَ عاقبتُه النَّارَ: قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:(‌كُلُّ ‌جَسَدٍ ‌نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى به)(رواه الطبراني(8648)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519)، وقال:(أربعٌ إذَا كنَّ فيكَ فلا عليكَ ما فاتَكَ من الدنيا: حِفظُ أمانةٍ، وصدقُ حديثٍ، وحُسنُ خليقةٍ، وعِفَّةٌ في طُعمةٍ)(رواه أحمد(6652)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب(1718)، و(سُئِلَ رسولُ اللَّهِ ﷺ عن أَكْثرِ ما يُدخلُ النّاسَ الجنَّةَ؟ فقالَ: تَقوى اللَّهِ وحُسنُ الخلُقِ، وسُئِلَ عن أَكْثرِ ما يُدخِلُ النّاسَ النّارَ، قالَ: الفَمُ والفَرجُ)(رواه الترمذي (2004)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي(2004).

أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء: 47].

باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:  

فاتَّقوا اللهَ أيُّها المؤمنون، واعلموا أنَّ الكسبَ الحرامَ سببٌ للبعدِ عن رحمةِ اللهِ وجالبٌ لآَكلِه من الشرِّ ما لا يعلمُه إلا اللهُ، فهو سببٌ لموتِ القلبِ وصُدودِه عن أُخْرَاهُ، وسببٌ لفسادِ الذُّريةِ، وعدمِ قبولِ الدُّعاءِ، فآَكلُ الحرامِ لا يقبلُ اللهُ له عملاً ما دامَ الحرامُ في بطنِه، قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (‌إِنَّ ‌الدُّنْيَا ‌خَضِرَةٌ ‌حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، بُورِكَ لَهُ فِيهَا، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِي مَالِ اللهِ، وَمَالِ رَسُولِهِ، لَهُ النَّارُ يَوْمَ يَلْقَى اللهَ)(رواه أحمد (27054)، وصححه الألباني في الصحيحة(1592).

ومن آثارِ الكسبِ الحرامِ ما يأتي:

أولاً: أنَّ الكسبَ الحرامَ مهلكةٌ للنفسِ والبدنِ وسببٌ في فسادِ الذُّريةِ وذهابِ البركةِ.

ثانيًا : أنَّ صاحبَ الكسبِ المالِ الحرامِ مستحقٌ للعنةِ اللهِ: فقد صحَّ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قالَ: (لَعنَ اللهُ آكلَ الرِّبا، ومُوكِلَهُ، وشاهِدَيْهِ، وكاتِبَهُ، هم فيه سواءٌ) (رواه مسلم(955)، و(لعنَ رسولُ اللهِ صلّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الرّاشي والمُرتَشي)(رواه الترمذي (1337)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي(1337)، إلى غير ذلك من النصوص الشرعية الواردة فيمن أكل الحرام.

ثالثًا: أنَّ الكسبَ الحرامَ سببٌ لزوالِ النِّعمِ: فمكتسبُ المالِ الحرامِ يُعاملُ بنقيضِ مقصودِه، فهوَ يُريدُ من الكسبِ الحرامِ زيادةَ مالِه، وكثرةَ عَرَضِه، وما عَلِمَ أنَّ الحرامَ لا يُمكنُ أن يدومَ ولا يقومُ عليه بناءٌ، قال تعالى:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[إبراهيم:7].

فَوصيتِي لكم عبادَ اللهِ: أَنْ أَطِيبُوا مطاعمَكم، ومشاربَكم، وملابسَكم، ومراكبَكم، ومساكنَكم، وفُرشَكم، وجميعَ ما تملكونَ في حياتِكم، حتَّى يقبلَ اللهُ أعمالَكم، ودعائَكم، وحتَّى يُباركَ اللهُ لكم في أرزقاكِم وأبدانِكم، وذرِّياتِكم، وحتَّى تَدْخلوا جنَّةَ ربِّكم.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب: 56].                الجمعة:  12/20/ 1442هـ

المشاهدات 726 | التعليقات 0