يوم عرفة

تركي بن عبدالله الميمان

2023-06-23 - 1444/12/05 2023-06-26 - 1444/12/08
التصنيفات: عشر ذي الحجة
عناصر الخطبة
1/فضل يوم عرفة 2/وصايا لاغتنام يوم عرفة 3/شعيرة الأضحية 4/شعيرة عيد الأضحى

اقتباس

إِنَّهُ يَومُ عَرَفَة، ومَا أَدْرَاكَ مَا يَومُ عَرفةَ! إنَّه اجْتِمَاعٌ عَظِيمٌ لِذِكْرِ اللهِ وشُكْرِهِ وحُسْنِ عِبَادَتِهِ! قال -صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ في السِرِّ والنَّجْوَى؛ فَالتَّقْوَى تَدْفَعُ السُّوْءَ والبَلْوَى! (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ).

 

أَيُّهَا المُسْلِمُون: مَا زِلْتُمْ تَتَقَلَّبُونَ في أَيَّامِ العَشْرِ المُبَارَكَةِ –أَعْظَمِ أَيَّامِ الدُّنْيَا-! فَهَنِيْئًا لِمَنْ اغْتَنَمَهَا بِجَمْعِ الحَسَنَات، وَتَكْفِيرِ السَّيْئَات!

 

وَهَا أَنْتُمْ مُقْبِلُونَ على أَعْظَمِ أَيَّامِ العَشْرِ: إِنَّهُ يَومُ عَرَفَة، ومَا أَدْرَاكَ مَا يَومُ عَرفةَ! إنَّه اجْتِمَاعٌ عَظِيمٌ لِذِكْرِ اللهِ وشُكْرِهِ وحُسْنِ عِبَادَتِهِ! قال -صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِم الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟!”(رواه مسلم).

 

وَيَومُ عَرَفَة؛ أَقْسَمَ اللهُ بِه: والعَظِيمُ لا يُقْسِمُ إِلَّا بِعَظِيْم! قال -عز وجل-: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال -صلى الله عليه وسلم-: “اليَومُ المَشْهُود: يَوْمُ عَرَفَة”(رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

 

وقال -جل جلاله-: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)، قال ابنُ عَبَّاس -رضي الله عنه-: “الشَّفْعُ: يَومُ الأَضْحى. وَالوَتْرُ: يَومُ عَرَفَة”.

 

وَلاغْتِنَامِ يَوْمِ عَرَفَة؛ إِلَيْكُمْ عَدَدًا مِن الوَصَايَا الثَّمِيْنَة؛ لاغْتِنَامِ لحَظَاتِهِ النَّفِيْسَةِ؛ وَمِنْ تِلْكَ الوَصَايَا:

أَوَّلاً: التَّفرُّغُ لِلْعِبَادَةِ، وتَرْكُ المشَاغِلِ والأَعْمَالِ، وتَأْجِيْلُهَا إلى يَوْمٍ آخِر؛ فَهُوَ يَوْمٌ وَاحِدٌ في السَّنَةِ، وَلا تَدْرِي: هَلْ سَتَبْقَى إلى العَامِ القَابِلِ، أَمْ أَنَّهُ سَيَبْقَى بَعْدَك؟!

 

ثانيًا: صِيَامُ هَذَا اليَوْمِ لِغَيرِ الحَاج: قال -صلى الله عليه وسلم-: “صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ!”(رواه مسلم). وَيَنْبَغِي حَثُّ "الأَهْلِ والأَوْلَادِ" على صِيَامِ هذا اليَومِ، قال ابْنُ عُثَيْمِيْن: “مَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَة، وَعَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَان؛ فَصِيَامُهُ صَحِيح، لَكِنْ لَوْ نَوَىَ أَنْ يَصُومَ هَذَا اليومَ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَان؛ حَصَلَ لَهُ الأَجْرَان: أَجْرُ يَومِ عَرَفَة، مَعَ أَجْرِ القَضَاء”.

 

ثالثًا: التَّكبِير: ويَبدأُ التَّكبِيرُ المُقيَّدُ (الَّذِي يَكُونُ بَعدَ الصَّلَوات): مِنْ بَعدِ فَجْرِ يَومِ عَرَفة، إلى آخِرِ أَيّامِ التَّشْرِيق.

 

وأَمَّا التَّكْبِيرُ المُطْلَقُ (الذّي يَكُوْنُ في كُلِّ وَقْت): فَلَا يَزَالُ مَشْرُوعًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ.

 

رَابِعًا: الإِكْثَارُ مِنَ التَّهْلِيْلِ والْدُّعَاء: فَدُعَاءُ يَوْمِ عَرَفةَ؛ لَهُ مَزِيَّةٌ على غَيْرِه! قالَ -صلى الله عليه وسلم-: “خَيْرُ الدُّعَاءِ: دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”(رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني). قال البَاجِي: “قَوْلُه: "خَيْرُ الدُّعَاءِ: دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ": يَعْنِي أَكْثَرُ الذِّكْرِ بَرَكَة، وأَعْظَمُهُ ثَوَابًا، وَأَقْرَبُهُ إِجَابَة”.

 

وَيَوْمُ عَرَفَة: تَذْكِيْرٌ بِنِعْمَةِ الإِسْلَامِ، الَّذِي رَضِيَهُ اللهُ لِلْأَنَامِ! جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ -رضي الله عنه-، فَقَالَ: “يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤنَهَا، لَوْ عَلَيْنَا نَزَلَتْ مَعْشَرَ الْيَهُودِ؛ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا!” قال: “وَأَيُّ آيَةٍ؟” قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا). فَقَالَ عُمَرُ: “إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِعَرَفَاتٍ، فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ”(رواه البخاري، ومسلم).

 

وَالأُضْحِيَةُ في يَوْمِ العِيْد؛ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ، وسُنَّةٌ مُؤَكَّدَة، وَتُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وأَهْلِ بَيْتِهِ؛ وَقَدْ “ضَحَّى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّر”(رواه البخاري، ومسلم)، وَكُلَّمَا كَانَتِ الأُضْحِيَةُ أَكْمَلَ في صِفَاتِهَا، وأغْلَى ثَمنًا، فَهِيَ أَحَبُّ إلى الله، وأَعْظَمُ أَجْرًا.

 

وَالحِكْمَةُ مِن الأُضَحِيَةِ: بَيَّنَهَا اللهُ بِقَوْلِه: (لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ). قال السِّعْدِيُّ: “هَذَا حَثٌّ وتَرْغِيبٌ على الإِخْلَاصِ في النَّحْرِ، وَأَنْ يَكُونَ القَصْدُ وَجهَ اللهِ وحْدَهُ -لا فَخْرًا ولا رِيَاءً ولا عَادة- وَهَكَذا سَائِرُ العِباداتِ؛ إِنْ لَمْ يَقتَرِنْ بِهَا الإِخْلاصُ وتَقْوَى اللهِ؛ كانَتْ كالقُشُورِ الَّذِيْ لا لُبَّ فيهِ، والجَسَدِ الَّذِي لا رُوحَ فيهِ!”.

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

أَمَّا بَعْد: فَإِنَّ آخِرَ هَذِهِ العَشْرِ المُبَارَكَة، هُوَ عِيْدُ الأَضْحَى؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَوْمُ النَّحْرِ”(رواه أبو داود، وصححه الألباني). وَعِيدُ الأَضْحَى: مِنْ أَخَصِّ مَا تَمَيَّزَ بِه المُسْلِمُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ! قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا”(رواه البخاري، ومسلم).

 

والأَعْيَادُ فِي الإِسْلام: شَعِيْرَةٌ لا تَقْبَلُ الزِّيَادَة، وَهِيَ أَعْيَادُ شُكْرٍ وَذِكْر! قال -عز وجل-: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ).

 

وَأَمَّا أَعْيَادُ المُشْرِكِيْن: فَهِيَ غَفْلَةٌ وَعِصْيَان، لا تَلِيْقُ بِأَهْلِ الإِيْمَان! وكَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي السَنَةِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا؛ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ قَالَ: “قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى”(رواه أبو داود، وصححه الألباني).

 

وَيُسَنُّ الإِمسَاكُ عَنِ الأَكلِ في عِيدِ الأَضْحَى، حَتَّى يُصَلِّيَ العَيْد؛ لِيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِهِ. وَيُشْرَعُ التَّجَمُّلُ في عِيْدِ الأَضْحَى، والخُرُوْجُ مَاشِيًا إِنْ أَمْكَنَ، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنَ التَّكْبِيرِ حَتَّى يَحْضُرَ الإِمَامُ.

 

وَيُسَنُّ أَنْ يَذْهَبَ في طَرِيْقٍ: ويَرْجِعَ مِنْ طَرِيْقٍ آخَر، كُمَا هِيَ سُنَّةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-.

 

وَأَيَّامُ التَّشْرِيْقِ: هِيَ الأَيَّامُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ عِيْدِ الأَضْحَى؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: “أَيَّامُ التَّشْرِيْقِ: أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ لله”(رواه مسلم). قال ابْنُ رَجَب: “فَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ يَجْتَمِعُ فِيْهَا لِلْمُؤْمِنِينَ: نَعِيمُ أَبْدَانِهِمْ بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَنَعِيمُ قُلُوْبِهِمْ بِالذِّكْرِ وَالشُّكْرِ؛ وَبِذَلِكَ تَتِمُّ النِّعَم!”.

 

فَاغْتَنِمُوا مَوَاسِمَ الخَيْرَات: وَاسْتَكْثِرُوا مِنَ البَرَكَات، وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، واقْتَدُوا بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ، وأَحْسِنُوا في عَمَلِكُمْ؛ لِتَنَالُوا رَحْمَةَ رَبِّكُمْ! (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ). 

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).

المرفقات

يوم عرفة.doc

يوم عرفة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات