ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها

الشيخ أحمد بن ناصر الطيار

2024-12-06 - 1446/06/04 2025-01-07 - 1446/07/07
عناصر الخطبة
1/أهمية انتشار الأمانة في المجتمع 2/شؤم تفشي الفساد والخيانة والظلم 3/من أبرز من صور الفساد والظلم 4/بغض المفسدين وتجنبهم 5/وجوب تحري أكل الحلال 6/ من أعظم أسباب البركة والتوفيق.

اقتباس

فمَن سعى ليُفسد أمْر الدِّين فقد سعى في الأرض فسادًا وإن خابَ، فيجب الحذر من الإفساد في الأرض بإشاعة المعاصي والمنكرات والمجاهرة فيها، فإنّ هذا من كفران النعم، وهو سببٌ لغضب الله وسخطه، وسببٌ لخراب البلاد وهلاكِ العباد....

الخطبةُ الأولَى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وقوموا بما أوجب الله عليكم من أداء الأمانة في الأمور كلها؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الأنفال: 27].

 

أيها المؤمنون: إن الأمانة أمرها عظيمٌ، إنها دِينٌ وذمة، ومنهجٌ وطريقة، إنها حِمْلٌ ثقيل، وعِبْءٌ جسيم، إنها عُرِضت على السماوات والأرض والجِبَالُ، وأعْظِم بها قوةٍ وصلابةً، فأبَيْنَ أن يحملنها وأشفقن منها، وتحَّملناها نحن بما أنعم الله به علينا من العقل والفهم، وبما أَنْزلَ إلينا من الوحي والعلم، فبالعقل والفهم نُدرك ونُميز، بالوحي وبالعلم نستنير ونهتدي.

 

ما أجمل المجتمعَ الذي تشيع فيه الأمانة، فَيَأْمنُ الناسُ على أعراضهم وأموالهم وممتلكاتهم، وتَزْدَهرُ الحضارةُ في هذا المجتمع، وما أقبح المجتمع الذي تنعدم فيه الأمانة، وتسودُ فيه الرشوة والخيانة، إنه مجتمع لا يعرف أهلُه معاني الحضارةِ والازدهار، ويسودُ فيه الطمع والجشع، والحقد والأنانيَّة، كيف لا، وقد تولى المنصب مَنْ غيرُه أولى منه، أمانةً وإتقاناً، فيُفْسِدُ أكثر ممَّا يُصلح، يُنَفِّذُّ المشاريع الوهمية، ويقوم ببناء البِنِى التَّحْتِيَّةِ الضَّعيفةِ الهشَّة، التي رُصد لها الملايينُ من الأموال، فيبنيها بعُشْرِ ما رُصِدَ لها.

 

أيها المؤمنون: إنّ الفساد والخيانة والظلم سببُ خرابِ الدول ونهايتُها، وسببُ سخط الله وعذابِه، قال -تعالى-: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)[الإسراء: 16].

 

ومن صور الفساد: سرقةُ مال الدولة والمالِ العام، ولقد أمرنا الله بأداء الأمانة؛ فقال –تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)[النساء: 58]، ومن صفات المنافقين "إذا ائتُمِنَ خان".

 

ومن صور الفساد: الاخلالُ بأمن الدولة، مِن خلال التأليب على وليّ الأمر المسلم، والانتماءِ للأحزاب الفكرية الضالة.

 

والواجب على كلِّ مسلمٍ أن يتجنَّب هذه الخيانات الفاسدةِ المفسدةِ لدينه ومجتمعه، وأن لا يتستَّر على من يقومُ بذلك، فهذا حرام ولا يجوز، فإن هذا من المنكر الذي أُمرنا بتغييره.

 

ومن صور الفساد: إشاعةُ المنكرات والمعاصي والمجاهرةُ بها، وقد بعث الله الأنبياء لمحاربة الفساد، كالشرك بالله ومعصيته، قال -تعالى-: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)[الأعراف: 56]، قال الشوكاني: "يدخل تحته قليلُ الفساد وكثيره، ودقيقه وجليله".

 

والفساد ضد الصلاح، فكما أنّ كلّ قول أو عمل يحبّه الله فهو من الصلاح، فكلّ قول أو عمل يُبغضه الله فهو من الفساد.

 

وكلّ ما في القرآن من ذِكْر الفساد؛ مثل قوله -تعالى-: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)[الأعراف: 56]، وقوله: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)[البقرة: 205]، وغير ذلك، فإنّ المعاصي وإشاعَتها داخلةٌ فيها؛ فإنها أصلٌ لكلّ فسادٍ في الأرض.

 

فمن سعى ليُفسد أمْر الدِّين فقد سعى في الأرض فسادًا وإن خابَ، فيجب الحذر من الإفساد في الأرض بإشاعة المعاصي والمنكرات والمجاهرة فيها، فإنّ هذا من كفران النعم، وهو سببٌ لغضب الله وسخطه، وسببٌ لخراب البلاد وهلاكِ العباد.

 

فاتقوا الله -عباد الله-، وإياكم ومحبةَ المفسدين، فمن أحبّهم حُشر يوم القيامة معهم، والمرء مع من أحبّ، واهْجروا المجالس والأماكن التي يُعصى اللهُ فيها.

 

اللهم احفظ بلادنا من كل سوء، ووفِّق ولاة أمرنا لكل خير، إنك على كل شيء قدير.

 

                                                     

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

 أما بعد: معاشر المسلمين، إنَّ من أعظم أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، والعيشِ الرضيّ والهنيّ: أنْ يتحرى المسلم الأكل الحلال، وأنْ يجتنب كلَّ مالٍ جاء عن طريق الحرام والظلم والربا.

 

قال -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].

 

فلْنحرص - معاشر المسلمين- على أنْ نأكل ونلبس من الحلال الطيب، فهو من أعظم أسباب البركة والتوفيق، فاللهُ -تعالى- طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وآكِل الحرام مِن أبعد الناس إجابةً لدعائه، ومن أمحق الناس بركةً في ماله. وكلُّ جسم نبت من سحت فالنار أولى به.

 

وحريّ بكلّ أب وكل أم وكل مُربّ أن يغرس في قلوب الناشئة قِيمَ الأمانة والنزاهة، فهذا من النصح الواجب عليهم.

 

اللهم نجّنا من عذابك، وأدْخلنا في رحمتك، وأسْكِنّا جنَّتك، إنك ربنا رؤوف رحيم.

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى، فقد أمركم بذلك -جل وعلا- فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهم، واقض ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها.doc

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات