يتلونه حق تلاوته

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ الاعتماد على كتاب الله تعالى ركيزة التقوى 2/ وجوب تعظيم كتاب الله تعالى وصيانته والاعتناء به قراءة وحفظا وتدبّرا 3/ مفهوم تلاوة القرآن الكريم حق تلاوته 4/ احتواء القرآن الكريم على صحيح العقائد وجليل العبادات وقويم السلوك 5/ العمل بالسنة من العمل بالقرآن الكريم 6/ أهل القرآن وتحقيقهم لمقاصد القرآن الكريم

اقتباس

وإذا تأمَّلنا كلام الله -جل وعلا- وجدنا فيه من العقائد أصحَّها وأقومها وأزكاها، ومن العبادات أجلَّها وأنفعَها وأطيبها، ومن الأخلاق والآداب أكملها وأحسنها وأزكاها؛ بل إنَّ العقيدة الصحيحة، والعبادة القويمة، والخلق الكريم إنما يوجد في كتاب الله، وفي سنة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- الشارحة للقرآن، والمبينة له ..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

أيها المؤمنون عباد الله؛ إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله: إن خير وصية يجب على أهل الإيمان أن يتواصوا بها، وأن يحافظوا عليها تقوى الله -جل وعلا-، فهي وصية الله للأولين والآخرين، كما قال الله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) [النساء:131]، وهي وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأمته، وهي وصية السلف الصالح فيما بينهم.

ولما قال رجل لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: اتق الله قال: لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها.

عباد الله: إن تقوى الله -جل وعلا- أن يعمل العبد بطاعة الله، على نور من الله، يرجو ثواب الله؛ وأن يترك معصية الله، على نور من الله، يخاف عقاب الله.

عباد الله: وإن أعظمَ ركائز التقوى، وأسسها المتينة، ودعائمها القويمة، الاعتمادُ على كتاب الله العزيز، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

عباد الله، إن كتاب الله -جل وعلا- هو مصدر التقوى ومنبعها، وهو أساس كل خير وفلاح وسعادة في الدنيا والآخرة، يقول الله -جل وعلا-: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرَاً كَبِيرَاً) [الإسراء:9].

عباد الله: إن كتاب الله -جل وعلا- كتاب عظيم قويم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد؛ كتاب فيه شفاء الصدور، وصلاح الأمور، وسداد الأقوال، وسعادة الدنيا والآخرة؛ كتاب أنزله الله -تبارك وتعالى- على عباده ليبين لهم الغاية التي خُلقوا من أجلها، وأُوجِدُوا لتحقيقها؛ كتاب فيه نبأ مَن قبلنا، وخبر من بعدنا، وحُكم ما بيننا؛ كتاب من تمسك به هُدِي، ومن تركه ضل سواء السبيل.

عباد الله: إن كتاب الله -جل وعلا- في الاستمساك والاعتصام به نيل الفلاح والسعادة، وفي هذا قال -جل وعلا-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103]، وهذه الآية الكريمة تدل أبين دلالة على أن الاعتصام، واجتماع الكلمة، واتفاق أمة المسلمين، وبعدهم عن التفرق والاختلاف، إنما يكون بالعودة الصادقة، والأوبة الحميدة إلى كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

عباد الله: إن كتاب الله -جل وعلا- هو كلام الله -سبحانه- خالق هذا الكون، وموجد الخلق أجمعين، تكلم به -جل وعلا-، وسمعه منه جبريل -عليه السلام-، ونزل به على محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- عبدِ الله ورسوله، وبلَّغه -صلوات الله وسلامه عليه- للأمة على التمام والكمال، بلا زيادة ولا تقصير، (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء:192-195]، ويقول الله تعالى مخاطبا رسوله -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) [الأنبياء:45].

كان -صلوات الله وسلامه عليه- يُنذر الناس، ويرغِّبهم ويحذرهم ويبلغهم وينذرهم من خلال وحي الله -جل وعلا-، وتنزيله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

عباد الله: إن القرآن كلام رب العالمين، وإذا عقل المؤمنون ذلك فإن الواجب عليهم أن يحترموا كلام الله، وأن يعظموا وحي الله، وأن يكون للقرآن في قلوبهم مكانة عظيمة، ومنزلة رفيعة، قال بعض السلف: من أراد أن يعرف قدر القرآن فإن الفرق بين كلام الله وكلام المخلوقين كالفرق بين الخالق -جل وعلا- والمخلوقين.

كتاب الله -جل وعلا- يجب أن يُصان عن الامتهان، وأن يُحفظ وأن يصان، وأن يُعتنَى به حفظا وقراءة ومذاكرة، وتعقُّلا وتدبرا (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص:29]، (قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرَاً تَهْجُرُونَ) [المؤمنون:66-67]، (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) [المؤمنون:68]، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء:82]، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد:24]؛ كتاب أنزله الله لتدبُّرِ آياته، وتعقُّل معانيه، وتفهُّم دلالاته، وتتبُّع مقاصده وأوامره وأحكامه.

عباد الله: إن كتاب الله -جل وعلا- أُنزل ليعمل به أهل الإيمان، وليكون حكما بينهم وفيصلا، يردون إليه النزاع، ويحتكمون إليه في كل الأمور، ويعولون عليه في كل شؤونهم، (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65].

عباد الله: إن كتاب الله -جل وعلا- أُنزل لأمور عظيمة، ومقاصد جليلة، لا بد من تأملها والوقوف عندها، أنزل ليتلى، وأنزل لتتدبر آياته، وأنزل ليُعمَل به، فمن كان شأنه مع القرآن هذا فهو من أهل القرآن حقا وصدقا، ومن الذين قال الله -تبارك وتعالى- عنهم: (الَّذِينَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) [البقرة:121]، فتلاوة القرآن حق التلاوة تكون بالقراءة وبالتدبر وبالعمل بالقرآن، يقول الحسن البصري -رحمه الله-: أنزل القرآن ليُعمَل به، فاتخذ الناس قراءته عملا!.

عباد الله: لا ينبغي أن يكون حظ المسلم القرآن مجرد التلاوة وإقامة الحروف، بل الواجب أن يكون حظه من القرآن مع إقامة التلاوة والحروف إقامة الأوامر والحدود، بعقل كلام الله وفهمه وتدبره، والعمل به، يقول ابن عباس -رضي الله عنه-ما: إذا سمعت الله -جل وعلا- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأَرْعِهَا سمْعَكَ؛ فإنها إما خير تؤمر به، وإما شر تُنْهَى عنه.

عباد الله: وإذا تأمَّلنا كلام الله -جل وعلا- وجدنا فيه من العقائد أصحها وأقومها وأزكاها، ومن العبادات أجلّها وأنفعها وأطيبها، ومن الأخلاق والآداب أكملها وأحسنها وأزكاها، بل إنَّ العقيدة الصحيحة، والعبادة القويمة، والخلق الكريم إنما يوجد في كتاب الله، وفي سنة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- الشارحة للقرآن، والمبينة له.

عباد الله: ومما ينبغي أن يعلم هنا أن العمل بالقرآن يستوجب العمل بالسنة؛ لأن الله -جل وعلا- في غير ما آية من القرآن أمر باتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبالأخذ بكل ما جاء عنه، يقول تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر:7].

وفي هذا فإن الذي يدَّعِي أنه لا يعمل إلا بالقرآن ويهجر السنة ويتركها، فهو في حقيقة أمره وواقع حاله لا يعمل بالقرآن نفسه؛ لأن العمل بالقرآن يستوجب العمل بالسنة، سنة النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-.

عباد الله: إن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، إن أهل القرآن هم الذين أراد الله -تبارك وتعالى- بهم الخير في هذه الحياة: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".

نسأل الله -جل وعلا- أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا وهمومنا وغمومنا، وأن يجعلنا من أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته، وأن يوفقنا لإقامة القرآن علما وعملا وتطبيقا.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الجود والفضل والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: عباد الله؛ أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

عباد الله: إن أول آيات سورة البقرة، وهي من أوائل سور القرآن، بيانٌ لمقصد القرآن وغايته: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة:1-5].

أهل القرآن هم أهل الفلاح في الدنيا والآخرة، ولا يكون ذلك إلا بالإيمان بالغيب، وهو الإيمان بكل ما أمر الله -تبارك وتعالى- به من أمور الإيمان، وأصول الحق واليقين: الإيمان بالله -جل وعلا-، وأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، وأنه الرب الخالق العظيم، الرازق المدبر، وتحقيق العبادة له، وصرف الطاعة له، وعدم الإشراك به، والإيمان بكتبه ورسله، والإيمان بملائكته الكرام، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره، وإقامة الأعمال البدنية والطاعات المقربة إلى الله -جل وعلا-.

فإذا كان شأن الإنسان مع القرآن هكذا، إيمان خالص صحيح، وعمل صائب زكي؛ فإنه يكون بذلك من العاملين بالقرآن، المحصلين لإقامة هذا الكتاب على الوجه الذي أنزل لأجله كلام الله.

عباد الله: اعلموا -رحمكم الله- أن هداية الناس وصلاحهم وسعادتهم وسلامتهم من الشقاء في الدنيا والآخرة إنما تكون بالعمل بالقرآن على الوجه الذي مَرَّ معنا، (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طه:123].

عباد الله: فليأخذ كل عبد مؤمن في هذه الحياة نفسه إلى سبيل السعادة وطريق الفوز في الدنيا والآخرة، و"الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".

وصلوا وسلموا...

 

 

 

 

 

المرفقات

حق تلاوته

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات