وما قدروا الله حق قدره

عبدالله بن عبده نعمان العواضي

2022-06-17 - 1443/11/18 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/أهمية الحديث عن الله -تعالى- 2/مظاهر من عظمة الله -تعالى- 3/أعظم الكفر وأشنعه 4/سبب تعدي الكفار على المسلمين ومقدساتهم 5/ظاهرة الإلحاد وأسبابها 6/وسائل الوقاية من الإلحاد

اقتباس

الحذر من متابعة ما ينشره الملحدون، وما يروجه لهم الأغبياء الجاهلون؛ لأن تلك المتابعة قد تؤدي إلى استصغار هذا التعدي, فيبقى الإنسان بلا إحساس بالإنكار، وربما أسلم بعد ذلك عنانه إلى التأثر بتلك الأفكار وخرج عن الإسلام...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمد لله رفيع الدرجات، بديع الأرض والسماوات، الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، والظاهر الذي ليس فوقه, إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين, إياه نعبد، وله نصلي ونسجد، وإليه نسعى وَنَحْفِد، نرجو رحمته, ونخشى عذابه، إن عذابه الْجِدَّ بالكفار مُلْحِقٌ, أشهد أنه لا إله إلا هو، وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وصفاته وأسمائه، ولا ند له يستحق ما يستحقه في أرضه وسمائه، جل عن الصاحبة والولد والنظير، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11], وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أعظم عبد عبده ومخلوق وحّده، ورسول أثنى عليه ومجّده، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحابته الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلّم تسليما, أما بعد:

 

أيها المسلمون: أحسن حديث يتحدث به المتحدثون، وأحسن وصف يذكره الواصفون، وأصدق مدح ينطقه المادحون؛ الحديث عن الله -تعالى- ووصفه ومدحه؛ فهو -جل وعلا- ذو العظمة والجلال، وذو العزة والكمال، وذو الجمال وحسن الفعال.

 

لا إله إلا هو خلق الخلق بقدرته، ودبر أمرهم بعلمه وحكمته، لا يخفى عليه ما يعملون، ولا يعزب عنه ما يسرون وما يعلنون؛ (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعام: 59].

 

 

لا إله إلا هو أسبل على عباده غزير فضله ورحمته، وأسبغ عليهم عظيم منته ونعمته، فالمرحوم من رحمه، والسعيد من أنعم عليه وأكرمه؛ (فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[البقرة: 64].

 

لا إله إلا هو يُعصى فيغفر، ويؤذى فيصبر؛ حلمًا منه وإمهالا، لا عجزاً منه ولا ضعفا، حاشاه وهو القوي القادر، المنتقم القاهر, يفعل ما يشاء، ويصنع ما يريد؛ (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا)[فاطر: 45].

 

(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر: 67], "يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَشْتُمُنِي وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَنْبَغِي لَهُ شَتْمِي؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ, بِيَدِي الْأَمْرُ, أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار، الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِي لِي, أُجَدِّدُهَا وَأُبْلِيهَا, وَآتِي بِمُلُوكٍ بَعْدَ مُلُوكٍ, فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا"(رواه البخاري ومسلم).

 

لا إله إلا هو الملك العدل المبين، لا يظلم عباده في الدنيا ولا يوم الدين، يقضي بينهم بعدله، وينيلهم الخير بفضله، لا باستحقاق منهم لنيله؛ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء: 40].

 

لا إله إلا هو يتقرب إلى عباده بإفضاله، واستمرار خيره ونواله، وهم يبتعدون عنه بعصيانه وقلة شكره، وهو الغني عنهم وعن عبادتهم، وهم المفتقرون إليه افتقاراً كليًا في جميع شؤونهم، فطاعاتهم لهم لا له، وخطاياهم عليهم ولا تضر الله شيئا؛ (يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر: 15].

 

"يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي, وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ, كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ, كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ, قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي, فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ"(رواه مسلم).

 

سبحانَ من يَفنى الـمدادُ ولـم تزلْ *** أوصافُه دون الـمدى وعُلاه

سبحان من شهدتْ له آياتُه *** وصفاته وفعالُه وهُداه

سبحان من لا شيءَ يشبهه ولا *** شيءٌ يؤلّه في الوجود سواه

سبحان من صمدتْ إليه ذليلة *** كلُّ البرية لاغتنام عطاه

سبحان من يُحصـي فعالَ عباده *** من ذا تغيب عن الخبير خُطاه؟!

سبحان من يئلُ الأنام جميعُهم *** يومَ الحساب إلى بساط قواه

 

أيها الإخوة الفضلاء: إن الله -سبحانه- هو الرب ونحن المربوبون، الخالق ونحن المخلوقون، الرازق ونحن المرزوقون، المنعِم ونحن المنعَم عليهم، القوي ونحن الضعفاء، القادر ونحن العاجزون، الكامل ونحن الناقصون، يعلم ما بين أيدينا وما خلفنا ولا نحيط به علما.

 

لا يخرج شيء في خلق الله عن علمه، ولا يعدل ما يجري بينهم عن حكمته، ومتى أراد شيئًا فلا راد لقضائه، ولا معقب، لحكمه، ولا غالب لأمره؛ (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)[البقرة: 255].

 

لهذا -يا عباد الله- كان أحق أن يفرد بالعظمة والجلال، ويوصف بكل حسن في الأقدار والأفعال، وتصرف له العبادة وحده على وجه الكمال؛ تذللاً وحُبّا، ورجاء ورهبا، ويطاع فلا يعصى، ويذكر ولا ينسى، ويشكر ولا يكفر, ولا يقال لما يجري في الوجود مقال اعتراض على قدره، أو مقال شك في نفوذ قدرته فيه وأمره؛ (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)[الأنبياء: 23].

 

أيها الفضلاء الكرام: إن التعدي على الله -تعالى- هو أعظم الكفر وأشنعه، وأسوأ أنواعه وأفظعه، حين يصفه الأفّاكون بما لا يليق به من صفات النقص، وينسبون إليه ما تنزه عنه جلاله من نعوت البخس؛ فالتعدي على الله -تبارك وتعالى- ليس كالتعدي على أحد، بل ليس كالتعدي على القرآن والإسلام ورسول الله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه ما من خير بالعباد إلا والله مصدره، وما من شر مدفوع عنهم أو مرفوع إلا والله دافعه ورافعه؛ (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)[النحل: 53].

 

غير أن من عشيت بصيرته -معشر المسلمين- عن رؤية آثار جلال الله وكماله، وعمي بصره عن رؤية آلائه ونواله، وبديع خلقه وعظمة حكمته في قضائه وأفعاله؛ لم يقدر الله حق قدره، فراح يمرق عن شرعه، ويعدو على ربه كفراً به وجحوداً لحقِّه، غير متعظ بالغِيَر، ولا معتبر بالعِبر, متناسيًا؛ (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ)[المرسلات: 16 - 18].

 

أيها المؤمنون: في عصرنا الذي صار مقود الحياة المتقدمة بيد غيرنا، وصرنا -أمةَ الإسلام- أمة مسودة تابعة، وابتعدنا فيه عن امتثال كثير من شرائع ديننا في الشؤون العامة والخاصة؛ عوقبنا نتيجة ذلك بالذل والتمزق، فلم يعد لنا مكان مرموق بين الأمم تحترم لأجله مقدساتنا، ويمنع به التدخل في شؤوننا؛ لذلك وجه أعداؤنا سهام النكال إلينا, فطعنوا في ربنا وقرآننا وإسلامنا ورسولنا, وأضحوا ينشرون ثقافة الإلحاد والتمرد عن الدين في أوساطنا, عبر وسائل الإعلام المختلفة, ووسائل التواصل المتعددة.

 

وغدا بعض رجالنا ونسائنا وشبابنا وشاباتنا يتلقون تلك الثقافة الآسنة ويبثونها بين عموم المسلمين، ووراءهم من يمدهم بالأموال الكثيرة، والشهوات الأخرى، بائعين في سوق تلك المطالب الرخيصة دينهم وأخلاقهم وأوطانهم الإسلامية؛ (أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)[التوبة: 38], (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا)[النساء: 77], وقال النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَعِسَ عبدُ الدِّينارِ، وعبدُ الدرْهَمِ، وعبدُ الخَمِيصَةِ"(رواه البخاري).

 

ولو سألتم -يا عباد الله- عن القنوات والطرق التي عبر منها إلى الإلحاد إلى قلوب بعض المسلمين اليوم, لوجدتم من ذلك: الفراغ العقدي الذي يسر مرور تيار الشبهات، والخَواء الإيماني الذي لم يستطع صد عنفوان الشهوات، والجهل بالإسلام الذي لم يقدر أهله على التمييز بين الخبائث والطيبات، والغباء العقلي الذي انجر بسببه أهله إلى قَبول الخدع والإغراءات.

 

لذلك تجرأ بعض بني جلدتنا، ممن يتكلمون بألسنتنا على المجاهرة بالتعدي على الله والطعن في قداسته، والمرور بعد ذلك على العدوان على الإسلام والقرآن والنبي -عليه الصلاة والسلام-.

 

فنقول لأولئك الأراذل الأسافل الذين جاهروا في عداوة الله والطعن فيه، وأتوا من الكفر بما لم يأت به كفار قريش وأمثالهم من الكافرين السابقين، نقول لهم: لا يغرنكم حلم الله وإمهاله؛ فإن الله "لَيُملي للظالِم، فإذا أَخذَهُ لم يُفْلِتْهُ, (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هود: 102]"(متفق عليه).

 

ونقول للملحدين المعاصرين كذلك: ماذا صنع الملحدون السابقون قبلكم، وما بلغوا في إلحادهم؟! ألم تبلغكم عواقبهم الوخيمة، ونهاياتهم الأليمة؛ (قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)[الأنعام: 158].

 

لئن هلكَ الماضون في شرِّ بغيهمْ *** فموئلُ من ساروا على البغي أفظعُ

 

ونقول في هذا الحدث الجلل:

أَيُؤْذَىْ إلهُ الكونِ في الناسِ جهرةً *** ويُرمَى بسوءِ القولِ؟! جلَّ له القَدْرُ

أَيُؤْذَىْ إلهُ الكونِ يا أُمّةَ الهُدى *** وليس لباغٍ مِن حميِّتنا زجْرُ؟!

أَيُؤْذَىْ إلهُ الكونِ؟! لا طابَ عيشُنا *** إذا نحنُ في صمتٍ, ولا بقيَ العُمْرُ

لقد ساءَ قولُ الملحدينَ فساءَنا *** وأسوأُ ما كان الصَّفاقَةُ والكُفْرُ

تجاوزَ حدَّ الكفرِ إلحادُ عصرِنا *** وزادَ على المقدارِ وانكشفَ السِّتْرُ

وسارَ مسيرَ الشمسِ في كل بقعةٍ *** وصارت تروِّيهِ البداوةُ والحضْرُ

تَعدَّوا على ربِّ الورى وتنافسوا *** على أفظعِ الأقوالِ فانتشرَ الهُجْرُ

على اللهِ -يا شرَّ العبادِ- كتبتُمُ *** مقالةَ سوءٍ لا يُطهِّرُها البحرُ؟!

على اللهِ -يا شرَّ الأنامِ- عَدوْتُمُ *** ومنه لنا النُّعْمَى ومنه أتى الخيرُ؟!

على اللهِ -يا شرَّ الورى- سوءُ حربِكمْ *** ولم يُثنِكُمْ عنها المخافةُ والخَفْرُ؟!

تعالى مليكُ الناسِ جلَّ جلالُهُ *** وقُدِّسَ عن نقصٍ وعزَّ له القهْرُ

رحيمٌ كريمٌ مُنعِمٌ متفضِّلٌ *** قديرٌ عزيزٌ ليس يُعجِزُه أَمْرُ

له من صفاتِ المدْحِ كلُّ نعوتِهِ *** فسبحانَهُ ربي له الحمدُ والشُّكرُ

فواللهِ لولا حِلْمُهُ جلَّ شأنُهُ *** لما بقيَ العاديْ ولا ضَمَّهُ وَزْرُ

حليمٌ صبورٌ لا يُعاجلُ مَن طَغى *** فإنْ جاوزَ الإمهالَ جاوزهُ الصَّبْرُ

وليس يَضرُّ اللهَ إلحادُ مُلحِدٍ *** تَنزّهَ ذو العليا ونافَ له القَدْرُ

 

نسأل الله -تعالى- أن يحفظ عقيدة المسلمين، من شر الملحدين، وأن يرد مكر الماكرين عليهم، ويصرف كيد الكائدين إليهم.

 

أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الـمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وتُوبُوا إليهِ؛ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله العزيز الجبار، الحليم الغفار، والصلاة والسلام على النبي المختار، وعلى آله الأطهار، وصحابته الأبرار, أما بعد:

 

أيها المسلمون: إننا اليوم في عصر الكلمة العابرة، على متن الوسائل الحديثة السريعة المعاصرة، التي تصل إلى كل أحد يتعامل معها، وقد تجاوز ذلك إلى من يتلقى عن أهلها في المجالس والطرقات والبيوت وأماكن اللقاءات؛ ولذلك غدت ثقافة الإلحاد تنتشر انتشار النار في الهشيم؛ بفعل قوتها الإعلامية، ووسائلها الترويجية، ووقوف قوى كبرى وراء تصديرها، والاحتفاء الكبير بالمنتمين الجدد إليها.

 

لهذا كان لابد من عوامل وقاية تحفظ المسلمين من شر هذا الغازي الجديد الذي لا يحتاج إلى عدة وعتاد وأجناد، وإنما يحتاج إلى جوال يمتلكه المسلم, فمن وسائل الوقاية:

الحذر من متابعة ما ينشره الملحدون، وما يروجه لهم الأغبياء الجاهلون؛ لأن تلك المتابعة قد تؤدي إلى استصغار هذا التعدي, فيبقى الإنسان بلا إحساس بالإنكار، وربما أسلم بعد ذلك عنانه إلى التأثر بتلك الأفكار وخرج عن الإسلام.

 

ولا يأمن الإنسان على نفسه ويقول: "إن إيماني درع حصينة, لا يمكن لسهام الإلحاد أن تخترقها"، فالوقاية -عند العقلاء- خير من العلاج، والشبه خطافة، والقلوب ضعيفة.

 

ومن وسائل الوقاية: المسارعة إلى نفي كل شبهة قد تعلق في الذهن، والبحث عن الجواب الشافي عنها، قبل أن تتجذر في العقل فتنبت أشجاراً خبيثة من الشكوك والثورة على المقدس.

 

ومن وسائل الوقاية: تنمية التعظيم والتقديس لله -تعالى- في القلوب عبر وسائل, منها: تقوية الإيمان بالقضاء والقدر، والنظرة الصحيحة للأحداث، واعتقاد حكمة الله في كل ما يجري؛ (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)[الحديد: 22].

 

ومن وسائل الوقاية: إيقاظ الإيمان في القلوب بالعلم النافع، وكثرة العمل الصالح الخالص، وإزاحة كدر الغفلة عن صفاء اليقين، وبذلك يتكون الحصن المنيع الذي يرد عاديات الإلحاد والملحدين.

 

ومن وسائل الوقاية: التعلق بالدار الآخرة وما في الجنة من النعيم للمؤمنين، وترك الانغماس في الدنيا وملهياتها؛ (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[الشورى: 36].

 

فيا أيها المسلمون: إذا كنا غضبنا لاعتداء الهندوسي على رسول الله، فالغضب للاعتداء على الله -تعالى- أولى، فلنرِ ربنا غضبنا من أجله، وحميتنا في الرد على الطاعن فيه، ولنحم أنفسنا وأجيالنا من غبار الإلحاد والملحدين، ولنحصن قلوبنا وعقولنا بحصون قوة الإيمان واليقين.

 

نسأل الله أن ينير بالإيمان أفئدتنا، ويحمي بالعلم النافع صفاء عقولنا، ويدفع شر الملحدين عن إخواننا المسلمين وأخواتنا.

 

 

المرفقات

وما قدروا الله حق قدره.pdf

وما قدروا الله حق قدره.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات