ولا تبرجن

ناصر بن محمد الأحمد

2015-01-08 - 1436/03/17
عناصر الخطبة
1/تفشي ظاهر التبرج والسفور بين النساء 2/خطر الافتنان بالنساء 3/أسباب انحراف المرأة 4/بعض النتائج السلبية لانحراف المرأة 5/بعض المظاهر المخلة في لباس المرأة وواجب أولياء الأمور تجاه ذلك 6/حال المرأة في الغرب 7/استغلال المرأة في محاربة الإسلام وأهله 8/الغيرة على الأعراض 9/طريق السلامة والنجاة من فتنة النساء

اقتباس

عباد الله: إن مشكلة النساء ليست بالمشكلة التي يُتهاون بها، وليست بالمشكلة الجديدة، إنها مشكلة عظيمة يجب الاعتناء بها، ودراسة ما يقضي على أسباب الشر والفساد، إنها مشكلة الوقت قديما وحديثا، لقد كانت مشكلة بـ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: من الملاحظ منذ فترة أنه قد توسع كثير من نساء المسلمين في المجتمعات بشكل عام، وفي مجتمعنا بشكل خاص، في التبرج والسفور، وإلقاء الحجاب والحشمة جانبا، كأنه ليس عليهن رقيب من أحد، وباتت المرأة تتشبه بالنساء الساقطات السافرات اللواتي خلعن برقع الحياء، وانسللن من دينهن، بدعوة تقولها الواحدة منهن: أنها حرة!.

 

عباد الله: إن مشكلة النساء ليست بالمشكلة التي يُتهاون بها، وليست بالمشكلة الجديدة، إنها مشكلة عظيمة يجب الاعتناء بها، ودراسة ما يقضي على أسباب الشر والفساد، إنها مشكلة الوقت قديما وحديثا.

 

لقد كانت مشكلة بني إسرائيل، وهي مشكلة هذه الأمة؛ كما ثبت في الصحيحين عنه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".

 

وكما هو معلوم أن أعز ما تملكه المرأة: الشرف والحياء والعفاف، والمحافظة على هذه الفضائل محافظة على إنسانية المرأة في أسمى صورها، وليس من صالح المرأة، ولا من صالح المجتمع، أن تتبرج المرأة، وتتخلى عن الصيانة والاحتشام، ولا سيما أن الغريزة الجنسية هي أعنف الغرائز، وأشدها على الإطلاق، والتبذل وإظهار الزينة مثير لهذه الغريزة، ومطلق لها من عقالها.

 

والمرأة -كما نعلم- فتنة ليس أضر على الرجال منها، يقولعليه الصلاة والسلام: "إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان".

 

وتجرد المرأة من ملابسها وتبرجها، وإبداء مفاتنها يسلبها أخص خصائصها من الحياء والشرف، ويهبط بها عن مستواها الإنساني، وسبب هذا الانحراف هو الجهل والتقليد الأعمى للكافرات السافرات الساقطات، فأصبح من المعتاد أن يرى المسلم المرأة المسلمة متبذلة، عارضة مفاتنها، خارجة في زينتها، كاشفة عن وجهها ونحرها وذراعها وساقها، ولا تجد أي غضاضة في ذلك، بل تجد من الضروري وضع الأصباغ والمساحيق والتطيب بالطيب، واختيار الملابس المغرية، وللمجلات مجال واسع في تشجيع هذه السخافات، والتغرير بالمرأة للوصول إلى المستوى المتدني الرخيص.

 

أيها المسلمون: إنه كلما عظم الخطر عظمت المسؤولية، وكلما كثرت أسباب الفتنة، وجبت قوة الملاحظة، وإننا في عصر عظم فيه الخطر، وكثرت فيه أسباب الفتنة بما فتح علينا من زهرة الدنيا، واتصالنا بالعالم الخارجي مباشرة، أو بواسطة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وخاصة ما يبث عبر قنوات البث المباشر والمقروءة، وبسبب ضعف كثير من الرجال، وتهاونهم للقيام بمسؤولياتهم تجاه نسائهم، وترك الحبل لهن على الغارب، حتى إنك لترى المرأة الشابة تذهب من بيتها إلى أي مكان تريد دون أن تُسأل إلى أين؟ وتتكلم بالهاتف الساعات الطوال دون أن يعلم ولي أمرها من تكلم؟ وترى بعض النساء يخرجن إلى الأسواق بلا رقيب تطوف بها ليلاً ونهاراً صبحاً ومساءاً وما ذهابها إلى السوق من أجل شراء شيء تريده، وإنما من أجل التسلي والتسكع، ومن أجل تضييع الوقت، ومن أجل البحث عن الجديد من الأزياء، أو المكياج، حتى تكون الزينة لها هدفا لذاته، حتى إن بعضهن يلبسن ألبسة مغرية مزركشة سواء كانت عباءة خفيفة أو طرحة شفافة يظهر لون جلد وجهها وقسماته من خلاله، وبعضهن ينتقبن بنقاب ملفت للنظر، وتبدو مكحلة العينين ملونة الوجنتين، تزاحم الرجال، وتكلمهم، وربما تمازحهم إذا قوي تمردها، وقل حياؤها!.

 

وبعض النساء يكشفن الوجه في السيارة، أو في الشارع، أو أمام البائع، وكأنه أحد محارمها -نسأل الله السلامة والعافية-.

 

هذا غيض من فيض، مما يفعله بعض النساء من أسباب الفتنة، والخطر العظيم، والسلوك الشاذ الخارج عن توجيهات الإسلام.

 

أيها المسلمون: إن من نتائج هذا الانحراف: أن كثر الفسق، وانتشر الزنا، وابتعد الناس عن الزواج، وانهدم كيان الأسرة، وأهملت الواجبات الدينية، وانعدمت الغيرة، واضمحل الحياء، وتركت العناية بالأطفال، وأصبح الحرام أيسر حصولا من الحلال، وكثرت الجرائم، وفسدت أخلاق الرجال، خاصة الشباب المراهقين، وأصبحت المتاجرة بالمرأة كوسيلة دعاية أو ترفيه في مجالات التجارة وغيرها، وكثرت الأمراض التي لم تكن في السابق، قال صلى الله عليه وسلم: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا"[رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح].

 

ومن أعظم العقوبات التي هي قطعا أخطر من القنابل الذرية وغيرها، هي: استحقاق نزول العقاب الإلهي: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)[الإسراء: 16].

 

قالعليه الصلاة والسلام: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعذاب".

 

أيها المسلمون: لقد شاع في هذا الزمان بين أوساط كثير من النساء ما رأيتموه جميعا، بل كل يوم يأتينا عنه نبأ، ألا وهي هذه العباءات الغريبة، فتارة ترى عباءة مزينة بالقيطان أو مطرزة في موضع الأكمام أو الصدر أو الظهر، أو عبارة مكتوبة عليها بالذهبي عبرات ملفتة، أو ما يسمىبالعباءة الفرنسية، أو موديل الدانتيل، أو موديل التخريم وغيرها، وغيرها.

 

ومن مشاهد الضياع في ارتداء الحجاب ما يفعله بعض النساء من وضع العباءة على كتفها، ولف الطرحة على رأسها، ليبدوا قوامها.

 

ولا شك -أيها الإخوة- أن هذا الفعل فتنة للمرأة، وفتنة للرجل، وقد أفتى علمائنا بحرمة هذه العباءات، فهي محرمة ولا يجوز للمرأة أن تلبسها، وبناءً عليه لا يجوز بيعها، فليتق الله أصحاب محلات بيع العباءات النسائية أن يستوردوا لنا مثل هذه الأشياء، وليعلموا أن كسبهم من ورائها حرام -والعياذ بالله-.

 

وقبل هذا وبعده: أين الرجال؟ وأين محارم هؤلاء النسوة؟

 

وليتق لله أولياء أمور هؤلاء النسوة، ولا يسمحوا لأعراضهن ارتداء أشياء محرمة، ودخيلة على مجتمعاتنا وعاداتنا، والعباءة والحجاب لم يشرع للزينة، بل شرع للستر والحشمة.

 

ومن مظاهر الحجاب العصري الفاسد المنتشرة بين كثير من النساء بداعي التقليد والإثارة، أو الجهل: ما يفعله كثير منهن من إظهار العينين، وجزء من الوجه، وربما اكتحلت إحداهن، أو وضعت الأصباغ على وجهها، لتبدوا بشكل ملفت ومثير، بحجة أنها متنقبة، وليس هذا هو النقاب الذي شرع في الإسلام للمرأة أن تلبسه إذا هي احتاجت إليه.

 

وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- عن ما يسمى بالنقاب، وطريقة لبسه، ففي بداية الأمر كان لا يظهر إلا العينان فقط، ثم بدأ النقاب بالاتساع شيئا فشيئا، فأصبح يظهر مع العينين جزء من الوجه مما يجلب الفتنة، ولا سيما أن كثيرا من النساء يكتحلن عند لبسه.

 

فأجاب فضيلته: في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه، بل نرى منعه وذلك؛ لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز، ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب، أو البرقع في أوقاتنا هذه، بل نرى أنه يمنع منعا باتا وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر، وأن لا تنتقب؛ لأن ذلك يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه.

 

أيها الإخوة المؤمنون: إن هذه المظاهر الشاذة في مجتمعنا المسلم المحافظ لما يبعث على الأسى والحسرة، ولكن ما هو واجبنا كرجال ملكنا القوامة على النساء، وحملنا مسؤولية التوجيه والتربية لزوجاتنا وبناتنا؟

 

إن الواجب أن نتقي الله –سبحانه- أولا وآخراً، وأن ننصح لزوجاتنا وبناتنا، ونعلمهن ما هو حلال، ونعينهن عليه، وما هو حرام فنـزجرهن عنه؛ لأن الرجل هو الذي يغار على أهله، ويحفظهم من نظرات الساقطين والسافلين.

 

فلنكن -أيها الإخوة- رسل هداية ومنابر توجيه لأهلينا.

 

إن من أعظم مقاصد هذا الدين: إقامة مجتمع طاهر، الخلق سياجه، والعفة طابعه، والحشمة شعاره، والوقار دثاره، مجتمع لا تهاج فيه الشهوات، ولا تثار فيه عوامل الفتنة، تضيق فيه فرص الغواية، وتقطع فيه أسباب التهييج والإثارة.

 

ولقد خُصَّت المؤمنات بتوجيهات في هذا ظاهرة، ووصايا جليلة، فعفة المؤمنة نابعة من دينها، ظاهرة في سلوكها، ومن هنا كانت التربية تفرض الانضباط في اللباس سترة واحتشاماً، ورفضاً للسيرة المتهتكة والعبث الماجن.

 

ومهما قيل في الحجاب، في كيفيته وصفته، فما كان يوماً عثرة تمنع من واجب، أو تحول دون الوصول إلى حق، بل كان ولا يزال سبيلاً قويماً يمكِّن المرأة من أداء وظيفتها بعفةٍ وحشمةٍ وطهرٍ ونزاهةٍ على خير وجهٍ وأتم حال.

 

وتاريخ الأمة شاهد صدق لنساء فُضْلَيات جمعن في الإسلام أدباً وحشمةً وستراً ووقاراً وعملاً مبروراً، دون أن يتعثرن بفضول حجابهن، أو سابغ ثيابهن.

 

وإن في شواهد عصرنا من فتياتنا المؤمنات، متحجبات بحجاب الإسلام، متمسكات بهدي السنة والكتاب قائمات بمسؤولياتهن، خيرٌ ثم خيرٌ ثم خير من قرينات لهن، شاردات كاسيات، عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها متبرجات بزينتهن تبرج الجاهلية الأولى.

 

وليعلم دعاة السفور، ومن وراءهم: أن التقدم والتخلف له عوامله وأسبابه، وإقحام الستر والاحتشام والخلق والالتزام عاملاً من عوامل التخلف، خدعة مكشوفة، لا تنطلي إلا على مغفل ساذج، في فكره دخل، أو في قلبه مرض.

 

ودعاة السفور ليسوا قدوة كريمة في الدين والأخلاق، وليسوا أسوة في الترفع عن دروب الفتن، ومواقع الريب: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة: 56].

 

أيها الأحبة: إن المرأة المسلمة هي أم المستقبل، ومربية الليوث القادمة، والحصن المنيع ضد تيارات الفساد والتدمير، بل إنها نموذج الصبر والتضحية، إنها قبس في البيوت مضيء، وجوهرة تتلألأ.

 

ولكن لم يكن لأصحاب تيار الرذيلة والانحراف يد من نسف الحياة الطيبة التي تعيشها المرأة المسلمة، في ظل دينها وإسلامها، فأصبحت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها توجه المرأة، وغدت المنظمات الدولية، والمؤسسات الحقوقية، تتسابق في توجيه المسلمة، وتعريفها بمسؤولياتها وواجباتها، وتتباكى على حال المرأة المسلمة، فهل من وعي لهذه القضية؟!

 

لقد شاعت الفاحشة شيوعا لم يسبق له مثيل، فقد كان أول طوفان تحرير المرأة، لقد اكتسح الغرب التحرير، فلم يتعد مزاولة الفاحشة -أجارنا الله وإياكم- مقصورة على دور البغاء، بل تجاوزت ذلك إلى الفنادق والمقاهي الراقصة والمنتزهات، وعلى قارعة الطريق، ولم يعد من الغريب ولا الشاذ أن يقع الأب مع بناته، والأخ مع أخته، بل لقد أصبح ذلك في الغرب شائعا ومألوفا.

 

وأصبحت الخيانة الزوجية ظاهرة عامة، ففي أمريكا من كل أربعة نسوة امرأة واحدة تخون زوجها، فالمرأة تخون زوجها والرجل يخون زوجته مما أدى إلى الطلاق، وتفكك الأسر وتبعثرها.

 

أما الاغتصاب، فإن معدله في الولايات المتحدة وحدها يزيد عن مثيلاتها في اليابان، وإنجلترا وأسبانيا، بعشرين ضعفاً.

 

أما التفكير في الانتحار في ظل الرفاهية المزعومة، والحرية، وحقوق المرأة التي ينادون بها في الغرب، فإن أربعا وثلاثين بالمئة من النساء يفكرن في الانتحار، أما الأمراض التي ظهرت بسبب الفاحشة والشذوذ، فقد انتشر الزهري، والسيلان، وهما مرضان خطيران في قمة الأمراض الخطيرة في الغرب، وجاء دور الإيدز يقول مؤلف كتاب: "يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة": مئات الآلاف من الأمريكيين يكونون علاقات جنسية في كل ليلة من ليالي الأسبوع مع أشخاص يعتقدون أنهم مصابون بهذا المرض، ثم يقول: إن استقراءً سريعاً، لإحصائيات هذه الدراسة يشير إلى أن هناك ما نسبته، 2.2 مليون أمريكي على يقين بأنهم مصابون بمرض الإيدز، وسبعة ملايين يعتقدون أنهم في خطر كبير من الإصابة بهذا المرض، ومعظم هؤلاء المصابين بالإيدز أو الذين هم في خطر كبير بالإصابة به هم أشخاص أسوياء وغير شاذين، فكم تكون النسبة بين الشاذين؟

 

هكذا -أيها الإخوة- الكرام تعيش المرأة في ظل الجاهليات، وإنه لشيء حتمي بسبب البعد عن الله، وهكذا تعيش المرأة المتحضرة المتحررة-زعموا- التي يسعى المنافقون والعلمانيون، وأصحاب الشهوات عندنا أن تعيش نساؤنا وبناتنا حياة ضنكا، وأن تصطلي بنار البعد عن الإسلام، وأن تغدو معذبة محطمة تفكر في الانتحار كل يوم وتعاني صنوف القسوة كل ذلك باسم الحرية، والمساواة والتقدم والانفتاح، والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً .

 

إنها الحرية العرجاء التي ينادون بها، ويدعون إليها، يريدون إخراج المرأة من عفافها، من شرفها، من دينها، من مملكتها الأسرية، وجنتها الزوجية، مدعيين أنها في سجن، وأن جلبابها هو خيمة سوداء ترتديها، وأنها جاهلة ومتخلفة، ولن تعرف العلم حتى تلحق بركاب المرأة الغربية، وتحذو حذوها: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)[الكهف: 5].

 

نفعني الله ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: لقد أخذت الأرض زخرفها وزينتها وظن أهلها أنهم قارون عليها، وانصرف الناس عن دينهم إليها، وانقادوا لغرورها وافتتنوا بحضارة الغرب، وزخارف الشرق، وصادف هذا كله غفلة دعاة الحق، لكن أعداء الإسلام لم يغفلوا عنا، فحملوا بخيلهم ورجليهم، وجردوا الحملات المسلمة بسهام الشهوات وسموم الشبهات لتعيث في قلوب المسلمين فساداً، وتجرس خلال ديارهم، لتسلخهم من دينهم الحق الذي ارتضاه الله لهم.

 

وقد كان هؤلاء الأعداء خبثاء ماكرين في حربهم إذ تفرسوا في أسباب قوة المسلمين وحددوها، ثم اجتهدوا في توهينها وتحطيمها بكل ما أوتوا من مكر ودهاء.

 

علموا أن المرأة من أعظم أسباب القوة في المجتمع الإسلامي، وهم يعلمون أنها سلاح ذو حدين، وأنها قابلة؛ لأن يكون أخطر أسلحة الفتنة والتدمير، ومن هنا كان لها النصيب الأكبر من حجم المؤامرات على تمزيق الأمة، وتضييع طاقاتها.

 

إن المرأة تملك مجموعة من المواهب الضخمة الجديرة بأن تبني أمة، وأن تهدم أمة؛ فعن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتن بني إسرائيل كانت في النساء".

 

وعن أسامة بن زيد وسعيد بن زيد -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء".

 

أيها الأحبة: إن كل امرئٍ عاقلٍ، بل كل شهم فاضل لا يرضى إلا أن يكون عرضه محل الثناء والتمجيد، ويسعى ثم يسعى ليبقى عرضه حرماً مصوناً لا يرتع فيه اللامزون، ولا يجوس حماه العابثون.

 

إن كريم العرض ليبذل الغالي والنفيس للدفاع عن شرفه، وإن ذا المروءة الشهم يقدم ثروته ليسد أفواهاً تتطاول عليه بألسنتها، أو تناله ببذيء ألفاظها.

 

نعم، إنه ليصون العرض بالمال، فلا بارك الله بمال لا يصون عرضاً.

 

بل لا يقف الحد عند هذا فإن صاحب الغيرة ليخاطر بحياته ويبذل مهجته، ويعرض نفسه لسهام المنايا عندما يرجم بشتيمة تلوث كرامته.

 

يهون على الكرام أن تصان الأجسام لتسلم العقول والأعراض، وقد بلغ ديننا في ذلك الغاية حين أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من قتل دون أهله فهو شهيد".

 

أيها الإخوة: بصيانة العرض وكرامته يتجلى صفاء الدين، وجمال الإنسانية، وبتدنسه وهوانه ينـزل الإنسان إلى أرذل الحيوانات بهيمية.

 

يقول ابن القيم -رحمه الله-: "إذا رحلت الغيرة من القلب ترحَّلت المحبة، بل ترحل الدين كله".

 

ولقد كان أصحاب رسول الله من أشد الناس غيرة على أعراضهم؛ روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال يوماً لأصحابه: "إن دخل أحدكم على أهله ووجد ما يريبه أَشْهَدَ أربعاً" فقام سعد بن معاذ متأثراً، فقال: يا رسول الله: أأدخل على أهلي فأجد ما يريبني انتظر حتى أشهد أربعاً؟ لا والذي بعثك بالحق!إن رأيت ما يريبني في أهلي لأطيحنَّ بالرأس عن الجسد، ولأضربنَّ بالسيف غير مصفح، وليفعل الله بي بعد ذلك ما يشاء؟فقال عليه الصلاة والسلام: "أتعجبون من غيرة سعد؟والله لأنا أغير منه، والله أغير مني؛ ومن أجل غيرة الله حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن..."[والحديث أصله في الصحيحين].

 

من حُرم الغيرة حرم طُهر الحياة، ومن حرم طُهر الحياة فهو أحطُّ من بهيمة الأنعام، ولا يمتدح بالغيرة إلا كرام الرجال وكرائم النساء.

 

إن الحياة الطاهرة تحتاج إلى عزائم الأخيار، وأما عيشة الدَّعارة فطريقها سهل الانحدار والانهيار، وبالمكاره حفت الجنة وبالشهوات حفَّت النار.

 

أيها الإخوة: إن الأسف كل الأسف، والأسى كل الأسى فيما جلبته مدنية هذا العصر من ذبح صارخ للأعراض، ووأدٍ كريه للغيرة؛ تعرض تفاصيل الفحشاء من خلال وسائل نشر كثيرة، بل إنه ليرى الرجل والمرأة يأتيان الفاحشة، وهما يعانقان الرذيلة غير مستورين عن أعين المشاهدين، لقد انقلبت الحال عند كثير من الأقوام، بل الأفراد والأسر حتى صار الساقطون الماجنون يُمثلون الأسوة والقدوة وسامَ افتخارٍ وعنوان رجولة.

 

هل غارت من النفوس الغيرة؟ وهل غاض ماؤها؟ وهل انطفأ بهاؤها؟ هل في الناس دياثة؟ هل فيهم من يقر الخبث في أهله؟

 

ما هذا البلاء؟كيف يستسيغ ذوو الشهامة من الرجال، والعفة من النساء لأنفسهم ولأطفالهم، لفتيانهم ولفتياتهم هذا الغثاء المدمر من ابتكارات البث المباشر، وقنوات الفضاء الواسع؟أين ذهب الحياء؟ وأين ضاعت المروءة؟ أين الغيرة من بيوت هيأت لناشئتها أجواء الفتنة، وجرتها إلى مستنقعات التفسخ جراً، وجلبت لها محرضات المنكر تدفعها إلى الإثم دفعاً، وتدعُّها إلى الفحشاء دعّاً؟.

 

اطلعت امرأة شريفةٌ على الخمر، ثم سألت: هل تشرب هذا نساؤكم؟ قالوا: نعم، قالت: يزنين ورب الكعبة!.

 

أيها الإخوة: إن طريق السلامة لمن يريد السلامة-بعد الإيمان بالله ورحمته وعصمته- ينبع من البيت والبيئة، فهناك بيئات تنبت الذل، وأخرى تنبت العز، وثمة بيوتات تظلها العفة والحشمة، وأخرى ملؤها الفحشاء والمنكر.

 

لا تحفظ المروءة ولا يسلم العرض إلا حين يعيش الفتى، وتعيش الفتاة في بيت محتشم محفوظ بتعاليم الإسلام وآداب القرآن، ملتزم بالستر والحياء، تختفي فيه المثيرات وآلات اللهو المنكر، يتطهر من الاختلاط المحرم، وفي مقدمة هذا كله الحجاب الشرعي، قال الله -تعالى-: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: 33].

 

اللهم...

 

 

المرفقات

تبرجن

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات