عناصر الخطبة
1/مكانة وقدسية بيت المقدس 2/أدلة وبراهين على مكانة بيت المقدس والمسجد الأقصى 3/الحث على الثبات والرباط في أرض فلسطين 4/رسالة تهنئة ومؤازرة للأسرى والمحررين 5/التحذير من المؤامرات التي تحاك بليل لأهل فلسطيناقتباس
إن المؤامرات التي تجول بأروقة البيوت السوداء لن تنطلي على أهل غزَّة وفلسطين، وأعلَنوا رفضَهم لكل مؤامرة، فهذه أرضنا سنبقى هنا، ثابتون هنا، مرابطون هنا، هذا مسجدنا، هذا مسرانا، فأرض فلسطين هي المكان الذي يأوي إليه المسلمون في العالَم عند الفتن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله؛ (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 71].
الحمد لله؛ (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الْقَصَصِ: 68].
الحمد لله؛ (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)[الْقَصَصِ: 5].
إلهي يا ملاذ اللائذين، ويا معاذ العائذين، ويا منجي الهالكين: أَدِمْ أَمْنَكَ وأمانَكَ على عبادِكَ في غزَّة وفلسطينَ، أذهب عَنَّا وعنهم سفك الدماء والدمار، واجعلنا إخوة متحابين، يا مجيب المضطرين، ويا كنز المفتقرين، ويا جابر المنكسرين، آو النازحين المستضعَفين، أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، يا عاصم البائسين، ويا راحم المساكين: اجبر قلوب الأسرى كلهم والمعتقلين، وأرجعهم جميعًا لأهلهم مستبشرين.
إلهَنا وسيدَنا وخالقَنا: الأكفُّ لك ضارعةٌ، والقلوبُ لك متوجِّهةٌ، فرِّج عن الأقصى ما هو فيه.
يا مغيث المكروبين، ويا حصن اللاجئين، يا ناصر المستضعَفين: إن لم نلوذ بقدرتك فبمن نلوذ، إنَّا ببابك واقفون، وبجنابك ضارعون، وبمعراج نبيك ثابتون، وفي المسجد الأقصى مرابطون، لا تكلنا إلى خلقك، اقض حوائجنا، وتول كفايتنا، وكن لدعائنا مجيبًا يا ربَّ العالمينَ.
وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، هو السميع البصير، ليس له ند ولا نظير، خلق السماوات وجعل فيها معارج، وكان عرشه على الماء؛ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشُّورَى: 11]، محيط بخلقه؛ (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ)[هُودٍ: 105]، يرى النملة السوداء في الليلة الظلماء، ويسمع دبيبها على الصخرة الصماء، أجرى الأمور بحكمته، ويصطفي إليه من يشاء، لا يشغله شأنٌ عن شأن، فكل شيء خلق بقَدَر، وكل أمر جرى بقضاء.
وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، صاحب التاج والمعراج، خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، والشهيد يوم القيامة على الشهداء، وهو القدوة في الصبر على البلاء، صلى في الأقصى إمامًا بالأنبياء، ودعا المؤمنين لشد الرحال للأقصى، فلبى الصحابة النداء، فاتحين مهللين مكبرين، وتبعهم أهل الثبات على الحق مرابطين، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم مَن ينتظر، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على سيدنا محمد، وعلى آله وصحابته وخلفائه المهديين، ومن سار على دربهم إلى يوم الدين.
ويبقى بَيْتُ الْمَقدسِ هو الفاصل بين فسطاطَيِ الحقِّ والباطلِ، بَيْت الْمَقدسِ يحمل رسائل للأمة الإسلاميَّة؛ لِمَا خصَّه اللهُ من عجائب التأييد والتوفيق، والنصرة والإلهام والاجتباء، فمن رسائل الصبر والمصابرة، إلى الرباط والمرابطة، وكل تكريم ناله الجناب الشريف -صلى الله عليه وسلم- في ليلة المعراج كان للأمة الإسلاميَّة نصيب منه، ونالت بَيْت الْمَقدسِ من هذا التكريم قداسة وتعظيمًا وإجلالًا، وجعلت أنظار العالَم محدقة حول منزلة هذه البقعة المبارَكة ورفعتها، هذه الأرض المقدَّسة التي تسارع صوبها الأنبياء، وحفتها الملائكة المقربون، أرض بَيْت الْمَقدسِ، طمعت بها قوى الشر والكفر، وهي مهوى أفئدة الأولياء والعلماء والصالحين، وهي مقبرة لجحافل الغزاة الظالمين، وهي مرقد للأنبياء والشهداء والصحابة والفاتحين، بَيْت الْمَقدسِ وما أدارك ما بَيْت الْمَقدسِ! بَيْت الْمَقدسِ ماؤها وسماؤها وأشجارها وقراها ومدنها إسلاميَّة مبارَكة خالدة، لا تقل قدسيتها عن المسجد الأقصى، ففلسطين كلها مباركة؛ (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 71]، رجالها ونساؤها وأطفالها مبارَكون منصورون.
لقد نادت الملائكة نبي الله زكريا -عليه السلام- في بَيْت الْمَقدسِ: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي في الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 39].
وآوى -سبحانه- نبيَّ الله عيسى وأمه الصديقة في بَيْت الْمَقدسِ؛ (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)[الْمُؤْمِنَونَ: 50]؛ فبيت المقدس آية من آيات الله، ومن عجائب الله في الأرض.
يا أهل بَيْت الْمَقدسِ، أهل فلسطين الثابتينَ: لقد أولاكم اللهُ هذه المزيةَ، عرَف قدرَها أولو العزم من الرسل؛ فقد طلب موسى -عليه السلام- من الله حين موته أن يدنيه من الأرض المقدَّسة رميةَ حجرٍ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "فلو كنتُ ثَمَّ لأريتُكم قبرَه إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر"؛ وذلك لشرفها، ولِمَا فيها من الأنبياء المدفونين بها، وهي ميراث الأمة الإسلاميَّة، فلقد قال السلطان عبد الحميد -رحمه الله-: "إن أرض فلسطين للمسلمين جميعًا، لا أملك التنازل عن أي شبر منها"، وستبقى إسلاميَّة هذه الديار إلى يوم الدين، مهما زادت الفتن، وتقلبت الأحوال.
يا أبناء البقعة المبارَكة: الثباتَ الثباتَ، والرباطَ الرباطَ، لقد أورثكم الله العزة والكرامة والثبات، كما جُبِلَ آباؤكم وأجدادكم عليها، ولا أدلَّ على عزة هذه الأمة من فقدها للمخلصين من أبنائها الذين عملوا على عزتها وكرامتها؛ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 23]، اللهمَّ ارحمهم برحمتك الواسعة، ووسع مدخلهم يا ربَّ العالمينَ، واعف عنهم يا أكرم الأكرمين.
لقد سطر أهل غزَّة للأمة الإسلاميَّة معانيَ الصبر والمصابَرة، والثبات على الحق؛ كَمَاشِطَةِ ابنة فرعونَ، ولَمَّا كانت الليلة التي أُسري فيها بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أتت عليه رائحة طيبة، فقال: "يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون"؛ فقد وقع منها المشط فقالت: "بسم الله، فقال لها فرعون: وهل هناك إله غيري؟! فقالت: ربي وربك الله"، فأمر بها أن تقتل هي وأولادها، أو تتراجع، فلما تقاعست أنطق الله ابنها في المهد: "يا أماه إني عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة"، وثبتت على عقيدتها، وها هي ماجدات فلسطين، لهنَّ من ماشطة فرعون أوفر نصيب؛ فالأمهات الثكالى، والأسيرات هن شرف هذه الأمة، لقد قطف أهل غزَّة ثمار صبرهم واحتسابهم، وثبتوا على أرضهم؛ (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ)[الرُّومِ: 4].
وشرَح اللهُ صدورَهم مستبشرينَ متفائلينَ، بعد أن مسَح اللهُ ألَمَهم وجرحَهم، فحمدًا لله على السلامة، لجميع الأسرى والمحررين، ألا وإن وجوههم لنور، منارات من الصبر، خرجوا إلينا بعد طول غياب، آملين من الله العلي القدير أن يمن على جميع أسرانا بالفرج العاجل القريب.
وأما المبعَدون فإن أرض الله واسعة، واعلموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن للمساجد أوتادًا، الملائكة جلساؤهم، إن غابوا يفتقدونهم، وإن مرضوا عادوهم، وإن كانوا في حاجة أعانوهم"، فإن غبتم عن أرض الإسراء والمعراج افتقدتكم ملائكة المسجد الأقصى، وإن مرضتم عادتكم الملائكة.
يا أهل بَيْت الْمَقدسِ: لا تجعلوا للشيطان عليكم سبيلًا؛ (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آلِ عِمْرَانَ: 103]، فطهارة الأرض المقدَّسة وبركتها لا تتوافق مع الفُرْقة والنزاع؛ فالعالم ينظر إليكم ولثباتكم، ودسائس المؤامرات حيكت لكم فانتبهوا.
آواكم اللهُ يا أهل بَيْت الْمَقدسِ، حفظكم اللهُ، رعاكم اللهُ، ثبَّتَكم اللهُ.
إن المؤامرات التي تجول بأروقة البيوت السوداء لن تنطلي على أهل غزَّة وفلسطين، وأعلَنوا رفضَهم لكل مؤامرة، فهذه أرضنا سنبقى هنا، ثابتون هنا، مرابطون هنا، هذا مسجدنا، هذا مسرانا، فأرض فلسطين هي المكان الذي يأوي إليه المسلمون في العالَم عند الفتن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أهل الشام وأزواجهم وذرياتهم وعبيدهم وإمائهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون"، جاء في الحديث عن الصحابي الكريم ذي الأصابع: "قلنا: يا رسول الله، إن ابتلينا بعدك بالبقاء، أين تأمرنا؟ قال: عليك ببيت المقدس، لعل الله يرزقك ذرية يغدون ويروحون إليه"، أو كما قال، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أظهَر الحقَّ بالحق وأخزى الأحزابَ، وأتمَّ نورَه وجعَل كيدَ الكافرينَ في تباب، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدهَ لا شريكَ له العزيز الوهاب، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدًا رسول الله، -صلى الله عليه وسلم- الذي أدناه مولاه، واخترق الحجاب، وكان بمنزلة يسمع فيها صرير الأقلام.
لقد كانت بَيْت الْمَقدسِ وِجهةَ المسلمينَ في الماضي والحاضر، وهذه دعوة للعالَم الإسلامي أجمع أن يشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارَك بكل الأوقات، مذكرين الأمة الإسلاميَّة بقدسيته وعظمته ومكانته؛ (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)[الْقَصَصِ: 68]، والله اختار هذه الأرض لتكون بركة للعالمين، والله اختاركم لتكونوا الأمناء والحراس على هذه الأرض المبارَكة، ما كان لكم الخيرة، بل اصطفاء من الله لكم أيها المرابطون الثابتون، ونضر الله وجوهًا شدت الرحال لبيت المقدس؛ ليشهدوا بركة هذه البقعة المباركة الأبية، بل إن تمسك المسلمين ببيت المقدس هو تمسك بالسُّنَّة النبويَّة؛ فلا انفصال بينهما، وممَّا نقل عن الإمام الشافعي -رحمه الله- أنَّه كان إذا حل العشر الأواخر من رمضان كان يشد الرحال إلى المسجد الأقصى، فلما سئل عن ذلك قال: "أحب في تلك الليالي أن أكون بأرض الأنبياء"، يا خيرة الله من أرضه، يجتبي إليك خيرته من عباده، والله توكَّل بالشام وأهله.
وأهل فلسطين على العهد باقون، وبأرضهم ثابتون؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من اللأواء إلى يوم القيامة، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بَيْت الْمَقدسِ"، صدقتَ سيدي يا رسول الله.
اللهمَّ رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، اللهمَّ رُدَّنا للأقصى ردًّا جميلًا، اللهمَّ رُدَّ المسلمين إلى بَيْت الْمَقدسِ وفلسطين ردًّا جميلًا، اللهمَّ كن مع المستضعَفين في غزَّة يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ آوِ الهدمى والمشرَّدين، وردهم إلى بيوتهم وأرضهم وأهلهم آمنين مطمئنين، اللهمَّ ثبتنا في أوطاننا، اللهمَّ ثبت أقدامنا، اللهمَّ ثبت أقدام المستضعَفين يا ربَّ العالمينَ، وثبتنا في أرضنا يا ربَّ العالمينَ، نسألك أن تُدِيم علينا وعليهم أمنهم وأمانهم، وأبعد عَنَّا وعنهم الحرب وأوزارها، اللهمَّ أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا.
اللهمَّ احقن دماء المسلمين، اللهمَّ فرج كرب الأسرى والمسرى يا كريم، اللهمَّ امنن على باقي الأسرى بالفرج العاجل القريب، وأرجعهم إلينا سالمين يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهمَّ غيثًا مغيثًا، رحمة منك يا أكرم الأكرمين، اللهمَّ اجز عَنَّا سيدنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خير الجزاء، واجز عَنَّا مشايخنا ووالدينا خير الجزاء، اللهمَّ يا مَنْ جعلتَ الصلاةَ على النبي من القُرُبات، نتقرب إليك بكل صلاة صليت عليه، من أول النشأة إلى ما لا نهاية للكمالات؛ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182]، ولا زال هناك إخوان لكم تحت الأنقاض، فسوف نصلي عليهم صلاة الغائب إن شاء الله، وعلى أرواح الشهداء، وأَقِمِ الصلاةَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم