عناصر الخطبة
1/مكانة بلاد الحرمين وفضلها 2/ معاناة بلادنا ليس بدعا عن معاناة العالم بأسره 3/ وقفات حول ما بعد حادثة الرياض 4/ واجب العلماء والمفكرين نحو الضالين وشبههم 5/ مناهجنا الإسلامية ليست سبباً للإرهاباهداف الخطبة
تبيين وقفات مهمة للناس إزاء تفجيرات الرياض / تنبيه العلماء والمفكرين إلى أهمية فتح قلوبهم لأسئلة الضالينعنوان فرعي أول
الامتحانَ الحقيقيّعنوان فرعي ثاني
معنى الإرهابعنوان فرعي ثالث
السؤال الذي ينبغي إثارتهاقتباس
وعلى الرّغم من جلاء هذه المفاخر وبروز هذه النِّعم وثباتِ هذه المبادئ فإنّ هذه البلادَ ليست بدْعا من بلاد العالم ودياره، فهي تُبتلى كما يبتَلى غيرها في عالمٍ واسعٍ تقارَبَ وانحصَر بتشابُك اتّصالاته وتنوّع مواصلاته وتعدُّد وسائل إعلامه وفضائياتِه وشبكات معلوماتِه. إنّها ليست بمعزلٍ عن العالم ..
أما بعد: فأوصيكم -أيّها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله جميعًا رحمكم الله، كم من نعمٍ أنعم بها علينا، وكم من فضل ساقه الله إلينا، هدانا في ديننا، وسلَّمنا في أبداننا، أحيانا مسلمين، وأنشأنا في قومٍ صالحين، فاصرفوا نِعمَ مرضاته لتكون عونًا لكم على طاعته وبلاغا إلى جنَّته، واشغلوا أوقاتكم طاعةً وقربى، ولا تتَّخذوا دينَكم لهواً وهزوًا ولعبًا.
أيها المسلمون: الصبيان والصغار والعابثون يرمون عاليَ الشجر؛ من أجل إسقاط يانِع الثمَر، وبلادنا وديارُنا كنزُ الكنوز بدينها ومقدَّساتها، وثروة الثروات في قيَمها ورجالها، وإنّها لعالية القدر في مقامها، ويانعة الثمَر في منجزاتها، وبساطُ الأمن الممدود يستفزّ قلقَ المرجفين، والقوةُ والتماسك بيننا يزعِج نفوسَ الطامعين والحاقدين، والاعتماد على ربِّ هذا البيت يردُّ عنّا كيدَ الكائدين، وحفظُ الله ثمّ حكمةُ ولاة الأمر فينا تخيِّب ظنونَ المتربّصين.
هذه البلاد قاعدةُ الإسلام وحصن الإيمان ومعقِل الدعوة.
القرآن تنزّل في عرصاتها، والرسول محمد بُعِث مِن بطاحها.
دولةٌ تلتزم بالإسلام، تأخذ به في عقيدتها، وتترسّمُه في تشريعها، وترفعه في رايتها "لا إله إلا الله، محمد رسول الله". تأخذه أخذَ تشريف وتكليف، شرّفها ربُّها بالولاية على الحرمين الشريفين، وأكرمها وأعزّها بخدمتِهما ورعايتهما، نسأل الله الكريمَ ربَّ العرش العظيم أن يحييَنا على الإسلام، وأن يتوفّانا على الإيمان، وأن لا يزيغ قلوبَنا بعد إذ هدانا، (رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ الظَّلِمِينَ وَنَجّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَفِرِينَ)[يونس:85-86].
وعلى الرّغم من جلاء هذه المفاخر وبروز هذه النِّعم وثباتِ هذه المبادئ فإنّ هذه البلادَ ليست بدْعا من بلاد العالم ودياره، فهي تُبتلى كما يبتَلى غيرها في عالمٍ واسعٍ تقارَبَ وانحصَر بتشابُك اتّصالاته وتنوّع مواصلاته وتعدُّد وسائل إعلامه وفضائياتِه وشبكات معلوماتِه. إنّها ليست بمعزلٍ عن العالم، وحادثُ التفجير الآثِم الذي وقع في مدينة الرياض عاصمةِ البلاد الغالية نوعٌ من هذا الإجرام والابتلاء الذي يتَّسم بالتّخطيط وتوزيع المهمَّات.
يُقال ذلك ليسَ استسلامًا للمعتَدين ولا عجزًا عن اتِّخاذ المواقف الصّارمة الحاسمة، ولكنّه تقريرُ واقع وبيان موقِف نحوَ مَن يقترفها ويروّجها ويربِّي عليها أفرادًا وجماعات، يريد أن يجعَلها بقوَّة الثوابِت والمعتقدات.
إنّ الامتحانَ الحقيقيّ والبراعة الفائقة ليس في وقوع حوادث العُنف المدبَّرة المدمِّرة، فهذا شيء لا يُستبعَد في أيِّ زمان أو مكان وعلى أيّ شعب أو منطقة، ولكنّ البراعةَ والامتحان يكمُنان في مواجهة النتائج وصحّة المواقِف وأثرِ ذلك كلِّه على النّاس والمجتمع، وذلك يحتاج إلى وقفاتٍ وتأمّلات.
فأوّل هذه الوقفات والمواقف تجريمُ الحدَث، فهو اعتداء وعدوانٌ وقتلٌ وترويع وتدمير وخراب، إزهاقٌ لنفوسٍ محترمَة وسفكٌ لدماء معصومة، إنّه مسلك رخيصٌ فاضح لكلّ من يحترم آدميّتَه وإنسانيّته، فضلا عن أن يحترم دينَه وأمانته. شذوذٌ وعدوان وإجرام دافعُه استِبطان أفكار مُضلِّّلة وآراء شاذّة ومبادئ منحرفة، في خطواتٍ تائِهة ومفاهيم مغلوطة.
أيّ قبولٍ لناشري الفوضى ومُهدِري الحقوق ومرخِصي الدّماء والنفوس؟! وقد جمع هؤلاء -عياذًا بالله- بين قتلِ النّفوس المحرّمة وقتل أنفسهم، وفي الحديث الصحيح: "لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حرامًا"، وفي التنزيل العزيز: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْونًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [النساء:29-30].
ومِن بعد ذلك وقفةٌ عن الإرهاب في معناه ومفهومِه، الإرهابُ كلمة وسلوك يتوجّه إلى تخويف النّاس بالقتلِ والخَطف والتخريب والنّسف والتدمير والسّلب والغصب والزعزعة والتّرويع والسّعي في الأرض بالفساد والإفساد. الإرهابُ إزهاقٌ للأروَاح وإراقة للدّماء المعصومة بغيرِ سببٍ مشروع.
إنّ أساليب العُنف ومسالكَه من تفجير وتدمير وسطوٍ ونسف لا تهزم القيَم الكبيرةَ، ولا تقوِّص المنجزاتِ السامِقة، لا تحرِّر شعبًا، ولا تفرِض مذهبًا، ولا تنصُر حِزبًا..
إنّ العنفَ والإرهاب لا يمكِن أن يكونَ قانونًا محترمًا أو مسلكًا مقبولاً، فضلا عن أن يكونَ عقيدةً أو دينًا.
العنفُ والإرهاب لا يحمِل مشروعًا غيرَ التخريب والإفساد.
الإرهاب لم يفلح في أيّ مكان من العالم في تحقيق أهدافه، بل إنّه يقضي على أصحابه.
الإرهاب لن يغيِّر سياسة، ولن يكسبَ تعاطفًا، بل يؤكِّد الطبيعةَ العدوانية والروحَ الدموية لتوجّهات أصحابه الفكرية.
الإرهاب لا يعرف وطنًا ولا جنسًا ولا زمانًا ولا مكانًا، والمشاعر والعقول كلُّها تلتقي على استنكاره ورفضه والبراءة منه ومن أصحابه، ومن ثَمَّ فإنّه يبقى علامةَ شذوذ ودليلَ انفراد وانعزالية.
الإرهاب يورث عكسَ مقصود أصحابه، فيقوى التماسكُ الشرعيّ والسياسيّ والاجتماعيّ في الأمّة المبتلاة، والمجتمع لن يسمحَ لحفنة من الشاذّين أن تمليَ عليه تغييرَ مساره أو التشكيك في مبادئه ومُسَلَّماته.
وهنا تأتي الوقفة الأخرى -أيّها المسلمون-: ذلكم أنَّ الناظر والمتأمِّل ليقدِّر هذه الوقفة الواحدةَ التي وقفتها الأمّة ضدّ هذا التصرّف المشين والعمل الإجراميّ الآثم، لقد وقفت الأمّة صفًّا واحدًا خلفَ قيادتها وولاة أمرها تستنكر هذا العملَ وتدينه ولا تقبل فيه أيَّ مسوِّغ أو مبرِّر، وتتبرّأ من فاعليه، والأمّة مؤمنةٌ بربّها، متمسّكة بدينها، مجتمِعة حولَ ولاةِ أمرها، محافظة على مكتسباتها، وكلّنا -بإذن الله- حرّاسٌ للعقيدة حماةٌ للديار غيارى على الدين غيارى على الحرمات، فيجب على من علِم أحدًا يُعِدّ لأعمالٍ تخريبيّة أن يبلِّغَ عنه، ولا يجوز التستُّر عليه.
كما أنّنا جزءٌ من هذا العالم نُسهِم في بنائِه على الحقّ والعدل، ونحافِظ على منجزاتِ الخير فيه لصالح الإنسانية وسلامتِها حسبَ توجيهات شرع ربّنا، وهذه البلاد لن تهتزَّ -بإذن الله- من أيّ نوع من التهديد أو الابتزاز الذي يحاول النيلَ من ثوابتِها الإسلامية وسياستِها وسيادتها، وإنّ الأمةَ والدولة واثقة من خطوِها ثابتة على نهجِها في شجاعةٍ وصبرٍ وحِلم وتوازن وبُعدٍ في النّظر والرّوية، وهذا محلّ الوقفةِ التالية.
أيّها المسلمون: إنّ كيانَ هذه الدّولة قام واستقام على قواعدَ ثابتة وأصولٍ راسخة من الدين والخِبرة والعلم والعمل، جهودٌ جبّارة في التأسيس والبناء لا يمكِن هزّها، فضلاً عن تقويضها بمثلِ هذه التصرّفات غيرِ المسؤولية.
إنّه كيانُ دولة يعكس نهجَ أهله في الجمع بين المحافظةِ على دين الله في عقائده وشعائره مع ما يتطلّبه الوقتُ من تحديثٍ مشروع في التّربية والتّعليم والاقتصاد والاجتماع والتخطيط وصنع القَرار.
إنّ دولةً هذا شأنُها وهذه خصائصُها لا يصلح لها ولا يناسبها الخلطُ بين الإسلام الحقّ وبين الانحراف باسم الإسلام، كما لا تقبَل أن يُضربَ الإسلام أ ويُنتقصَ بحجّة وجود بعض الغلاة.
إنّ منهجَها وقفُ السلوك الشاذّ؛ ليبقى الإسلام الحقُّ الأقوَم، وهذه الأحداثُ تبقى في دائرة شذوذِها، وليطمئنّ أهل البلاد والمقيمون فيها على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وحقوقِهم.
وأهلُ هذه البلاد وكلّ محبٍّ لها يتطلّع إلى المزيد من الاستمساك بدين الله والمزيد من الدّعم للدين وأهلِه والعلم الشرعيّ ورجاله والحِسبة وهيئتِها وكلّ عامل مخلص من أيّ موقعٍ وفي أيّ مِرفق في شأن المجتمع كلِّه.
أمّة الإسلام: وثمَّةَ وقفةٌ أخرى يحمِلها ويتحمَّلها أهل العلم والرأي، إنّنا نحتاج إلى فتح أبوابِ الحِوار الصريح الشفّّاف، يقوده علماؤنا في حوارٍ بنَّاء.
إنّ العدلَ في الحوار يتطلّب شفافيّة ومصارحةً ومصداقيّة من جميع الأطراف حتى تصِل الأمّة جميعًا بأبنائها إلى ساحة الأمنِ الفكريّ الوسط في التديّن والمنهَج والخطاب.
وإنّ المسؤوليةَ في ذلك كبيرة، إنّها توعية الناشئة وتبصيرهم بما يحميهم من التخبّط في أوحالِ الدعوات المضلِّلة والعصابات المنحرِفة.
ينبغي أن لا تضيقَ صدور العلماء الأجلاّء بأسئلة السائلين مهما تكن في نوعيتِها ومظهرها وأسلوبِها ودلالاتها؛ حتّى يزول اللّبس عن الأذهان، ويرتفِعَ الحرج من النفوس، ويكون التقارب والقبول والاستيعاب، تسلُّحٌ من قِبل أهلِ العلم بسلاح الصّبر في الإفهام؛ من أجل تنقية العقول من اللَّوَث وغسلِ الأفكار من الدّرَن، لا بدّ من توسيع دائرةِ الاتصال والثّقة المتبادَلة بين الناشئة والعلماء والمربّين والموجِّهين، والبُعد عن التجهّم لأسئلتِهم أو تجاهل استفساراتهم مهما بدَا من غرابتِها أو سذاجتها أو سطحيَّتها أو خشونتِها أو خروجها عن المألوف.
فالأمور لا تعالَج بالازدراء والتنقّص والتهوين من الأحداث أو الأشخاص، كما لا تعالَج بالتسفيه والهجوم المباشِر من غير إظهارٍ جليّ للحجة والغوص في أعماق المشكِلة.
والشبابُ إذا ابتعد عن العلم الصّحيح والعلماء الراسخين ولم يتبيّن له رؤيةٌ واعيَة تتزاحم في فكره خطراتٌ نفسيّة وسوانح فكريّة، يَختلط عنده فيها الصواب بالخطأ والحقّ بالباطل.
لا بدّ أن تتَّسع الصدور للحوار الهادِئ وقبول النقدِ الهادف واستيعاب الآراء واحترامها.
يجب الاهتمامُ بالناشئة والشباب وتلمّسُ احتياجاتهم وهمومِهم واهتماماتهم، فليس همّهم مقصورًا على رياضةٍ أو ترويح بريء، ولكنّه الاهتمام بصلاح المعتَقَد وسلامة الفِكر وإشباع الرّغبات في الإبداع والثقافة الصحيحين وصنوف المناشط للأعمال التي يتطلّع إليها ويتوق إليها في ضوابطها الشرعيّة.
ومِن بعد علماءِ الشّرع يأتي المفكّرون في هذه البلاد والمثقَّفون، فلهم رسالتهم الخاصّة، والميزةُ المتميّزة تنبع من انتسابهم لدين الله ومبادئه وخصوصيّة الدولة في الحكم والتحاكم ونظام الدّولة ورعاية الحرمَين الشريفين وقيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه المبادئ الراسخة التي تقوم عليها وتتبنّاها وتعتزّ بها وتفاخِر، هذا كلّه يدعو الإخوةَ المثقَّفين والمفكِّرين إلى النظر في مصادر التلقي؛ من أجل تنقيَتها ممَّا يتعارض مع شرع الله ليبقى ما ينفع النّاس ويذهبَ الزّبد جفاءً.
نَعَم أيها الإخوة: فعلى الرّغم من قوّة تمسُّكنا بثوابتنا وصلابتِنا في ديننا بحول الله وقوّته فإنّنا نسير في طريق الإصلاح ونقدِ الذات ومراجعةِ شأنِنا كلِّه، في ولاءٍ لله ولرسوله ثمّ لولاة أمرنا، وإخلاصٍ لديننا وأمّتنا ووطننا.
وبعد: أيّها الإخوة: فإنّ التوجُّه المستنير المحترَم لا بدّ فيه من اجتناب الخَلط بين الإسلام الحقِّ ومفاهيم التنطُّع والغلوّ.
الغلو يُدفَع بنشر العلمِ الصّحيح والفهمِ المستقيم، يعالَج بكلام الله وكلام رسوله وفهم السّلف الصالح.
حفِظ الله على هذه البلاد دينَها وأمنَها، وردَّ عنها كيدَ الكائدين وحِقد الحاقدين، وزادها تمسُّكًا واجتماعًا وألفةً واتِّحادًا، وأصلح أحوالَ المسلمين في كلّ مكان، إنّه سميع مجيب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَسِقُونَ * وَأَقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَاتُواْ الزَّكَوةَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [النور:55- 56].
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم وبهدي محمّد ، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له قيّوم السموات والأرضين، وأشهد أن سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله، خاتم الأنبياء والمرسلين، وقائد الغرّ المجَّلين، صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغرّ الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- ما استطعتم، وتدارَكوا بالتوبة النصوحِ ما فرَّطتُم.
أيّها المسلمون: ليس من الموضوعيّة ولا مِن الإنصاف القولُ بأنّ مناهجَ التعليم ووسائل الدّعوة هي السبب في انحراف بعضِ الفئات، فالمناهجُ والدّعوة تطبَّق وتمارَس منذ قيام هذه الدولة المبارَكة، تخرّج منها كلّ من يسير على أرض هذه البلاد من شبابٍ وكهول بنينَ وبنات، من علماء ومفكّرين وأطبّاء ومهندسين ومثقَّفين ومؤرِّخين على مختلف الميول والثّقافات والأطياف الفكريّة، فلماذا تُخصُّ فئة بعينها بأنّها وحدَها المتأثّرة بالمناهج؟!
إنّ ما تعيشه بعض الفئات من غلوّ أو جفاء هو شيء حديثُ النشأة وليد الحدوث، ولكن السؤال الذي ينبغي إثارته: لماذا اختلفوا في اتجاهاتِهم الفكريّة والثقافيّة مع أنّهم درسوا منهجًا واحدًا؟
والجواب أن هناك مؤثِّراتٍ غير المناهج أنتجت غلوًّا لدى فئات كما أنتجت جفاءً لدى فئات أخرى.
والسؤال مرّة أخرى: ما الذي أدَّى إلى اختلاف الرؤى والاتجاهات؟ والإجابة على هذا السّؤال كبيرة وواسعة، وهو الذي يجِب أن يُبحَث فيه وتوجَّه له مراكز البحوث وعقول العلماء والمفكّرين.
أيّها المسلمون: إنّنا مطمئنّون بإذن الله أنّ بلادنا موطنُ مروءة ورجاحةِ العقل وأصالة الرأي والقاعدة الصلبة في الأمن والاستقرار والثقة، وهذه الأعمال المجرِمة الآثمة لن تؤثِّر -بإذن الله وحولِه وقوّته- على استقرارِنا وازدهارنا، فلسنا وحدَنا من يتعرّض لهذه الأعمال الإرهابيّة الإجراميّة، ولهذا يجِب أن لا يبالغَ في التحليل فيظنَّ ظانّ أنّ هذه الفئةَ الضالّة الشاذّة قادرةٌ على تقويض أسُس مجتمعنا والراسخ من ثوابتِنا في ديننا وقيَمنا، كلا -بإذن الله-، مع وجوب التصدّي لها والوقوف صفًّا واحدًا في رفضها ومقاومتها وردّ الشاذّ إلى جادّة الصواب.
وبعد: فليهنَأ أهلُ الفضل والصلاح بدينهم في ديار المقدّسات، ولتهنأ الدولة -حفظها الله - برجالِها الفضلاء العقلاء، ولتطمئنّ الأمّة -بإذن الله- إلى وعي ولاةِ الأمور ويقظتِهم في مواقف لا يُقبل فيها إلا الحزم والحسم والعدل.
سدّد الله الخطى، وبارك في الجهود، وحفِظ علينا دينَنا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتَنا التي إليها معادنا، وجعل الحياة زيادةً لنا في كلّ خير، والموتَ راحةً لنا من كلّ شر، وأحسن عاقبتَنا في الأمور كلّها، إنه سميع مجيب.
هذا، وصلّوا وسلِّموا على النبيّ المصطفى والخليل المجتبى نبيّكم محمّد نبيّ الهدى، فقد أمركم بذلك المولى جلّ وعلا فقال قولا كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وعلى آله وأزواجه، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم