عناصر الخطبة
1/ما أنعم الله به من الخضرة والمطر 2/وصايا لمرتادي المنتزهات 3/الحث على قضاء الأوقات بما ينفع والبعد عن الحرام 4/وجوب الاهتمام بنظافة المنتزهات 5/غرس مبدأ المسؤولية تجاه المجتمع.اقتباس
من علت همته فيستعد بعدد من الأكياس, ويخصص مع أسرته وقتاً للمشي ورفع ما يستطيعون, مما رمي جهلاً من الآخرين, فيكسبوا الأجر, ويغرسوا بهذا العمل في نفوس الصغار والكبار قيم المسؤولية المجتمعية، وأننا في مجتمع إسلامي منظم نظيف...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الخُطْبَةُ الأُولَى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
أيها الإخوة: في لَيَاليِ الشتاءِ الطويلةِ يَحْلُو السَمَرُ حولَ شَبةِ النَارِ، وفي أيامِهِ المعتدِلَةِ يَطيبُ التنزهُ في المنتزهات، ومنْ نعمِ اللهِ علينا في هذا البلدةِ وجودُ منتزهات جميلة تُزينها نِعْمَةُ الأمنِ والأمان، وتُكمِلُها كثيرٌ من الخدماتِ التي وفرتَها الجهاتُ الحكومية، فجزاهم الله عنا خير الجزاء، قال الله -تعالى-: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَ)[إبراهيم:34], فلله الحمدُ ربِ العالمين.
ولقد أصبحت هذه المتنزهاتُ مَقصداً للبعيدِ ومَرْتَعاً للقريب؛ فقد حبَاها اللهُ بنبتٍ وشجرٍ على رَملٍ كالذهبِ صفاءً ونقاءً, ومنْ تَمامِ حُسنها قُربُ المكان، فلا تحتاجُ لشدِ الرحال, وبفضل الله ارتوت في أيامٍ مضت، وبدت تكتسي رمالُها الذهبيةِ بجلبابها الأخضر، وتوجه الناس إليها زُرافاتٍ ووحْدنا؛ يطلبون الأنسَ بلقاءاتٍ بين الأسرة الواحدة أو الأصحاب أو الأقارب.
أيها الإخوة: حري بنا في بداية هذا الموسم الشتوي الواعد أن نوصي الجميع بعددٍ من الوصايا, التي يحسُن بمن قصد المتنزهات تذكرها والعمل بها:
أول هذه الوصايا: الحرص على شغل ليالي سمرنا وأيام أنسنا في هذه المخيمات أو النزهات بما يباح؛ من أحاديثَ مسلية, وحِكَمٍ بليغة, وقَصَصٍ وأشعار نافعة، وفوائدَ عامة، وألعابٍ مسلية، واستضافات تثري السامعين، وتعويدِ الأبناء على السلوم الطيبة، وطرق التعامل مع الآخرين ,وكيفية استقبال الضيوف, وإنزال الناس منازلهم, واحترام المجالس, وتوقير الكبار وسماع ما لديهم من قصصٍ وأخبارٍ وتجارب، وتعليمِ الأولاد فنونَ الطبخِ, وكيفية توفيرِ البدائل في النُزهات, وتوفير المياه, والمحافظة على البيئة.
وجعل هذه الليالي فرصةً لزيادةِ القربِ بين أفرادِ الأسرة الصغيرة والممتدة، وسماع ما لدى الأولاد من همومٍ وأفكار، وما يحلمون به في مستقبل حياتهم, والبعد كل البعد عما حرم الله؛ من الغيبة, والاستهزاء, والألفاظ المحرمة من شتم وقذف، أو الانشغال بما حرم الله.
ومن العجيب أننا قد نبالغ في الاستعداد المادي بوسائل الراحة وبما لذ وطاب من المآكل والمشارب, وفي المقابل لم يفكر كثيرٌ من المتنزهين -مع الأسفِ- بما يقضون أوقاتهم!, سواء ساعات سمرهم أو في نهارهم، فحري بهم إعطاء هذا الجانب حقه من العناية, والاستعداد بما يفيد من البرامج وترتيب الأوقات؛ ولذلك قد تصبح بعض الاجتماعات والتخييمات لا أثر لها، هذا إن سلم أصحابها من الإثم والتبعة!, كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَكَتَبَ إِلَيْهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ -الاشتغال بما لا يعني من أقاويل الناس-, وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ"(رواه البخاري ومسلم).
الوصية الثانية: العناية التامة والمحافظة الكاملة على البيئة، بالحفاظ على أشجار الغضا, وعدم تكسيرها أو اقتلاعها، فلو احتطبها الأجداد لم يجدها الآباء, ولو احتطبها الآباء لم نجدها نحن الأبناء, فحري بنا أن نحافظ عليها؛ لتبقى لنا وللأجيال منتزهاً ومتنفساً.
ثم الرفق، الرفق, في الكثبانِ الرملية الجميلةِ والنُقَرِ الظليلةِ، إياكم وإفسادَها بالتفحيط، وحرثِها بالسرعةِ المتهورة، فكم في مثل هذه الأعمالِ من إفساد للغطاءِ النباتي، وتحطيمٍ لأشجارِ الغضا!، وكم وقعَ بسببِها من حوادث مروعة أهلكت معصومين، أو تسببت بإعاقات دائمةٍ لهم؛ فأصبحوا عالةً على أُسرهم ومجتمعهم!.
ولا يخلو بعض المفحطين أو مصدري الأصوات الرفيع من مركباتهم من فخر وتيه بفعلهم، وأخشى أن يصح بحقهم قول الحق -تبارك وتعالى-: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا)[الإسراء:37]؛ قال السعدي -رحمه الله-: "(وَلَا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا)؛ أي: كبراً وتيهاً وبطراً متكبراً على الحق، ومتعاظماً على الخلق، (إِنَّكَ) في فعلك ذلك, (لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا)؛ في تكبرك بل تكون حقيراً عند الله ومحتقراً عند الخلقِ مبغوضاً ممقُوتاً, قد اكتسبتَ أَشَرَّ الأخلاقِ واْكتَسَيتَ أَرْذَلَها, من غيرِ إدراكٍ لبعضِ ما تروم".
وكم آذت ورَوعتْ تلك الممارسات الخاطئةِ من متنزهٍ مطمئن, وأذيةُ المسلم حرام، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب:58], وكذلك ترويعُ المؤمنِ حرام؛ فَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَسِيرُونَ مَعَهُ فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ؛ فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا"(رواه أبو داود وصححه الألباني).
فما بالكم بمن يروع المسلمين, ويؤذيهم بهدير دراجته النارية أو سيارته وما تطلقه من أصوات كالانفجارات!, ألا فليتق الله أولئك بإخوانهم ويرحموهم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد:
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: اتَّقُوا اللهَ -تعالى- واسمعوا وأطيعوا تفلحوا.
أما الوصية الثالثة: فالنظافة ثم النظافة ثم النظافة؛ فهي وصية رسولنا -صلى الله عليه وسلم-, فعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "طَهِرُوا أَفْنِيَتِكُمْ؛ فَإِنَّ الْيَهُودَ لَا تُطَهِرُ أَفْنِيَتَها"(رواه الطبراني في الأوسط ووكيع في الزهد, وصححه الألباني في الصحيحة)؛ وذلك بجمعِ ما ينتجُ عن جلوسكم من نفايات, ووضعها في الصناديق المخصصة لها على الطريق.
وحري بالمسلم أن يحاول إزالة ما يراه من أشياء, تركها مَنْ لم يوفق للخير؛ وأذى المسلمين في متنزهاتهم بتوسيخها؛ ليحوز أجر إزالة الأذى, فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أخْرجَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا يُؤْذِيهِمْ؛ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهِ حَسَنَةً، وَمَنْ كُتِبَ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةٌ؛ أَدْخَلَهُ اللهُ بِهَا الْجَنَّةَ"(رواه أحمد والطبراني في معجمه الأوسط وقال الأرنؤوط والألباني: حسن لغيره), وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ"(رواه مسلم)؛ أي: يتنعم في الجنة بملاذها بسبب قطعه الشجرة.
وإذا كان سبب هذا الأجر إزالة الأذى عن طريق المسلمين، فما بالك بمن أزاله عن متنزهاتهم وأماكن راحتهم!، فَقَدْ قَالَ الرَسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ"(رواه أبو داود وحسنه الألباني).
أيها الإخوة: ما أحوجنا لغرس خلق الإحساس بالمسؤولية المجتمعية, المبنية على تعاليم ديننا الحنيف بين أولادنا وأسرنا وطلابنا، وذلك ببيان الأجر المترتب على الأعمال العامة، وأنها من الدين وأنها مما يُطْلَبُ بها رضى الله -تعالى- والأجر؛ كما ورد ذلك عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وأن نكون قدوة صالحة لهم، وجميل أن نأخذه لنزهنا أكياساً للنفايات نضع بها نفايات رحلتنا على الأقل.
أما من علت همته فيستعد بعدد من الأكياس, ويخصص مع أسرته وقتاً للمشي ورفع ما يستطيعون, مما رمي جهلاً من الآخرين, فيكسبوا الأجر ويغرسوا بهذا العمل في نفوس الصغار والكبار قيم المسؤولية المجتمعية، وأننا في مجتمع إسلامي منظم نظيف, ملتزم بقيمه مُنْتَمٍ لدينه ووطنه ومساعدٍ للمسؤولين في الحفاظ على الوطن نظيفاً ظاهراً, وأهله يتمتعون بالنظافة ظاهراً من الأوساخ, وباطناً من درن الخطأ والإثم.
أدام الله أنسكم ووفقكم لكل خير, وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم؛ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم