يا أقدام القانتين اركعي

الشيخ سعد بن عبد الله السبر

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ أيام الرحمات والنفحات 2/ فضائل العشر الأواخر من رمضان 3/فضل ليلة القدر وما يقال فيها 4/الترغيب في الاعتكاف 5/ختم الطاعات بالاستغفار.

اقتباس

كونوا كسلفكم إذا جاءتهم العشر أَقبلت قلوبهم تراعى حق الحق, فذهلت بذلك عن مناجاة الخلق, فالأبدان بين أهل الدنيا تسعى، والقُلوب في رياض الملكوت ترعى، نازلهم الخوف فصاروا والهين، وناجاهم الفكر فعادوا، خائفين، وجَنَّ عليهم الليل فباتوا ساهرين، وناداهم منادى الصَّلاح، حي على الفلاح، فقاموا متهجدين، وهبت عليهم ريح الأَسحار فتيقظوا مستغفرين...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي لا شأن يشغله، ولا نسيان يذهله، ولا قاطع لمن يصله، ولا نافع لمن يخذله، نشكره على فضله, ونحمده على نعمه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده، جل عن مثل يطاوله، أو ند يشاكله، أو نظير يقابله، أو مناظر يقاوله، يحلم عن العاصي ولا يعاجله، ويدعي الكافر له شريكاً ويمهله, ونشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرة خلقه, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فُأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل- فهي الأنيس يوم الحسرة والنجاة يوم الخسارة (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18], (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر: 61].

 

أيها القانتون: إننا نعيش أيام الرحمات والنفحات وقرب موسم العتق والنجاة والفوز والجد للأكياس وإتعاب الأنفاس, أيام وليالي أنفس من الذهب واللآلئ، واللؤلؤ والمرجان (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 2]. قال ابن عباس: "هي العشر الأواخر من رمضان", فيها الدعوات تُسمع, والتوبات تُقبل, والسيئات تُكفر, والزلات تُغفر, والعثرات تُقال, والقبائح تُمسح, والديان يُعتق , والقرآن ينزلُ (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر: 1].

 

عن الحسن قال: "ما أعلم ليوم فضلا على يوم ولا ليلة إلا ليلة القدر, فإنها خير من ألف شهر", يا ليلة القدر للعابدين اشهدي, يا أقدم القانتين اركعي لربك واسجدي, يا ألسنة السائلين جدي في المسألة واجتهدي.

 

 ما يقوم الليل إلا *** من له عزم وجد

يا رجال الليل جدوا *** رب داع لا يرد

 

ليلة القدر عند المحبين ليلة الحظوة بأنس مولاهم وقربه, و إنما يفرون من ليالي البعد والهجر.

 

يا من ضاع عمره: استدرك ما فاتك في ليلة القدر فإنها تحسب بالعمر, وإن الباب مفتوح والعمر مفسوح, والخطأ مسفوح, والنوح مسموع, والبوح مستور, والرب غفور, والخير موفور, والآيب مرحوم.

 

أيها المؤمنون: كونوا كسلفكم إذا جاءتهم العشر أَقبلت قلوبهم تراعى حق الحق, فذهلت بذلك عن مناجاة الخلق, فالأبدان بين أهل الدنيا تسعى، والقُلوب في رياض الملكوت ترعى، نازلهم الخوف فصاروا والهين، وناجاهم الفكر فعادوا، خائفين، وجَنَّ عليهم الليل فباتوا ساهرين، وناداهم منادى الصَّلاح، حي على الفلاح، فقاموا متهجدين، وهبت عليهم ريح الأَسحار فتيقظوا مستغفرين، وقطعوا بند المجاهدة فأصبحوا واصلين، فلمَّا رجعوا وقت الفجر بالأَجر بادى الهجر يا خيبة النائمين.

 

رياح هذه الأسحار تحمل أنين المذنبين, وأنفاس المحبين, وقصص التائبين, ثم تعود برد الجواب بلا كتاب.

 

أعلمتمو أن النسيم إذا سرى *** حمل الحديث إلى الحبيب كما جرى

 

يا يعقوب الهجر: قد هبت ريح يوسف الوصل, فلو استنشقت لعدت بعد العمى بصيرا, ولوجدت ما كنت لفقده فقيرا, لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها: (يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) [يوسف: 88], لبرز لهم التوقيع عليها: (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف: 92].

 

عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: "اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي". العفو من أسماء الله تعالى وهو يتجاوز عن سيئات عباده الماحي لأثارهم عنهم, وهو يحب العفو فيحب أن يعفو عن عباده, ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض, فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه وعفوه أحب إليه من عقوبته.

 

قال يحيى بن معاذ: "لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه لم يبتل بالذنب أكرم الناس عليه", يشير إلى أنه ابتلى كثيرا من أوليائه وأحبابه بشيء من الذنوب؛ ليعاملهم بالعفو فإنه يحب العفو.

 

أيها الموحدون: ابتغوا إليه الوسيلة بطاعته, واغتنموا رضاه ببعض نواله, وصيام رمضان, والقيام ببر القيام والاجتهاد وإيثار السهاد على المهاد, وإن وسع الاعتكاف فهو من سننه المرعية ولواحقه الشرعية, فبذلك تحسن الوجوه وتحصل من الرقة على ما ترجوه, وتذهب قسوة الطباع ويمتد في ميدان الوسائل الباع, عن الحسن قال: "للمعتكف كل يوم حجة".

 

كان زبيد اليامي وجماعة إذا كان يوم النيروز ويوم المهرجان اعتكفوا في مساجدهم ثم قالوا: "إن هؤلاء قد اعتكفوا على كفرهم واعتكفنا على إيماننا فاغفر لنا", عن عطاء الخراساني قال: "إن مثل المعتكف مثل المحرم ألقى نفسه بين يدي الرحمن". فلاتفوتكم الخلوة بالرحمن والجلوس مع كلامه والأنس به.

 

إخوة الدين: اختموا شهركم وعشركم بالاستغفار وتوبوا إلى الغفار, قال لقمان لابنه: "يا بُني عود لسانك الاستغفار، فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً"، وقد جمع الله بين التوحيد والاستغفار، في قوله: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) [محمد: 19].

 

ينبغي أن يُختتم صيام رمضان بالاستغفار يُرقِع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث, ويجتهد في الإكثار من الأعمال والتقلل من شواغل الدنيا والإقبال على الآخرة ما دام في قيد الحياة.

 

شبان التوبة لا ترجعوا إلى ارتضاع ثدي الهوى من بعد الفطام, فالرضاع إنما يصلح للأطفال لا للرجال, ولكن لا بد من الصبر على مرارة الفطام, فإن صبرتم تعوضتم عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان في القلوب, من ترك شيئا لله لم يجد فقده عوضه الله خيرا منه: (إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنفال: 70].

 

 

 

المرفقات

أقدام القانتين اركعي

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات