يؤتى بالقرآنِ يوم القيامة وأهله

حمزة بن فايع آل فتحي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/أهمية العمل بالقرآن وتطبيقه 2/حال السلف مع القرآن 3/من أعظم حقوق القرآن 4/حال الناس اليوم مع القرآن.

اقتباس

وقراءتُه بلا عمل من أسوأِ انواعِ الهجر, قال -تعالى-: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)[الفرقان: 30], نخالطُ الناس, ونصلي بالقرآن, ونتساهلُ في القرآن العملي؛ فإذا تكلمنا خُضنا بالباطل, وإذا باع أحدُنا واشترى؛ تناسى الصدقَ والانضباط, فقرآنُنا معزولٌ في المسجد والصلاة...

الخطبة الأولى:

 

‏الحمدُ للهِ الذي أنزلَ كتابه نوراً مبينا، وجعله منهاجًا لعباده, وصراطا متينا, وعدَ أهلَه بالنصرة, وحملتَه بعظيم الفضل والثمرة, نحمدُه على آلائه، ونشكره على نعمه وأفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: فاتقوا اللهَ -يا مسلمون-؛ ففي تقواه فرجٌ ونور، وانشراحٌ وسرور, (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطلاق: 4].

 

أيها الناس: نقل أهلُ السير في ترجمة أبي جعفر القارئ -رحمه الله-، أحدِ القراء العشرة, أنه لما غُسل بعد وفاته, نظروا ما بين نحره إلى فؤاده مثلَ ورقة المصحف, فما شك أحد ممن حضر أنه نور القرآن؛ ذلك الكتابُ الذي حيَاه في قلبه، واستشعره في حياته، وطبقه في دنياه عاملا مثابرا.

 

كم لدينا من حُفاظ!, وكم تُخرّجُ المساجد من حملة للقرآن!، وكم نملكُ من وسائلَ ميسرة لحفظ الكتاب العزيز, وبرامجَ حاسوبية!, ولكننا نتناسى قضيةً جليلة، وأمرا مهما، وأدبا لا يقبل التأخير, ألا وهو العملُ به وتطبيقُ أحكامه، والتخلقُ بآدابه, يقول -عز وجل-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)[النساء: 66].

 

وجاء في صحيح مسلم -رحمه الله-، عن النواسِ بن سمعان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ", وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ قَالَ: "كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ -أي ضوء-, أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَا -أي جماعتان- منْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا".

قال أبو عبد الرحمن السلمي -وهو من كبار التابعين-: "حدثنا الذين كانوا يُقرئوننا: أنهم كانوا يستقرئون من النبي -صلى الله عليه وسلم-, فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يُخلفوها؛ حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا".

 

يا مسلمون: إنما القرآنُ جدٌ وعمل, وامتثال وتطبيق, قال: "وأهله الذين كانوا يعملون به", فلا قيمةَ لحفظه بلا عمل, ولا منفعةَ لضابطه بلا سلوك؛ "كان خلقه القرآن".

 

إن القُرَآن َوقد أوتيتَ زينتَه *** جمالهُ السيرُ للتطبيقِ والعملِ

فانهضْ به مؤمنا للهِ محتسبا *** بين الأنامِ بلا ريبٍ ولا كسلِ

 

إن من أعظمِ حقوق القرآن وآدابِه العملَ به, والانتفاع بمواعظه، وتطبيقَه في كل التعاملات, وقراءتُه بلا عمل من أسوأِ انواعِ الهجر, قال -تعالى-: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)[الفرقان: 30].

 

نخالطُ الناس, ونصلي بالقرآن, ونتساهلُ في القرآن العملي؛ فإذا تكلمنا خُضنا بالباطل, وإذا باع أحدُنا واشترى، تناسى الصدقَ والانضباط؛ فقرآنُنا معزولٌ في المسجد والصلاة، وحياتُنا وأخلاقنا شيءٌ آخر مختلِف!.

قال ابنُ مسعود -رضي الله تعالى عنه-: "إنّ أحدَكم ليقرأُ القرآنَ من الفاتحة إلى خاتمتها, ما يُسقط منها حرفا, وقد أسقطَ العمل به", وقال معاذ -رضي الله عنه-: "اعملوا ما شئتم أن تعملوا؛ فلن يأجُرَكم الله بعلمه حتى تعملوا", وقال ابنُ المبارك -رحمه الله-: "ربَّ قارئٍ للقرآن، والقرآنُ يلعنه من جوفه".

 

أيُّ شنارٍ يقعُ على العبد, إذا ضادَّ القرآن, واتجهَ في غير أوامره ونواهيه؟!, (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)[الصف: 3].

 

اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلُك وخاصّتك, أقول قولي هذا وأستغفر اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على خاتم النبيين, وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.

أما بعد:

 

أيها الإخوةُ الفضلاء: ‏إنه لشنارٌ كبير, وحسرةٌ شديدة, إذا قرأنا كتابَ الله على غير قراءته, وإذا تلوناه, وجاَنبنا هديَه, وإذا خالفناه، ولم يُرَ لنا في قولٍ ولا عمل!.

يا أخيار, يا مسلمون, يا قراء: "القرآنُ حجة لك أو عليك", والقرآن يذبُّ عن أهله العاملين، ويدافع عن أصحابه المقربين, فتخيل أنّ سورةً جليلة كالبقرة وآلِ عمران, تأتيانِ كأنهما غمامتان, أو ظلتانِ تحاجانِ عن صاحبهما العامل, أو كأنهما قطعتان من طيرٍ صواف -أي: متصافّة-؛ تدافع عن تاليهما الصادق, فأيُّ فضلٍ يعادلُ ذلك، أو يساويه؟!.

فاجتهدوا -عبادَ الله- في العمل بكتاب ربكم, وجاهدوا أنفسكم، واعلموا أن أجلّ ثمار القرآن العملُ به, وحمله بصدق وقوة, قال -تعالى-: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ)[البقرة: 121]؛ قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "والذي نفسي بيده, إن حقَّ تلاوته أن يُحلَّ حلالَه، ويُحرمَ حرامَه، ويقرأَه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئاً على غير تأويله".

فراجعوا نفوسَكم -يا مسلمون- مع كتاب الله تلاوةً وعملا، وجددوا تمسكَكم به، ولا تكونوا ممن حُمِّلوه ولَم يحملوه، وعرفوا برهانَه، وما سارعوا فيه، وتجاهلوا مواعظه وبيناته, قال الحسنُ -رحمه الله- في مقولة ذهبيةٍ غراء, تحكي حالَنا: "نزل القرآنُ ليُعملَ به ويُتدبر، فاتخذوا تلاوته عملا".

فاللهمَّ أحي قلوبَنا بالقرآن, واجعلنا من التالين العاملين؛ إنك جوادٌ كريم.

 

ثمَّ صلُّوا وسلِّمُوا على رسولِ الْهُدَى، وإمام الورى؛ فقد أمركم ربُّكم فقال -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

يؤتى بالقرآنِ يوم القيامة وأهله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات