وعي الخطيب

عبدالرحمن بن زيد الزنيدي

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: تأصيل الوعي

اقتباس

خطيب الجمعة يتبوأ موقعا متميزا ؛ فهو في مقام الموجه ، والإمام ، ووارث النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقام تشريف له ؛ لكنه مقام تكليف أيضا ، وهذا التكليف يتركز بالدرجة الأولى بـ"الوعي" ، الوعي بصفته فاعلية حية متجددة ، لا بصفته إدراكا عاما لما حو له وهو ما يشترك فيه معه كل جمهوره

 

 

 

 

 

الإنسان موجود واع بطبعه ، فالوعي ليس شيئا مستقلا عنه ، أو صفة عرضية بل هو جزء من ماهيته ، وحينما قال الفلاسفة " الإنسان حيوان ناطق " وقصدوا بناطق عاقلا ؛ أي مفكرا فإنهم

 

قصدوا هذا الوعي الذي نتحدث عنه ، ولهذا إذا فقد الإنسان هذا الوعي أصبح مجنونا فاقدا لإنسانيته .
 

لكن الوعي درجات ، ويتوزع في مجالات .

 
خطيب الجمعة يتبوأ موقعا متميزا ؛ فهو في مقام الموجه ، والإمام ، ووارث النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقام تشريف له ؛ لكنه مقام تكليف أيضا ، وهذا التكليف يتركز بالدرجة الأولى بـ"الوعي" ، الوعي بصفته فاعلية حية متجددة ، لا بصفته إدراكا عاما لما حو له وهو ما يشترك فيه معه كل جمهوره ، ولا بصفته مستوى معرفيا ـ علميا ـ فقد يكون من المصلين من هو أعلى منه مقاما في

العلم ، وأرفع منه في شهادته ؛ ولكن الوعي المقصود هنا :

- إدراك الوجود بشموله، وعمقه ، والتواصل الحي مع الواقع المحيط بهمومه ومستجداته .

- وتكثيف المعرفة الدينية التي هي مرتكز الخطيب ، تكثيفها نوعيا بما يجعل وعيه ممتلكا الحاسة النقدية في تعامله مع ظواهر الواقع وتحولاته حتى يكون تصوره عنها سليما من جهة، ورأيه فيها وحكمه عليها - سديدا من جهة أخرى ، لأن الخطيب ـ وكل إنسان - إنما يرى العالم ، ويتفاعل معه عبر وعيه ، ولهذا يكثر رشد وصواب نظرته للواقع ، وما يستتبعها من أحكام ومواقف وترغيب أو تنفير من نضج ذلك الوعي ورشده.

والوعي المطلوب من " الخطيب " يتعالى عن صور الوعي المطلوبة من سواه من المعلمين والموجهين كالأب مع أبنائه ، أو المدرس الذي يتجه إلى شريحة من الطلاب يكفيه أن يكون وعيه متفوقا عليها وهو أمر ميسور حتى لو كان أستاذ جامعة فإن مؤشر نجاحه أن يتفوق على الفئة التي تتلقى منه وهي محدودة العدد متماثلة المستوى المعرفي تقريبا ؛ أما الخطيب فإن الجمهور المتلقي منه منوع الاهتمامات متفاوت المستوى؛ علماء ومفكرين وصحفيين ، ورجال أعمال وسواهم ما يعني كون الوعي المطلوب منه أعظم قدرا وأعمق من المطلوب من غيره :

- سواء في تصوره للواقع .

- أو في تقصيه للمستجدات .

ولنتصور خطيبا لم يطلع صباح جمعته التي سيلقي فيها خطبته التي أعدها عن مشكلة اجتماعية قائمة ، وقد صدر قرار حكومي ليلة الجمعة تغيربه مسار المشكلة ؛ لكنه لعدم إطلاعه ذلك الصباح لم يكن لهذا القرار أي صدى في تناوله للمشكلة ، كيف سيكون استقبال الجمهور الذي أدرك هذا المستجد الأكبر في المشكلة الذي لم يدركه خطيبه .

إن أكبر أسباب الرداءات التي يعاني منها بعض الخطباء ، والتي لا يغطيها محاولة التلاعب بمشاعر الجمهور بترنيم الصوت ، أو حدة العبارات ونحوها ، هو نقص الوعي أو خلله :

- الوعي الذي يجعل الخطيب من موجه للمصلين معه إلى ملتمس لما يعبر عن شعور هذا الجمهور ويرضى عاطفته ، وإن كان غير سوى شرعيا أو مصلحيا.

-والوعي الذي يحول الخطيب نتيجة محدودية هذا الوعي يعتمد في تصوره للواقع على نماذج محدودة، مختزلة لا تعبر عن الحقيقة .

-الوعي الذي يجعل الخطيب يأخذ خطبة من غيره - لثقته بشخص ذلك الخطيب ولا عيب في ذلك إذا كانت مستوفية عناصر الخطبة النموذجية ـ ليلقيها دون قراءة نقدية لها ، وتغيير فيها بما يقتضيه اختلاف الزمن ، ولو كانت شهورا فضلا عن سنوات ، واختلاف نوع المصلين ، فضلا عن تناسبها مع شخصيته؛ بحيث يتفاعل معها كأنها إنتاجه هو .

إلى غير ذلك من صور الخلل التي يعاني منها بعض الخطباء فتكون ثغرة في خطبهم ، ومن ثم سببا في تقلص آثار هذه الخطب على جمهور المصلين .

            

 

     

                                                                                   والله الموفق.
 

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات