وصايا لنيل الفضائل وترك الرذائل

يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

2023-08-04 - 1445/01/17 2023-08-07 - 1445/01/20
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/فضل الله تعالى على بني البشر بإرسال الرسل 2/حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أمته وإرشادها 3/واجب المسلمين نحو المسجد الأقصى المبارك 4/الوصية بوجوب اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم 5/الوصية بترك الهموم والتخفف من أعباء الدنيا

اقتباس

لقد علَّم رسولنا الأكرم أصحابه -رضي الله عنهم-، وبيَّن لهم سبل الخير والمحبة، والسعادة والكرامة، والعزة والشهامة، علَّمَهم مكارم الأخلاق، وأمور الدين، وحسن المعاملة، ووحدة الصف والكلمة، ونشر العدل وعدم الظلم...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ، الذي لا يبلغ وصف صفاته الواصفون، ولا يدرك كُنهَ عظمتِه المتفكرون، ويقر بالعجز عن مبلغ قدرته المعتبرون، الذي أحصى كل شيء عددًا وعلما، ولا يحيط خلقه بشيء من علمه إلا بما شاء، خضعت له الرقاب، وتضعضعت له الصعاب، أمره في كل ما أراد ماض، وهو بكل ما شاء حاكم قاض، (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[الْبَقَرَةِ: 117]، يقضي بالحق، وهو خير الفاصلين، ذو الرحمة والطول وذو القوة والحول، الواحد الفرد، له المُلكُ وله الحمدُ، ليس له ند ولا ضد، ولا له شريك ولا شبيه، جل عن التشبيه والتمثيل، لا إله إلا هو إليه المصير.

 

نحمده كثيرًا عدد خلقه وكلماته، وملء أرضه وسماواته، ونسأله الثبات في أرضنا المقدَّسة، وفي مسجدنا المبارك، اللهم ارزقنا نورًا نهتدي به، وانشر علينا رحمتك، وارزقنا رزقًا طيِّبًا مباركًا فيه، اللهم اكشف الضر عَنَّا، والبلاء والمحن، واكفنا شر أنفسنا، وأدخلنا في عبادك الصالحين، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ تواضع كل شيء لعظمته، وذل كل شيء لعزته، وخضع لملكه، واستسلم كل شيء لقدرته، سبحانه أنيس الغرباء، ومعدن الضعفاء، ومولى الموالي، ونشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، فطره المولى -تبارك وتعالى- على محاسن الأخلاق، وجعل السكينة لباسه، والتقوى ضميره، والحكمة معقوله، والصدق والوفاء سجيته، جعل أمته خير أمة أخرجت للناس، صلى الله -تبارك وتعالى- عليه، وعلى آل بيته الكرام، وأصحابه الذين نشروا الدين، فهم أهل الإيمان والإحسان، ورضي الله -تبارك وتعالى- عن الذين خلفوهم بإيمان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ، فيا عبادَ اللهِ: إن الله -سبحانه وتعالى- اصطفى الإسلام دينًا، واختار لنا من عباده رُسُلًا دالِّينَ عليه، وهادينَ إليه، يُبشِّر أولُهم بآخرهم، ويُصدِّق تاليهم ماضيَهم، حتى انتهتِ الدعوةُ إلى سيد المرسَلين -صلى الله عليه وسلم-، وذلك على فترة من الرسل ودروس من العلم، واقتراب من الساعة، وانقطاع من الوحي والحجة، فختم الله -تبارك وتعالى- به النبيين، وجعله شاهدًا على الأمم، وأنزل عليه كتابًا عزيزًا (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فُصِّلَتْ: 42].

 

اللهم أحرق من حرَق قرآننا، اللهم أحرق قلوبهم بنارك يا ربَّ العالمينَ، فالحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على نعمة القرآن والإيمان، والحمد لله على اتباعنا لرسولنا -عليه الصلاة والسلام-.

 

تذكَّرُوا -يا عباد الله- أن نبينا -عليه الصلاة والسلام- علَّمَنا وربَّانا التربية الإيمانية، والأخلاق الربانية.

بُشرى لنا معشرَ الإسلامِ إنَّ لنا *** مِنَ العنايةِ رُكنًا غيرَ منهدِمِ

لَمَّا دعا اللهَ داعينا لطاعتِه بأكرمِ الرسلِ كُنَّا أكرمَ الأممِ

 

عبادَ اللهِ: لقد علَّم رسولنا الأكرم أصحابه -رضي الله عنهم-، وبيَّن لهم سبل الخير والمحبة، والسعادة والكرامة، والعزة والشهامة، علَّمَهم مكارم الأخلاق، وأمور الدين، وحسن المعاملة، ووحدة الصف والكلمة، ونشر العدل وعدم الظلم، انظروا إليه وقد نهى عبد الله بن عمرو بن العاص عن سرد الصوم، لقد كان عارفًا وعالمًا بكل واحد منهم، وقال في ابن عمر: "نعم الرجل لو كان يقوم في الليل"، وأوصى أبا هريرة -رضي الله عنه- بألَّا ينام إلا على وتر، وأمر الصديق برفع صوته في صلاته، وأمر عمر بالإخفات، وتفقد عليا وفاطمة لصلاتهما في الليل، فمن منا اليوم يتفقَّد صلاة أهله وأولاده وبناته؟! (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)[طه: 132].

 

وكانت عائشة -رضي الله عنها- تعترض بين يديه اعتراض الجنازة فلم يوقظها، وأعلم معاذًا بأن من قال: "لا إله إلا الله وجبت له الجنة"، وأمره بإخفاء ذلك عن كل الناس، وخص حذيفة بالسر، وأسرَّ لبعض أصحابه أذكارًا مع ترغيبه في الخير عمومًا.

 

فهذا وغيره تربية منه -صلى الله عليه وسلم- في مقام الاستقامة، والتمسُّك بالدين، فكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يتحملون المسؤوليَّة، بكل قوة وحكمة، انظروا إلى أبي بكر -رضي الله عنه- كيف تعامل مع الناس يوم الردة، ويوم انتقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى، لقد نصر الله -تعالى- الدين برجلين؛ بأبي بكر يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة، ألا ترون لعمر -رضي الله عنه- حيث كان يطلب الشهادة فأعطيها! وعثمان -رضي الله عنه- اختار القتل ظلمًا لحقن دماء المسلمين وتعجيله للقاء نبينا -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، إلى غير ذلك، حتى إن بلالا لما كان في الموت قالت زوجته: "واكرباه!، فقال: واطرباه، غدًا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه".

 

ونحن اليوم لو استقمنا على أمر الله -تعالى-، واتبعنا سنة المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لَمَا أصابنا ما أصابنا، لو تدَّبْرنا كلامَ المولى -تبارك وتعالى-، واهتدَيْنا به لَمَا فسدَتِ الأخلاقُ والآدابُ، ولَمَا ظلَم واستبدَّ الحكامُ، ولَمَا زال الملكُ والسلطانُ، ولَمَا صِرْنَا عالة في المعاش، وأسبابها على مَنْ سِوَانَا.

 

انظروا إلى أحوال المسلمين اليوم! حروب طاحنة، وقتل وتشريد للناس، وهنا في أرضنا المباركة كل ذلك يحدث؛ مصادَرة للأراضي وبناء للمستوطنات، وتشديد الخناق على أسرانا، والذين نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يفرج كربهم، وأن يعيدهم إلينا سالمين آمنين، ومن هنا ومن هذه الرحاب الطاهرة، نطالب أصحاب المسؤوليَّة، وأولي الاختصاص بالشأن أن يعملوا لإنصافهم، وإعطائهم حقوقهم المشروعة.

 

عبادَ اللهِ: المسجد الأقصى يشكو ظلم الظالمين، ومن تقاعسوا عن حمايته ورعايته، ويشكو من قصر بالصلاة فيه، أليس هو مهوى أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؟! أليس هو القبلة الأولى؟!

 

فيا أيها الناسُ: اتقوا الله في مسجدكم، فأنتم أهله وأصحابه، الأعين تتربص بكم من كل مكان، والحياة فانية، والعمر قصير، ابتعدوا عن الظلم والبغي والعدوان، ابتعدوا عن الفُرقة والانقسام، الظالم لا يكون إمامًا يقتدى به، الظالم لا يصلح أن يكون خليفة ولا حاكمًا، ولا مفتيًا ولا شاهدًا، فاتق الله -أيها المسؤول- عند حكمكَ إذا حكمتَ، وعندَ قسمكَ إذا قسمتَ، وعند همكَ إذا هممتَ.

 

أعاذنا اللهُ وإيَّاكم من الردى، واستعملَنا وإيَّاكم بأعمال أهل التقى، ونستغفر اللهَ العظيمَ، لنا ولكم جميعًا ولجميع المسلمين.

 

عبادَ اللهِ: توجَّهُوا إلى المولى -تبارك وتعالى- بالهدى والتسليم، والرضا، وإيَّاكم واليأس من رحمة الله، فقد أخرج الإمام الترمذي في سننه، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أفضل العبادة انتظار الفرج" فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة؛ فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الولي المنعم، الملك الحق الجواد المكرم، -سبحانه- من ملك قدير، أتقن ما أبدع بالتدبير، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ الكريم الوهاب، نور البصائر والألباب، لكل أوَّاه أوَّاب، ونسألك يا ربنا أن تصلي على سيد أصفيائك، وخاتم أنبيائك، وفاتح أوليائك، محمد سيد معد بن عدنان، وأن ترزقنا العلم وتوفقنا للعمل، وتبلغنا غاية الأمل، وتقينا في الدين والبدن أعراض السوء الرديئة، والأمراض الخبيثة الوبيئة، وتعصمنا من حبائل الشيطان، وتقبضنا على الكتاب والسُّنَّة، يا حنان يا منان.

 

أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمُ: أوصيكَ بتقوى الله، وإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة عند محلها، وحُسن الوضوء؛ فإنَّه لا صلاة إلا بطهور، ولا تقبل صلاة من مانع الزكاة، أوصيك بغفر الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عند الجهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش، ما ظهر منها وما بطن.

 

فيا أيها المسلمُ: قد حملتَ قلبك الضعيف هم الدهور والسنين، وهم الغلاء والرخص، وهم الشتاء والصيف، فما أبقيت من قلبك الضعيف للآخرة؟! إني أراك تحب طول البقاء في الدنيا، فلأي شيء تحبه؟ لأن تطيع الله وتحسن عبادته؟ وتتقرب إليه بالأعمال الصالحة؟ فَطُوبَى لك؟ أم لتأكل وتشرب، وتلهو وتلعب، وتجمع الدنيا وتثمرها؟ وتنعم زوجتك وأولادك؟ فلبئس ما أردت له البقاء! إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء المسلمين، خميص المسلمين من أموالهم، كافًّا لسانك عن أعراضهم، لازمًا لأمر جماعتهم فافعل.

 

انظروا إلى الناس اليوم كيف يَقتُلون أنفسَهم؟ حوادث القتل التي نسمع عنها ونكاد نراها لمصلحة مَنْ؟ لن يفلح القاتل أبدًا ما دام مصرا على جريمته، فتب إلى الله توبة نصوحًا.

 

وعليك بتلاوة القرآن وذكر الله، عليك بطول الصمت، فإنَّه مطردة للشيطان، وعون لك على أمر دينه، قل الحق وإن كان مرا، لا تخف في الله لومة لائم.

 

فيا أيها المغرور بدار الغرور، والنائي عن دار البقاء والسرور: لِمَ لَمْ تشترِ من مولاك دارًا يقال لها دار الأمان؟! لا يضيق بها المكان، ولا يُزعَج بها الإنسانُ، ولا تُشعِّثُها حوادثُ الزمان، ولا تحتاج إلى بِنَاء وطيَّان.

 

فيا أيها العاصي: أمهَلَك المولى فتناسيتَ، وأسقطَكَ من عينه فما بَالَيْتَ، وللحقوق ما أديتَ، وكم أراك عَبرةً فتعاميتَ!

 

أيها المسلم: كيف تصنع إذا سُيرت الجبال؟! ودكت الأرض دكا، وجاء ربك والملك صفًّا صفًّا؟ (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)[الْفَجْرِ: 23]، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا)[آلِ عِمْرَانَ: 30].

 

فيا عبادَ اللهِ: إذا أردتُم السعادةَ توسَّدوا وسادًا من الشكر، والبسوا لباسًا من الذِّكر، والتحفوا لحافًا من الخوف، تفوزوا بمدحة الرب.

 

أيها المسلمُ: وقاكَ اللهُ خشيةَ الفقر، وطولَ الأمل، ولا جعلَكَ دريئةً للسفهاء، ولا شينًا على الفقهاء، روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف على قبر عمه حمزة حين استشهد، وقد مثل به، فجعل ينظر إليه منظرًا ما كان أوجع قلبه منه، فقال: رحمك الله أي عم! كنت وصولًا للرحم، فعولا للخيرات.

يا ربِّ مسَّ الضرُّ قلبي وانكسَرْ *** فاجبُرْ لكسري أنتَ أرحمُ مَنْ جَبَرْ

وَأَغِثْ فقد أمسيتُ منقطعَ الرَّجَا *** ممَّا سواكَ وما بغيركَ يُنتَصَرْ

ناداكَ في الظلماتِ يونسُ ضارعًا *** وكذاك أيوبٌ وقد عَظُمَ الضَّرَرْ

 

يا الله يا علام الغيوب، يا غفار الذنوب، يا مقلب القلوب، اعصمنا بدينك وطاعتك وطاعة رسولك، واستعلمنا بسنته، وتوفنا على ملته.

 

اللهم رب الناس، مذهب الباس، اشفِ أنتَ الشافي، لا شافي إلا أنتَ، شفاء لا يغادر سقما، اللهم ألحقنا بالأبرار، ولا تخلفنا مع الأشرار، واسقنا من خير الأنهار، اللهم إنا نسألك السلم والسلام والإسلام والأمن والأمان، والهدى واليقين، والأجر في الدنيا والآخرة.

 

وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45]، فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

وصايا لنيل الفضائل وترك الرذائل.pdf

وصايا لنيل الفضائل وترك الرذائل.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات