عناصر الخطبة
1/القرآن بشارة للمؤمنين 2/مواقف قرآنية في نشر الطمأنينة والأمان 3/الحث على نشر الأمل والتَّفاؤل والاطمئنان 4/الاستبشار والأمل في أوقات الأوبئة.اقتباس
فالقرآنُ من أولِهِ إلى آخرِه، في كلِّ آياتِه وسورِه، بُشاراتٌ للمؤمنِ يزولُ بها كدرُه، وتفاؤلٌ وطُمأنينةٌ ينشرحُ بها صدرُه.. فما أعظمَهُ من كتابٍ يبعثُ في نفوسِ المؤمنينَ البُشارةَ والأملَ! لا شكَّ أنَّ ذلكَ سيكونُ له أثرٌ في سعادتِكَ وذهابِ الأحزانِ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ماذا لو كُنتَ مَهموماً قد ضاقَ بكَ الزَّمانُ، وإذا برجلٍ يُناديكَ: أبشرْ يا فُلانُ، فما هيَ ردَّةُ فِعلِكَ؟، وما الذي ستحسُّ فيه؟، وماذا لو كانَ الذي يُبشرُّكَ شخصٌ غنيٌّ له مكانةٌ كريمةٌ؟، وتعرفُ أن البشارةَ والعطاءَ منه له قيمةٌ عظيمةٌ؟، لا شكَّ أنَّ ذلكَ سيكونُ له أثرٌ في سعادتِكَ وذهابِ الأحزانِ، ولكن ماذا لو كانَ الذي يُبشرِّكَ هو اللهُ -تعالى- في القرآنِ؟، واسمعْ: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ)[الإسراء: 9].
(وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ)؛ فالقرآنُ من أولِهِ إلى آخرِه، في كلِّ آياتِه وسورِه، بُشاراتٌ للمؤمنِ يزولُ بها كدرُه، وتفاؤلٌ وطُمأنينةٌ ينشرحُ بها صدرُه، (تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)[النمل:2-3].
فهذه مريمُ في موقفٍ يَعجزُ اللِّسانُ عن وصفِه، وهل أعظمُ من عفيفٍ يُتَّهمُّ في شرفِه؟، ولكن اسمعوا إلى بُشارةِ القرآنِ لأهلِ الإيمانِ، فبعدَ أن تمنَّتْ أن تموتَ من الحزنِ: (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي)[مريم:24]، وبعدَ أن ضاقَ صدرُها وعافتْ الطَّعامَ والشَّرابَ: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا)[مريم:26]، وهل أعظمُ من هذه البُشاراتِ؟!
وهذه أمُّ موسى المؤمنةُ، ولكم أن تتخيلوا أُمًّا ألقتْ ولدَها في اليَمِّ، خَوفاً عليهِ من فِرعونَ، وإذا باليَمِّ يأخذهُ إلى قَصرِ فِرعونَ، فأصبحَ قلبُها فارغاً من كلِّ شيءٍ إلا من التَّفكيرِ في موسى، حتى أن كادتْ أن تموتَ عليه من الحُزنِ، ولكن اسمعوا إلى بُشارةِ القرآنِ لأهلِ الإيمانِ، (وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)[القصص:7]، فيا الله! عجيبٌ هذا القرآنُ في نَشرِ الطُّمأنينةِ والأمانِ.
وها هو رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- يُكذَّبُ، ويُؤذَى، ويُستهزَأُ به، ويُعذَّبُ أصحابُه، ويمشي في مكةَ في أطهرِ أرضٍ، وأحبِّ أرضٍ إلى اللهِ -تعالى-، وهو يَرى الأصنامَ حولَ الكعبةِ، تُدْعَى من دونِ اللهِ -تعالى-، ويُذْبَحُ لها، ويُنذرُ لها، ويرى شُربَ الخمرِ، وأكلَ الرِّبا، والفواحشَ، والظُّلمَ، وإذا كانَ شُعورُ المؤمنِ الصَّالحِ وهو يرى المُنكراتِ مُؤلماً جِدَّاً، فكيفَ بشُعورِ نبيٍّ وهو يرى الشِّركَ الأعظمَ باللهِ في أطهرِ بُقعةٍ، ومع هذا يأتيهِ خِطابُ القرآنِ: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)[النحل:127].
وها هو لوطٌ -عليه السلامُ- يعيشُ في مجتمعٍ يأتونَ الفاحشةَ التي لم يسبقهم بها أحدٌ من العالمينَ، ويقطعونَ السَّبيلَ، ويأتونَ في ناديهم المنكرَ، فيرسلُ اللهُ -تعالى- له ملائكةً كِراماً يحملونَ له رِسالةً قصيرةً: (لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ)[العنكبوت:33].
فينبغي للمؤمنِ أن يستبشرَ دائماً في حياتِه ولا يحزنُ، حتى تلكَ اللحظةَ التي تأتيَه الملائكةُ وتبشِّرُه البُشارةَ الأخيرةَ في الدُّنيا، (أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)[فصلت:30]، ثُمَّ تأتي أعظمُ بُشارةٍ، وهي بُشارةُ مَلكِ المُلوكِ في يومِ الفَزعِ الأكبرِ، (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ)[الزخرف:68].
أقولُ ما تسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي بَشرَّ عِبادَه المؤمنينَ بالرحمةِ والرِّضوانِ والنَّعيمِ المقيمِ، والصَّلاةُ والسلامُ على من أَرسلَه اللهُ بَشيراً ونذيراً.
أما بَعدُ: حتى مَن يقرأُ كلامَ أهلِ الإيمانِ في القرآنِ، فلا يرى إلا الأملَ والتَّفاؤلَ والاطمئنانَ، فعندما قالَ الملائكةُ لإبراهيمَ -عليهِ السَّلامُ-: (بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ)، أجابَهم الخليلُ: (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)[الحجر: 55-56]، وها هو يعقوبُ -عليهِ السَّلامُ- يُخاطبُ أبناءَه: (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[يوسف:87]، ويوسفُ يقولُ لأخيه: (فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[يوسف:69].
وها هو الرَّجلُ الصَّالحُ في مَدينَ، يُخاطبُ موسى -عليهِ السَّلامُ- الذي خَرَجَ مِنْ مِصْرَ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ، (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[القصص: 25]، وها هو رسولُنا -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- في الغارِ ومعَه أبو بكرٍ -رضيَ اللهُ عنه- وهم ينظرونَ إِلى أَقدامِ المشركينَ وهم على رؤُوسِهم، (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التوبة:40]، واللهُ -تعالى- يُخاطبُ عبادَه: (لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ)[الزمر:63]، فما أعظمَهُ من كتابٍ يبعثُ في نفوسِ المؤمنينَ البُشارةَ والأملَ!.
وفي هذه الأزمةِ قد سخَّرَ اللهُ لأهلِ الإيمانِ وُلاةَ أُمورٍ، ينشرونَ البُشرى والسُّرورَ، قد بذلوا الغاليَ والثَّمينَ، في سبيلِ المحافظةِ على أرواحِ المواطنِ والمُقيمينَ، فمن الإجراءاتِ الاحترازيةِ، والفحوصاتِ والعلاجاتِ المجانيةِ، إلى توفيرِ اللِّقاحاتِ الوقائيةِ، والحقيقةُ أنَّها جهودٌ تُذكرُ وتُشكرُ، وحقَّ للمؤمنِ بِها أن يستبشرَ.
اللهمَّ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كُنَّا من الظالمينَ، اللهمَّ اكشف عنا الضَّراءَ والبأساءَ، وارفع عَنَّا وعن الناسِ هذا الوَباءَ، اللهم ارفعْ عنَّا البَلاءَ والوَباءَ والرِّبا والزِّنا والزَّلازلَ والمِحَنَ، وسُوءَ الفتنِ، ما ظهرَ منها وما بطنَ، عن بلدِنا هذا خاصةً، وعن سائرِ بلادِ المسلمينَ عامةً يا ربَّ العالمينَ.
اللهم احفظ إمامَنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ وولي عهدِه الأمينِ، اللهم انصر بهم الحقَّ وأهلَه، وادحر بهم الباطلَ وأهلَه، إنَّكَ سَميعُ الدُّعاءِ، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتَلانا، وارحم مَوتَانا، واجعل ما أصابَهم سببًا لرضوانِك عنهم يا ربَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ اسْتُرْ عوْراتِنا، وَآمِنْ رَوْعاتِنا، اللّهُمَّ احْفَظْنا مِن بَينِ يَدَيْنا، وَمِن خَلْفِنا، وَعَن يَمينِنا، وَعَن شِمالِنا، وَمِن فَوْقِنا، وَنَعوذُ بِعَظَمَتِكَ أَن نُغْتالَ مِن تَحْتِنا، سبحانَ ربِّكَ ربِّ العزةِ عَما يَصفونَ، وسَلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم