ومضى عام

أحمد حسين الفقيهي

2022-10-08 - 1444/03/12
عناصر الخطبة
1/ محاسبة النفس 2/ صوم تاسوعاء وعاشواء .

اقتباس

لئن كان أصحاب الأموال والتجارات يوقفون أعمالهم ويغلقون متجارهم من أجل جرد حساباتهم في آخر كل عام مالي، فالمسلم العاقل فضلاً عن طالب العلم ورجل الدعوة أولى بذلك منهم لأن محاسبتنا لأنفسنا هي سبيل ربحنا في الدنيا وطريق نجاتنا في الآخرة، ومحاسبتهم يقتصر نفعها على دنياهم ..

 

 

 

 

عباد الله: قبل أيام ودعنا عاماً هجرياً، وبدأنا عاماً آخر، لقد انقضت صفحة من صفحات حياتنا، ولا ندري عما طويناها، هل سودناها بسوء أعمالنا، أم أنرناها بصالح قرباتنا؟

إن نهاية عام أيها المسلمون: تعني ذهاب ثلاثمائة وستين يوماً من عمر الإنسان، وتلك الأيام والليالي.

تحوي أعداداً كثيرة من الساعات وأضعافها من الدقائق والثواني، كما تحوي عدداً من الأعمال دقت أو جلت، صلحت أو خبثت، وتحوي أيضاً في طياتها عدداً من الخطرات وألواناً من الحركات.

وفي هذه الأيام والساعات والدقائق أعمال صالحة تسر النفس لذاكرها، ويود المرء لو كانت حياته كلها على منوالها، وقد يكون فيها من أعمال السوء ما يود صاحبها أن ينساها ويرغب أنه لم يقترفها، ويوم القيامة يود لو أنه بينه وبينها أمداً بعيدا.

إنا لنفـرح بالأيـام نقطعهـا *** وكل يوم مضى يدني من الأجل ِ
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً *** فإنما الربح والخسران في العملِ

عباد الله: إن المؤمن حينما يودع مرحلة من عمره، ويستقبل أخرى فهو في حاجة ماسة لمحاسبة نفسه وتقييم مسارها في ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

إنه حري بنا ونحن نقف على أطلال عامٍ مضى ، ومشارف عام جديد أتى، أن نقف مع أنفسنا وقفات للمحاسبة والمراجعة وقفة نتساءل فيها عن عامنا كيف قضيناه؟ ووقفةٌ ننظر فيها في سجل أعمالنا كيف أمليناه؟ إن كان خيراً حمدنا ربنا على ذلك وشكرناه، وإن كان غير ذلك تبنا إلى ربنا واستعفرناه، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "وهلاك النفس من إهمال محاسبتها ومن موافقتها، وأتباع هواها....."

إن المحاسبة -أيها المسلمون- هي أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان ذلك الفعل محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه ما أمكن ، وانتهى عن مثله في المستقبل، إنها باختصار كما يقول ابن القيم رحمه الله: أن يميز العبد بين ماله وما عليه فيستصحب ما له ويؤدي ما عليه لأنه مسافر سفر من لا يعود.

عباد الله: لقد ضرب السلف الصالح رحمهم الله أروع الأمثلة في محاسبة أنفسهم وتقويمها، وما ذاك إلا لعلمهم بمكانة المحاسبة ومنزلتها، ها هو ابن الخطاب رضي الله عنه يقصد حائطاً يكلم نفسه قائلاً: عمر، أمير المؤمنين، بخ بخ ، والله بني الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك، وقال ميمون بن مهران: "لا يكون الرجل تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه"، ونقل عن ابن الصمة أنه جلس يوماً يحاسب نفسه فعد عمره فإذا هو ابن ستين سنة فحسب أيامها فإذا هي واحد وعشرون ألفاً وخمسمائة يوم، فصرخ وقال: يا ويلتي ألقى الله بـ21 ألف ذنب.

أيها المسلمون: لئن كان أصحاب الأموال والتجارات يوقفون أعمالهم ويغلقون متجارهم من أجل جرد حساباتهم في آخر كل عام مالي، فالمسلم العاقل فضلاً عن طالب العلم ورجل الدعوة أولى بذلك منهم لأن محاسبتنا لأنفسنا هي سبيل ربحنا في الدنيا وطريق نجاتنا في الآخرة، ومحاسبتهم يقتصر نفعها على دنياهم.

عبدالله: انظر في صحائف أيامك التي خلت، ماذا ادخرت فيها لأخرتك، وماذا قدمت لدنياك، أخل بنفسك ساعة وحاسبها، ماذا تكلم اللسان، وماذا رأت العينان، أين مشت تلك الأقدام، وإلى إلام استمعت الأذنان.

أسألها عن قوة الإيمان وضعفه، عن الصلاة وأدائها، عن المال من أين تجمعه وفيم تنفقه؟
أسألها: عن عامها الجديد، ماذا ستقدم فيه لنفسك، وماذا ستقدم لأهلك وولدك، وما هو نصيب أمتك؟

أيها الناس: من حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبهُ ومآلهُ، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسرته، وطالت في عرصات القيامة وقفته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئته.

عباد الله: إن أعظم موعظة وابلغ عبرة يستفيدها المسلم من مضي الأعوام وتعاقب الليالي والأيام، أن يدرك أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، أيامها ماضية، وزهرتها ذاوية، وزينتها فانية، عيشها نكد، وصفوها كدر، والمرء منها على خطر، الدنيا إما نعمة زائلة، أو بلية نازلة، أو مصيبة موجعه، أو ميتةً قاضية (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر:39].

يقول ابن عمر رضي الله عنه: "أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك". البخاري

عباد الله: طوبى لمن لم تشغله دنياه عن الاستعداد للدار الباقية، وهنيئاً لمن جعل دنياه معبراً للدار الآخرة وميداناً للتنافس في الصالحات الباقية، قال صلى الله عليه وسلم: "من كان الآخرة همه جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه فرق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له" رواه أحمد وغيره.

أيها المسلمون: مضى عام والأمة الإسلامية حبلى بالمشكلات، ثكلى بالفتن والمغريات، تخلت عن دينها، وخضعت لأعدائها، وشغلت بدنياها، فتداعت عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، والله سبحانه لن يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

إن أمتكم أمة الإسلام لن تنجو من مصائبها، ولن يتغير حالها، وتتحقق آمالها حتى يتحقق الإسلام في حياتها واقعاً عملياً في كل نواحي الحياة (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) [طـه: 123].

عباد الله: تفاءلوا بنصر الله وغلبة الإسلام، وأعلموا أن كلما ادلهمت الخطوب فالفرج في ثناياها يلوح، فالكرب معه الفرج، ومع العسر يسراً، ومع العسر يسراً.

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214].

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة.

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فيا عباد الله: إن هذا الشهر من عامكم الجديد لهو منهل للبر والإحسان، وموسم للربح والغفران، فاستفتحوا عامكم بالبر والطاعة، واجعلوا التقوى خير بضاعة.

لقد رغب نبيكم صلى الله عليه وسلم في صوم هذا الشهر فقال: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" أخرجه الإمام مسلم.
وخص صلى الله عليه وسلم بالصوم يوم عاشوراء فقال عليه الصــلاة والسلام: "إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله". أخرجه مسلم

والسنة صيام اليوم التاسع مع العاشر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع".. رواه مسلم
ومن عجز عن صوم التاسع استحب له صيام يوم بعد عاشوراء مخالفة لأهل الكتاب في ذلك.
عباد الله: صلوا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة.

اللهم أجعلنا ممن طالت أعمارهم ، وحسنت أعمالهم .وأجعل عامنا الجديد عام خير وبركة ونصر وعز للإسلام والمسلمين.اللهم انتصر لإخواننا المستضعفين في كل مكان.اللهم أجعل لنا من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية.
 

 

  

 

المرفقات

عام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات