وصايا نافعات لأهل بيت المقدس وللمسلمين أجمعين

يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

2023-05-26 - 1444/11/06 2023-05-29 - 1444/11/09
عناصر الخطبة
1/صبر وتحمل أهل بيت المقدس 2/الوصية بالتمسك بهدي السلف الصالح 3/الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان 4/التحذير من الشيطان وجنده 5/طرق مشاركة الشيطان للإنسان في ماله 6/من فضائل التوكل واللجوء إلى الله تعالى

اقتباس

مشارَكة الشيطان للإنسان -يا عباد الله- في المال بثلاثة أشياء: أولًا: الطلب المحرَّم؛ بأن يطلب زيادة المال عن طريق الربا، أو القمار، أو السرقة، أو الغصب، أو الغش، أو الرشوة، أو بيع حرام كالخمر ونحوه، وثانيًا: الإنفاق المحرَّم...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الهادي النصير، يهدي مَنْ يشاء إلى صراط مستقيم؛ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)[الْفُرْقَانِ: 31]؛ فقد أخبر المولى -تبارك وتعالى- أنَّه لم يخل نبيًّا من أنبيائه صلوات الله عليهم إلا سلط عليه عدوا في وقته، إلا أنَّه لم يغادر من أعدائهم أحدًا، وأذاقهم وبال ما استوجبوه على كفرهم وغيهم، (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)[الْفُرْقَانِ: 31]، كفى بربك اليوم هاديًا إلى معرفته، وغدا نصيرًا على رؤيته، ونشهد ألَّا إلهَ إلا الله، أنجَز لعباده الصالحين وَعْدَ الاستخلاف، وقهَر بأهل التوحيد أهل الشرك والخلاف.

 

وعدُ اللهِ حقٌّ، وكلامُه صدقٌ، فأهل الإيمان على الدين المَرضيّ من قبل الله -تبارك وتعالى-، ولقد أمَّنهم الله بعد خوفهم، فقاموا بسياسة المسلمين، والذب عن حوزة الإسلام أحسن قيام؛ (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ)[النُّورِ: 55]، ففي الآية إشارة إلى أئمة الدين الذين هم أركان الملة، ودعائم الإسلام الناصحون لعباده، الهادون من يسترشد بالله؛ إذ الخلل في أمر المسلمين من الولاة الظلمة.

 

اللهم هيِّئ لنا من أمرنا رشدًا، وهيئ لنا قائدًا مؤمنًا رحيمًا، يجمع شملنا ويوحد صفَّنا، إلهنا ومولانا أنت تُجير مَنِ استجاركَ، وتحفظ مَنْ لجأ إليكَ، وتُغني مَنْ توكَّل عليكَ، وتُرشد مَنْ أطاعكَ، وتعز من اعتز بك، وتؤمِّن الخائف، وتنصر المظلوم، وتعطي المحروم.

 

اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة، وثبتنا في أرضنا المباركة، واجعل قلوبنا طاهرة، واملأ الأقصى بالمسلمين يا ربَّ العالمينَ، واجعله عامرًا بهم إلى يوم الدين، اجعله عامرًا بذكرك ومحبتك يا ربَّ العالمينَ.

 

ونشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، الصادق الوعد الأمين، الحبيب المحبوب، شافع العلل، ومفرِّج الكروب، أوتي جوامع الكلم، أكمل الخلق، وأشرف أهل الحق، مَنْ أضاء الكون بنور وجوده، وشرَّف الخلق بفضله ووجوده، أليس هو صاحب الإسراء والمعراج؟! وصاحب الشفاعة العظمى؟! (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)[النَّجْمِ: 18]، صلى الله عليه وعلى سائر إخوانه، وسائر الملائكة ورجال الله المؤمنين، والأولياء والصالحين، وأصحابه الذين علا بهم منار الإيمان، وشيد الله بهم من قواعد الدين الحنيف ما شرع، وأخمل بهم كلمة من حاد عن الحق أو مال إلى البدع.

 

أمَّا بعدُ، فيا عبادَ اللهِ: لقد عشنا أيامًا صعبة، وصَبَرْنا وتحمَّلْنا، وقدَّمْنا تضحياتٍ كثيرةً، أليس ذلك كله من أجل مرضاة الله؟! ثم من أجل مقدساتنا؟! فهنيئًا لمن سكن في الأرض المقدَّسة، وطوبى لعمار المسجد الأقصى المبارَك، والذين لا يعملون إلا ابتغاء وجه الله، أولستم أنتم أهل الله؟! أولستم أهل الرحمن؟! أولستم أهل القرآن؟! أولستم أهل الإيمان في هذا الزمان؟! لقد سلمتم أمركم إلى الله، لا تخشون سواه، ولا تأخذكم لومة لائم، ولكم الأسوة الحسنة في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ)[الْأَعْرَافِ: 157]، كانوا على المنهاج الواضح، والبيع الرابح.

 

فينبغي لك أيها المسلم أن تكون سيرتك سيرة الصدر الأول، اقرأ السيرة النبويَّة، وتتبع أفعاله -عليه الصلاة والسلام- واقتف آثاره، وتشبه به ما أمكنك، إذا خلوت من التعلُّم والتفكر، فحرك لسانك بالذِّكْر، وبخاصة عند النوم، وإذا حدث لك فرح في الدنيا فاذكر الموت، وسرعة الزوال، وكثرة المنغصات، إذا حزبك أمر فاسترجع، وإذا اعترتك غفلة فاستغفر، واعلم أن للدين نورًا ينادي على صاحبه، اللهم يا محيي القلوب الميتة بالإيمان، خذ بأيدينا إليك، وطهرنا من درن المعاصي والنفاق والرياء، واجعلنا من عبادك الصالحين الصادقين السائرين إليك.

 

عبادَ اللهِ: تعلموا الإسلام، فإذا علمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم، فإنَّه الإسلام، عليكم بسُنة نبيِّكم، وإيَّاكم وهذه الأهواءَ؛ فإنَّها تُوقِع بينكم العداوةَ والبغضاءَ، إيَّاكُم والتشاجرَ والتخاصمَ في المساجد، إنَّها بيوت الله، والله -تبارك وتعالى- يغار على بيوته وحرماته.

 

أيها المؤمنون: أنتم أهل الإيمان بالقضاء والقَدَر، وإذا أراد الله أمرًا فمن الذي يقف أمام إرادة الله؟! كلكم يعلم أن الحذر لا يغني من القدر، ولا يوقف إرادة الله بشر؛ فلا راد لقضائه، ولا معارض لسلطانه، ونقول لكم: دوام الحال من المحال، والأيام دول، فلا ييأس المستضعَفون، ولا يغتر المستكبرون.

 

إن فريقًا من أهل زماننا اغترُّوا وخالَفُوا وتهافَتُوا على كل شيطان مريد، ينطق على لسانه، فإنا لله وإنا إليه راجعون، لقد لعب بهم الشيطان، فالويل لهم يوم القضاء والحساب؛ (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشُّعَرَاءِ: 88-89].

 

لقد حذرنا الله من الشيطان وعداوته، فقال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)[فَاطِرٍ: 6]، وقال: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 38].

 

في مجتمعنا اليوم قوم عَسكَر الشيطانُ بين أظهرهم؛ ولذلك خاطَب اللهُ -تعالى- الشيطان بقوله: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ)[الْإِسْرَاءِ: 64]؛ أي: استنهض من استطعت بوسوستك، سواء أكان هذا الصوت من جندك، أو من جند الشياطين من الإنس والجن، الذين يعاونونك، افعل ما بدا لك، وامكر، دبر وخطط، فكل مكرك عليك، وكل خططك ضدك، وسيفك قاتلك، وسهمك راميك، ولن توقف دعوة الله -تبارك وتعالى- مهما فعلت وحاولت، إنَّه لن يضر أهل الإيمان أفعال الأبالسة؛ (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا)[الْإِسْرَاءِ: 65]، وأراد بقوله: (عِبَادِي)[الْإِسْرَاءِ: 65]، الخواص من المؤمنين الذين هم أهل الحفظ والرحمة والرعاية، فإن وساوس الشيطان لا تضرهم، أتدرون لماذا يا عباد الله؟ لأنهم لم يلتجئوا إلا إلى الله، ودوام استجارتهم بالله؛ ولهذا فإن الشيطان إذا قرب من قلوب أهل المعرفة احترق بضياء معارفهم، ومن هنا قال أهل المعرفة: إن فرار الشيطان من المؤمنين أشد من فرار المؤمنين من الشيطان، وهذه المرتبة المنيفة التي أكرم الله بها المؤمنين جعلت إبليس يفر من عمر، أمير المؤمنين -رضي الله عنه-، بل وشياطين الإنس والجن، قال صلى الله عليه وسلم: "إِيهٍ يَا بْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا ‌لَقِيَكَ ‌الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ"، وأخرج الإمام الترمذي من حديث السيدة عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي ‌لَأَنْظُرُ ‌إِلَى ‌شَيَاطِينِ ‌الإِنْسِ وَالجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ"، ونحن اليوم بحاجة إلى رجال مؤمنين يفر الشيطان منهم، أما فر الشيطان في يوم بدر؟! ألم ينكص على عقبيه؟! ألم يتبرأ من أتباعه؟! نحن بحاجة لوحدة الكلمة والصف، والموافقة بين المسلمين هي أصل الدين، وأول الفساد ورأس الزلل هو الاختلاف، وكما تجب الموافقة في الدِّين والعقيدة تجب الموافقة في الرأي والعزيمة.

 

فيا أيها المؤمنون: إيَّاكُم ووساوس الشيطان، لا تثقوا إلا بالله، الشيطان لا يفي بوعده، اسمعوا قول الله -تعالى-: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ)[إِبْرَاهِيمَ: 22]، الشيطان يتبرأ من أوليائه وأتباعه؛ فإنَّه يعلم أنَّه وأتباعه على الباطل، وهو زائل؛ (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)[الْأَنْبِيَاءِ: 18]، الباطل يحمل بذور فنائه، فكأنه زاهق من أصله.

 

وخاطَب الحقُّ -جل وعلا- إبليسَ بقوله: (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ)[الْإِسْرَاءِ: 64]، هذه معركة حقيقيَّة فاجمع يا إبليس لبني آدم كل ما استطعت من وسائل الفتنة والإغواء لإضلالهم، (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ)[الْإِسْرَاءِ: 64]، مشارَكة الشيطان للإنسان -يا عباد الله- في المال بثلاثة أشياء: أولًا: الطلب المحرَّم؛ بأن يطلب زيادة المال عن طريق الربا، أو القمار، أو السرقة، أو الغصب، أو الغش، أو الرشوة، أو بيع حرام كالخمر ونحوه، وثانيًا: الإنفاق المحرَّم؛ مثلما يعطي الكاهن أو العرَّاف أو الساحر أو مهر البغي، أو شراء الخمر، أو يسافر لمواطن ينفق فيها من يلبي شهواته ونزواته المحرمة، أو يقع في الإسراف والتبذير الذي يلحقه بزمرة الشياطين، وثالثًا: المنع المحرم؛ مثل منع الزكاة المفروضة، وعدم أداء حج الفريضة، وعدم الوفاء بالنذر، والتقصير في النفقة على النفس، والأهل والأولاد، وغير ذلك، قال الحق -جل وعلا-: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[يس: 60]، بعض الناس نفَخ الشيطانُ في مناخرهم وخالَط اللحمَ والدمَ، والأسماعَ والأطرافَ، ثم أفضى إلى الأمخاخ، ثم ارتفع فعشعش ثم باض وفرَّخ، فحشاهم شقاقًا ونفاقًا، وأشعَرَهم خلافًا، اتخذوه دليلًا يتبعونه، وقائدًا يطيعونه، فكيف لهؤلاء أن تنفعهم تجربةٌ؟! أو تعظهم موعظةٌ؟! أو يحجزهم إسلامٌ، أو يردعهم أو يردهم إيمانٌ؟! فاتقوا الله -يا عباد الله- وعودوا إلى الله؛ فهو صاحب القوة والنصر، فقد ورد في الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَأَنَّهَا قِطَعُ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، ‌يَبِيعُ ‌أَقْوَامٌ ‌خَلَاقَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا يَسِيرٍ"، قال الإمام الحسن البصريّ: "وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ ‌صُوَرًا ‌بِلَا ‌عُقُولٍ، أَجْسَامًا بِلَا أَحْلَامٍ، فَرَاشَ نَارٍ وَذِبَّانَ طَمَعٍ، يَغْدُونَ بِدِرْهَمَيْنِ وَيَرُوحُونَ بِدِرْهَمَيْنِ يَبِيعُ أَحَدُهُمْ دِينَهُ بِثَمَنِ الْعَنْزِ".

 

اللهم أَفرِغ علينا النصرَ والصبرَ يا ربَّ العالمينَ، اللهم أيِّدنا بقوتكَ وملائكتكَ، وأَجِرْنا من الفتن ما ظهَر منها وما بطَن، واكتُبِ الشفاءَ العاجلَ لمرضانا، والرحمةَ لموتانا، وارفع شهداءنا في عليين يا أرحم الراحمين، وأطلق سراح المأسورين، وأعدهم إلينا سالمين، وفك الحصار عن إخوتنا المحاصرين، واحفظ مسجدنا واجعله عامرًا بالإسلام والمسلمين.

 

عبادَ اللهِ: توجهوا إلى المولى الكريم، بالرضا والتسليم، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة؛ فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي ألَّف بيننا بعد الفُرْقة، وجعَلَنا متحابينَ بعد البغضة، والحمد لله الذي لا تُجحَد نعماؤه، ولا يَزُولُ مُلكُه، له الحمد كما حمَد نفسَه، وكما هو أهله، ونشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ، أيَّد المؤمنين الصابرين بملائكته المقربين، وأنعم عليهم بالنصر المبين، وكتب العزة والكرامة لأوليائه الصالحين، كيف لا وهم في البلاء راضون، وفي الرخاء شاكرون، وفي السراء حامدون، وفي أرزاقهم واثقون، وعلى أنفسهم مؤثرون، ولله راكعون وساجدون؟!

 

ونشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، سيد العرب والعجم، البشير النذير.

 

أمَّا بعدُ، فيا عبادَ اللهِ: ليس لكم إلَّا التوكل على الله، ليس لكم إلَّا اللجوء إلى الله، انظروا إلى الكليم موسى عندما خرج من مدين، ماذا قال؟ قال: (عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ)[الْقَصَصِ: 22]، وحيدًا، فقيرًا، ضعيفًا، لا يعلم الطريق إلى مدين، فاستغاث بالله فأغاثه، واستجاب دعاءه، فكلما ازداد فقر العبد غمره غنى الرب -جل جلاله-، لقد استجاب موسى -عليه السلام- لمن جاءه يسعى، وخرج من مصر على الفتوح، توجه بقلبه إلى ربه، وتذكروا أنَّه لا يقضي على الأحزان مثل التوكل على الرحمن؛ (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ)[النَّمْلِ: 79]، لماذا التوكل؟ لأنك أيها المؤمن على الحق، والله -تعالى- هو الحق، وناصر الحق، وخاذل كل من خذل الحق.

 

اللهم إنَّا نسألك صدقَ التوكل عليكَ، وحُسنَ الظنِّ بكَ يا ربَّ العالمينَ، ارزقنا حلاوة العمل من أجل مرضاتك، ونحن من هنا نتوجه إلى العلي القدير أن يحفظ أمتنا الإسلاميَّة في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يحفظ مقدساتنا، وبخاصة المسجد الأقصى من كيد الطامعين، واعتداء المعتدين؛ فهو مسجد خاص للإسلام والمسلمين، والاعتداء عليه اعتداء على الدين ثم على المسلمين، ولا يغرنكم هذه الاقتحامات؛ فهي باطلة، ولا تعطي حقًّا لغيرنا في مسجدنا، فالاعتداءات المتكررة ظلم وعدوان والظلم إلى زوال، اعملوا ما شئتم فإنا صابرون، وجوروا فإنا بالله مستجيرون، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)[الشُّعَرَاءِ: 227].

 

عبادَ اللهِ: لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا المال إلا إفاضة، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، كلنا يشكو حال الأمة، وينسى أنَّه من أسباب الغمة، قال حذيفة بن اليمان: "لا تقوم الساعة حتى يَسُودَ كلَّ قبيلةٍ منافقوها"، ونحن من هنا لا نرضى ولا نقبل ما جرى في بعض مدارس القدس من أمور تخالف ما نحن عليه من أصول وآداب والتزام بقيمنا، وقضيتنا، وأمَّا المناهج التي تفرض علينا فليس من حقهم أن يفرضوا علينا ماذا نريد أن نتعلم، فنحن أمة إسلاميَّة، لها ثقافتها، ولها حضارتها، ولا يجوز لهم أن يفرضوا علينا ماذا نريد أن ندرس، وما لا ندرس، نسأل الله أن يحفظ أولادنا من كل سوء يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهم يا سابغ النعم، يا دافع النقم، يا كاشف الظلم، يا أعدل من حكم، يا حسيب من ظَلَم، يا ولي من ظُلم، يا أول بلا بداية، يا آخر بلا نهاية، يا من له اسم بلا كنية، اجعل لنا من أمرنا فرجًا ومخرجًا يا رب العالمين.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

 

المرفقات

وصايا نافعات لأهل بيت المقدس وللمسلمين أجمعين.doc

وصايا نافعات لأهل بيت المقدس وللمسلمين أجمعين.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات