وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة

محمد بن فهد الأحمد

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ النبي عليه الصلاة والسلام يوصي أبا هريرة 2/وصيته الأولى بالصيام وفضله 3/وصيته بصلاة الضحى وفضلها 4/الوصية بصلاة الوتر والمداومة عليها

اقتباس

لقد جربتُم جميعاً لذةَ الوترِ والقيامِ في رمضان، فلماذا لا نستمرُ جميعاً في نعيم الطاعة هذا؟ هل تعلم أنَّ الله يحبُ من يقوم من الليل؟ يقول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البيهقي وحسنه الألباني: "ثلاثَةٌ يحبُّهُمُ اللهُ -عزَّ وجلَّ-, ويَضْحَكُ إليهِمْ, ويَسْتَبْشِرُ بِهمْ: وذكر منهم "من ترك شهوته ونومه وقام من الليل يناجي ربَّه"...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

 

اللهم صلِّ وسلم على محمد وعلى آله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

 

فمِنْ نِعَم الله علينا وفضْله أن بلَّغنا تمام شهرِ رمضان, وأتمَّ علينا نعمته بالعيد, فاللهمَّ لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً.

 

كانت لحظاتُه جميلة, وأيامه سعيدة؛ ملأها المؤمنون بطاعةِ الله, وتزودوا من التقوى، وأودَع الناس فيه أعمالَهم الصالحة (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب)[النور:38].

 

وصيتي إليكم -أيها الأحبّة- في هذا المكان المبارك، هي الوصية التي أوصى بها محمدٌ -صلى الله عليه وسلَّم- صاحِبَه أبا هريرة -رضي الله عنه-, فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّه قال: "أَوْصَانِي خَلِيلِي -صلى الله عليه وسلم- بِثَلاَثٍ -جاء في البخاري: لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ" وفي رواية أبي داود: "لاَ أَدَعُهُنَّ فِي سَفَرٍ وَلاَ حَضَرٍ" فما هي هذه الثلاث؟ وما هي الوصية التي لن يتركَها أبو هريرة؟ قال: "صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَىي الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ".

 

هذه الأعمالُ الصالحةُ من خير العبادات التي يوفَّقُ للمحافظةِ عليها من وفَّقه الله وهداه، هذه الأعمال من أخف العبادات على المؤمن ومن أثقلها في ميزان حسناته.

 

أما الصيام فلأصحابه بابٌ يُنادَون منه اسمه باب الريّان لا يدخله إلا الصائمون، ويكفي في فضل الصيام ما رواه مسلمٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ -يعني في مرضاته ويريد به وجه الله والدار الآخرة- إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا".

 

صيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهر، والتي أوصانا بها النبي إذا صمتها، فكأنك صمتَ الدهر!. كيف ذلك؟ يفسّر لنا ذلك قولُ النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه عبدالله بنُ عمروٍ في الصحيحين أنَّه قال: "وَصُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ". باعتبار أن السنة فيها اثنا عشر شهراً، فسيصوم فيها ثلاثة أيام في هذه ستةٌ وثلاثون يوماً، والحسنة بعشر أمثالها, فهذه ثلاثمائة وستون حسنة (360) وهذا هو عدد أيام السنة، فكأنه صامَها. وهذا عملٌ يسير وله هذا الفضل العظيم، فأين العاملون؟!.

 

ولو تحيّنت في اختيار هذه الأيامِ الثلاثة أن تكون الأيامَ البيض فحسن؛ لحديث أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- في سنن النسائي وحسّنه الألباني: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-‏ ‏أَنْ نَصُومَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الْبِيضَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ".

 

ولو صمتَ من أيام الشهر ثلاثةَ أيامٍ متفرقات فلا بأس، لأن مُعَاذَةُ الْعَدَوِيَّةُ سَأَلَتْ ‏عَائِشَةَ -رضي الله عنها- كما في صحيح مسلم: "‏أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ:‏ ‏لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ".

 

أما الوصية الثانية من النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة فهي ركعتي الضُّحى. وأقلُّ صلاةِ الضحى ركعتان وأعلاها ثمانِ ركعات, يقول -صلى الله عليه وسلم- مبيّناً فضلها كما في صحيح مسلم: "يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى" فانظر -يا رعاك الله- كيف أنَّ ركعتين يركعهما الإنسان تكفيه وتُجزيه عن مثل هذه الصدقات, وفضلُ الله واسع.

 

عملٌ يسير لا يأخُذ منك إلا ثلاثَ دقائقَ ومع ذلك سمَّاها النبي -صلى الله عليه وسلم- "صَلاَةُ الأَوَّابِينَ" رواه مسلم. والأواب هو المطيع لربّه كثيرُ الرجوع إليه.

 

اللهم اجعلنا من الأوابين التوَّابين, اللهم وفقنا للمداومة على هذه الأعمال الصالحة إنك سميع مجيب، أقول ما سمعتم وأستغفر الله.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد للهِ (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى *وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى:3] وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وسيدُ الحنفاء العابدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:

 

فإن الوصية الثالثة لأبي هريرة -رضي الله عنه- من خليله وحبيبه محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، فهي أن يوتر قبل أن ينام.

 

لقد جربتُم جميعاً لذةَ الوترِ والقيامِ في رمضان، فلماذا لا نستمرُ جميعاً في نعيم الطاعة هذا؟ هل تعلم أنَّ الله يحبُ من يقوم من الليل؟ يقول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البيهقي وحسنه الألباني: "ثلاثَةٌ يحبُّهُمُ اللهُ -عزَّ وجلَّ-, ويَضْحَكُ إليهِمْ, ويَسْتَبْشِرُ بِهمْ: وذكر منهم "من ترك شهوته ونومه وقام من الليل يناجي ربَّه". و "مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ" رواه أبوداؤد وصححه الألباني. فلو صليت ركعتين قرأت فيهما سورة الفلق وسورة الناس لكنتَ من هؤلاء.

 

فاحرص -أخي المسلم- على ألا تبيتَ إلا وقد صليتَ لله ثلاث ركعات, أو ركعةً واحدة. إن لم تؤدها في آخر الليل، فلتؤدها قبل نومك أو بعد أدائك لصلاة العشاء مباشرة في المسجد.

 

جاهد النفس التي يُثبّطها الشيطان عن فعل الخير، واصبر على هذه الطاعات وصابر ورابط, لتجدها قد سبقتك يوم القيامة, لتكون شفيعاً لك عندها يفرح المؤمنون الذي ادخروا من العمل الصالح ما يشفعُ لهم، وسيعضُّ الظالم على يديه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون)[الحشر:18]

 

 

 

المرفقات

النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات