عناصر الخطبة
1/سرعة مرور أيام رمضان وأحوال الناس معه 2/إصلاح القلب في رمضان 3/مدارسة القرآن في رمضان والدعاء 4/اغتنام العشر الأواخر من رمضاناقتباس
رمضان فرصة صلاح للقلب، فثمة ما يكمن في القلب، ويقر في الصدر فيدفع للعمل، ويدعو إلى الثبات؛ إنه الشعور الصادق بالافتقار إلى الله، والحاجة إليه سبحانه، إذ لا حياة للقلب إلا بالله، ولا فلاح له إلا برضاه؛ فنحن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِل له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. (يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ اتقُواْ اللهَ حَق تقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُن إِلا وَأَنتُم مسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيهَا الناسُ اتقُواْ رَبكُمُ الذِي خَلَقَكُم من نفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَث مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتقُواْ اللهَ الذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِن اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا اتقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: ف(اتقُواْ اللهَ حَق تقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُن إِلا وَأَنتُم مسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: قبل أيام قليلة كان الحديث عن استقبال رمضان، وحسن استغلال أيامه ولياليه، وها نحن اليوم نعيش العشر الوسطى من أيامه الغالية، ولياليه الفاضلة، عشر مضت سريعًا لكأنما هي أضغاث أحلام، أو كطيف زار في المنام، وصدق الله -جل وعلا- حينما قال عن أيام رمضان: (أَيامًا معْدُودَاتٍ)[البقرة: 184].
انقضت العشر الأولى، وها نحن في العشر الوسطى، ذهب منا الثلث، وبقي لنا الثلثان، ومازال الباب بحمد الله مشرعاً لوجوه التائبين، والطريق ممهداً لأقدام السالكين، فيا باغي العفو هذا زمانك، ويا طالب الرضوان هذا أوانك.
عباد الله: أحوال الناس في رمضان تختلف، فمنهم من عرف قيمته فحاول القيام بقدر ما يستطيع فيه من الطاعات والعبادات، ومنهم من تطايرت الأيام الماضية منه غفلة والتهاء، حتى ربما يفاجئه يوم العيد، ولم يقدم لآخرته شيئاً.
ورمضان فرصة صلاح للقلب، فثمة ما يكمن في القلب، ويقر في الصدر فيدفع للعمل، ويدعو إلى الثبات؛ إنه الشعور الصادق بالافتقار إلى الله، والحاجة إليه سبحانه، إذ لا حياة للقلب إلا بالله -سبحانه-، ولا فلاح له إلا برضاه سبحانه، فنحن الفقراء إلى الله، فهو أعلم بنا وبقلوبنا فليس لنا سواه، فهو الغني ونحن الفقراء إليه، وهو القوي ونحن الضعفاء، فإن لم يخشع القلب الآن ونحن في أمس الحاجة لذلك هذه الأيام فمتي يخشع؟ وإن لم تذرف العين دمعاتها على تفريطنا في هذه الأيام فمتى إذاً يكون البكاء؟
قال تعالى: (وَيَخِرونَ لِلأَذْقَانِ يبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)[الإسراء: 109]، وقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني اعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع"(رواه مسلم).
إن خشوع العبد لربه -عز وجل- ودموعه في مناجاته، والإخلاص في ذلك من صور الافتقار إليه سبحانه، وصلوات العبد وسجوده في جوف الليل، ومناجاته في السحر دلالة افتقار للغني القوي؛ إنه خضوع القلب والجوارح كلها له لله الواحد الأحد.
فلنعزم إذن بكل ما أوتينا من قوة في الأيام الباقيات على الصمود، والمواصلة لإتمام رمضان بعبودية تبلغنا أهدافنا، ولنهيئ الأجواء لتحقيق ذلك الهدف، بتفريغ الذهن من الانشغالات والأعباء، وعدم تعلق القلب بشيء يحول بيننا وبين غنائم وكنوز رمضان شهر القرآن؛ ففي ليالي رمضان كان جبريل -عليه السلام- يدارس نبينا -صلى الله عليه وسلم- القرآن، فليالي رمضان هي مدرسة التعاهد والتدبر؛ فالقرآن القرآن يا أهل القرآن حركوا به قلوبكم، وأدبوا به ألسنتكم وأفعالكم، وتحاكموا إليه، واطلبوا الهداية منه، فالقرآن هدى للناس، وهدى للمتقين؛ فلنعد لكتاب الله بعد الفراق، فلنقرأه مع تدبر آياته: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ليَدبرُوا آيَاتِهِ)[ص: 29].
رمضان فرصتنا لنؤدب قلوبنا وجميع جوارحنا مفتقرين لله -تعالى- مصلحين لها، فنرمم ما فسد منها، ونجاهد أنفسنا، ولا ننس كثرة الدعاء فهو العبادة، ولا يرد القدر سواه، ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وفيه يظهر ويتضح ويتمثل فقرنا وذلنا وانكسارنا له سبحانه.
ولنترك كل ما يعرضنا للغفلة والتهاون وخاصة في دعائنا وقنوتنا، فليكن القلب حاضرا والذهن صافيا.
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكمة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وسمع الله من دعا.
وبعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وأعلموا أن الأيام كلها تمر علينا كالبرق، لكننا قد لا نشعر بسرعتها إلا في أيام رمضان، فاليوم الذي يمر علينا هو نعمة ومنة ربانية، فعلينا اغتنامه قدر استطاعتنا قبل أن يأتي اليوم الموعود: (اسْتَجِيبُوا لِرَبكُم من قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَد لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَكُم من ملْجَأٍ يوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم من نكِيرٍ)[الشورى: 47].
وليتذكر من فاته العشر الأوائل من رمضان دون تحصيل أو بالتحصيل القليل أن ما زال رمضان بأيامه ولياليه أمامنا.
وستأتي -بإذن الله- العشر الأواخر التي فيها (لَيلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ منْ أَلْفِ شَهْرٍ)[القدر: 3]، يقول صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"(رواه البخاري).
وَصَلوا وَسَلمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النذِيرِ وَالسرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا صَلوا عَلَيْهِ وَسَلمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهُم أَعِز الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدينِ.
اللهُم آمِنا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصالِحَةَ الناصِحَةَ.
اللهُم اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَق كَلِمَتَهُمْ.
رَبنَا آتِنَا فِي الدنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنارِ.
عباد الله: إِن اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلكُمْ تَذَكرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم