وقفات مع التطرف

عمر القزابري

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ الميزان الشرعي لفهم الحق والباطل 2/ الإسلام بريء من كل تجاوز وظلم 3/ لماذا يسارعون إلى اتهام الإسلام؟ 4/ معاني التطرف في الشرع 5/ الرد على بعض الشبهات المثارة.

اقتباس

لماذا كل ما أقدم أغرار جهَّال على عمل مخالف لروح الإسلام يُتَّهَمُ الإسلامُ؟ لماذا؟! أو ليست مبادئ الديانة تُؤخَذ من مصادرها, فلنرجع إلى مصدرنا كتاب وسنة رسوله، ولننظر فيهما هل فيهما تجويز لسفك الدماء؟ لا وألف لا. إذا فليحملْ جريرة الفعل مُرتكِبه ولتُتْرَك ديانته. لو أخذ مسلم ذات الشمال، وارتكب معصية كشذوذ أو شرب خمر أو فساد في الأرض، هل نلوم الفاعل أم نلوم دينه؟ فكما أن الإسلام لا يجوِّز الشذوذَ والربا والخمر والفساد، وما سوى ذلك من الموبقات؛ فإنه لا يُجيز كذلك قتل الأبرياء وسفك الدماء، فلماذا الاجتراء؟!

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى، والمختص بالملك الأعز الأحمى، الذي ليس من دونه منتهى ولا ورائه مرمى، الظاهر لا تخيلاً ووهمًا، الباطن تقدسًا لا عدمًا.. وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وأسبغ على أوليائه نعما عُما، وبعث فيهم رسولاً من أنفسهم عربًا وعجمًا، وأذكاهم محتدًا ومنما، وأشدهم بهم رأفة ورحمة حاشاه ربه عيبًا ووصمًا وذكاه روحًا وجسمًا وآتاه حكمة وحكمًا، فآمن به وصدقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسمًا، وكذّب به وصدف عنه من كتب الله عليه الشقاء حتمًا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى.. صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا..

 

 معاشر الصالحين: إن الإسلام يمنح المتعاطي معه بحقٍّ بصيرةً بمثابة مرآة الحقائق ينظر من خلالها إلى الأشياء من حوله فيميز صالحها ممن طالحها، وذلكم هو فرقان الصدق الممنوح من ربنا لكل من تحقق بشرط التقوى.

 

قال تعالى (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال:29]، يجعل لكم فرقانًا؛ فرقان حق تذوب أمامه كل محاولة التمويه، وتسقط عنده كل صور التشويه، والاغتراف من بحر الحقائق هذا لا بد له من وصل يضمن الاستمرار، ويعين على استخراج الأسرار، ويمنح العبد ملكة الاقتدار، وخصيصة اقتباس الأنوار؛ لأنها آثار الوصال عندما تتشرد الجوارح من أغلال الاسترقاق، وتنطلق الروح سائحة في آفاق المعاني الرقاق تفهم المقاصد وتلم الشتات الشوارد إنها نورانية الجوارح المتصلة بالله، والمتقلبة في رياض الأنس قيامًا بالفرض وتزكية بالنفل، وتحقيقًا للقرب بوسم الحب وتلك فراسة الفهم التي هي أثر من آثار دنو الروح من سدرة منتهى المعارف والوقوف على تلك المشارف.

 

إن التقوى هي منصة الانطلاق ومعراج الانعتاق، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) [الأنفال:29]، هذا النور هو جائزة الحب وثمرة القرب وهو سفينة النجاة في خضم أمواج  متلطمات، هذا النور هو واهب السكينة وحادي الروح إلى حدائق الطمأنينة، هذا النور هو المحقق لملكة الفصل بين الجد والهزل بين الكريم والنذل الذي يكشف أن يحاول اقتحام الأسوار وإطفاء الأنوار.

 

هذا النور هو الذي يخرج من حيرة قيل وقال إلى صائب الرأي، وفصل المقال، هو المخلص من ذل الخضوع لكل إرجاف والترويج لكل إسفاف.

 

هذا النور الذي يناديك في غمرة الحيرة وفي خضم الهرج والمرج يناديك قائلاً: هذا الحق فلا تتبع أهواء الذين لا يعلمون، هذا الصدق فلا يستخفنك الذين لا يوقنون.

 

فتتحرر ساعتها من قتام الأوهام لتسبح في أنوار الإلهام، وتزن الأمور بميزان صدق لا يعرف الاختلال، إنها البصيرة التي تولد الثبات، وتمنح اليقين، وتنجي من إعصار الإمعية الذي يسلخ الإنسان من فكره من إرادته من إنسانيته من استقلاليته ليرمي به في أرضية التغريب، ويطوح به في سراديب الخور ليصبح غدًا يردد ما يملى عليه ويصدق ما يعرض عليه دون أن يسمح له أن يستعمل عقله وفكره إنه السلب الكامل، سلب الإرادات أمام زخرف الترغيب أو سيف الترهيب.

 

أيها الأحباب: كثر الحديث عن التطرف ولا بد للمسلم الراشد أن يعرض كل ما يعترضه على ميزان الإسلام؛ الذي هو ميزان الحق والعدل، والتعريف أيها الأحباب والتوصيف يعين على التوصل إلى النظرة الصائبة، وتعريف التطرف هو الوقوف في الطرف، يعني ترك الوسط والوقوف في أحد الطرفين إما أقصى اليمين وإما أقصى اليسار.

 

أولاً: يجب أن نتفق على شيء مهم ما هو هذا الوسط، والذي تعتبر الحيدة عنه إما إلى اليمين أو اليسار تطرفًا لا يخامرني أدنى شك أنه هو الإسلام.

 

ويكفي أن نقول: الإسلام من غير أن نقول الإسلام المتشدد أو المعتدل؛ لأنه لا يوجد إلا إسلام واحد لا يتجزأ، وإنما مرد التشدد والغلو والانفراط إلى عدم فهمه وتشرب مقاصده ومراميه، إذاً الخلل في التعاطي لا في المتعاطى معه.

 

إذا اتفقنا أن الإسلام هو الوسط في أحكامه، في تشريعاته، في مقاصده، فيجب علينا ساعتها أن تحتكم إليه لا أن نحكم عليه.

 

هل الإسلام يجيز قتل الأبرياء؟ لا وألف لا، الإسلام لا يجيز قتل الأبرياء، سواء في فرنسا أو سوريا أو بورما، أو العراق أو ليبيا، أو غيرهم، والنصوص في هذا الباب معروفة سليمة صحيحة صريحة.

 

إذاً من أتى شيئًا من هذه الأمور فالخلل فيه لا في الإسلام، فلماذا كل ما أقدم أغرار جهَّال على عمل مخالف لروح الإسلام يُتَّهَمُ الإسلامُ؟ لماذا؟!

 

أو ليست مبادئ الديانة تُؤخَذ من مصادرها, فلنرجع إلى مصدرنا كتاب وسنة رسوله، ولننظر فيهما هل فيهما تجويز لسفك الدماء؟ لا وألف لا، ولا أي دين يجيز قتل الأبرياء.

إذا فليحملْ جريرة الفعل مُرتكِبه ولتُتْرَك ديانته.

 

لو أخذ مسلم ذات الشمال، وارتكب معصية كشذوذ أو شرب خمر أو فساد في الأرض، هل نلوم الفاعل أم نلوم دينه؟ فكما أن الإسلام لا يجوِّز الشذوذَ والربا والخمر والفساد، وما سوى ذلك من الموبقات؛ فإنه لا يُجيز كذلك قتل الأبرياء وسفك الدماء، فلماذا الاجتراء؟!

 

لماذا عندما يرتكب جهالٌ عملاً إجراميًّا جبانًا يُلام الإسلامُ وعندما تُرتكب الفواحش وتؤتى المحرماتُ يُقال حرية شخصية؟!

 

إنه المكر، فالإسلام كما حرَّم القتل والتفجير والترويع؛ فإنه حرَّم الفحش والتمييع (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) [البقرة: 85].

 

فقتل الأبرياء كما المحرمات والمعاصي كل ذلك يعتبر تطرفًا في ميزان الإسلام، طبعًا تتفاوت الجرائم في خطورتها في نظر الإسلام، فكلما كان الذنب متعديًا كقتل الأنفس البريئة أو نشر الفساد، أو الدعوة إلى الإلحاد والبغي والعناد كان وقعه أخطر وعذابه أشد، فلا تطعنوا في الإسلام إن كنتم تبغون الرشد، ولا تتهموه مما هو منه براء فالإسلام يحرم قتل الحيوان فما بال الإنسان؟!

 

وأخبرتنا نصوص ديننا أن امرأة حبست هرة لم تطعمها ولا تتركها تأكل من خشاش الأرض فدخلت النار، وأن بغيًا من بغايا بني إسرائيل سقت كلبًا في يوم حارّ فدخلت الجنة.

 

أيها الأماجد: لولا أن التطرف والإرهاب يعلق بدينٍ ما بسبب سفك المنتسبين إليه الدماء؛ لما كان الإسلام أبداً مستحقّاً لهذا النعت، فالذي قتله أبناء الديانات الأخرى أكثر بأضعاف كثيرة مما قتله بعض المنتسبين إلى الإسلام، فلماذا الإسلام وحده هو الذي يُذكَر في باب التطرف ولا يُذكَر غيره؟!       

 

إن الحقد عندما يجد تكأة يتكأ عليها وحدثًا يُركب عليه ليصل إلى مبتغاه، والغرابة تزداد عندما ننظر فنجد بعض بني الإسلام يعزفون على نفس الوتر، ويسلكون نفس المسلك، ويتمنون نفس الطرح، ويتهمون الإسلام، ويقتطعون نصوصًا من سياقها ويحملون آمالاً لا تحتمل دون أن يجولوا نظرهم في نصوص الدين، وبعضهم يعرف الحقيقة، ولكنه يتجاهلها؛ لأن العبد إذا سِيق من بطنه عطّل عقله، وانطلق في سراديب التزوير والتحوير.

 

هل يتهم دين نبيه سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بأنه دين عنف وسفك وقتل! إنها الانتكاسة، انتكاسة الضمير، إنه التخلف المعيب في الوعي، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

جعلني الله وإياكم ممن ذُكر فنفعته الذكرى، وأخلص لله عمله سرًّا وجهرًا آمين، آمين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي أكرمنا بدين الإسلام، وجعله دين الأمن والأمان، والصلاة والسلام على إمام الورى وسيد الأنام سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- رحمة الله المهداة، ونعمته المسداة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن صار على نهجه ودربه إلى يوم الدين.

 

معاشر الصالحين: ومن العجائب، والعجائب جمة، أن هناك من كل من قام أحد بهذه الأعمال الفظيعة قام ينفض تراب الذلة على رأسه، بعد أن طاله النسيان ووطأته أقدام الإقدام، وعششت في خيمته غربان الخذلان، قام ليقول: علينا أن نراجع بعض التشريعات الإسلامية.

 

ثم يدرج مثلاً مسألة المساواة في الإرث، وقضية التعدد، وغيرها من أمور الشرع!!

ما هذا الخبل؟ ما هذا الخلل والخطل؟ وما علاقة هذا بذاك؟!

 

لنبيِّن المسألة أكثر من خلال سؤال نطرحه على أولئك: هل إذا حصلت المساواة في الإرث ومُنع التعدد إذا حصل هذا، هل ستتوقف هذه الأعمال الإجرامية التفجيرية؟! فما لهؤلاء القوم لا يكادون لا يفقهون حديثًا، ما لكم كيف تحكمون؟ أملة غير الإسلام تريدون؟!

 

ويبقى السؤال: ما دخل الإسلام في هذه الجرائم؟ لماذا إلصاق هذه الجرائم بالدين؟

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى ثلاث عشرة سنة في مكة يتعرض فيها لألوان من التنكيل هو وصحبه الكرام، ولم يثبت أبداً أنهم تعرضوا لأحد وكان بإمكانهم ذلك، بل إن القرآن أمرهم بكفّ اليد وعدم التعرض للمشركين (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) [النساء: 77].

 

وعند عودته -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة فاتحًا منتصرًا لم ينصب المشانق ولم يمكن للثأر وإنما قال مقالاً ينبئ عن سموّ وعظمة رسالته "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

 

هذه سيرته -صلى الله عليه وسلم- تفوح منها رائحة الحلم والعفو، والصفح، وتعطر الدنيا بأريج الحب والصبر والرحمة (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4].

 

إن أقلام السوء تنفث السموم بالليل والصباح، وتود عنت أهل الإصلاح (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء:27].

 

إن ما حصل مؤخرًا من تفجيرات في أماكن عدة عملٌ يرفضه الإسلام، ولا نقول هذا مداراة أو خوفًا أو مداهنة، بل هي شرعة الله التي لا مكان فيها لفكر الطعن من الخلف أو الغدر.

 

علينا أن نعلم جميعًا أن الإجرام إجرامٌ سواء وقع على مسلم أو على غيره، وإذا أجرمت دول الغرب فلا نجرم نحن، وإذا ظلمت دول الشرق فلا نظلم نحن، فقيمنا مستمدة من ديننا، نتعبد الله بها، ولا نتخلى عنها؛ لأن غيرنا تخلى عن قيمه فهم ليس قدوة لنا.

 

وإليكم صورة من السيرة النبوية السيرة النبوية الشريفة تقرِّر هذا المعنى، رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو متوجه لفتح مكة امرأة مقتولة فغضب غضبًا شديدًا، وأنكر ذلك، وقال: "ما كانت هذه لتقاتل"، ثم أرسل لمقدمة الجيش فنهى عن قتل النساء والصبيان، ولم يقل أحد من الصحابة: يا رسول الله! إن قريش فعلوا بنا كذا وكذا.

 

ثم تشفّ النصوص الإسلامية في هذا الباب وترق وتسمو حتى تبلغ مبلغًا يسامي الجوزاء، ويملأ ما بالأرض والسماء، فيقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا" (رواه البخاري).

 

ويقول أيضًا في حديث صحيح: "من قتل معاهدًا في غير كُنْهِهِ حرم الله عليه الجنة" والحديث صححه الألباني، وقوله: "في غير كنهه" كُنْه الشيء حقيقته، والمقصود بالمعاهد هو غير المسلم المقيم بين المسلمين بوثيقة بضمان، وكل الذين يقيمون في بلاد المسلمين فإنهم يقيمون بضمان من الدولة، فمن عمد إليهم وقتلهم واعتدى عليهم فهو داخل في هذا الوعيد؛ كما نص بذلك أئمة الإسلام.

 

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: حدثتنا أم هانئ أنها أجارت –أمَّنت- رجلاً من المشركين يوم الفتح فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "قد أجرنا من أجرت، وأمَّنا من أمَّنت فلا يقتلنَّهما".

 

رجل من المشركين قد أعطته الأمان، وقد أصبحت دولة الإسلام قائمة، فأراد أحد من الناس أن يقتله، فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم- تخبره بذلك، فأمَّنه -صلى الله عليه وسلم- فلم يتعرض له أحد بعد ذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ولي الأمر والحاكم ورئيس الدولة آنذاك، فلما أعطى الأمان هذا المشرك لم يتعرض له أحد من المسلمين.

 

أيها الأحباب: الفتن تستقي من آبار الكدر، وتسقي قيعان لا تنبت إلا شوك التضليل والتأويل، أما منابع الماء الزلال فيقصدها المتعطشة إلى الطهور شربًا ومغسلاً الذين طابت أرض قلوبهم للقرآن، فتفتقت بكل عبير حين أصبح مخضرًّا الذين ينبعون من نهر الحب ليفيضوا منه على الناس سلسبيلاً ليرقي الأذواق ويلقح الأشواق وينشر في الناس معاني الري.

 

أما المنابع الجافة فلا تثمر زرعًا ولا تملأ ضرعًا، إنما هي قحط في قحط، قحط المباني على قحط المعاني، والوحي المطهَّر كتاب وسنة هو غيث القلوب، ومن خصائصه التطهير والتنوير والتحرير ينزل على القلب فيملأه خضرة ونضرة ويفيض منه على الجوارح مدد الإرواء فتطيب الجوارح بذلك الغيث المتدفق، وتطبع على صاحبها صفة الرحمة، وتمنحه خاصية الماء البارد السلال تطهيرًا وتنويرًا وتحريرًا وطردًا للظمأ، وحيث يكون الماء يكون الظل، فالمؤمن المستسقي والمتشبع بماء الوحي هو كشجرة باسقة الأغصان فيها الظل والثمر أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

 

وقد كان الناس قبل هذا الدين قبل أن يتعرضوا لنفخة الإيمان المزكية كانت قلوبهم موتى، وأرواحهم ظلام، ثم جاء النبي الخاتم الإمام يحمل رسالة الإحياء، فإذا قلوبهم ينضح عليها الإيمان فتهتز، وإذا أرواحهم يشرق فيها النور فتضيء فأصبحت تلك القلوب التي كانت تعاني الظلمة ممتلئة بالنور، بل أصبح النور يفيض منها فيهدي الضال، ويلتقط الشارد، ويطمئن الخائف، ويحرر المستعبد، ويكشف معالم الطريق للبشر، ويعلن في الأرض ميلاد الإنسان الجديد.

 

الإنسان الرحمة الذي يمشي بين الناس بجسده وقلبه معلَّق بالعرض يحمل همّ المسلمين، بل يحمل همّ العالمين؛ يبحث عن أسباب هدايتهم، يبكي لحال أمته يدعوهم برفق، ويدعو لهم بصدق.

 

وما أحوجنا إلى هذه النماذج المرشدة في دنيانا اليوم دنيا القتل والسفك، دنيا الدمار، دنيا التحطيم، تحطيم القيم، تحطيم الروح تحطيم الجسد تحطيم المقدرات، يجب أن تتكاتف جهود المصلحين من مسئولين وعقلاء وعلماء وحكماء من أجل رفع الحيف عن أمة الإسلام، فأمتنا غارقة في أوحال الخلافات أصبحت موضوعًا عنوانه الأشلاء والدماء والوقائع الحالية تشير إلى أن العالم يسير نحو المجهول.

 

نعم العالم يسير نحو المجهول؛ لأن صوت المصالحة غاب وحل مكانه صوت المصلحة والمصلحة مدمرة.

 

ماذا نقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي ترك لنا ميراثًا، وأمرنا بالدفاع عنه ونصره ونشره، عذرًا رسول الله على ما صرنا إليه من بعدك، تركتنا على البيضاء فأبينا إلا السواد، سواء الإحداث والابتداع، والقهر والخلاف، سواد الزيغ والانحراف وقلت لنا وقولك الصدق: "لا يزيغ عنها إلا هالك" فلا حول ولا قوة إلا بالله ..

 

 اللهم أصلح أحوالنا..

 

 

المرفقات

مع التطرف

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات