وليال عشر

توفيق الصائغ

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ خير أيام الدنيا على الإطلاق 2/ فضائل عشر ذي الحجة 3/ أهمية المسارعة إلى الباقيات الصالحات في العشر 4/ اجتهاد السلف الصالح في الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة 5/ سنن مهجورة ينبغي أن نحياها في العشر 6/ فضل الرفق بالحجاج وإكرامهم 7/ التكبير المطلق والمقيد

اقتباس

من الأعمال الغائبة التي لا ينبغي لجيران الحرم وأهل البيت أن تعزب عنهم فضيلة إكرام الحجاج، إحسان وفادتهم، الرفق بهم، الاحتفاء بهم، هؤلاء الحجاج ليسوا عالة تضيق شوارعنا بهم وتضيق ممراتنا بهم، لا، هؤلاء فخر وشرف ومزية حبا الله -عز وجل- بها هذه البلاد من رأس الهرم من خادم الحرمين إلى أصغر صغير في هذا البلد أن يحتفوا بهم وأن يكرموهم وأن يحسنوا وفادتهم.

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح للأمة وجاهد لله حق الجهاد حتى أتاه اليقين، صلوا عليه وآله، اللهم صلّ وسلم وزد وأنعم عليه وعلى آله وصحابته وعترته.

 

 أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: دخل علينا هلال ذي الحجة، اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى، هلال خير ورشد.

 

أتدرون ما معنى دخول هلال ذي الحجة؟

معناه ببساطة -أيها الإخوة- أن نلج إلى أيام هي خير أيام الدنيا على الإطلاق هي أفضل ساعات العمر على الإطلاق.

 

ومن جميل المناسبات أن أحدثكم في خير يوم طلعت فيه الشمس عن خير أيام الدنيا على الإطلاق، فقد ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيما أخرجه مسلم في صحيحه: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة".

 

في يوم الجمعة خير الأيام أحدثكم عن خير الأيام أفضل الأزمنة التي تمر علينا، عشر ذي الحجة التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أخرج البزار من حديث جابر: "أفضل أيام الدنيا العشر".

 

العظيم -جل جلاله- لا يقسم إلا بعظيم، يقسم بالعظيمات من مخلوقاته بالشمس والقمر والنجوم، ويقسم بالرياح والملائكة، ويقسم -سبحانه وتعالى- بالعظيمات من الأمكنة (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [التين:1- 3].

 

وأقسم -سبحانه وتعالى- بأعظم العظماء شخصًا وكينونة محمد -صلى الله عليه وسلم- (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر:72]، العظيم الذي لا يقسم إلا بعظيم أقسم بهذه الأيام العشر فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1- 2].

 

ثبت عن المطيبة الأفواه بالصلاة والتسليم عليه أنه قال: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر"، تطاول أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- رفعوا عقائرهم السؤال يا رسول الله كل شيء فاضل في هذه الأيام، كل شيء أفضل من أي عبادة حتى الجهاد في سبيل الله؟

 

قال -صلى الله عليه وسلم-: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بماله ونفسه فلم ولم يرجع من ذلك بشيء".

 

ما أعظم الله في عطائه!! ما أجزل فضله وما أكثر مننه التي تتوالى علينا!! نخرج من مناسبة إلى مناسبة، ومن ساحة من الفضل والهبة والعطاء إلى ساحة هي أعظم منها.

سبحان من لو سجدنا بالعيون له *** على حمى الشوك والمحمي من الإبر

لم نبلغ العـشر من معاشر نعـمته *** ولا العشير ولا عشراً من العشر

 

ولجنا إلى هذه الأيام أيام المسابقات والمسارعات إلى الباقيات الصالحات خير أيام الدنيا على الإطلاق، دعوني أجزم أنها خير حتى من أيام العشر الأخيرة من رمضان.

 

قال أهل العلم: "جمع الله في هذه العشر الخير من أطرافه أقسم الله -عز وجل- بها، نوّه بها النبي -عليه الصلاة والسلام-، اشتملت هذه الأيام العشر على أفضل يوم وهو يوم النحر، كما ثبت بذلك الحديث "أفضل الأيام يوم النحر"، اشتملت هذه العشر على يوم من أفاضل أيام الدنيا على الإطلاق: يوم عرفة، الذي يدنو فيه الجبار -جل جلاله- ليجبر الكسر، وليقيل العثرة، وليعتق الرقاب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روته أمنا عائشة أنه قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا أو أَمَة من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ماذا أراد هؤلاء؟!".

 

الشيطان ما رئي أحقر ولا أصغر ولا أذل ولا أقل منه في يوم عرفة، اللهم إلا ما كان في يوم بدر.

 

إذاً اشتملت هذه العشر على القسَم بها، وعلى يوم عرفة، وعلى يوم النحر، واشتملت على أمهات العبادة: ركن الديانة الحج مع الصلاة التي لا تنقطع، ومع الهبات والصلات ونحر الدماء وإراقتها، وبذل الهدايا والضحايا للبيت، ومع ما في ذلك من الأعمال الصالحة فاستحقت أن ترتفع إلى ذروة الأيام الفاضلة إلى ذروة سنام المجد والفضل لتكون هذه الأيام أفضل الأيام على الإطلاق، ربما لا يضاهيها في الفضل إلا ليالي العشر الأخيرة من رمضان؛ لما اشتملت عليه من ليلة القدر التي عبادتها خير من عبادة ألف سنة.

 

لما علم ذلك أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- والرعيل الأول من السلف الصالحين شمروا عن سواعد الجد، فلم يتركوا ميدان من العمل إلا ركبوه ولا فرصة من الصالحات إلا انتهزوها.

 

كان سعيد بن جبير يجتهد في هذه العشر لا يكاد يقدر عليه، وكان يقول -رحمه الله-: "لا تطفئوا سُرُجكم في هذه العشر".

 

أيها الإخوة: أعمال العشر كثيرة، والواحة الفينانة في شريعتنا للطاعات لا تنتهي، حدائق ذات بهجة تستطيع أن تتنقل فيها بين الصيام والصلاة، بين الذكر والدعاء، بين صلة الأرحام وبذل الندى وكف الأذى، وإطعام الجائعين والربت على أكتاف اليتامى ومواساتهم، بين توزيع البسمات وإهداء الباقيات، إلى غير ذلك من العمل الصالح.

 

لكن القُربة التي جعل الله -عز وجل- هذا الزمان ظرفًا لها هو قصد بيته العتيق بالعمرة أو الحج، النبي -عليه وآله الصلاة والسلام- يقول: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

 

"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" نبينا -صلى الله عليه وسلم- يندبنا إلى هذا العمل الصالح، ويحفزنا إليه، ويدعونا بباقة عظيمة من الأحاديث، استمتعوا بهذا البيت فإنه هُدم مرتين، ويُرفع في الثالثة إلى غير ذلك من الأحاديث.

 

لكنني أقف مع هذا الحديث العظيم حديث ابن عمر "وأما خروجك من بيتك تؤم المسجد الحرام؛ فإن لك بكل خطوة تضعها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة ويرفع لك بها درجة، ويحط عنك بها خطيئة.." إلى أن قال -عليه الصلاة والسلام- "وأما وقوفك بعرفة فلو كان عليك مثل رَمْلِ عَالِجٍ, أَوْ مِثْلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا, أَوْ مِثْلُ قَطْرِ السَّمَاءِ ذُنُوبًا –يعني ذنوبا- غفرها الله لك، وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة".

 

يا لله ما أجزل الفضل! وما أعظم العطاء والمنّ! تدخل إلى الحج بذنوبك وأوزارك وسيئاتك وما أخفاه الله -عز وجل- عن أعين الناس واستأثر بعلمه أحصاه الله ونسوه، ثم تخرج من صعيد عرفات مولودًا جديدًا تستهل صارخًا بالتكبير، حفظ الله لك حسناتك ودرجاتك وقيامك بالليل وصيامك بالنهار وحسناتك، أما ما كان ينقض ظهرك محاه الله -عز وجل- وجعله هباءً منثورا..

فيا لعطاء الله!! ويا لمنته!! ويا لفضله!!

 

هذه الأيام -أيها الأحبة- هي أيام الذكر والتكبير، أيام التهليل، أيام لا ينبغي أن يفتر فيها اللسان عن ذكر الله –تعالى-: "ما من أيام أحب إلى الله ولا أعظم العمل الصالح فيهن من هذه العشر"، قال: "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير".

الله  أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد..

املئوا بها فضائكم ومجالسكم وأعمالكم، ضوعوا بها أفواهكم وعطروا بها أسماعكم.

 

سنن مهجورة ينبغي أن نحياها، كان ابن عمر يخرج إلى السوق فيكبر، فيكبر الناس بتكبيره، وكان الناس تضج مجالسهم النساء في البيوت والرجال في الأعمال، الكل يكبر ويذكر الله –تعالى-، تحقيقا لمراد الله (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [الحج: 28].

 

وهل أمرنا الله بالإكثار من شيء ما أمرنا فيه بالإكثار من الذكر (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) [الأحزاب: 41]، (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة: 152].

اذكرونا مثل ذكرانا لكم *** رب ذكرى قربت من نوحا

 

إياك أن يفوتك هذا العمل اليسير العظيم الكبير في القدر والأجر "كلمتان خفيتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده الله العظيم".

 

التكبير المطلق لا حدّ له، نكبّر في كل أوقاتنا وفي معظم إدبارنا بعد الصلاة وقبلها ونحن نمشي ونحن نركب قياما وقعودا وعلى جنوبنا حتى يكون الذكر شعارًا لنا ودثارا أيها الأحباب.

 

في هذه العشر قلت لكم: إن التنقل بين الواحة الفينانة يعجز مثلي أن يجمع العبادات والفضائل في خطبة جمعة، لكنني أترك لكم ما تعرفون وأحدثكم ربما عن أعمال قد تكون غائبة، الفضل في شريعتنا لا يُحَدّ لكن من أعظم ما يمكن أن يتقرب به العبد في هذه العشر أن يضمر النوايا الحسنة، وإضمار النوايا الحسنة إن وافقه العمل حاز العبد بالفضيلتين، وأحرز الدرجتين، وإن حال بينه وبين العمل حائل لم يفته أجر النية الحسنة، وأجر النية الحسنة في شرعتنا عظيم.

 

اسمع رعاك الله، يقول النبي -عليه وآله الصلاة والسلام-: "إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيّن ذلك؛ فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، ومن همَّ بحسنة فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة...".

 

إذاً جميعنا ينبغي أن نكون سفراء النوايا الحسنة، هذا ليس منصبًا شرفيًّا في الإسلام يحوزه البعض دون البعض، لا، كلنا سفراء للنوايا الحسنة، كلنا ينبغي أن نضمر في هذا العام وفي هذه العشر أن نحج وأن نعتمر، وأن نتصدق وأن نعتق الرقاب، إذا استطعنا إلى ذلك سبيلا، وأن نبذل للمساكين أقواتهم، وأن نصوم ما استطعنا من هذه العشر فإن أدركنا أدركنا الفضيلتين وإلا نية المؤمن تفضل عمله أحيانا.

 

أيها الإخوة الأفاضل: من الأعمال الغائبة التي لا ينبغي لجيران الحرم وأهل البيت أن تعزب عنهم فضيلة إكرام الحجاج، إحسان وفادتهم، الرفق بهم، الاحتفاء بهم، هؤلاء الحجاج ليسوا عالة تضيق شوارعنا بهم وتضيق ممراتنا بهم، لا، هؤلاء فخر وشرف ومزية حبا الله -عز وجل- بها هذه البلاد من رأس الهرم من خادم الحرمين إلى أصغر صغير في هذا البلد أن يحتفوا بهم وأن يكرموهم وأن يحسنوا وفادتهم.

 

من العجب العجاب أن البعض يرضى لنفسه بدرجة أقل في هذه الخصيصة من درجة أبي جهل وأمية بن خلف الذين كانوا يكرمون نزول الحاج وينزلونه دورهم ويعطونه ما أراد من طعام وسقاء ومتاع وكسوة، ولا يرون في ذلك منّة على الحاج بل يرون للحاج منة عليهم.

 

لقد عبد المشركون في مكة أصناما كثيرة لكن من الأصنام التي تتردد على مسامعنا اللات ذلك الصنم الذي كان يسجد له صناديد قريش ترى لماذا سجدوا له؟ ولماذا صنّموه صنما وصوره تمثالا وعبدوه؟ لأنه كان يقوم بشرف خدمة الحاج، يأتي بالدقيق فيصب عليه اللبن وبالأقت فيمزجه ويلت السويق بالسمن للحاج فيطعمه فعظم في نفس الجاهليين القرشيين فصوروا له تمثالا وعبدوه من دون الله.

 

تجارنا، أصحاب الحملات، أصحاب الفنادق والنزل، يرفعون السعر على الحاج، حتى سائقو الأجرة الذين يحملون الحاج من المطار إلى مكة يضاعفون له الأجرة؛ لأنه يجهل التسعيرة في البلد، هذا الاستغلال لا يجوز بحالٍ، لا يقره النظام في البلاد ولا تقرّه الشرائع بل خدمة هؤلاء الحجاج شرف وأي شرف ومزية وأي مزية نقوم بها ونحن نشعر بالمنة؛ لأن إكرام وفد الله من تعظيم قدر الله -جل وعز-.

 

والله –تعالى- في آيات الحج يقول: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32] (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ) [الحج: 30] إذاً ينبغي أن نعظم حرمات الله من خلال هؤلاء الحجاج وهي سنة ماضية.

 

كان السلف -رحمهم الله- لا يرخون ستارا في بيوتهم دون الحاج يأتي الحاج ويطعم ويأكل ويشرب دون أن يسأله أحد عن شيء اقترفه.

 

كان الحاج يدخل إلى بيوت الناس في مكة فيقيل ويستقيل ويستريح، ويمكث أياما دون أن يسأله أحد.

 

ربما تكون هذه رتبة عالية لا نبلغها نحن، فلا أقل من أن نرفق بهم وأن نبيعهم سعر الشيء بالشيء لا زيادة عليه، وسيضاعف الله -عز وجل- للمتاجرين معه وسيفيض عليه من بركاته سبحانه وتعالى.

 

أليس عجيبا وغريبا -أيها الإخوة- ما نسمعه هذا العام من الأسعار الفاحشة التي غازلت سقف العشرة آلاف لحجاج الداخل، إنه شيء من العجب!!

الخيام هي الخيام، والخدمة هي الخدمة، والنقل هو النقل، ما الذي تغير؟!

 

بعضهم يتحجج أن هناك مظاهرات في أوروبا لارتفاع الأسعار وأن سعر الذهب قد ارتفع فبلغ درجات، ما دخل هذا في أسعار حجاج مخيمات الداخل؟! عجب وأي عجب! أين الرفق بالحجاج؟!

 

أنا سأروي لكم قصة أمير المؤمنين في الحديث كررتها على مسامعكم، ابن المبارك -رحمه الله- كان يخرج من مرو من بلاد ما وراء النهر، فيحمل حجاج مرو فيجمعهم، ثم يضع هؤلاء الحجاج نفقاتهم في صندوق عند ابن المبارك على صُرَر، في صُرّة كل حاج منهم ختمه واسمه، يضعونه في الصندوق، يحملهم ابن المبارك من مرو من بلاد ما وراء النهر من حدود إيران، وما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي إلى مكة المكرمة.

 

ينزلهم ويطعمهم ويسقيهم ثم يطلب منهم أن يشتروا لذويهم الهدايا فيعدون بالهدايا ثم يزرون مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا رجعوا إلى مرو دعاهم إلى مأدبة عظيمة فيتغدون مع ابن المبارك ثم يأمر خادمه أن يفتح الصندوق ويطلب من كل واحد منهم أن يعمد إلى صُرته فيأخذها.

 

لا نريد من حملات حجاج الداخل أن يضعوا صُرر أموالنا في صندوق ثم يعيدوها إلينا، لا، ذلك شأن لا يبلغونه، إننا نطلب منهم الرفقَ الرفق والقصد القصد وما يجنونه من بركة الله مع الرفق أكبر مما يجنونه من الأرقام مع الغلاء في الأسعار.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والمواعظ والذكر الحكيم، أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه يا طوبى للمستغفرين..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إنعامه والشكر له على تفضله وامتنانه ولا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته وإخوانه.

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد

هذا هو الذكر الذي ينبغي أن نعمر به مجالسنا التكبير المطلق، أما التكبير المقيد فهو الذي يكون من يوم العيد مقيد بأدبار الصلوات من وقت غروب الشمس من ثالث أيام التشريق.

 

إلى هذا الحد انتهى ما كنت أرجو بياناه فيما يتعلق بالعشر، وإني لأعتقد أنني قصرت في ذلك، أَكِلُ ما تبقى إلى بحثكم واطلاعكم.

 

اللهم اغفر لنا وارحمنا..

 

 

 

المرفقات

عشر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات