اقتباس
أفضل الأيام صيامًا في شهر الله المحرَّم يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من الشهر، وصيامه يُكفِّر السنة التي قبله...
1- شهر الله المحرم أضافه الله تعالى إلى نفسه تشريفًا له، وإشارةً إلى أنه سبحانه حرَّمه بنفسه، فليس لأحد من خلقه أن يجعله حلالًا؛ قال ابن رجب: "وقد سمَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- المحرَّمَ شهرَ الله، وإضافته إلى الله عز وجل تدل على شرفه وفضله؛ فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلَّا خواصَّ مخلوقاته"؛ (لطائف المعارف ص 90-91).
2- عظَّم الله تعالى شأنه في كتابه؛ فقال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36]، وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- تعظيمه في سُنَّته؛ ففي الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حُرُم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمُحرَّم، ورجب مُضَر الذي بين جُمادى وشعبان"، وقد رجَّحت طائفة من العلماء أن المحرَّم أفضل الأشهر الحُرُم؛ (لطائف المعارف، ص70).
3- شدة تحريم الظلم في أشهر الحُرُم عن غيرها؛ قال الشيخ السعدي: "(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثنى عشر شهرًا... ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحُرُم، وأن هذا نهيٌ لهم عن الظُّلْم فيها، خصوصًا مع النهي عن الظلم كل وقت؛ لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشدَّ من غيرها"؛ (تفسير السعدي:3/228-229).
4- قيل: سُمِّي شهر (مُحرَّم)؛ لتحريم القِتال فيه؛ قال ابن كثير رحمه الله: "وقد اختلف العلماء في تحريم ابتداء القتال في الشهر الحرام؛ هل هو منسوخ أو محكم على قولين: أحدهما: وهو الأشهر أنه منسوخ؛ لأنه تعالى قال ها هنا: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾، وأمر بقتال المشركين، والقول الآخر: أن ابتداء القتال في الشهر الحرام حرامٌ، وأنه لم ينسخ تحريم الشهر الحرام؛ لقوله تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)[البقرة: 194]، وقال: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)[التوبة:5]؛ (تفسير ابن كثير:2/468-469).
5- يُسَنُّ صيام شهر الله المحرَّم؛ فقد جاء في فضل صيامه ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المُحرَّم"، واختلف العلماء؛ هل يُصام كله أم أكثره؟ على قولين: وظاهر الحديث يدل على فضل صيام شهر المحرَّم كاملًا، وحمله بعض العلماء على الترغيب في الإكثار من الصيام في شهر المحرَّم لا صومه كله؛ لما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيامَ شهرٍ قَطُّ إلا رمضان، وما رأيتُه في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان"، وأُجيب بأن عائشة رضي الله عنها نقلتْ ما رأتْه.
6- وأما إكثار النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصيام في شهر شعبان دون شهر الله المحرَّم، فالجواب عنه كما قال النووي: "لعله لم يعلم فضل المحرَّم إلَّا في آخر الحياة، قبل التمكُّن من صومه، أو لعلَّه كان يعرض فيه أعذارٌ تمنع من إكثار الصوم فيه؛ كسفر ومرض وغيرهما"؛ (شرح صحيح مسلم:8 37).
7- أفضل الأيام صيامًا في شهر الله المحرَّم يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من الشهر، وصيامه يُكفِّر السنة التي قبله لما؛ رواه مسلم من حديث أبي قتادة، قال -صلى الله عليه وسلم- حين سُئِل عن صيام عاشوراء: "أحتسب على الله أن يُكفِّر السنة التي قبله"، ويحصل للمسلم هذا الفضل ولو صام عاشوراء وحدَه، ولا كراهةَ في إفراده على الصحيح؛ (الاختيارات الفقهية؛ لابن تيمية، ص:110، فتاوى اللجنة الدائمة:10-401).
8- جاء بيان الحكمة من صيام عاشوراء في حديث ابن عباس في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لَمَّا قدم المدينة، وجدهم يصومون يومًا؛ يعني: عاشوراء، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجَّى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شُكرًا لله، فقال: "أنا أوْلَى بموسى منهم"؛ فصامَه وأمر بصيامِه.
9- السنة أن يصوم اليوم التاسع معه؛ مخالفةً لأهل الكتاب؛ لما رواه مسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تُعظِّمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صُمْنا اليوم التاسع"، وفي رواية: "لئن بقيتُ إلى قابل، لأَصومَنَّ التاسع"، قال: فلم يأتِ العام المقبل، حتى تُوفِّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأما الأحاديث الواردة في صيام يومٍ قبله وبعده، وكذلك في صيام يومٍ قبله أو بعده، فلا تصِحُّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصحَّت آثارٌ موقوفة على ابن عباس رضي الله عنه؛ ولهذا لا تثريب على مَنْ صام عاشوراء ويومًا قبله ويومًا بعده، أو اكتفى بصيامه وصيام يوم بعده لأجل مخالفة اليهود.
10- يجوز صيام أيام شهر الله المحرَّم، ومنها: يوم عاشوراء وتاسوعاء بنيَّة من النهار على الصحيح، والأكمل هو تبييت النية من الليل؛ (شرح صحيح مسلم؛ للنووي:8- 276)، (الشرح الممتع؛ لشيخنا ابن عثيمين:6- 359)، ويجوز صيام عاشوراء لمن كان عليه قضاء، ولو نواه قضاءً مع نيَّة عاشوراء نال الأجرين على الصحيح؛ (مجموع فتاوى ورسائل شيخنا ابن عثيمين:20- 48).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم