عناصر الخطبة
1/ تقوى الله خير الوصايا وأعظمها 2/ من معاني التلبية في الحج 3/ وفد الحجيج خير وفدٍ وأشرفه 4/ حقوق الحجاج على أهل هذه البلاد 5/ تحريم الإساءة إلى الحاج أو ظلمه.اقتباس
أن وفد الحجيج خير وفدٍ وأشرفه، وأحسنه وأطيبه؛ كيف لا! وهم وفد الله -جل في علاه-. روى ابن ماجة في سننه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ". وتأمل هذا الشرف العظيم الذي تبوأه حجاج بيت الله؛ أن أضافهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث إلى الله قال: "وَفْدُ اللهِ"، وهذه الإضافة يا معاشر المؤمنين تقتضي تشريف قدرهم وتعلية مكانتهم وبيان ما لهم على العباد ولاسيما أهل الحرمين من حقوق عظيمة وواجبات جسيمة...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى؛ وراقبوه سبحانه في السر والعلانية والغيب والشهادة مراقبة من يعلمُ أنَّ ربَّه يسمعُه ويراه.
واعلموا -رعاكم الله- أن تقوى الله -عز وجل- خير الوصايا وأعظمها وأجلُّ المقاصد وأكبرها، وهي وصية الله تبارك وتعالى للأولين والآخرين من خلقه، وهي وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمَّته، وهي وصية السلف الصالح فيما بينهم. جعلنا الله أجمعين من عباده المتقين وأوليائه المقربين.
أيها المؤمنون عباد الله: يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) [الحج:27-28]؛ هذا نداءٌ أمر الله -عز وجل- به خليله إبراهيم -عليه السلام-، فقام بذلك أتم قيام، وتبِعه في ذلك ابنه محمد -عليه الصلاة والسلام-؛ فدعيا إلى الحج وأبديا في ذلك وأعادا، فتحقق موعود الله -جل في علاه-؛ فتوافد الناس من كل فج وصوب ومن أقاصي الدنيا وأقاربها لأداء هذه الطاعة العظيمة وتلبية هذا النداء الكريم، وكلهم شعاره "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ"؛ أي: إننا يا الله مستجيبين لندائك ممتثلين أمرك متلقينه بالاستجابة والتلبية.
عباد الله: وها هم حجاج بيت الله يتوافدون في هذه الأيام المباركة إلى هذه البقاع الطاهرة المباركة لأداء هذه الطاعة العظيمة والعبادة الجليلة حج بيت الله الحرام؛ فيا معاشر المؤمنين لنعرف لهؤلاء الحجيج قدرهم، ولنرع لهم مكانتهم، ولندرك -يا معاشر المؤمنين- أن وفد الحجيج خير وفدٍ وأشرفه، وأحسنه وأطيبه؛ كيف لا! وهم وفد الله -جل في علاه-. روى البزار في مسنده عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللهِ؛ دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ، وَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ". وروى ابن ماجة في سننه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ".
وتأمل هذا الشرف العظيم الذي تبوأه حجاج بيت الله؛ أن أضافهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث إلى الله قال: "وَفْدُ اللهِ"، وهذه الإضافة يا معاشر المؤمنين تقتضي تشريف قدرهم وتعلية مكانتهم وبيان ما لهم على العباد ولاسيما أهل الحرمين من حقوق عظيمة وواجبات جسيمة.
فهم -يا عباد الله- وفدٌ ليسو كأي وفد، وزوارٌ ليسو كأي زوار، بل هم أشرف وفد وخير زوار. فينبغي على كل مسلم ولاسيما أهل هذه البلاد أن يرعوا لهؤلاء الحجيج قدرهم، وأن يعرفوا لهذا الوفد مكانته، وأن يعملوا على استيفاء ما لهم من حقوق وواجبات، بل وما لهم من مستحباتٍ من أبواب الإحسان وصنوف أبواب البر وهي واسعة كثيرة.
أيها المؤمنون عباد الله: وحقوق هؤلاء الحجاج على أهل هذه البلاد حقوق عظيمة يجب على كل مسلم أن يعمل على تحقيقها والقيام بها، ومن أعظم ذلكم عباد الله: أن نستشعر مكانة هؤلاء الحجاج وعليَّ منزلتهم، فهم قد تركوا أوطانهم وتجشموا الصعاب وتحمَّلوا الأتعاب وتغربوا عن البلاد ميمِّمين بيت الله، طالبين رحمته جل في علاه، راجين رضوانه وغفرانه سبحانه، منفقين في ذلك الأموال الكثيرة، ومتحملين في ذلك الأتعاب العديدة؛ فحقهم علينا يا معاشر المؤمنين أن نعرف لهم قدرهم ولاسيما أن كثيرًا منهم من كبار السن مع كبر القدر الذي هم عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا"، وكيف إذا كان اجتمع لهذا الكبير وقار الكبر ووقار الطاعة العظيمة التي جاء لأجلها والمقصد الجليل الذي أتى للقيام به.
وإذا تأملت أيها المسلم -رعاك الله- في هذا المقام ما اكتنف الحاج من أنواع الشرف شرف الزمان وشرف المكان وشرف الحال أدركت عظم المسؤولية وكبر الواجب.
أما شرف المكان: فإن الحاج قد وصلوا إلى أشرف بقعتين وأطهر مكانين على وجه الأرض.
وأما شرف الزمان: فإننا نعيش في هذه الأيام أشرف الأيام وأفضلها على الإطلاق.
وأما شرف الحال: فإن الحاج جاء متلبسًا بطاعة عظيمة وقربة جليلة وهي حج بيت الله والاعتمار.
وإذا تأملت في هذا الشرف تلو الشرف الذي يكتنف هذا الحاج أدركتَ -رعاك الله- عظم المسئولية وكبر الواجب، وإذا كانت من حقوق المسلمين عمومًا إلقاء السلام، وبذل الكلام الطيب، والملاقاة بالبشاشة والإحسان، والملاطفة والرفق والإحسان، إذا كانت هذه حقوقٌ مطلوبةٌ مع كل مسلم فإنها في حق الحاج أعظم وتجاهه ألزم.
أيها المؤمنون عباد الله: وينبغي أن يُدرَك في هذا المقام أن الإساءة إلى الحاج أو ظلمه أو الاعتداء عليه في نفسه أو ماله أو عرضه أو شيء من حقوقه ليس كالاعتداء على أي شخص آخر؛ لشرف حاله وعظم مكانته وأنه من وفد الله -جل في علاه- الذين أوجب الله سبحانه وتعالى على العباد رعاية حقهم ومعرفة قدرهم.
أيها المؤمنون عباد الله: بل أمر ينبغي أن يرعى وهو من جلائل القُرب وأعظم الطاعات في هذه الأيام المباركات؛ أن يعمل كلٌ منَّا على الإحسان لهؤلاء الحجاج، وهذا قدرٌ زائد على الحقوق الواجبة، أن يعمل قدر استطاعته بأن يحسن إلى هؤلاء الحجاج بأنواع الإحسان المتاحة له، يبذل ذلك لهم متقربًا إلى الله سبحانه وتعالى وطالبًا لرضاه جل في علاه، فإن الإحسان إليهم من أجل القرب وأعظم الطاعات في هذه الأيام المباركات.
أيها المؤمنون عباد الله: ومن عظيم المهمات في هذا المقام أن تكون القلوب تجاه هؤلاء الحجاج سليمةً عامرة بالمحبة محبة الخير لهم، وإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول في عموم المؤمنين: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" فكيف الشأن بهؤلاء الحجاج الكرام؟!
أسأل الله جل في علاه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يعْظم لهؤلاء الحجاج أجرهم، وأن ييسِّر لهم أمرهم، وأن يتقبل طاعتهم، وأن يرزقهم الرضوان والقبول، وأن يعيدهم إلى ديارهم وقد غُفرت ذنوبهم وتحققت مقاصدهم من نيل رضوان الله والفوز بجنته جل في علاه، وأن يعيننا يا معاشر المؤمنين على القيام بما لهم من حقوق وواجبات ونصح وإحسان فإنه تبارك وتعالى نعم المعين لا شريك له.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
أيها المؤمنون عباد الله: وإنَّ من واجب القول وحسَنه في هذا المقام أن نشير إلى ما تقوم به هذه الدولة المباركة من أعمالٍ عظيمة وجهودٍ جليلة وخدماتٍ متتالية رعايةً لحجاج بيت الله الحرام وعملًا على تحقيقهم لعبادتهم بيُسرٍ وأمنٍ وسهولة، وتعُدُّ هذه الدولة المباركة هذا العمل الجليل في أولى أولوياتها وفي مقدمة اهتماماتها رعايةً لحجاج بيت الله الحرام وخدمةً للحرمين الشريفين؛ فأسأل الله جل في علاه أن يزيد ولاة أمرنا توفيقًا وإحسانا ونصحًا وبذلا ورعايةً وخدمة للحرمين ولحجاج بيت الله الحرام، وأن يعينهم على ما تحمَّلوه من مسؤولية جسيمة وواجب عظيم إنه تبارك وتعالى سميعٌ قريبٌ مجيب.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، اللهم واحم حوزة الدين يا رب العالمين. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا ونائبيه لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى. اللهم اغفر ذنوب المذنبين، وتُب على التائبين، واكتب الصحة والغنيمة والعافية والأجر الموفور للحجاج والمعتمرين ولعموم المسلمين يا رب العالمين.
ربنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم