يوم الجمعة: فضائله وخصائصه وبعض أحكامه

عبد الله بن عبد الرحمن البعيجان

2022-08-12 - 1444/01/14 2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الجمعة
عناصر الخطبة
1/في تقلب الأيام والأعوام ذكرى وعبرة 2/من فضائل يوم الجمعة وبعض أحكامه وآدابه

اقتباس

ليومِ الجمعةِ منزلةٌ عندَ اللهِ، فهو سيِّدُ الأيامِ وأفضلُها، وأعظمُها قَدرًا وأجلُّها، مكانتُه عظيمةٌ، ومَزِيَّتُه جليلةٌ، ضلَّت عنه الأممُ فلم تهتدِ إليه، وأكرَم اللهُ أمةَ الإسلام فهداها إليه، فاعرِفوا لهذا اليوم حقَّه وفضلَه، واغتنِمُوا فرصتَه، وأدُّوا سُنَنَه وفَرْضَه...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي جعَل طاعتَه سبيلًا لمرضاته، وجعَل رضاه وسيلةً للفوز بجنَّاته، ووفَّق المؤمنين لعبادته فهجروا ملذاتهم وشهواتهم وآثَرُوا مرضاته، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه وكفى بالله شهيدًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

 

أما بعدُ: فإنَّ خيرَ الحديثِ كلامُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ نبيِّنا محمد بن عبد الله، وشر الأمور محدثاتها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكل ضلالة في النار.

 

عبادَ اللهِ: اتقوا الله فيما أمَر، وكُفُّوا عمَّا نهَى عنه وزجَر؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].

 

أيها المسلمون: طاعةُ اللهِ خيرُ مَغنَمٍ ومَكسَبٍ، ورضاه خيرُ ربحٍ ومَطلَبٍ، والجنَّةُ حُفَّتْ بالمكاره، وحُفَّتِ النارُ بالشهوات، (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آلِ عِمْرَانَ: 185].

 

ألَا وإن في انصرام الأزمان أعظم معتَبَر، وفي تقلُّب الأيام أكبر مزدَجَر؛ (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)[يُونُسَ: 6].

 

أيها الناسُ: قد جعَل اللهُ حسابَ السنة بالشهور اثني عشر شهرًا، وحسابَ الشهور بالأيام تسعًا وعشرين أو ثلاثين تترى، وحساب الأيام بتعاقب الليل والنهار آية وعبرًا، قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)[التَّوْبَةِ: 36].

 

عبادَ اللهِ: لقد خلَق اللهُ السماواتِ سبعًا، والأرضينَ سبعًا، وتواترتِ الأدلةُ على اعتبار أيام الأسبوع سبعًا، فخلق الله السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام منها، وخلق آدم في يوم الجمعة، قال تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)[فُصِّلَتْ: 9-12].

 

معاشرَ المسلمينَ: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع عند الله، وهو خير يوم طلعت فيه الشمس، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، وفيه تِيبَ عليه، وفيه ساعة الإجابة، وفيه تقوم الساعة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خيرُ يوم طلعت عليه الشمسُ يومُ الجمعة؛ فيه خُلِقَ آدمُ، وفيه أُدخِلَ الجنةَ، وفيه أُخرِجَ منها"(رواه مسلم)، وفي الموطَّأ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خيرُ يومٍ طلعَتْ عليه الشمسُ يومُ الجمعة، فيه خُلِقَ آدمُ، وفيه أُهبِطَ، وفيه تِيبَ عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابَّة إلَّا وهي مُصِيخَةٌ يومَ الجمعة، من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفَقًا من الساعة، إلَّا الجنَّ والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئًا إلَّا أعطاه الله إيَّاه"، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلمٌ قائمٌ يصلي يسأل اللهَ خيرًا، إلا أعطاه إيَّاه"(مُتَّفَق عليه).

 

ومن مات يوم الجمعة أمن من فتنة القبر، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، وقي فتنة القبر"(رواه أحمد).

 

عبادَ اللهِ: ليومِ الجمعةِ منزلةٌ عندَ اللهِ، فهو سيِّدُ الأيامِ وأفضلُها، وأعظمُها قَدرًا وأجلُّها، مكانتُه عظيمةٌ، ومَزِيَّتُه جليلةٌ، ضلَّت عنه الأممُ فلم تهتدِ إليه، وأكرَم اللهُ أمةَ الإسلام فهداها إليه، فاعرِفوا لهذا اليوم حقَّه وفضلَه، واغتنِمُوا فرصتَه، وأدُّوا سُنَنَه وفَرْضَه.

 

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفِر اللهَ فاستغفِروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي وفق من شاء لهدايته، وهدى من شاء لطاعته، وتقبل من المتقين فأكرمهم بمرضاته.

 

أيها الناسُ: إن الله -تعالى- قد خصَّ يوم الجمعة ببعض الأحكام والآداب؛ ففرض فيه صلاة الجمعة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْجُمُعَةِ: 9]، وحض النبي -صلى الله عليه وسلم- على صلاة الجمعة ورغَّب فيها، وحذَّر مِنْ تَركِها والتخلُّف عنها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارة لما بينهنَّ ما لم تُغشَ الكبائرُ"(رواه مسلم).

 

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنَّه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره: "لَينتَهِيَنَّ أقوامٌ عن ودعهم الجُمُعات أو ليختمنَّ اللهُ على قلوبهم، ثم ليَكُونُنَّ من الغافلين"(رواه مسلم)، وعن أبي الجعد الضمري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه"(رواه أبو داود).

 

ومن آداب يوم الجمعة التبكير إليها؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنِ اغتسَل يومَ الجمعة غُسلَ الجنابة ثم راح، فكأنما قرَّب بدنةً، ومَنْ راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرةً، ومَنْ راح في الساعة الثالثة فكأنَّما قرَّب كبشًا أقرنَ، ومَنْ راح في الساعة الرابعة فكأنَّما قرَّب دجاجةً، ومَنْ راحَ في الساعة الخامسة فكأنما قرَّب بيضةً، فإذا خرَج الإمامُ حضرتِ الملائكةُ يستمعون الذِّكر"(مُتَّفَق عليه).

 

ومن آدابها: الغسل والتطيُّب؛ فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "غُسلُ يومِ الجمعةِ على كل محتلِم، وسِواكٌ، ويمسّ من الطِّيب ما قدَر عليه"(رواه مسلم)، وعن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدَّهِن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يُفرِّق بينَ اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة الأخرى"(رواه البخاري).

 

ومن آداب يوم الجمعة قراءة سورة الكهف، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين"(رواه الحاكم).

 

ومن الآداب في يوم الجمعة الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعن أوس بن أوس -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلِقَ آدم، وفيه قُبِضَ، وفيه النفخة، فأكثِروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتَكم معروضةٌ عليَّ"(رواه أبو داود، والنسائي).

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على آل إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدينَ، الأئمة المهديينَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهم انصُرْ دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّكَ محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وَقِنَا عذابَ النار، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ بتوفيقِكَ، وأيِّده بتأييدِكَ، اللهم وفِّقه ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضى، يا سميعَ الدعاءِ، اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا، وسائرَ بلاد المسلمين، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم احفظ حدودَنا، وانصر جنودَنا المرابطينَ، يا قويُّ يا عزيزُ، اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنتَ خيرُ مَنْ زكَّاها، أنتَ وليُّها ومولاها. عبادَ اللهِ: اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم؛ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

المرفقات

يوم الجمعة فضائله وخصائصه وبعض أحكامه.pdf

يوم الجمعة فضائله وخصائصه وبعض أحكامه.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات