عناصر الخطبة
1/من الأعمال المشروعة في يوم الجمعة 2/من فضائل التبكير لصلاة الجمعة 3/منهيات ينبغي الحذر منها 4/من سنن وآداب الجمعةاقتباس
يوم الجُمُعة هو يوم التجارةِ مع اللهِ، ولئن كنتَ طوالَ الأسبوعِ تجهدُ وتتعبُ لتنميَ أموالَك، وتضاعفَ أرباحَك الدنيويةَ، فاجعلْ من هذا اليومِ نصيباً من البذلِ والعملِ؛ لتنميَ حسناتِك وتضاعفَ أرباحَك الأخروية، تلك التجارةُ التي لن تبورَ ولن تخسرَ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: يومٌ عظيمٌ من أيامِ الله، اصطفاه اللهُ -سبحانه- فخصَّ به هذه الأمةَ وكرّمها به، ميزه اللهُ -سبحانه- بفضائلَ جليلةٍ وأجورٍ عظيمةٍ، وخصص له من الأعمالِ الكثيرةِ التي تكون بها الرفعةُ في الدرجات، والتخففُ من السيئات، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "خيرُ يومٍ طلعت فيهِ الشَّمسُ يومُ الجُمُعة؛ فيهِ خلقَ آدمُ، وفيهِ أُهْبِطَ، وفيهِ تيبَ علَيهِ، وفيهِ قُبِضَ، وفيهِ تقومُ السَّاعةُ".
إنه يومُ الجُمُعة، عيدُ الأسبوعِ، ويومُ اجتماعِ المسلمين، اليومَ سنتحدثُ عن شيء من فضائلِ هذا اليومِ وأحكامِه، عسى أن نكونَ ممن ينالُ غنائمَه ويكتنزُ من حسناتِه وفضائلِه.
تدخلُ ليلةُ الجُمُعةِ بغروبِ شمسِ يومِ الخميسِ، وحينها تبدأُ فضائلُ هذا اليومِ العظيمِ، فمن الأعمال المشروعة في ليلة الجُمُعةِ ويومِها: قراءةُ سورةِ الكهفِ فيُسنُّ قراءتُها في ليلةِ الجُمُعةِ ويومِها، ومما ورد في فضلِ قراءتِها قولُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قرَأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمُعةِ أضاء له منَ النورِ ما بين الجمُعتينِ".
ومن الأعمال المشروعة المسنونة التي تبدأ من ليلة الجُمُعة: الإكثارُ من الصلاةِ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: "إن من أفضلِ أيامِكم يومَ الجُمُعة، فأكثروا علَيَّ من الصلاةِ فيه؛ فإن صلاتَكم معروضةٌ عليَّ"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أكثِروا مِن الصَّلاةِ علَيَّ يَومَ الجُمُعة ولَيلةَ الجُمُعة".
ومما ورد في فضائله: أنَّ أحبَّ الصلواتِ إلى اللهِ فيه، فقد قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفضلُ الصلواتِ عندَ اللهِ صلاةُ الصبحِ يومَ الجُمُعة في جماعةٍ".
ومن بدء دخول يوم الجُمُعة يسنُّ الاغتسالُ والتسوكُ والتطيّبُ، ولبسُ أحسنِ الثيابِ لمن سيحضرُ صلاةَ الجُمُعة، والاغتسالُ سنةٌ مؤكدةٌ عند جمهورِ العلماءِ، وقال بعضُ العلماءِ بوجوبِه؛ لما وردَ من التأكيدِ عليه في سنةِ المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الغسلُ يومَ الجُمُعة واجبٌ على كلِّ محتلمٍ، وأن يستَنَّ، وأن يمسَّ طيبًا إن وُجِدَ"، أي: أن هذه الأعمال متأكِّدٌة في حقِّ كلِّ ذَكَرٍ بالِغٍ مِن المسلِمين، ممَّن وجبَتْ عليه الجُمُعة.
ومما يستحبُّ في هذا اليومِ: التبكيرُ إلى صلاة الجُمُعة، وقد وردت فيه فضائلُ جَمّة، من تأملها ثم تأملَ واقعَنا علم أننا فرطنا في أجورٍ كثيرةٍ وعظيمةٍ، فمن فضائلِ التبكيرِ قولُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "من راح في الساعة الأولى فكأنّما قرّب بَدَنَة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة، فإذا صعد الإمام المنبر حضرت الملائكة يستمعون الذكر"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يومُ الجُمُعة وقفَتِ الملائكةُ على بابِ المسجدِ، يَكتُبونَ الأولَ فالأولَ... فإذا خرَج الإمامُ طَوَوْا صُحُفَهم، ويَستَمِعونَ الذِّكرَ".
فتأمل -يا عبدَ اللهِ- في هذه الفضائلِ العظيمةِ، قد يصعبُ على الإنسانِ أن يُخرجَ من مالِه ما يتصدقُ به على الفقراءِ بجملٍ أو بقرٍ أو غنمٍ، ولكنّه بهذا العملِ اليسيرِ يستطيعُ أن يدركَ هذا الفضلَ.
وأما حسابُ الساعاتِ الخمسةِ فتبدأُ من طلوع ِالشمسِ، وتُقسّمُ على حسبِ الوقتِ بين طلوعِ الشمسِ إلى الأذانِ الثاني من الجُمُعة خمسة أجزاء، ويكون كلُّ جزءٍ منها هو المقصودُ بـ"الساعةِ" التي في الحديثِ.
ومن عجيبِ ما وردَ من الأحاديثِ الصحيحةِ في الفضلِ العظيمِ للتبكيرِ للجُمُعةِ، قولُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن غَسَّلَ واغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعةِ، وبَكَّرَ وابْتَكَرَ، ومَشى ولم يَركَبْ، ودَنا مِن الإمامِ، فاسْتَمَعَ ولم يَلْغُ؛ كانَ له بكلِّ خُطْوةٍ عَمَلُ سَنةٍ، أجْرُ صِيامِها وقِيامِها".
فهذه خمسةُ أعمالٍ من عملَها نالَ ذلك الفضلَ العظيم: الغُسلُ، والتبكيرُ، والمشيُ إلى الجُمُعة، والدنوُّ من الإمامِ، واستماعُ خطبته والإنصات لها دون لغو، من فعلها فـ"له بكلِّ خُطْوةٍ عَمَلُ سَنةٍ؛ أجْرُ صِيامِها وقِيامِها"، فشمروا أيها المشمرون.
وإذا حضرَ المسلمُ المسجدَ فلا يجوزُ له تخطي رقابَ الجالسين، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ -رضي الله عنه- قال: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الجُمُعة وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "اجْلِسْ؛ فَقَدْ آذَيْتَ".
كما لا يجوزُ له أن يفرقَ بين اثنين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا"، أما لو وجد فرجة بين اثنين فلا بأسَ أن يدخلَ فيها.
وليس للجُمُعةِ سنةٌ راتبةٌ قبلَها، ولكن يُشرعُ للمسلمِ إذا أتى المسجدَ يومَ الجُمُعة أن يصليَ ما يسر اللهُ له من الركعات يسلمُ من كلِّ ثنتين، فإذا خرجَ الإمامُ وجبَ على من حضرَ الجُمُعة أن ينصتَ للإمام ِوهو يخطبُ، ولا يجوزُ له الكلامُ مع غيرِه ولو كانَ سلاماً أو تشميتاً لعاطس، حتى لو كانَ الكلامُ لإسكاتِه.
كما لا يجوز له العبثُ بيدِه من مسِّ الحصا أو العبثِ في الفرشِ أو قلمٍ أو ساعةٍ أو شربِ الماءِ لغيرِ حاجةٍ وغيرِ ذلك من الحركاتِ التي تخالفُ حسنَ الإنصاتِ للخطبة، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَومَ الجُمُعَةِ: أنْصِتْ، والإِمَامُ يَخْطُبُ، فقَدْ لَغَوْتَ"، وقال: "ومَنْ مسَّ الحصا فقدْ لَغا"، واللغوُ يعني أنه لا حظَّ له في أجرِ الجُمُعةِ.
وأما الكلامُ بالصلاةِ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- عند ذكره في الخطبة، وكذلك التأمينُ على الدعاءِ فيما بين الإنسانِ وبين نفسِه فيجوزُ ولا يدخلُ في الكلامِ المنهيِّ عنه.
معاشر المسلمين: من أتى بآداب الجُمُعةِ، فليبشرْ ببشرى رسول الله وبالمغفرةِ من الغفورِ الرحيمِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يغتسِلُ رجلٌ يومَ الجُمُعة، ويتطَهَّرُ ما استطاع من طُهرٍ، ويدَّهِنُ من دُهنِه، أو يَمَسُّ من طِيبِ بيتِه، ثم يَخرُجُ فلا يُفَرِّقُ بين اثنين، ثم يصلِّي ما كُتِبَ له، ثم يُنصِتُ إذا تكلَّمَ الإمامُ؛ إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الجُمُعة الأخرَى".
عباد الله: ومن حضرَ من المأمومين متأخراً ولم يدركْ الركعةَ الثانيةَ من صلاةِ الجُمُعةِ فقد فاتتْه صلاةُ الجُمُعةِ ولم يدركْها، والحكم في ذلك أن يدخلَ مع الإمامِ، وعندما يسلمُ الإمامُ يصلي المأموم ظهراً أربعَ ركعاتٍ، وعليه الإثم العظيم بترك الجُمُعة إن كان مفرطا ليس له عذر.
وترك الجُمُعة من كبائر الذنوب، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَيَنْتَهينَّ أقْوامٌ عن ودْعِهِمُ الجُمُعاتِ، أوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ علَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكونُنَّ مِنَ الغافِلِينَ"، وفي حديثٍ آخر قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن تَرَكَ ثَلاثَ جُمَعٍ تَهاوُنًا طُبِعَ على قَلْبِه"، وهذه عقوبةٌ قلبيةٌ خطيرةٌ هي أشدُّ من عقوباتِ البدنِ، فليحذر الإنسانُ منها -عافانا الله وإياكم-.
وللجُمُعةِ سنةٌ بعديةٌ ينبغي للمسلمِ أن يحافظَ عليها، وهي ركعتانِ أو أربع ركعاتٍ، ففي حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلى أحدكم الجُمُعة فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا"، وجاء في حديث ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان لَا يُصَلِّي بَعْدَ الجُمُعة حتى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ"، فمن صلى في المسجدِ أربعاً أصابَ السنةَ القوليةَ التي أمره بها النبيُّ الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن صلى ركعتين في المنزلِ أصابَ السنةَ الفعليةَ التي فعلَها النبيُّ الله -صلى الله عليه وسلم-.
ونختمُ الحديثَ عن أحكامِ الجُمُعة وفضائلِها بتلكَ الساعةِ العظيمةِ التي خصَّصَها اللهُ في هذا اليومِ العظيمِ، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "يومُ الجُمُعة اثنتا عشرةَ ساعةً، فيها ساعةٌ لا يوجدُ عبدٌ مسلمٌ يسألُ اللهَ شيئًا إلَّا أتاه إيَّاه، فالتمِسوها آخرَ ساعةٍ بعد العصرِ"، فالتمسوا هذه الساعةَ وتحرُّوها، وادّخرُوا حاجاتِكم لتطلبوها من اللهِ فيها، واعلموا أن ربَّكم قريبٌ مجيبٌ.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: هذا هو يوم الجُمُعة وهذه هي فضائله، وشتانَ شتانَ بين يَقْدِرُ له قدرَه، فيكتنزُ فيه من الحسناتِ، ويرتفعُ في الدرجاتِ، ويزدادُ في سلّمِ الإيمان، فهو كلُّ أسبوعٍ من زيادةٍ إلى زيادةٍ، ومن نورٍ إلى نورٍ، حتى يلقى اللهَ -عزّ وجل-، وبين من هو مفرطٌ، قد هيأَ اللهُ له طرقَ الخيرِ وشرعَ له من الأعمالِ ما يرقّقُ قلبَه، ويَعْمُرُ فؤادَه، ويقربُه من اللهِ، ثم جعلَ التفريطَ عُنوانَ حياتِه وظلَّ يتأخرُ ولا يتقدمُ، فهو منْ نقصانٍ إلى نقصانٍ حتى يلقى اللهَ، فيندمَ على ما قصّرَ في دارِ العمل.
يوم الجُمُعة هو يوم التجارةِ مع اللهِ، ولئن كنتَ طوالَ الأسبوعِ تجهدُ وتتعبُ لتنميَ أموالَك، وتضاعفَ أرباحَك الدنيويةَ، فاجعلْ من هذا اليومِ نصيباً من البذلِ والعملِ؛ لتنميَ حسناتِك وتضاعفَ أرباحَك الأخروية، تلك التجارةُ التي لن تبورَ ولن تخسرَ، نسبةُ الربحِ فيها مئةٌ في المئةٍ، فهنيئاً هنيئاً للفائزين، وما أسعدَهم حين يُنَادى: (أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الأعراف: 43].
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، اللهم إنا نسألك الغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم