وصايا للمعلمين والمربين

خالد بن سعد الخشلان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ رسالة المعلمين والمربين والدعاة امتداد لرسالة الأنبياء والمرسلين 2/ أهمية إصلاح النفوس وتزكية القلوب وتهذيب الأخلاق 3/ التربية عملية تخلية وتحلية 4/ عقبات عديدة ومصاعب جمة أمام المربين 5/ طريق الدعوة والتربية ليس طريقًا لجمع المال 6/ من مظاهر التميز التربوي لدى المربين.

اقتباس

إن على الآباء والمعلمين والدعاة والمربين والمصلحين متى ما أرادوا النجاح في مهمتهم وتحقيق أهدافهم وغايتهم الحميدة في هداية الناس عامة والشباب خاصة، والأخذ بأيديهم إلى شاطئ الأمان وبر السلام، ودلالتهم على الحق والهدى، وبخاصة في هذا الزمن الذي تعددت فتنه وكثرت وتنوعت أساليب الإغواء والإضلال فيه، وقوي سلطان الشبهات والشهوات على النفوس والقلوب؛ عليهم أولاً أن يستعينوا بالله -عز وجل- في مهمتهم فهو -سبحانه وتعالى- المعين لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومن وُكل إلى نفسه...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله -عز وجل- في الضراء والسراء، وراقبوه سبحانه في الشدة والرخاء، واذكروه سبحانه في البأساء والنعماء؛ تكونوا من عباده المفلحين.

 

إن رسالة المعلمين والمربين والدعاة والمصلحين، إنها امتداد لرسالة الأنبياء والمرسلين، وكفى بذلك شرفًا (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الجمعة:2]، (وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ) [آل عمران:79].

 

إنها مهمة الأنبياء والمرسلين من لدن نوح -عليه السلام- إلى آخر الأنبياء وخاتم المرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهل هناك مهمة ورسالة أعظم وأشرف وأجلّ من مهمة إصلاح النفوس وتزكية القلوب وتهذيب الأخلاق.

 

وفي الوقت ذاته هل هناك مهمة أخطر وأشق وأصعب من هذه المهمة؛ لأنها مهمة تقوم على بناء القناعات وغرس المفاهيم وتعديل السلوك، إنها باختصار عملية هدم وبناء، هدم لكل ما يعارض الفطرة السوية في النفوس والقلوب، هدم لكل ما يعارض الشريعة الخاتمة من التصورات والآراء والأعراف والأخلاق والأفعال والأقوال ليحل محلها عقيدة الإسلام والتصور الصحيح للكون والحياة وأخلاق الإسلام وتعاليمه وأحكامه وآدابه.

 

إن التربية عملية تخلية وتحلية؛ تخلية للقلب والنفس من الأمراض والأدواء من الأهواء المعارضة للشرع، من الكبر وبطر الحق ورده واحتقار الآخرين، من الغل والحسد والشحناء والبغضاء،  من الأثرة والأنانية، وتحلية في الوقت ذاته للقلب والنفس، تحلية لهما بالانقياد والتسليم لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- والإذعان والخضوع لحكم الله ورسوله.

 

إنها تحلية للقلب والنفس بالتواضع وتوطين النفس على قبول الحق، وعدم التردد في ذلك والأخذ بالحق من قائله مهما كان.

 

إنها تحلية للقلب والنفس بالخشية والإنابة والمحبة والخوف من ذي الجلال والإكرام ومراقبته سبحانه في السر والعلن.

 

وإذا كانت التربية كذلك فلا يحسبن القائمون عليها من الآباء والمعلمين والمربين والدعاة والمصلحين أنها مهمة سهلة مفروش طريقها بالورود والرياحين، كلا، إنها مهمة شاقة يعترض المربي في طريقه للقيام بها عقبات عديدة ومصاعب جمة، وهل هناك أشق من معالجة النفوس والتصدي لأمراضها وأدوائها؟!

 

إن التصورات الخاطئة المستقرة في النفوس، والأعراف والتقاليد المعارضة للشرع المطهر، والأخلاق السيئة متى ما تمكنت من القلوب والنفوس احتاجت إزالتها إلى جهود متواصلة وعمل دءوب وصبر ومصابرة.

 

لقد مكث نوح -عليه الصلاة والسلام- يدعو قومه ليلاً ونهارًا سرًّا وجهارًا، مكث ألف سنة إلا خمسين عامًا وما آمن معه إلا قليل، وها هم بعض أنبياء الله ورسله -عليهم الصلاة والسلام- يأتي أحدهم يوم القيامة ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلين، والنبي الموحى إليه من ربه وليس معه أحد آمن به.

 

ومن تأمل سيرة سيد المرسلين وإمام الدعاة والمصلحين نبيا محمد -صلى الله عليه وسلم- يدرك ضخامة الجهد الذي بذله -صلى الله عليه وسلم- من أجل تبليغ الرسالة؛ يدرك حجم التحديات والمصاعب والعقبات التي واجهته -صلى الله عليه وسلم- في سبيل ذلك.

 

بل ويدرك التضحيات العظيمة التي بذلها -صلى الله عليه وسلم- وشدة البلاء الذي نزل به -صلى الله عليه وسلم- وهو يقوم بمهمة الدعوة والتربية للناس ما نزل به -صلى الله عليه وسلم- من الأذى البدني الحسي أو الأذى المعنوي النفسي، حتى قال الله -عز وجل- له: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [الأنعام: 33 - 35].

 

هذا خطاب من الرب -سبحانه وتعالى- لنبيه وخليله وصفيه وصفوته من خلقه محمد -صلى الله عليه وسلم-، لقد كُسرت رباعيته -صلى الله عليه وسلم- وشُجّ وجهه، وسال الدم من عقبه الشريف، وقيل عنه كاهن وساحر ومجنون، فلم يزده ذلك -صلى الله عليه وسلم- إلا ثباتًا على الحق وإصرارًا على أداء الرسالة والأمانة وتبليغها.

 

هذا هو طريق الدعوة والتربية، إنه ليس طريقًا لجمع المكاسب المادية والأرباح الدنيوية إنه ليس طريقًا لبناء أمجاد شخصية، وإنما هو طريق لنيل الأجر والمثوبة من الله -عز وجل- لمن أخلص وصدق وثبت (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا) (وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ) (يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي).

 

من كان من الدعاة والمربيين يظن أن طريق الدعوة والتربية طريق لجمع المال، طريق لبناء الأمجاد الشخصية وتقبيل الرءوس والأيادي من الأتباع، من ظن ذلك فقد أخطأ الظن، فلم تكن دعوة الناس وتربيتهم يومًا ما سبيلاً إلى ذلك، ومن كان ينشد بدعوته وتربيته هذه المقاصد الدنيوية فليترك طريق الدعوة، وليبحث له عن طريق آخر يوصّله إلى تلك المقاصد والمكاسب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

 

وصدق الله -عز وجل- إذ يقول: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [هود: 15- 16].

 

ويقول الله -عز وجل-: (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) [الإسراء:19].

 

وما أعظمها والله من رسالة يوم يخلص الآباء، يوم يخلص المعلمون، يوم يخلص المربون والدعاة والمصلحون يوم يخلص الجميع في مهمتهم ورسالتهم! وما أعظم أجرهم وأجزل ثوابهم من عند الرب الكريم! (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33].

 

لما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى أهل خيبر قال له: "فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ".

 

إن على الآباء والمعلمين والدعاة والمربين والمصلحين متى ما أرادوا النجاح في مهمتهم وتحقيق أهدافهم وغايتهم الحميدة في هداية الناس عامة والشباب خاصة، والأخذ بأيديهم إلى شاطئ الأمان وبر السلام، ودلالتهم على الحق والهدى، وبخاصة في هذا الزمن الذي تعددت فتنه وكثرت وتنوعت أساليب الإغواء والإضلال فيه، وقوي سلطان الشبهات والشهوات على النفوس والقلوب.

 

عليهم أولا أن يستعينوا بالله -عز وجل- في مهمتهم فهو -سبحانه وتعالى- المعين لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومن وُكل إلى نفسه وُكل إلى عجز وُكل إلى ضعف وُكل إلى قلة وفاقة، ومن تخلى عنه ربه لم يستطع أن يفعل شيئًا.

 

فـ(إياك نعبد وإياك نستعين) شعار الصالحين، شعار الدعاة والآباء والمربين والمصلحين، ومن أحسن وأنفع طرق التربية، التربية للأبناء: التربية للتلاميذ بالمحبة، وإظهار ذلك للأبناء والتلاميذ، فمتى وجدت هذه المحبة الصادقة، وظهرت آثارها بين الآباء والأبناء والمربين والمعلمين والتلاميذ والشباب حصل الانتفاع بالتوجيه والقناعة بالنصح والانقياد والقبول بالوعظ.

 

هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيد المربين وإمام الدعاة والمصلحين يقول لمعاذ بن جبل: "يا معاذ إني أحبك أوصيك، لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".

 

والحرص مع ذلك على تقوية الصلة بالأبناء والتلاميذ والشباب، والحذر الحذر من وجود جفوة، وفجوة تحول دون قبول النصح والتوجيه والتسلح مع ذلك كله بالحلم والرفق والهدوء والطمأنينة والسكينة في عرض الآراء وتقديم النصح والتوجيه (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:128].

 

إن الرفق -أيها الآباء والمعلمون والمربون- إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.

 

مخطئ من الآباء والمربين والدعاة والمصلحين من يظن أنه بالقوة والغلظة والشدة يحقّق هدفًا أو يصل إلى نتيجة وغاية، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من يُحرَم الرفق يحرم الخير كله".

 

إن من أهم ما ينبغي الحرص عليه من قبل المربين: المتابعة الدقيقة لمن يتربى على أيديهم، والملاحظة البناءة المثمرة التي تُدرك مظاهر الخير والنماء والحسن والجمال، والنبوغ في شخصية الابن أو الشاب، وتحرص من ثَم على تنمية هذه المظاهر الإيجابية في شخصيته، وتشجيعه وتعزيزه وتقديره، ويدرك الآباء والمربون من جراء المتابعة والملاحظة مظاهر الخلل كذلك، أو ما يمكن أن يكون بداية لخلل في الآراء والتصورات أو الأخلاق والسلوك والسعي لمعالجة ذلك كله بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق واللين، والحرص على بيان الحق والهدى والصواب والإقناع به بعرضه في أحسن القوالب وأحسن الصيغ وأحسن الكلمات والجمل والله -عز وجل- يقول: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً)، والبعد عن أسلوب الاستعلاء على الآخرين، وفرض الآراء بالقوة كل ذلك لن يجدي نفعًا.

 

إن من مظاهر التميز التربوي لدى المربين: أنهم يستطيعون تحويل ما يمكن أن يكون بداية لخلل في الأفكار والتصورات والأخلاق أن يحولوا ذلك إلى نواحي إيجابية، فكثير من الانحرافات هي نتيجة إما لغلو من جهة أو جفاء من جهة أخرى هي أثر للإفراط أو التفريط، والمربي الحق مَن يرد مَن حصل منه شيء من ذلك من الأبناء أو الشباب أو المتربين إلى جادة الوسطية الحقة، وتعزيز القيم الصحيحة وترسيخها ومعالجة القيم الخاطئة وإزالتها.

 

وليس الآباء والمربون في ذلك كله في غنية عن الاستفادة من ذوي الخبرة والتخصص في مجال تعديل السلوك من المستشارين والتربويين، وهم بحمد الله كثر في مجتمعنا.

 

نسأل الله -عز وجل- أن ينير بصائرنا ويحقق في سبيل الحق والخير أمانينا ويجعلنا جميعا من دعاة الحق وأنصاره ويصلح لنا جميعا النيات والذريات، إن ربي على كل شيء قدير.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله أهل الحمد ومستحقه أحمده سبحانه في السراء والضراء، وأسأله اللطف في البأساء كما نسأله سبحانه الشكر في النعماء، وأصلي وأسلم على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى محمد بن عبد الله عليه صلوات الله وسلامه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:  فاتقوا الله عباد الله في جميع ما تأتون وتزرون. إن هذه الوصية بتقوى الله -عز وجل- التي تطرق أسماعنا دائماً وأبداً هي وصية عامة، وصية للصالحين وغيرهم، وصية للعصاة بأن يتقوا الله -عز وجل- ويرجعوا إليه ويقلعوا عما هم عليه من الإثم والمعصية بمخالفة الأمر والوقوع في النهي، وصية للسالكين طريق الطاعة والعبادة بأن يراجعوا نياتهم وصفة أدائهم للأعمال، فيتلافوا ما قد يقع من خلل في النيات والمقاصد والأفعال والأقوال.

 

جعلني الله وإياكم ممن استفادوا من هذه الوصية الربانية وعملوا بموجبها إن ربي سميع قريب.

 

أيها الآباء والمربون: إن مهمتكم شاقة، ولن تتحقق ما بين عشية وضحاها، إنها تحتاج إلى مزيد صبر ومصابرة وطول نَفَس وسعة صدر وبال، ما لم يتحقق اليوم يتحقق غدا بمشيئة الله، وما لم يتحقق في هذا الشهر يتحقق في الشهر الآخر إن شاء الله.

 

إن من الغايات والأهداف التربوية للآباء والمربين والدعاة والمصلحين ما لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال سنوات متواصلة من العمل الدءوب الجاد المثمر؛ لأن التربية عملية تراكمية، فالصبر الصبر أيها الآباء، الصبرَ الصبر أيها الدعاة والمربون، الحلم الحلمَ أيها المصلحون.

 

إن اليأس ينبغي ألا يعرف طريقه إلى قلوب الآباء والمربين والدعاة والمصلحين أبداً، فلم يكن -صلى الله عليه وسلم- وهو سيد الدعاة وإمام المربين -صلى الله عليه وسلم- لم يكن في أحلك الظروف وأشدها التي مرت عليه إلا متفائلاً تمام التفاؤل بربه -عز وجل- واثقا بنصره وتحقيق وعده الذي وعده له.

 

فتفاءلوا أيها الآباء! تفاءلوا أيها الدعاة والمربون والمصلحون، تفاءلوا بالخير تجدوه واطرحوا اليأس واحذروا القنوط، واستعينوا مع ذلك كله بالدعاء للمولى -عز وجل- فهو وحده سبحانه بيده قلوب العباد يصرّفها -سبحانه وتعالى- كيف شاء: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).

 

ومتى ما بذل المربون والآباء والدعاة متى ما بذلوا سعيهم واستنفذوا طاقاتهم وإمكاناتهم برئت ذممهم، والله -عز وجل- لا يكلف نفس إلا وسعها، يقول لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا).

 

أسأل الله -عز وجل- أن يأخذ بنواصينا جميعًا للبر والتقوى، وأن يجنّبنا أسباب الردى، إن ربي على كل شيء قدير.

 

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صلّ وسلم وبارك...

 

 

 

 

المرفقات

وصايا للمعلمين والمربين.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات