وليعفوا وليصفحوا

توفيق الصائغ

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/مواقف مؤثرة في عفو النبي -صلى الله عليه وسلم- وصفحه 2/عفو أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- عن مسطح بعد أن وقع في عرض عائشة -رضي الله عنها- 3/عفو زين العابدين عن غلام له صب عليه ماءا حارا 4/أهمية العفو وفضله 5/قصة معاصرة في عفو أب عن قاتل ابنه

اقتباس

هذه قريش بتاريخها المظلم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحصار الشعب، بقتل الأصحاب، بنهب الأموال، بالظلم، بالصد عن سبيل الله، تقف اليوم حول الكعبة صاغرة ذليلة، تنتظر الإذن من رسول الله، والأمر من رسول الله، فقال لهم: "ما تظنون أني فاعل بكم؟" قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، أي لست إلا قبلة للظن الحسن، والعفو والصفح؛ لأن هذا من شيمتك.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، نحمده سبحانه، ونُثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترُكُ من يفجره، إياه نعبد، وله نصلي ونسجد، وإليه نسعى ونحفِد، نرجو رحمته، ونخشى عذابه، إن عذابه الجِدَّ بالكفار ملحق.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه ومختاره من خلقه وخليله.

أشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين.

 

بلغ العلا بكماله *** كشف الدجى بجماله

حسنت جميع خصاله *** صلوا عليه وآله

 

أما بعد:

 

أنقلكم -أيها الإخوة-: إلى جو معركة أحد، الصحابة يجتمعون على نبي الله -عليه الصلاة والسلام-، ثم لما حمي الوطيس، ولما عظم الخطب، واشتد الكرب، تفرق بعضهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

أصيب النبي -صلى الله عله وسلم- في جبهته وجبينه، يسيل الدم من وجهه الشريف -عليه الصلاة والسلام-، لقي من الكرب والشدة ما لقي، لكنه صلى الله عليه وسلم مع ذلك، كان يحكي نبيا من أنبياء الله، ضربه قومه، حتى أدموه، فقال: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

 

فما منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن ارتقى إلى هذه الرتبة العالية، وقال: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

 

كانت السيدة عائشة –رضي الله عنها- ترى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصبه كرب ولا خطب قط، كان أشد من الكرب الذي أصابه يوم أحد، فقالت له ذات مرة: يا رسول الله هل مر عليك يوم قط كان أشد عليك من يوم أحد؟

 

قال صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ -عز وجل- قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ...".

 

لحظة القدرة والاقتدار، هي التي ينتقم فيها المنتقمون، ويتذكرون ذلك الشريط من المآسي، والقتل، والسلب والنهب، والحرمان والظلم، ووقع ذلك في النفس عظيم، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذا الرتبة العلية، ما كان منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن انتقل من مرتبة العفو والصفح، إلى مرتبة إرادة الخير لهؤلاء الذين حقهم أن ينتقم منهم.

 

فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا".

 

وإذا سخوت بلغت بالجود المدى *** وفعلت ما لا تفعل الأنواء

وإذا عفوت فقادراً ومقدراً *** لا يستهين بعفوك الجهلاء

وإذا رحمت فأنت أم أو أب *** هذان في الدنيا هم الرحماء

 

صلى الله عليه وسلم وآله.

 

لا عجب ولا غرابة؛ لأن الله قال له قديما: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعراف:199].

 

قال الله له -تعالى-: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)[الحجر: 85].

فتمثل الجميل صلى الله عليه وسلم.

 

يقول أنس -رضي الله عنه-: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو يمشي وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فجاء أعرابي، فجذب النبي -صلى الله عليه وسلم- من برده، يقول أنس: "وإني لأنظر إلى عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أثر البرد في عاتقه، قال له الأعرابي: "يا محمد أعطني من مال الله الذي في يدك".

 

فتبسم النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه ثم أعطاه.

 

أيها الأحباب: إننا نتحدث عن مرتبة العفو، مع سيد العفاة صلى الله عليه وسلم، وما له أن لا يكون ذلك؟!

 

والله -تعالى- في عليائه عفو يحب العفو، والعفو صفة الله -جل جلاله-.

 

ألا ترى أننا في أشرف الأوقات، في أشرف الليالي، بعد أشرف العبادات، نتوجه بالقلب والقالب إليه، فنقول: "اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عنا".

 

فهو صفة الله، ثم صفة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

 

ولم تكن حادثة العفو حادثة، أو ثنتين، أو ثلاثا، بل حياته صلى الله عليه وسلم سلسلة في العفو.

 

خرج مع أصحابه ذات مرة، ثم انتهى إلى واد كثير العضاة -الشجر- ونام الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- ولم يستيقظ إلا على صوت النبي -صلى الله عليه وسلم- يروي لهم ما حدث، يقول: إن هذا الأعرابي اخترط سيفي، ثم قال: يا محمد، من يمنعك مني؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "الله!" فسقط السيف من يد الأعرابي، ثم أخذه النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال للأعرابي: "يا أعرابي، من يمنعك مني؟" فقال الأعرابي: يا محمد، كن خير آخذ، فعفا عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

اجتمع سادات مكة، اجتمع القرشيون الذين وضعوا سلا الجزور على جسده، الذين قتلوا حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: حمزة، حمزة بن عبد المطلب الذي لم يكن شخصية عارضة في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام-، كان عم النبي، وكان حب النبي، بكى له النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قتل في أحد.

 

ولما بلغه أن المشركين مثلوا به، وبقروا بطنه، وأخذوا كبده! أقسم عليه الصلاة والسلام ليقتلن سبعين منهم، ثم عفا صلى الله عليه وسلم.

 

هذه قريش بتاريخها المظلم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحصار الشعب، بقتل الأصحاب، بنهب الأموال، بالظلم، بالصد عن سبيل الله، تقف اليوم حول الكعبة صاغرة ذليلة، تنتظر الإذن من رسول الله، والأمر من رسول الله، فقال لهم: "ما تظنون أني فاعل بكم؟" قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، أي لست إلا قبلة للظن الحسن، والعفو والصفح؛ لأن هذا من شيمتك.

 

جميل منك أن تعفو *** وأجمل منه أن تنسى

 

قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" صلى الله عليه وآله وسلم.

 

العفو سجية النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وربما لو قيل هذا للناس، قالوا: إن محمدا ليس كأحد من الناس، إن الله انتزع من صدره المضغة السوداء، إن الله -تعالى- غسل قلبه بماء زمزم في طست من ذهب، فأصبح هذا القلب خاليا من الحقد، بريا منه.

 

لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب *** ولا ينال العلا من طبعه الغضب

 

محمد ليس كأحد الناس، نعم هذا كلام حق في جملته، لكن الله لم ينصب سيدنا محمدا -صلى الله عليه وسلم - على الطريق إلا لنتأسى به؟

 

ثم:

 

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح

 

خرج من مدرسة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- سيدنا أبو بكر الذي أعتق سيدنا بلالا، خرج من مدرسته، وتربى على تعاليمه، فوقعت له واقعة يبتلى فيه عفوه وصبره، حين وقع مسطح وهو الذي ينفق عليه أبو بكر، ويصبحه ويمسيه بالعطاء، وقع مسطح في عرض عائشة، عرض الحصان الرزان، وصار يتكلم بكلام أهل الإفك فيها، فبلغ ذلك أبا بكر، وهو أبوها، والوقيعة في العرض قد تكون أحيانا أشد من الوقيعة في المال والدم.

 

أصون عرضي بمالي لا أدنسه *** لا بارك الله بعد العرض في المال

 

وعائشة -رضي الله عنها-: أين موقعها من فؤاد أبي بكر -رضي الله عنه-؟

 

إنها حبه، وزوج حبه صلى الله عليه وسلم.

 

فأقسم أبو بكر -رضي الله عنه-: أن يقطع النفقة عن مسطح، هذا غاية ما فعله، ولو فعل ذلك لكان العدل في تمامه، لكن الله يريد لأبي بكر الفضل لا العدل، يريد له المرتبة العلية التي أرادها للنبي -عليه الصلاة والسلام- فارتجت السماء، ونزل بذلك قرآنا: (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[النور: 22].

 

فبكى الشيخ حتى أخضلت لحيته، وقال: "إني أحب أن يغفر الله لي".

 

ثم كفر عن يمينه، وأجرى النفقة لمسطح.

 

(وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[البقرة: 237].

 

والتجاوز والصفح أقرب للتقوى، والصفح أكرم في العقبى، والتجاوز أحسن في الذكرى.

 

والذكرى سؤال الله، سؤال أنبياء الله: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)[الشعراء: 84].

 

فجعل الله لأبي بكر لسان صدق.

 

العفاة هم أصحاب المراتب العالية، أجرهم على الله، يدخلون الجنة بغير حساب: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)[الشورى: 40].

 

في بعض الآثار: "ينادي مناد يوم القيامة: أين الذين أجرهم على الله؟ فيأتي هؤلاء العفاة بالآلاف، الخلص الأصفياء، من الملايين الُمملينة من البشر، يأتون يدخلون الجنة بغير حساب: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران: 133-134].

 

هذه الآية لها قصة مع زين العابدين بن علي، زين العابدين أحدهم في أعلى عليين، يذكره الناس بالترضي والترحم.

 

وآخر في أسفل سافلين -عياذا بالله-.

 

زين العابدين بن علي من بيت النبوة، من البيت الذي طهره الله من الرجس.

 

يا آلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ حُبَّكُمُ *** فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ في القُرآنِ أَنْزَلَهُ

يَكْفِيكُمُ مِن عَظِيمِ الْفَخْرِ أَنَّكُمُ  *** مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْكُمْ لاَ صَلاَةَ لَهُ

 

زين العابدين يأتيه غلامه بماء حار، أو صحفة فيها طعام، فيتعثر، فيقع هذا على جسده فيشجه، فيقع منه الغضب، فيذكره بالله، قال: "يا مولاي: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)[آل عمران: 134]. قال: كظمت غيظي، قال: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)[آل عمران: 134]. قال: عفوت عنك، قال: (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران: 134]. قال: "اذهب؛ فقد أعتقتك لوجه الله".

 

هذه هي المراتب العالية، مراتب أهل العفو: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[البقرة: 237].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والمواعظ والذكر الحكيم.

 

أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، يا طوبى للمستغفرين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إنعامه، والشكر له على تفضله وامتنانه، ولا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه محمد وعلى آله وصحابته وإخوانه.

 

أما بعد:

 

صفة العفو التي أدعو -نفسي وإياكم- إليها هذه الجمعة، باتت عملة نادرة، عزيزة في مجتمعات كلما غابت عن الإيمان، ومعالي الأمور، كلما تمكن فيها الشيطان، والشيطان إنما يصيب من الغاضب لمة لا يصيبها ممن عمر الله صدره وقلبه بالإيمان.

 

ولذلك، فالمسألة مسألة تناسب عكسي، كلما زاد الإيمان والتقوى في قلب العبد كلما قل حقده، وارتفعت مرتبته.

 

"من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره في أي الحور شاء".

 

إذاً، مرتبة العفو مرتبة رفيعة، لا تنال ولا يتحصل عليها بمجرد سماع خطبة.

 

لا، لا بد أن يمرن العبد عليها نفسه، يبدأ بالصغار، ثم يتدرج حتى يصل إلى درجة العفاة.

 

والعفو راحة في الدنيا، ورفعة فيها، وراحة في الآخرة.

 

"في إغضائك راحة أعضائك": "وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا".

 

العز الذي يناله العافي، هو عز مصدره من الله -عز وجل-، فهو عز يمتد من الدنيا إلى الآخرة.

 

ربما أكون تحت تأثير واقعة معينة، هي التي دعتني -أيها الإخوة الأحباب- للحديث عن العفو، وإشاعة هذا الحديث.

 

قبل يومين تحديدا كنت وأنا أقل القوم في كوكبة من أهل الفضل، نسعى في الشفاعة في عتق الرقاب، واسمحوا لي أن أقول:

 

إن الشفاعة في الإصلاح في الرقاب ليست الشفاعة التي يتاجر فيها الناس في بورصة الدماء، ليست الشفاعة التي يتاجر الناس فيها بالملايين، وعشراتها، وأحيانا مئاتها، لإعتاق شخص لا يستحق العتق، وقد يكون إجراء سيف الحق والعدل بالقصاص أولى من السعي في عتقه؛ لأن العفو في كتاب الله كما يقول شيخ الإسلام مرتبط بالإصلاح، وكل عفو لم يرتبط بإصلاح أخشى أن يأثم فيه العافي قبل المعفو عنه.

 

كنا في سعي للعفو عن قاتل شخص، إثر مشاجرة وقعت بينهما، تبين بعد حين أنه قد صلح حاله في السجن، فلما ذهبنا إلى والد المقتول، وقد بلغ من الكبر عتيا، جاوز الثلاثة والسبعين، ذكر بالله -تعالى-، وتليت عليه الآيات والأحاديث، فما كان منه إلا أن أعلنها، مع أن واقعة قتل ولده واقعة شنيعة، وما أعقبه واقعة تدعو إلى الانتقام، لكنه لما ذكر بالله، قال: "والله لا أقدم بين يدي الله ورسوله، عفوت عنه لوجه الله، لا أريد ريالا ولا درهما، وإنما أعفو لوجه الله رجاء ما عند الله -تبارك وتعالى-".

 

وصدق الله -جل وعز- إذ يقول: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[المائدة: 32].

 

إذا، هي دعوة للتصالح، دعوة للعفو، دعوة للصفح فيما بيننا.

 

لما عفوت ولم أحقد على أحدٍ *** أرحت نفسي من هم العداوات

 

أسأل الله أن يسل السخائم من صدورنا، أسأل الله أن يسل السخائم من صدورنا، أسأل الله أن يسل السخائم من صدورنا، وأن يبلغنا المراتب العلية؛ مرتبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.. آمين.

 

 

 

المرفقات

وليصفحوا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
وليد الراوي
20-12-2018

جزاكم الله خيرا